غزوات الرسول مكتوبة للاطفال غزوة أحد
اليوم مع الغزوة الثالثة من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وهي غزوة أحد ، وهي مكتوبة للأطفال بأسلوب سهل.
غزوة أحد
كانت هزيمة قريش في غزوة بدر كارثة عظيمة عليهم ، فقد قتل المسلمون فيها كثيرًا من شبابها وفرسانها، كما قتلوا زعيمهم أبا جهل.
وكان من نتائج تلك الهزيمة المريرة التي حاقت بقريش ؛ أن مكانتها هيبتها وسط العرب قد تزعزعت، كما أصبحت تجارتها مع الشام في خطر، عدما أصبح المسلمون بوجودهم في المدينة، يهددون طريق القوافل لذلك اجتمعت كلمة قريش على الأخذ بالثأر ومهاجمة المسلمين في عقر دارهم في المدينة.
وذهب رؤوس الشرك، دعاة الحرب عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وغيرهم إلى أبي سفيان وطلبوا منه أن يقنع أصحاب الأموال في قافلة التجارة التي أفلتت من أيدي المسلمين، والتي كانت سببًا في الهزيمة التي منيت بها قريش يوم بدر، لكي يخصصوا تلك الأموال لحرب يشنونها على المسلمين.
فاستجاب أبو سفيان لطلبهم .. كما استجاب أيضًا أصحاب تلك الأموال.
وهكذا في شوال من السنة الثالثة من الهجرة خرجت قريش من مكة في جيش كبير، بلغ تعداده ثلاثة آلاف مقاتل يقودهم أبو سفيان، الذي اصطحب معه إلى جانب الرجال سبع عشرة امرأة من نساء كبرائهم وأشرافهم، حتى يكون ذلك حائلا دون فرار ،الرجال، كما كانت تقضي بذلك عادة العرب ! على رأس أولئك النسوة كانت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان والتي قتل أبوها وأخوها وعمها في غزوة بدر وبعدما خرجت قريش من مكة ، أرسل العباس رَضَ اللَّهُ عَنْهُ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يخبره بالأمر، وبما اعتزمه الكفار والمشركون.
وكان العباس رضي الله عنه قد أعلن إسلامه بعدما وقع أسيرًا في بدر، ولكنه كان يُبقى الأمر سرًا باتفاق مع الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يظل في مكة عينًا للمسلمين على قريش والكفار.
الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير الصحابة
ولما علم الرسول صلى الله ولا بالأمر استشار أصحابه هل يخرج لقتال قريش والكفار خارج المدينة .. أم يبقى في المدينة ويقاتلهم وهو متحصن بها.
وأوضح لهم صلى الله عليه وسلم وهو يستشيرهم أنه يرى النصر أقرب في حال قتالهم داخل المدينة.
إلا أن أكثرية المسلمين خصوصًا الأنصار الذين لم يشاركوا في غزوة بدر رأت الخروج والقتال خارج المدينة وقد رأت الأكثرية ذلك حتى لا يقال أنهم خافوا من الخروج وجبنوا عن ملاقاة الأعداء.
كذلك أرادت هذه الأكثرية برأيها ذاك أن تخالف رأي زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول الذي كان يميل إلى البقاء في المدينة والدفاع عنها من الداخل .. وموقفه هذا كان موضع شك وريبة من المسلمين، الذين خافوا أن يكون فيه تآمر واتفاق مع المهاجمين.
وحيث أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لم يوح لرسوله صلى العيون شيئًا خصوص هذا الأمر ، فقد قبل الرسول صل اللعين ولا رأي أغلبية المسلمين، ورأي ما رأوه ، ودخل بيته وتدرّع بدرع الحرب، وخرج إليهم.
وما أن رأوه على تلك الحالة حتى ندموا على رأيهم الذي أشاروا به، وظنوا أنهم أكرهوه على الخروج من المدينة، فحاولوا أن يثنوه عن عزمه، قائلين: فاقعد يا رسول الله رأينا أنا قد استكره هناك للخروج، فإن شئت
فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ما ينبغي لنبي أن يضع لأمته أي درعه » بعدما لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه .. وقد دعوتكم إلى عدم الخروج، فأبيتم إلا الخروج فعليكم بتقوى الله، والصبر عند البأس إذا لقيتم العدو، وانظروا ماذا أمركم الله به فافعلوا.
و خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة على رأس جيش من المجاهدين قوامه ألف مجاهد.
ولم يكد جيش المسلمين يبتعد عن المدينة، حتى انسحب عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين» بمن معه من المقاتلين حوالي ثلاثمائة، وهو يقول:
أطاعهم وعصاني .. ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس؟!
فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام رَضِي اللَّهُ عَنْهُ وقال لهم:
یا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم، وتتركوهم أمام العدو وحدهم.
ولكنهم لم يستجيبوا له ومضوا في انسحابهم، فسبهم الله بن حرام قائلا لهم أبعدكم الله أعداء الله .. فسيغنى الله عنكم نبيه صلى الله عليك وأراد بعض المسلمين منعهم من الانسحاب بالقوة، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلمك منعهم من ذلك.
قال تعالى واصفًا حال أولئك المنافقين المتخاذلين: ﴿وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْۚ وَقِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ قَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدۡفَعُواْۖ قَالُواْ لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالٗا لَّٱتَّبَعۡنَٰكُمۡۗ هُمۡ لِلۡكُفۡرِ يَوۡمَئِذٍ أَقۡرَبُ مِنۡهُمۡ لِلۡإِيمَٰنِۚ يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يَكۡتُمُونَ﴾ [ آل عمران : ١٦٧].
ومضى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم معه من المؤمنين حوالي سبعمائة حتى وصل إلى سفح جبل أحد ويقع إلى الشمال من المدينة.
وتوقف جيش المسلمين. ثم أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم ينظم الصفوف تنظيمًا دقيقًا، بعد أن جعل جبل أحد في ظهر الجيش. ثم اختار خمسين من أمهر الرماة وجعل أميرهم عبد الله بن جبير وأمرهم بالوقوف فوق الجبل في ظهر الجيش قائلا لهم: انضحوا – أي ادفعوا – عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا يقصد العدو»،
إن كانت لنا أو علينا لا نؤتين من قبلكم .
يعني لا تنزلوا من على الجبل مهما تكن الأسباب حتى لو انتصرنا حتى لا يأتي العدو من خلفنا ، ويملكوا ناصية الحرب وزمام الأمر .. فأنتم حماة ظهورنا.
قبل أن يخرج جيش المسلمين من المدينة، جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم اثنان من الشباب – دون الخامسة عشرة سنة – هما : رافع بن خديح، وسمرة بن جندب كانا يريدان أن يخرجا مع الجيش ويشتركًا في قتال المشركين فردهما الرسول صلى الله عليه وسلم لصغر سنهما. ولما قيل : يا رسول الله إن رافعًا رام جيد أي يجيد الرماية بالنبل». أجازه الرسول صل الله وسلم، ثم لما قيل له : إن سمرة يصرع رافعًا أي يفوز عليه في المصارعة». أجازه أيضًا.
بعدها جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم جمع من الشباب يريدون أن يشتركوا في القتال، وكانوا أيضًا دون الخامسة عشرة، فردهم الرسول صلى العين ، ولم يوافق على اشتراكهم وهم: أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت والبراء بن عازب، وعمرو بن حزم، وأسيد بن ظهير.
وقد أجازهم الرسول صلوا عليه وسلم في غزوة تالية، وهي غزوة الأحزاب، وكانوا حينها قد بلغوا الخامسة عشرة سنة ..
قبيل أن تبدأ ،المعركة، وحين تواجه الطرفان، رفع الرسول صلى الله عليه وسلم سيفه وقال : مَنْ يأخذ هذا السيف بحقه؟».
فتقدم إليه رجل يدعى أبو دجانة الأنصاري وقال وما حقه يا رسول الله ؟
فقال الرسول لا تضرب به في وجه العدو حتى ينحني.
فقال أبو دجانة أنا آخذه بحقه.
فدفعه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو دجانة الأنصاري رجلًا شجاعًا قويًا، وكانت له عصابة حمراء تسمى عصابة الموت إذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل حتى الموت. فأخرج أبو دجانة عصابته الحمراء وعصب بها رأسه.
بداية المعركة
وبدأت المعركة كالعادة بالمبارزة ، فتقدم من قريش طلحة ابن أبي طلحة، فبرز له على بن أبي طالب رضي الله عنه وبارزه فقتله. فتبعه أخوه عثمان، فتصدى له حمزة بن عبد المطلب رضا اللهُ عَنْهُ وصرعه .
