ام ايمن حاضنة الرسول رضى الله عنها

ام ايمن حاضنة الرسول رضى الله عنها

ام ايمن حاضنة الرسول رضى الله عنها

سوف نتحدث الآن عن بركة أم أيمن حاضنة الرسول رضى الله عنها.

بركة

امرأة من أهل الجنة بركة أم أيمن أمي بعد أمي صدق رسول الله.

سنتحدث الآن عن واحد من خير النساء المسلمات اللواتي لازمن الرسول – عليه السلام – منذ لحظة مولده وحتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى .

كان اسمها بركة .. فلما تزوجت أنجبت صبيا أسمته أيمن، ومن يومها عرفت باسم أم أيمن ..

وبهذا الاسم تحدثت عنها كتب السيرة ، ونحن عندما نتحدث عنها قبل میلاد أيمن سنسميها بركة أما بعد میلاد أيمن فسنطلق عليها اسم أم أيمن.

كان شابا من أكرم شباب مكة .. فهو سليل أشرف عائلاتها وابن أعرق قبائلها .. وكان الجميع يتطلع عليه كلما غدا أو راح بإكبار وإعزاز واحترام ..

فهو فوق كل ما ذكرنا .. شاب وسيم الطلعة .. في مشيته رجولة .. وفي حدیثه حكمة وفي مجلسه أنس .

وهو عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي هو الشاب الذي افتداه أبوه بمائة من الإبل وفاء لنذر ..

وكان هذا هو أغلی فداء دفعه أحد العرب حتى هذا التاريخ.

ولما بلغ عبد الله الرابعة والعشرين رغب أبوه أن يزوجه ، وكان لابد أن يبحث عن فتاة لا تقل شرفا ولا حسبنا عن ابنه .. وجد هذه المواصفات في آمنة بنت وهب ابن عبد مناف سید بني زهرة .

يا له من اختيار .. أن يتزوج ابن سید بني هاشم من ابنة سید بني زهرة .. وتمضي الأسابيع بالعروسين مسرعة ..

وتشعر الزوجة الشابة بأعراض الحمل ، لتدخل سعادة جديدة إلى حياة هذه الأسرة الصغيرة .

لكن إقامة الزوج مع زوجته لم تطل ، فقد خرج في تجارة إلى بلاد الشام وترك عروسه في بيت أبيه ومعها جاريته الحبشية بركة .

مضت الأيام على آمنة بطيئة متثاقلة .. وكيف لها أن تسعد وقد سافر زوجها بعد أسابيع قليلة من زواجهما .

وفاة عبد الله

ويأتي الناعي بخبر وفاة فتى قريش .. زينة فتيان بني هاشم .. وسيم الطلعة ، جميل الأخلاق .. وتتهاوى آمنة ..

وتنهار قواها.. وتشعر أن الدنيا قد خلت من الحب والسعادة .. إلا أن بركة الجارية الحبشية كانت نعم المعين وخير رفيق  لآمنة ، فكانت ترعاها وتهتم بحملها .. وتسري عنها بالحديث .

كانت بركة ضمن الإرث المتواضع الذي تركه عبد الله.. وكان هذا الإرث يشمل خمسة من الإبل وقطيعا من الأغنام .. وهذه الجارية الطيبة الحنون بركة ..

وتتقدم شهور الحمل بآمنة حتى تأتي ساعة المخاض .

وتقف بركة إلى جوار سيدتها تساعدها ، وتخفف عنها آلام الوضع ، حتى تستقبل المولود على يديها .. تسرع إليه فتلفه وتحتضنه في حب .. ولم لا .. إنه الحبيب ابن الحبيب والحبيبة ..

وأسرعت بركة بالوليد إلى جده الذي كان جالسا بجوار الكعبة ، فسر به وقبله وطاف به متباركا .. ثم أسماه محمدا.

هكذا كانت بركة هي أول حضن ضم محمد بن عبد الله لتظل إلى جواره لا تفارقه حتى يلقى ربه .

ورضیت آمنة بقضاء الله ، ورأت في ابنها محمد خير عوض عن فقد زوجها الذي اختطفه الموت منها وهو ما زال شابا .. فضاعفت حنانها ورعايتها له ، وكان من عادتها أن تسافر مرة في كل عام إلى يثرب حيث بني عدي أخوال عبد المطلب جد ابنها محمد ..

