تفسير سورة نوح للاطفال
واليوم مع تفسير سورة جديدة من جزء تبارك وهي سورة نوح .
” إِنَّا أَرْسَلْنَا نوحًا إِلَى قَوْمِهِ “
يقول تعالى مخبرا عن نوح أنه أرسله إلى قومه .
” أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “
أي بأن خوف قومك وحذرهم إن لم يؤمنوا من عذاب شديد مؤلم ، فامتثل نوح لذلك وابتدر لأمر الله فقال :
” قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مبِينٌ “
أي واضح النذارة بينها .
” أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ “
أي فقال لهم : اعبدوا الله وحده ، واتركوا محارمه ، واجتنبوا مآثمة ، وأطيعوني فيما أمرتكم به من طاعة الله ، وترك عبادة الأوثان والأصنام .
” يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذنُوبِكُمْ “
أي إذا فعلتم ما آمركم به ، وصدقتم ما أرسلت به إليكم ، غفر الله لكم ذنوبكم .
” وَيؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى “
أي يمتعكم في هذه الدار ويدفع عنكم الهلاك إلى أجل مسمى ، أي مقدر البقاء في الدنيا بقضاء الله وقدره ، إلى وقت محدود ، وليس
المتاع أبدا ، فإن الموت لا بد منه ، ولهذا قال :
” إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ “
أي إن عمر الإنسان عند الله محدود ، لا يزيد ولا ينقص ، لو كنتم تعلمون ذلك لسارعتم إلى الإيمان .
يخبر تعالى عن عبده ورسوله نوح عليه السلام أنه اشتكي إلى ربه عز وجل ما لقي من قومه ، وما صبر عليهم في تلك المدة الطويلة التي قضاها فيهم ، فقال:
” قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا “
أي لم أترك دعاءهم في ليل ولا نهار امتثالا لأمرك وابتغاء مرضاتك .
” فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعَائِي إِلَّا فِرَارًا “
أي كلما دعوتهم ليقتربوا من الحق فروا منه وحادوا عنه .
” وَإِنِّي كلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ “
أي كلما دعوتهم إلى الإقرار بوحدانية الله والعمل بطاعته ليكون سببا في مغفرة ذنوبهم ..
” جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ “
أي سدوا آذانهم لئلا يسمعوا دعوتي . وغطوا رؤوسهم ووجوههم بثيابهم لئلا يسمعوا كلامي .
” وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا “
واستمروا على ما هم فيه من الشرك والكفر ، واستكبروا عن الحق ، وشرهم ازداد .
” ثمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا “
أي جهرة بين الناس .
” ثمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا “
أي كلاما ظاهرة بصوت عال ، وأسررت أي فيما بيني وبينهم .
والمقصود أنه نوع في دعوتهم لتكون أنجع فيهم ، وكل هذا من نوح حرص ونصح وإتيانهم بكل طريق يظن به حصول المقصود .
” فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا “
أي ارجعوا إليه ، واتركوا ما أنتم عليه من الذنوب ، واستغفروا الله . فهو كثير المغفرة لمن تاب واستغفر .
ورغبهم أيضا بخير الدنيا العاجل، فقال :
” يرْسلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا “
أي مطرأ متابعا ، يروي الأرض ، ويحيي البلاد والعباد .
” وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ “
أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه ، أعطاكم الأموال التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا وإعطائكم الأولاد .
” وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا “
أي ويجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار وخللها بالأنهار الجارية فيها .
هذا مقام الدعوة بالترغيب ، ثم عدل بهم إلى دعوتهم بالترهيب ، فقال :
” مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا “
أي ما لكم لا تخافون لله عظمته وكبرياءه وهو القاهر فوق عباده .
” وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا “
أي خلقا من بعد خلق ، في بطن الأم ، ثم في الرضاع ، ثم في سن الطفولة ، ثم التمييز ، ثم الشباب ، ثم إلى آخر ما يصل إليه الخلق .
” أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا “
ألم تشاهدوا يا معشر القوم عظمة الله وقدرته ، وتنظروا نظر اعتبار وتفکر وتدبر ، كيف أن الله العظيم الجليل خلق سبع سموات سماء فوق سماء ، متطابقة فوق بعض ، وهي في غاية الإبداع والإتقان .
” وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نورًا “
أي وجعل القمر في السموات السبع نورا .
” وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا “
أي وجعل الشمس مصباحا مضيئا يستضيء به أهل الدنيا كما يستضيء الناس بالسراج في بيوتهم .
” وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا “
أي حين خلق أباكم آدم وأنتم في صلبه .
” ثمَّ يعِيدُكُمْ فِيهَا وَيخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا “
أي يرجعكم إلى الأرض بعد موتكم فتدفنون فيها ، ويوم القيامة يعيدكم كما بدأكم أول مرة .
” وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا “
أي بسطها ومهدها وقررها وثبتها بالجبال الراسيات .
” لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سبُلًا فِجَاجًا “
أي خلقها لكم لتستقروا عليها وتسلكوا فيها أين شئتم من نواحيها وأرجائها وأقطارها .
” قَالَ نوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي “
شاكيا لربه : أن هذا الكلام والوعظ والتذكير ما نجع فيهم ولا أفاد ، فلم يطيعوني فيما دعوتهم إليه وأمرتهم به من عبادتك وحدك .
” وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا “
أي واتبعوا أبناء الدنيا ممن غفل عن أمر الله ومتع بجمال وأولاد ، وهي في نفس الأمر استدراج وإنظار لا إكرام .
” وَمَكَرُوا مَكْرًا كبَّارًا “
أي مكرا عظيما في معاندة الحق .
” وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ “
أي لا تتركوا عبادة الأوثان والأصنام وتعبدون رب نوح .
” وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا “
أي لا تتركوا هذه الأصنام الخمسة : ودا ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسرا ، وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها .
” وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا “
يعني الأصنام التي اتخذوها أضلوا بها خلقا كثيرا ، فإنه استمرت عبادتها في القرون إلى زماننا هذا في العرب والعجم وسائر صنوف بني آدم .
” وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا “
دعاء منه على قومه لتمردهم وكفرهم وعنادهم .
” مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا “
أي بسبب إجرامهم وكفرهم وإصرارهم على ذلك أغرقوا بالطوفان ، ثم نقلت الأرواح إلى النار .
” فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا “
أي لم يكن لهم معين ولا مغيث ولا مجير ينقذهم من عذاب الله .
” وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا “
أي لا تترك على وجه الأرض منهم أحدا .
ثم بين السبب فقال :
” إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ “
أي أنك إذا أبقيت منهم أحد أضلوا عبادك ، أي الذين تخلقهم بعدهم .
” وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا “
أي فاجرة في الأعمال كافر القلب ، وذلك لخبرته بهم ومكثه بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاما .
” رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا “
خص هؤلاء المذكورين لتأكد حقهم وتقديم برهم .
” وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ “
ثم عمم الدعاء لجميع المؤمنين والمؤمنات ، وذلك يعم الأحياء منهم والأموات .
” وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا “
أي ولا تزد یا رب من جحد بآياتك وكذب رسلك إلا هلاكا وخسارة في الدنيا والآخرة .