ثم تقدم أخو هما أسعد، فقتله على بن أبي طالب رض الله عنه أيضًا، ثم تقدم أخوهم الرابع مسافع، فقتله عاصم بن ثابت ثم اتسعت المعركة واختلطت صفوف المقاتلين، وراحت هند بنت عتبة .
والنسوة اللاتي كن معها يمشين بين صفوف المشركين وهن ممسكات بالدفوف يضربن بها، يحرضن الرجال على القتال وهن ينشدن
وقاتل المسلمون قتال الشجعان يحملون على المشركين فيجهزون عليهم ويحصدونهم حصدًا، فقاتل أبو دجانة بالسيف الذي أعطاه إياه رسول الله صلى العين، فكان لا يلقي أحدا من المشركين إلا قتله، حتى رأى إنسانًا يحمس الناس حماسًا شديدًا، فلما حمل عليه بالسيف ولول، فإذا هي امرأة ! كانت هند بنت عتبة !!
وعن هذا الموقف يقول أبو دجانة فأكرمت سيف رسول الله صلى اله على أن أضرب به وتركها بعد أن كاد يطيح برأسها.
وقاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه قتال الشجعان الشرفاء فقتل حامل لواء المشركين أرطأة بن عبد شرحبيل، وقتل سباع ابن عبد العزي.. وعن بسالته في القتال يقول «وحشيّ» الذي كان يترصده ليقتله والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه، ما يُبقى منهم أحدًا، مثل الجمل الأورق.
وقاتل مصعب بن عمير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قتال الأبطال، وكان يحمل راية المسلمين، حتى قتله ابن قمئة الليثي وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك رجع إلى قريش وراح يشيع أنه قتل محمدًا صلى الله عليه وسلم .
وبعدما قتل مصعب بن عمير حمل الراية من بعده على بن أبي طالب رضي لله عنه، وقاتل قتالا شرسًا وهو يقول: أنا أبو القصم أي أبو الدواهي». فسمعه حامل لواء المشركين أبو سعد بن أبي طلحة فاقترب منه ودعاه للمبارزة بالسيف، فبارزه على رضي الله عنه، حتى قضى عليه.
وقاتل عمرو بن الجموح قتالاً شديدًا حتى قتل .. وعمرو هذا كان رجلًا أعرج .. ولما حاول أبناؤه أن يمنعوه من الاشتراك في القتال، وقالوا له : نحن نكفيك القتال، فأنت رجل معذور وليس عليك حرج . قال لهم:
والله إني أريد أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، وإني أريد أن أموت شهيدًا في سبيل الله.
وكان ما تمنى .. مات في سبيل الله بعدما أبلى بلاء حسنا ! وقاتل الأصيرم أو عمرو بن ثابت بن وقش» بشجاعة كبيرة حتى قتل متأثرا بجراحه.
والأصيرم هذا كان قد أسلم وقت الغزوة، وكان أهله لا يعلمون بإسلامه وحين كان يلفظ أنفاسه الأخيرة سألوه فقال: آمنت بالله ورسوله ثم أخذت سيفي فغدوت على رسول الله ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني.
ولما ذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه لمن أهل الجنة». وكان يحلو لأبي هريرة أن يقول للناس : هل أحدثكم عن رجل دخل الجنة لم يُصَلِّ قط ؟! .. ويذكر لهم قصة الأصيرم.
خطأ الرماة
وهكذا ظل المسلمون البواسل يحصدون رؤوس الكفر حصدًا حتى ظهرت طلائع ،النصر، وتراجعت قريش، وفرَّ كثير من مقاتليها، وبدأ المسلمون يجمعون بعض الغنائم من القتلى ومن الفارين الذين يلقون متاعهم وهم يولون الأدبار. ورأى الرماة المتمركزون فوق جبل أحد إخوانهم يجمعون الغنائم فظنوا أنهم انتصروا، وأن المعركة انتهت فنزلوا من فوق الجبل وتركوا أماكنهم وانضموا إلى إخوانهم في ساحة المعركة يشاركونهم في جمع الغنائم ونسوا أوامر رسول الله صلى اله عليه وسلم لهم أن لا يتركوا أماكنهم فوق الجبل حتى يأذن لهم بذلك. وذكرهم أميرهم عبد الله بن جبير بقول الرسول صلى الله عنه وكلهم، لكنهم لم يمتثلوا لأمره. فظل عبد الله بن جبير مع نفر قليل منهم «عشرة من أصل خمسين» في أماكنهم.