وتزور قبر زوجها الحبيب .. وكان يصحبها في رحلتها ابنها ، وخادمته بركة التي لم تكن تفارقها أبدا ..

وتروي لنا بركة عن ذكريات إحدى هذه الزيارات ليثرب فتقول :

أتاني رجلان من اليهود يوما نصف النهار فقالا :

أخرجي لنا أحمد ، فأخرجته فنظرا إليه وقبلاه مليا، ثم قال أحدهما لصاحبه : هذا نبى هذه الأمة .. وهذه دار هجرته، وسيكون بهذه البلدة من القتل والسي أمر عظيم .

قالت بركة : ووعيت ذلك كله من كلامهما.

البشارة

لقد بشرت كتب الأديان السماوية السابقة على الإسلام برسالة محمد وذكرت أوصاف هذا النبي وظروف دعوته .

إلا أن عددا كبيرا من أتباع هذه الأديان خاصة اليهود لم يؤمنوا بمحمد ولا بدعوته .. وها هي بركة مربيته الرؤوم تروي هذه الرواية التي تؤكد علم هؤلاء بقرب ظهور نبي .

وفي طريق العودة من إحدى هذه الزيارات .. وكان محمد في حوالي السادسة من عمره .. مرضت آمنة ثم اختطفها الموت لتدفن هي الأخرى  بالقرب من يثرب.

حزن الفتی محمد حزنا شديدا من أجل أمه ، بغيابها ستحيطه الوحدة والوحشة .. فقد كانت هي مصدر حنان الوجود .. بعد فقده لأبيه .

لابد أنه كان موقفا قاسيا على بركة التي استيقظت فيها مشاعر الأمومة .. وعصرها الألم لحال هذا الطفل الذي کتب عليه اليتم من أبيه ومن أمه وهو لم يزل ابن السادسة ..

وشعرت بركة بأنها أمام مسئولية كبيرة .. فهي جارية الطفل التي ورثها عن أبيه .. وهي المخلوق الوحيد المتفرغ لخدمته.

وإلى بيت جده عبد المطلب عاد محمد ومعه بركة التي ظلت ترعى شئونه و تقوم على خدمته ، وكانت له نعم الأم بعد أمه .

ومن ذكريات هذه المرحلة تحكي لنا بركة هذه الحكاية :

كنت أحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم فغفلت عنه يوما ، فلم أدر إلا بعبد المطلب قائما على رأسي يقول : یا بركة !

قلت : لبيك .. قال : أتدرين أين وجدت ابني يعني حفيده محمدا .. قلت : لا أدري .. قال : وجدته مع غلمان قريبا من السدرة ، فلا تغفلي عنه ، فإن أهل الكتاب يزعمون أنه نبي هذه الأمة ، وأنا لا آمنهم عليه .

في كنف عبد المطلب

إذا .. فقد كانت معرفة أهل الكتاب بنبوة محمد أمرا معروفا ومنتشرا حتى إن جده كان شديد الحرص عليه .. يوصي بركة ألا تغمض عينيها عنه لحظة خشية أن يتعرض له أحد بأذى .

كان الجد عبد المطلب شدید التعلق بحفیده محمد ، فهو ابن عبد الله الفتي الذي لم تشهد له مكة نظيرا في الجمال والحكمة والوسامة والرزانة . الفتى الذي افتداه أبوه بأغلى ما يفتدي أب ابنه حتى هذا التاريخ ..

وتضاعف حنان الجد على حفيده بعد موت أمه آمنة ، وتضاعفت مسئوليته عنه .. لكنه كان يرى في بركة خير معين له على تحمل هذا ، فهي بديل عن الأم حنانا ورعاية .. وبديل عن الأب مراقبة وحماية .

وتروي الأخبار أن عبد المطلب .. وهو سيد قریش وكبير أشرافها كان يصر على أن يجلس محمد إلى جواره على الفراش المخصص له، بينما يجلس باقي أبنائه بعيدا .

وكان كثيرا ما يربت على كتفه ، ويسمعه حلو الكلمات ، وكأنه يتمنى أن يخفف عن كاهل هذا الصغير ألم اليتم الذي عاناه ..

