تفسير سورة المزمل للاطفال
نتابع تفسير جزء تبارك للاطفال واليوم مع سورة جديدة وهي سورة المزمل ..
” يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ “
أي أيها المتغطي بثيابه ، وهو خطاب تأنيس وملاطفة له .
” قمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا “
أي دع الزمل والتلفف، وانشط لصلاة الليل والقيام فيه ساعات في عبادة ربك ، لتستعد للأمر الجليل والمهمة الشاقة ، ألا وهي تبليغ دعوة ربك للناس .
” نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ “
أي قم للصلاة والعبادة نصف الليل ، أو أقل من النصف قليلا ، أو أكثر من النصف ، والمراد أن تكون هذه الساعات طويلة بحيث لا تقل عن ثلث الليل ولا تزيد على الثلثين .
” وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا “
أي اقرأه على تمهل ، فإنه يكون عونا على فهم القرآن وتدبره .
” إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا “
أي ثقيل عند نزوله .
” إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا “
أي ساعاته وأوقاته ، أشد مواطأة بين القلب واللسان ، وأجمع على التلاوة ، فهي أجمع للخاطر في أداء القراءة ونفعها من قيام النهار ، لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش .
” إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا “
أي إن لك في النهار تصرفا وتقلبا واشتغالا طويلا في شؤونك .
” وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا “
أي أكثر من ذكره بجميع أنواع الذكر ، وانقطع إليه وتفرغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك ، وما تحتاج إليه من أمور .
” رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا “
أي هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب الذي لا إله إلا هو ، كما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل فاتخذه وكيلا.
” وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ “
يأمر الله تعالی رسوله عليه الصلاة والسلام بالصبر على ما يقوله ممن كذبه من سفهاء قومه من قولهم : ساحر ، شاعر ، مجنون .
” وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا “
وأمره أن يهجرهم هجرة جميلا لا عتاب معه .
” وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا “
أي اتركني والمكذبين المترفين أصحاب الأموال ، فسأنتقم منهم وإن أمهلتهم فلا أهملهم ، الذين طغوا حين وسع الله لهم من رزقه وأمدهم من فضله .
ثم توعدهم بما عنده من العذاب فقال:
” إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا “
أي عندنا القيود من الحديد ، والنار المضطرمة يحرقون بها .
” وَطَعَامًا ذَا غصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا “
أي وطعام کریه ينشب في الحلق فلا يدخل ولا يخرج ، وعذاب مؤلم موجع .
” يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا “
أي يوم تتزلزل الأرض وتهتز بمن عليها هي وسائر الجبال ، من الهول العظيم في يوم القيامة ، وتصير الجبال ككثبان الرمال ، بعد ما كانت حجارة صماء ، ثم إنها تنسف نسفا فلا يبقى منها شيء إلا ذهب .
” إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ “
يقول تعالى مخاطبة لكفار قريش أي بعثنا لكم يا أهل مكة رسولا أي محمد وشاهدا على أعمالكم ، يشهد عليكم بما يصدر منكم من الكفر والعصيان .
” كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا “
أي كما بعثنا على ذلك الطاغية فرعون الجبار ، رسولا من أولئك الرسل العظام وهو موسی بن عمران .
” فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا “
أي فكذب فرعون بموسى ولم يؤمن به ، وعصى أمره ، كما عصيتم یا قریش محمدا عليه الصلاة والسلام وكذبتم برسالته ، فغرق في البحر مع قومه .
” فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا “
أي كيف يحصل لكم الفكاك والأمان من يوم هذا الفزع العظيم إن كفرتم يوما من شدة أهواله وزلازله يشيب هناك كل وليد .
ثم زاد في وصفه وهوله فقال :
” السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا “
أي السماء متشققة ومتصدعة من هول ذلك اليوم الرهيب العصيب . وكان وعد هذا اليوم واقعا لا محالة .
” إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا “
أي هذه الموعظة التي نبأ الله بها من أحوال يوم القيامة وأهوالها يتذكر بها المتقون وينزجر بها المؤمنون ، أي فمن شاء اتخذ طريقة يتقرب به إلى الله عز وجل ، وذلك بطاعة الله سبحانه وتعالى والعمل بما شرع .
” إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ “
أي أن ربك يا محمد يعلم أنك تقوم مع أصحابك للتهجد والعبادة أقل من ثلثي الليل ، وتارة تقومون نصفه ، وتارة ثلثه .
” وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ “
أي تارة يعتدلان وتارة يأخذ هذا من هذا وهذا من هذا .
” عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ “
أي علم ربكم أن لن تطيقوا قيامه .
” فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ “
أي فتاب عليكم بالتخفيف عنكم ، فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل .
ثم بين سبحانه وتعالى الحكمة من ذلك :
” عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى “
أي : علم ربكم – أيها المؤمنون – أن سيكون منكم أهل مرض قد أضعفه المرض عن قيام الليل .
” وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ “
في سفر للتجارة لطلب المعاش فأعجزهم ، فأضعفهم أيضا عن قيام الليل .
” وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ “
وآخرون أيضا منكم يجاهدون العدو فيقاتلونهم في نصرة دين الله ، فرحمكم الله فخفف عنكم ووضع عنكم فرض قيام الليل .
” فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ “
أي فافعلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل ، واقرءوا في صلاتكم ما تيسر من القرآن .
” وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ “
أي أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم وآتوا الزكاة المفروضة .
” وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا “
أي تصدقوا في وجوه البر والإحسان ابتغاء وجهه .
” وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا “
أي وما تقدموا – أيها المؤمنون – لأنفسكم في دار الدنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها في سبيل الله أو غير ذلك من نفقة في وجوه الخير ، أو عمل بطاعة الله من صلاة أو صيام أو حج ، أو غير ذلك من أعمال الخير في طلب ما عند الله ، تجدوه عند الله يوم القيامة في معادكم هو خير لكم مما قدمتم في الدنيا ، وثوابه أعظم من ذلك الذي قدمتموه .
” وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ “
أي اطلبوا المغفرة من ذنوبكم يغفرها لكم ربكم ، فهو واسع المغفرة والرحمة .