ورأى خالد بن الوليد – أحد قادة المشركين – ذلك، فسارع بفرسانه وصعد إلى حيث كان يقف الرماة ، وفاجأ من وجده منهم وقتلهم، ثم نزل من فوق الجبل، وراح هو ومن معه يعملون سيوفهم في المسلمين الذين كانوا منشغلين بجمع الغنائم و مطمئنين إلى أن المعركة انتهت – ولم تكن قد انتهت بعد.
واضطرب المقاتلون المسلمون واختلط عليهم الأمر.
و سادهم الذعر من هول المفاجأة، حتى صاروا يضربون بعضهم بعضًا وما يشعرون بما يصنعون.
لقد حدث ما كان يخشاه الرسول صلى الله عليه وسلم: أن تنكشف مؤخرة جيشه، وينقض المشركون عليهم من الخلف فتدور الدائرة على المسلمين، ويتحول مجرى القتال لصالح المشركين !
ومما زاد النكبة سوءًا أن الشائعة التي أطلقها «ابن قمئة من أنه تمكن من قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت قد انتشرت، وزادت من اضطراب صفوف المقاتلين المسلمين، حتى أن بعضهم تراجع وأراد الانسحاب من ميدان المعركة، إلى أن رأى كعب بن مالك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصاح بأعلى صوته:
يا معشر المسلمين .. أبشروا هذا رسولكم .. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد لم يمت .. محمد لمن يمت!
فأشار إليه الرسول الله لك لكي يصمت، حتى لا يستدل المشركون على مكانه.
ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم تفرق المسلمين صاح بأعلى صوته: «هلموا إلى يا عباد الله .. أنا رسول الله».
وراح المسلمون يتجمعون حول رسول الله صل الله علي فضلا منشئين جبهة قتال جديدة أو على الأصح جبهة دفاع» في حين تنبه المشركون إلى مكان الرسول صلى الله عليه وسلم، فراحوا يشددون الهجوم عليه.
ولما اشتد الهجوم على الرسول صلى الله عليه وسلم التف كثير من المسلمين حوله لحمايته ..
منهم أبو طلحة الأنصاري الذي كان كلما رأى سهما يطير في الهواء، تابعه بنظره، ثم ارتفع بصدره ليتلقاه بدلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:
بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا يصيبك سهم .. نحري دون نحرك.
ومنهم: سعد بن أبي وقاص وسهل بن حنيف .. كانا من أشجع وأمهر الرماة .. وقفا يذودان عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنبالهما التي يقذفانها على كل من تسول له نفسه من المشركين الاقتراب من الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومنهم أبو دجانة، الذي جعل نفسه درعًا أو ترسا ليقي الرسول صلى الله عليه وسلم، معرضًا جسمه لسيل من نبال العدو المنهمر، حتى صار جسمه كالقنفذ من كثرة النبال المرشوقة فيه !
ومنهم: حاطب بن أبي بلتعة..
وكذلك طلحة بن عبيد الله، الذي جرح وهو يذود عن الرسول سبعين جرحًا. وقد أصيبت يده بالشلل من كثرة ما نزل بها من ضربات وعاش بيده شلاء بقية عمره، تذكره بالمجد الذي ناله وهو يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول عنه: «من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض فلينظر إلى طلحة».
أيضًا من الذين استبسلوا في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف، الذي أصيب بأكثر من عشرين جرحًا ، بعضها أصاب قدمه، وسبب له العرج إلى أن مات .
ولم يقتصر الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجال وحدهم، بل شمل النساء أيضًا !..
من أولئك أم عمارة الأنصارية «أو نسيبة بنت كعب».. التي كانت تمسك السيف بيدها، وتذود به عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وظلت تقاتل بشجاعة حتى جرحت اثني عشر جرحًا.
قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما التفت يمينًا ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني.
وقالت هي: ادع الله أن نرافقك في الجنة يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة). فقالت هي ما أبالي ما أصابني في الدنيا !
وغير أم عمارة الأنصارية، كانت هناك فاطمة رَضِ اللَهُ عَنْهَا بنت الرسول الله ، زوج على بن أبي طالب رض اللهُ عَنْهُ راحت تمسح الدم عن وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم، فلما رأت الدم لا ينقطع أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادًا، ثم ألصقته بالجرح فتجمد الدم.
ومن أروع النماذج التي تجلت في غزوة أحد، وفي تلك الساعات العصيبة التى لم يكن النصر فيها حليفا للمسلمين ما فعله أنس بن النضر رضى الله عنه، إذ أنه عندما وجد ضعاف الإيمان من المسلمين يفرون من أرض المعركة، بعدما سرت إشاعة أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل، وقف في جمع من المسلمين الصادقين يقول لهم:
إن كان رسول الله قد مات، فما قيمة الحياة بعده، فموتوا على ما مات عليه رسول الله .
وراح يقاتل المشركين ببسالة وشجاعة حتى قتل شهيدًا، بعدما جرح جسده أكثر من سبعين جرحًا.
وفيه وفي أمثاله من المؤمنين الصادقين نزل قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلٗا﴾ [الأحزاب : ٢٣].
وردا على الذين انصرفوا عن ساحة القتال من المسلمين بعدما شاع مقتل رسول الله صل الله ، قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡۚ وَمَن يَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ وَسَيَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلشَّٰكِرِينَ﴾ [آل عمران : ١٤٤]
استشهاد سبعين رجلا من المسلمين
وقد أسفرت غزوة أحد عن استشهاد سبعين رجلًا من المسلمين منهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم قتله وحشي بن حرب وهو عبد حبشي كان يملكه جبير بن مطعم»، وكان يجبد القتال بالحربة .. يقذف بها عدوه فتأتيه في مقتل . أغراه سيده بقتل حمزة قائلا له: إن قتلت حمزة فأنت حر .
وكان حمزة قد قتل في غزوة بدر طعيمة بن عدي عم جبير ابن مُطْعَمْ. وفي نفس الوقت كانت هند بنت عتبة، زوجة أبي سفيان قد وعدت وحشي بقلادة من الذهب إن هو قتل حمزة الذي كان قد قتل أباها عتبة بن ربيعة يوم بدر».
فظل وحشي يروح ويجيء في ساحة المعركة .. لا يشترك في القتال .. فقط يتربص بحمزة وبيده حربته مشهرة وجاهزة للانطلاق .. إلى أن لاحت له الفرصة، فأطلق حربته، لتستقر في جسد حمزة، ويخر صريعًا، وتصعد روحه إلى بارئها.
ولا تكتفى هند بذلك، بل تذهب إلى الجثمان وتبقر بطنه وتستخرج كبده وتعقره بأسنانها.
وهكذا انتهت المعركة .. وقبيل رحيل أبي سفيان ومن معه من المشركين من ساحة القتال، وقف ونادى بأعلى صوته على المسلمين الذين كانوا متفرقين فوق جبل أحد، وقال:
أفيكم محمد ؟ .. وكررها ثلاث مرات
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله: «لا تجيبوه».
ثم صاح أبو سفيان مرة أخرى أفيكم ابن أبي قحافة يقصد أبا بكر». وكررها ثلاث مرات.. ولم يرد عليه أحد.
ثم صاح أفيكم ابن الخطاب؟
وكررها ثلاثًا .. ولم يرد عليه أحدٌ أيضًا.
فالتفت إلى من معه وقال:
إذن لقد قتلوا !
فصاح عمر : كذبت يا عدو الله .. قد أبقى الله لك ما يحزنك.
فصاح أبو سفيان:
أَعْلُ هُبَلْ .. أَعْلُ هُبَلْ يقصد الإساءة إلى الله .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيبوه وقولوا الله أعلى وأجل. ولا سواء .. قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
فقال أبو سفيان :إنما لنا العزّى .. ولا عزّى لكم. «هُبَل والعُزَّى أسماء آلهة
كانوا يعبدونها.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «قولوا له الله مولانا ولا مولى لكم».
ثم قال أبو سفيان:
هذا يوم بيوم بدر .. والحرب سجال الحرب غالب ومغلوب وأضاف وهو ينصرف:
موعدنا بدر من العام المقبل.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «قولوا له : نعم هو بيننا وبينكم موعد».