ولحكمة لا يعلمها إلا الله وحده مات الجد عبد المطلب بعد عامين من موت آمنة ، لينطفئ آخر مصابيح الحنان في حياة محمد .

ويروى أن محمدا بکی جده بحرقة شديدة .. فقد كان يبكي فيه الجد الحنون .. والأب الذي مات قبل أن يولد .. والأم التي حرمه الموت من دفء أحضانها.

لكن عين بركة لم تكن تغفل لحظة عن الصبي ، ولم تبخل عليه بالحب والحنان والدفء وصدق الرعاية ..

وكأنها تحاول أن تعوضه عما فقد .. مرة بعد الأخرى .

من هي حاضنه الرسول؟

وبعد موت عبد المطلب انتقل محمد ومعه بركة إلى بيت عمه أبي طالب الذي كفل الصغير بعد جده ..

وتتمسك بركة بصغيرها ، وتصر على رفقته ورعايته وتحرص على كل شئونه .. .

ومما ترويه – رضي الله عنها – عن طفولة النبي صلى الله عليه وسلم. تقول : ما رأیت رسول الله شکا جوعا ولا عطشا لا في كبره ولا في صغره . كان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربة .. فربما عرضنا عليه الغذاء فيقول : أنا شبعان .

لم تكن طفولة النبي – عليه السلام – ولا صباه مثل طفولة وصبا باقي أقرانه وأترابه ، بل كان نسيجا خاصا وطبيعة مختلفة..

كان كثير التأمل .. هادئ الطبع .. مبتعدا عن أماكن اللهو والعبث .. كثير الصمت ، وكأنه يفتش عن حقيقة يراها غائبة ..

وكان في نفس الوقت عازفا عن الطقوس والاحتفالات الدينية التي تقام للأصنام والأوثان .

فكما عصمه الله من الهوى التي يزل فيها بعض الشباب .. عصمة عن السجود للأصنام .

تروي بركة أنه كان ببوانة صنم تحضره قريش وتعظمه ، وتنسك له النسائك ، ويحلقون رؤوسهم عنده ، ويعكفون عنده يوما إلى الليل، وذلك يوما في السنة ، وكان أبو طالب يحضره مع قومه وكان يكلم رسول الله – عليه السلام – أن يحضر ذلك العيد مع قومه ، فيأبی رسول الله ذلك ، حتى رأيت أبا طالب غيب عليه ، ورأيت عماته غضبن عليه يومئذ أشد الغضب ، وجعلن يقلن : ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيدا ، ولا تكثر لهم ؟

قالت : فلم يزالوا به حتى ذهب ، فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع إلينا مرعوبا فزعا، قالت عماته : ما دهاك؟

العصمة

قال : إني أخشى أن يكون بي لمم .. فقلن : ما كان الله ليبتليك بالشيطان ، وفيك من خصال الخير ما فيك .. فما الذي رأيت؟

قال : إني كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح بی: وراءك يا محمد لا تمسه .. فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبأ .

كان محمد عليه السلام إنسانا رقيقا مرهف الحس صادق المشاعر ، فقد أدرك مدى إخلاص خادمته بركة ، وكان يقدر ما تصنع من أجله ويشعر بعواطفها الصادقة تجاهه..

فلما تزوج – عليه السلام – من السيدة خديجة أعتق بركة تقديرا لما صنعت وعرفانا بجميلها .. إلا أن بركة لم تترك بیت محمد ، ولم تجد في عتقها أي امتياز يجعلها تغادره .. فقد كان سیدها يحسن معاملتها ويشعرها دائما بآدميتها ويقدر عطاءها ..

وهذا هو نبي الإسلام محمد یکرم خادمه ويطعمه مما يطعم ويكسوه مما يلبس ، ولا يسمعه ما يجرح إنسانيته ، ولا ينهره أبدا حتى لو أخطأ.

لقد أصرت بركة على صحبة النبي وهي حرة ، كما أحبت صحبته وهي جارية .. فقد كانت أقرب الناس إلى رسول الله وكان يناديها يا أمه ، وكثيرا ما قال عنها .. هذه بقية أهل بيتي.

وتزوجت بركة من رجل من بني حارث يدعى عبيد ابن زيد ، وأنجبت منه أيمن الذي كانت تنادي باسمه ، وأصبحت تعرف بأم أيمن .

ولما نزل الوحي على رسول الله – عليه السلام – كانت أم أيمن و أيمن من أوائل من دخل الدين الحنيف ، وكان ولاؤهما للنبي الكريم ولاء لا نظير له ..

الهجرة إلى الحبشة

وتقول بعض الروايات إن أم أيمن هاجرت بدينها مع من هاجر من المسلمين الأوائل إلى الحبشة .

لكنها هاجرت بكل تأكيد مع النبي إلى المدينة ..

ويموت عبید بن زید زوج أم أيمن ، وتستيقظ في قلب النبي مشاعر البنوة تجاه المرأة التي يقول عنها أمي بعد أمي ، ويشعر بمسئولية تجاهها وتجاه استقرارها وأمنها .. فيرى أنه يجب عليه أن يزوجها .

جلس النبي يوما بين أصحابه وقال لهم : من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن.

ويبادر زید بن حارثة حب رسول الله ومولاه .. ليتزوج هذه السيدة الفاضلة.

كان زید لا يقل فضلا عن أم أيمن. فهو من السابقين إلى الإسلام ، وهو الذي آثر البقاء مع النبي عن العودة لأهله ، وهو الذي قالت عنه السيدة عائشة : ما بعث رسول الله زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم .. ولو بقي حيا بعد الرسول لاستخلفه .

وها هو زید يبادر ليتزوج امرأة تقية صالحة رغم أنها تكبره سنا ، وليس لها مال ولا جمال يغري شابا في مثل سن زید .. لكنه اختارها لتقاها وورعها وحسن إسلامها ..

وهو يأخذ بنصيحة رسول الله اظفر بذات الدين .. وقد ظفر زید بن حارثة بذات الدين التي قال عنها الرسول : امرأة من أهل الجنة.

ويثمر الزواج فتی مسلما تشهد له ساحات القتال في سبيل الله والجهاد لنصرة دينه ، هو أسامة بن زيد الذي قاد جيش المسلمين في عديد من المعارك والمواقف ، وخرج فيها جميعا منتصرا.

حاضنة الرسول المجاهدة

فهل اقتصر دور أم أيمن في الحياة على حضانة النبي وخدمته ، ثم حضانة أولادها أيمن و أسامة ، وتربيتهم على مبادئ الإسلام حتى أصبحا من أعلام الدعوة الإسلامية ؟

لا. لم يكن هذا هو دور أم أيمن فقط .. وهو دور عظیم ورائع أدته هذه السيدة العظيمة على خير وجه .

لكنها كانت فوق هذا الدور محاربة صامدة .. فقد حضرت كل المشاهد والغزوات مع رسول الله ، و كان دور النساء في هذه المعارك خلف صفوف المقاتلين دائما ..

في أحد .. كانت أم أيمن مع غيرها من النساء تداوي الجرحى وتسقي المحاربين ..

وفي خيبر كانت تحارب مع المحاربين وتخدم المقاتلين خلف صفوف القتال حتى إن النبي – عليه السلام – كان يعطيها حقها من الفيء .

عمرت أم أيمن حتى جاوزت التسعين .. وشهدت وفاة النبي – عليه السلام – ووفاة أبي بكر وعمر .. وكان بكاؤها على النبي بكاء حارا ، فهو الابن الحبيب .. وهو الرسول الكريم .

عاشت أم أيمن تذكر كيف كان النبي يمازحها .. فقد طلبت منه يوما أن يحملها – أي يعطيها ناقة تركبها في سفر – فقال عليه السلام : أحملك على ولد ناقة ..

فظنت أنه يريد أن يحملها على فصيل .. فقالت : يا رسول الله .. لا يطيقني ولا أريده .. فقال: لا أحملك إلا على ولد ناقة ..

وكان الرسول يمزح ولا يقول إلا الحق .. فالإبل كلها ولد ناقة .

اقرأ أيضا القصص الآتية:

السيدة خديجة بنت خويلد

السيدة عائشة رضى الله عنها

سودة بنت زمعة

أم المؤمنين حفصة

أم سلمة

مسابقة القرآن الكريم الماء في القرآن والسنة

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال