رجال حول الرسول بلال بن رباح مؤذن الرسول رضى الله عنه
يسعدنا أن نقدم لأطفالنا سلسلة قصص بعنوان رجال حول الرسول وشخصية اليوم هو بلال بن رباح رضي الله عنه.
فتح مكة
إلى البيت الحرام اتجه النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه باقي المسلمين وارتفع نداؤهم.. لبيك اللهم لبيك، وتسابقوا إلى تحطيم الأصنام داخل الكعبة، ومن حولها..
وأزالوا الرسوم، ومحوا كل مظاهر الشرك وارتفعت تهليلاتهم.
ومن فوق الكعبة ارتفع للمرة الأولى صوت جميل، بنداء الحق.. فكان وكأنه صوت من السماء.
الله أكبر ..
أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله.
حي على الصلاة ..
حي على الفلاح ..
الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله ..
مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم
فمن هذا الرجل الذي كان له شرف إطلاق نداء الحق بالصلاة لأول مرة في الكعبة المشرفة يوم النصف من رمضان في العام الثامن للهجرة؟
من هذا الرجل النحيل شديد السمرة مفرط الطول.. قصير الشعر؟
إنه بلال بن رباح.. أول مؤذن في الإسلام.. أول من رفع نداء الصلاة في مدينة رسول الله.. كما علمه إيه الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم هو يحظى بشرف رفع نفس النداء في الكعبة يوم فتح المسلمون مكة، ودخلوها حاملين راية الإسلام، والتوحيد.
فهل نرجع قليلا مع الأيام لنعرف من هو بلال بن ریاح؟
كان هذا الرجل قبل إسلاميه عبدا يرعى الغنم لرجل من سادة قريش يدعى أمية بن خلف، وكان أجره بضع تمرات يأخذها في نهاية يوم شاق من العمل، ويتنځی جانبا، فيأكل منه ما يأكل، ثم يفترش الأرض، لينام ..
وفي الصباح يمضي مع الإبل إلى حيث الكلأ غير عابئ بحرارة الشمس، ولا بقسوة الطبيعة..
وماذا هو فاعل، وهو عبد لا أهل له، ولا عشيرة، وهو لا بد أن يستمر في عمله، حتى يضمن هذه التمرات التي لا تكاد تسد رمقه؟!
كان يتأمل الطبيعة حوله..
هذه الشمس تدور في فلك محکم، فتنظم الأيام والليل والنهار، وهذا القمر يأتي فينظم الشهور والسنوات.
هذا الكلأ ينمو بين الصخور وفي الرمال..
وهذه السحب تأتي أحيانا بالمطر، وأحيانا تعبر الأرض فلا تجود عليها بشيء من الماء..
الباحث عن الحرية
كان راضيا بنصيبه من الحياة.. فهو عبد أجير ليس له حق المعرفة..
كان يحس أنه فقد الحق في أن يحلم بأن يكون يوما مثل باقي البشر.
فهو أسود البشرة وابن أمة كانت هي الأخرى سوداء.
وسط ظلام الحياة حوله تسلل إليه يوما طیف نور أيقظ فيه الأمل.. وداعب الحلم..
فقد سمع أن نبيا ظهر في مكة يدعو الناس إلى عبادة إلي واحد، ويقول: إن الناس سواسية، ولا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى..
وإلى هذا الرسول النبي ذهب بلال، فسمع حديثا لم يسمعه من قبل.
وأحس لأول مرة أنه إنسان مثل باقي البشر، وأنه قادر على أن يحلم، وأن يحقق أحلامه..
ونطق بلال بالشهادة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأ يأخذ عنه تعاليم الإسلام..
وبدأ يشعر وكأن ضياء يغمر نفس، وينير قلبه..
ويصل إلى علم أمية بن خلف ما أقدم عليه العبد الحبشي، فيثور ثورة ما بعدها ثورة.. فكيف لهذا العبد أن يعتنق دینا غیر دین سیده.
كان هذا السيد زعيما في قومه..
وكان واحدا من هؤلاء الذين ثاروا ضد دعوة هذا الدين الجديد، وتوعدوا صاحب الدعوة، وكل من يؤمن به بالويل والثبور.
أحد أحد
في ساعة الظهيرة جاءوا ببلال مقيدا بالسلاسل فطرحوه أرضا فوق الرمال، والحصى الملتهب، ثم حمل مجموعة من الرجال صخرة ضخمة، ووضعوها فوق صدره..
وجاء سيده يحمل السوط، فيهوي به على ما ظهر من جسمه طامعا في أن يسمع منه كلمات اعتذار، أو عودة عن هذا الدين الجديد الذي اعتنقه..
لكنه لم يسمع من بلال إلا كلمة واحدة.. أحد أحد ..
وتزداد ثورة أمية بن خلف ويأمر بمضاعفة العذاب على جسد بلال.
ويبدأ الكفار في مساومة بلال.
اذكر آلهتنا بالخير فيتوقف عنك هذا العذاب.
قل ربي اللات والعرى.
اذكر محمدا بسوء.
فقط ينطق بكلمة واحدة، ويتوقف العذاب، لكنهم لم يسمعوا منه إلا ما آمن به..
أحد أحد..
حرية بلال
ويعلم الصديق أبو بكر بما حدث لبلال فيذهب إلى أمية بن خلف يطلب منه شراء العبد المتمرد بلال.
ويفرح أمية بهذه الصفقة..
فها هو يتخلص من هذا العبد المشاغب، ويزيح عن نفسه عار هذا الدين الذي اعتنقه..
ثم هو يقبض ثمنه.. وهذا خير من قتله..
ويسلم أبو بكر الدراهم إلى أمية، ويصطحب معه بلالا، ويبشره بالحرية..
نعم، فقد أعتق أبو بكر بلالا منذ لحظة شرائه، وإلى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ينضم بلال، ويتدارس الدين، ويحفظ القرآن، ويداوم على الصلاة.
ثم يهاجر مع من هاجر من المسلمين إلى المدينة هربا من ظلم کفار مكة، وطغيانهم.
وفي المدينة بدأت دولة الإسلام ترسي أركانها. فرضت الزكاة، وفرض الصوم، واتسعت رقعة المدينة بزيادة عدد المسلمين وكان لابد من وسيلة تجمع المسلمين للصلاة في وقتها..
وعلى لسان جبریل عليه السلام جاء الأمر للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم برفع الأذان في موعد الصلاة.
ويختار النبي صلى الله عليه وسلم أجمل صحابته صوتا لكي يرفع نداء الحق في سماء المدينة.
وفي موعد كل صلاة يصعد بلال فوق بیت مرتفع بجوار مسجد الرسول، فيطلق صوته الجميل العذب بأحلى کلمات سمعتها أذن على سطح الأرض..
الآذان الاول
لقد ارتفع هذا الصوت يوما مرددا أحد أحذ بينما كان العذاب ينهال على جسد صاحبه.
وها هو اليوم يرفع الأذان، ويدعو الناس للصلاة، وهو فخور سعيد.. راض.. فهو اليوم رجل حر.. مؤمن.. وها هم المسلمون ازدادوا عودا وقوة..
ولم يرض كفار قريش، وغيرها من قبائل العرب بهذا الاستقرار الذي ينعم به المسلمون في المدينة.
وأزعجتهم هذه القوة في العدد والعدة التي وصلوا إليها..
فتعددت غزواتهم يتمنون أن يكسروا شوكة الإسلام، ويشغلوا المسلمين عن دينهم بحروب تفني رجالهم، وتبدد ثرواتهم.
كانت بدر هي أولى الغزوات التي شنها کفار قریش، وحلفاؤهم على المسلمين..
وتسابق المسلمون لحمل السلاح، دفاعا عن دينهم، وخرجوا للقاء هؤلاء المشركين الذين سبق أن أذاقوهم مر العذاب، والاضطهاد أثناء وجودهم في مكة..
جهاد بلال
وكان بلال واحدا من بين هؤلاء الذين انطلقوا إلى ساحة القتال، مدافعين عن دينهم العظيم.
وكان شعاره الذي يصيح به طوال المعركة: أحد أحد.. وتأتي الفرصة إلى بلال..
وترتفع يده بالسيف ويثأر لنفسيه من رأس الكفر أمية ابن خلف..
هذه اليد التي قيدها أمية يوما بالأغلال والقيود، ليرغم صاحبها على الارتداد عن دينه..
هذه اليد أصبحت اليوم حرة، تدافع عن دين الحق، عن الإسلام، ونبي الإسلام.
كان بلال رفيقا حميما لرسول الله صلى الله عليه وسلم..
لا يكاد يفارقه في أيام السلم.. ولا في أيام الحرب، وفي القتال يراه أصحابه بطلا مقاتلا، مدافعا عن الإسلام، وعن رسوله..
ويزداد حب رسول الله كل يوم لبلال حتى كان يصفه بأنه رجل من أهل الجنة.
على أن هذه المكانة التي خصها به رسول الله لم تدخل في نفسيه غرورا، ولا كبرا..
وكان دائما يردد أنا الحبشي الذي كان بالأمس عبدا.. كنت ضالا فهداني الله.. وكنت عبدا فأعتقني الله.
الخروج من المدينة
وينتقل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ويغمر المسلمين الحزن وإن كانوا قد رضوا بقضاء الله..
وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حزنا، فقد ألفوا صحبته الجميلة، وأحبوا حديثه الطيب..
فكيف يطيق رجل مثل بلال أن يبقى في المدينة وقد خلت من الحبيب المصطفى الذي كان أحب عنده من نفسه.
طلب بلال من خليفة رسول الله أبي بكر أن يأذن له بالرحيل، لأنه يفضل أن يقضي ما بقي من عمره مرابطا في سبيل الله.
لقد اختار بلال هذا الموقف، لأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل”
ولا يملك الصديق خليفة رسول الله إلا أن يلبي رغبة بلال، وإن كان قد تمنى أن يبقيه في المدينة مؤذنا للمسلمين بها..
وإلى الحدود الشمالية لدولة الإسلام إلى الشام سافر بلال حيث قضى ما تبقى من حياته، وانتقل إلى جوار ربه وهو في الستين من عمره.. ودفن في بلاد الشام.
عليه رضوان الله.. ورحمه وبرکاته..