ثم بعث الرسول، وراءهم على بن أبي طالب رضي الله عنه وقال له: «انظر إن كانوا قد تركوا الخيل وركبوا الإبل، فهم يتجهون إلى مكة .. وإن كانوا قد امتطوا الخيل وساقوا الإبل .. فإنهم يريدون المدينة.
فتحقق على رَض الله عنه من الأمر، ووجدهم يتجهون عائدين إلى مكة.
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من حوله من الصحابة لينظروا مَنْ الذي استشهد من المسلمين في المعركة وقال: «من ينظر فيما فعل سعد بن الربيع. وقد كان سعد بن الربيع سيدا من سادة الأنصار . فقام رجل من الأنصار ليبحث عنه، فوجده في الرمق الأخير، فقال له الرجل:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟
فقال له: أنا في الأموات .. فأبلغ رسول الله عني السلام وقل له إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وأبلغ قومك مني السلام وقل لهم إن سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله إن خَلِصَ إلى نبيكم ، أي إن تمكن منه المشركون وفيكم عين تطرف.
ثم لم يلبث حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ومات شهيدًا في سبيل ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم يبحث عن عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، فوجده مقتولا، وقد مثل به المشركون بقروا بطنه وأخرجوا كبده وجدعوا أنفه وأذنيه، فحزن حزنًا شديدًا وبكاه طويلا، ثم قال: والذي نفسي بيده لئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنزل قوله: ﴿وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّٰبِرِينَ﴾ [النحل : ١٢٦].
فامتثل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم للأمر الإلهي ونهى عن التمثيل بالقتلى.
ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بدفن الشهداء جميعا في أماكنهم حيث قتلوا ورفض أن ينقلوا إلى المقابر بالمدينة، حيث أهلهم وذووهم.
و كان صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من الشهداء في ثوب واحد، ثم يسأل: أيهم أكثر أخذا للقرآن» ..
فإذا أشير إلى أحدهما، قدمه في اللحد، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يغسلهم، ولم يصلّ عليهم. ثم قال صل العلوي: «أنا شهيد على هؤلاء .. ما من جريح يجرح في سبيل الله إلا وبعثه الله يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح مسك .
ثم انصرف صلى الله عليه وسلم هو ومن معه من المسلمين عائدا إلى المدينة.
في حين نزل قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [آل عمران : ١٤٠ ] .
نعم .. فإن كان المسلمون قد هزموا في أحد فقد انتصروا من قبل انتصارًا باهرًا في بدر. وفي أحد ظهر بجلاء المؤمنون شديدو الإيمان، وظهر المنافقون ضعيفو الإيمان. كذلك ظهر واضحا أنه لابد لعلو الحق من تضحيات .. ولابد لانتصار الدين من شهداء .. و أن الجنة التي وعدها الله للمؤمنين الصادقين لن تنال إلى بالصبر وبالجهاد.
قال تَعَالَى: ﴿ أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ [ آل عمران : ١٤٢] .
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥٓ إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلۡتُمۡ وَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ وَعَصَيۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنۡيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۚ ثُمَّ صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ لِيَبۡتَلِيَكُمۡۖ وَلَقَدۡ عَفَا عَنكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [ ال عمران : ١٥٢] .
أسباب الهزيمة:
نعم .. لقد كان من أسباب الهزيمة معصية الرماة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزولهم من فوق الجبل حيث مكانهم الذي عينه لهم الرسول المشاركة إخوانهم المسلمين في جمع الغنائم من ساحة القتال، بعد ما ظنوا أن المعركة قد انتهت حينذاك انقلبت الموازين وتحول النصر الذي كان يلوح في الأفق إلى هزيمة.
وقبل أن يدخل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المدينة، خطب في المسلمين الذين كانوا معه قائلا: «اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما أبعدت، ولا مُبعد لما قربت».
ثم دخل المدينة وراح يواسي نساء الشهداء ويدعو لهن، ونهاهن عن اللطم وشق الجيوب الثياب»، لأن ذلك من عادات الجاهلية.
ولم يغلظ القول للذين انسحبوا من ساحة القتال، بعد أن كانوا قد تصوروا أن المعركة انتهت.
قال تَعَالَى: ﴿وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩].