تفسير سورة المرسلات للاطفال
ها نحن نصل إلى تفسير آخر سورة من سور جزء تبارك للاطفال وهي سورة المرسلات .
وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا
هذا بداية قسم لله تعالى أقسم فيه بعدة أشياء من مخلوقاته ، ولله أن يقسم بما شاء .
فيقسم الله بالمرسلات عرفا وهي الرياح المتتابعة .
فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا
هي الرياح الشديدة الهبوب .
وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا
هي الرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء كما يشاء الرب عز وجل .
فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا
وهي الملائكة التي تفرق بين الحق والباطل ، والحلال والحرام .
فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا
هي الملائكة ، تلقي أشرف الأمور ، وهو الذكر الذي يرحم الله به عباده ، وتذكرهم فيه منافعهم ومصالحهم ، تلقيه إلى الرسل .
عذْرًا أَوْ نذْرًا
أي إعذارا أو إنذارا للناس ، تنذر الناس ما أمامهم من المخاوف ، وتقطع أعذارهم فلا يكون لهم حجة على الله .
إِنَّمَا توعَدُونَ لَوَاقِعٌ
هذا هو المقسم عليه بهذه الأقسام ، أي ما وعدتم به من قيام الساعة ، والنفخ في الصور ، وبعث الأجساد ، وجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد ، ومجازاة كل عامل بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، إن هذا كله الواقع ، أي لكائن لا محالة .
فَإِذَا النُّجُومُ طمِسَتْ
أي ذهب ضوؤها .
وَإِذَا السَّمَاءُ فرِجَتْ
أي انفطرت وانشقت وتدلت أرجاؤها ووهت أطرافها .
وَإِذَا الْجِبَالُ نسِفَتْ
أي ذهبت فلا يبقى لها عين ولا أثر .
وَإِذَا الرُّسُلُ أقِّتَتْ
أي جعل للرسل وقت وأجل للفصل بينهم وبين الأمم، وهو يوم القيامة .
لِأَيِّ يَوْمٍ أجِّلَتْ
استفهام لتعظيم ذلك اليوم وتفخيمه وتهويله .
لِيَوْمِ الْفَصْلِ
أي ليوم القضاء والفصل بين الخلائق بعضهم من بعض ، ثم قال تعالى معظما لشأنه :
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ
استفهام لتعظيم ذلك اليوم وتهويله .
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
أي ويل للمكذبين من يوم الفصل والقضاء .
أَلَمْ نهْلِكِ الْأَوَّلِينَ
أي ألم نهلك السابقين بتكذيبهم للرسل كقوم نوح وعاد وثمود .
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ
ثم نتبعهم بإهلاك من كذب من الآخرين .
كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ
تهديد لأهل الإجرام ، أي بمثل ذلك الإهلاك الفظيع نفعل بهؤلاء المجرمين من کفار مكة لتكذيبهم لسيد المرسلين .
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
أي هلاك ودمار لكل مكذب بالتوحيد والبعث والحساب بعد ما شاهدوا الآيات البينات والعقوبات .
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ
يقول تعالی ممتنا على خلقه ومحتجا على الإعادة بالبداءة : ألم نخلقكم من ماء ضعيف حقير بالنسبة لقدرة الباري عز وجل .
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ
يعني جمعناه في الرحم وهو قرار الماء من الرجل والمرأة ، والرحم معد لذلك حافظ لما أودع فيه .
إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ
يعني إلى مدة معينة من ستة أشهر أو تسعة أشهر .
فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ
أي قدرنا ودبرنا ذلك الجنين في تلك الظلمات ونقلناه من النطفة إلى العلقة ، إلى المضغة .
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
هلاك ودمار لكل مكذب بالتوحيد والبعث والحساب .
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا . أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا
أي ألم نجعل هذه الأرض التي تعيشون عليها كالأم لكم ، تجمع الأحياء على ظهرها ، والأموات في بطنها؟
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ
أي الجبال رسی بها الأرض لئلا تميد وتضطرب .
وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فرَاتًا
أي عذبا زلالا من السحاب أو مما أنبعه من عيون الأرض .
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
أي ويل لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها ، ثم بعد هذا يستمر على تكذيبه وكفره .
انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تكَذِّبُونَ
يقول تعالى مخبر عن الكفار المكذبين بالمعاد والجزاء والجنة والنار أنهم يقولون يوم القيامة : انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون في الدنيا، انطلقوا إلى العذاب الذي أعد للكافر منهم ، فها هو فانطلقوا إليه .
انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شعَبٍ
أي اذهبوا فاستظلوا بدخان كثيف من دخان جهنم يتفرع منه ثلاث شعب .
لَا ظَلِيلٍ وَلَا يغْنِي مِنَ اللَّهَبِ
أي ظل الدخان المقابل للهب لا ظليل هو في نفسه ، ولا يغني من اللهب ، يعني لا يقيهم حر اللهب .
إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ
أي إن جهنم ترمي بشرر عظيم من النار ، كل شرارة منه كأنها القصر العظيم .
كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صفْرٌ
أي كأن شرر جهنم المتطاير منها الإبل الصفر في لونها وسرعة حركتها .
هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ
أي لا يتكلمون .
وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ
أي لا يقدرون على الكلام ، ولا يؤذن لهم فيه ليعتذروا ، بل قد قامت عليهم الحجة ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون .
هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ
هذه مخاطبة من الخالق تعالى لعباده يقول لهم : هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين يعني أنه جمعهم بقدرته في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر .
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ
تهدید شدید ووعيد أكيد ، أي إن قدرتهم على أن تتخلصوا من قبضتي وتنجوا من حكمي فافعلوا فإنكم لا تقدرون على ذلك .
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ
لما ذكر الله عقوبة المكذبين ذكر مثوبة المحسنين ، فالمتقون الذين عبدوا الله بأداء الواجبات ، وترك المحرمات ، يكونون يوم القيامة في ظلال أشجار الجنة ، وعيون الماء الجارية يتنعمون في دار الخلد والكرامة .
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ
أي ومن سائر أنواع الثمار مهما طلبوا وجدوا .
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
أي يقال لهم على سبيل الإحسان إليهم : كلوا واشربوا من المأكل الشهية ، والأشربة اللذيذة من غير منغص ولا مکدر ، فأعمالكم هي السبب الموصل إلى جنات النعيم المقيم .
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
أي هذا جزاؤنا لمن أحسن في عبادة الله وأحسن إلى عباد الله .
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
ولو لم يكن من هذا الويل إلا فوات هذا النعيم لكفى به حزنا وحرمان .
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا
أي مدة قليلة قريبة قصيرة .
إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ
أي ثم تساقون إلى نار جهنم .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ
أي إذا أمر هؤلاء الجهلة من الكفار أن يكونوا من المصلين مع الجماعة امتنعوا من ذلك واستكبروا عنه .
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
ومن الويل عليهم أنهم تسد عنهم أبواب التوفيق ، ويحرمون كل خير ، فإنهم إذا كذبوا هذا القرآن الذي هو أعلى مراتب الصدق واليقين على الإطلاق
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
أي إذا لم يؤمنوا بالقرآن فبأي كلام يؤمنون به ؟