ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنها
ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنها.
إن لك بنطاقك هذا نطاقين في الجنة.. صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم.
عبد الله بن الزبير
دخل عبد الله بن الزبير يرتدي ثياب الحرب ، ويستعد للخروج إلى معركة يعلم مسبقا أنه لن يعود منها ، فقد تفرق عنه الصحاب ، والولد، والأهل .
إلى أمه السيدة أسماء فقد كف بصرها، وظهرت عليها علامات السنين إلا أن نورا خفيا كان ينير وجهها ، ويضيء كلماتها ..
دخل الابن على أمه يقبل يدها ، ويسألها المشورة .. فماذا هو فاعل ؟
هل يواصل حربه؟ وكفة الخصم راجحة لا محالة، فهم ألوف مؤلفة ، بينما لم يتبق حوله إلا نفر قليل.
أم يسلم لهؤلاء الخصوم ، وقد عرضوا عليه أمنه ، وسعادته مقابل تخليه عن قضيته ؟
فماذا تقول الأم في هذه اللحظة .. وهذا ولدها مقبل على موت محقق ؟!
قالت الأم : والله يا بني أنت أعلم بنفسك .. إن كنت تعلم أنك على حق فامض له .. فقد قتل عليه أصحابك ، وإن كنت إنما أردت الدنيا، فبأس العبد أنت .. أهلكت نفسك ، ومن قتل معك ، وإن قلت إني على حق، فلما وهن أصحابي ضعفت .. فهذا ليس فعل الأحرار، ولا أهل الدين ..
مقتل عبد الله بن الزبير
قال عبد الله: يا أماه إني مقتول من يومي هذا .. فلا يشتد حزنك لأمر الله .
ثم اختنق صوت الفارس ، ورفع رأسه إلى السماء ، وقال: اللهم إني لا أقول هذا تزكية النفسي، ولكن تعزية لأمي ، لتسلو عني .
حبست الأم دموعها ، وصمتت قليلا ثم قالت : إني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنا ، فاخرج حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرك .
عاد الفارس ، فقبل يدي أمه ، ورأسها ، ثم عانقها .
أما الأم فقد رفعت كفيها ، ضارعة وهي تردد : اللهم ارحم طول قيامه في الليل وظمأ في المهاجر ، وبره بأبيه ، وبي .
اللهم قد أسلمته لأمرك فيه .. ورضيت بما قضيت، فأثبني في ولدي عبد الله ، ثواب الشاکرین الصابرين .
التفت الفارس إلى أمه وقال : إني أخاف أن يمثل بي بعد موت .
فرفعت الأم رأسها في شموخ وقالت: إن الشاة لا يضرها سلخها بعد ذبحها.
ربما ظن القارئ أن هذا مشهد مسرحي مؤثر .. لكنه ليس كذلك .. إنما هو مشهد حقيقي سجله التاريخ لبطلين عظيمين.
كانت أسماء قد أسلمت مع باقي أفراد أسرتها بعد إسلام أبيها أبي بكر الصديق أول من أسلم من الرجال.
وكانت أسماء في هذا الوقت صبية في حوالي السابعة عشرة من عمرها وبعد سنوات من إسلامها تزوجت الصحابي الجليل الزبير بن العوام ابن السيدة صفية عمة النبي الكريم ، وابن شقيق السيدة خديجة زوج النبي عليه السلام، وأحد السبعة الأوائل الذين دخلوا في دين الله قبل أن يبلغ الخامسة عشرة من عمره .. وهو الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل نبي حواريا، وحواري الزبير بن العوام .
وعاشت السيدة أسماء مع زوجها الزبير في مكة شهورا قليلة حتى أذن الرسول لأصحابه بالهجرة إلى المدينة في مجموعات صغيرة ..
وفي إحدى هذه المجموعات غادر الزبير بن العوام مكة إلى المدينة مهاجرا في سبيل الله ، وترك زوجته أسماء في شهور حملها الأخيرة.
ذات النطاقين
وأذن الله للرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة ، فاتجه إلى بيت صديقه أبي بكر الذي كان جاهزا للرحيل ، ينتظر إذن النبي .. فأنبأه أن الساعة قد حانت ، وأنه يمكنهما الرحيل.
غادر أبو بكر بیته مهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم, وقد حمل معه كل ما كان له من مال خمسة آلاف درهم ، وترك وراءه زوجته وابنتيه عائشة وأسماء ، وولده عبد الله بن أبي بكر .
اتجه النبي صلى الله عليه وسلم ، وصحبه الكريم إلى غار ثور حيث قضيا ثلاث ليال، يزورهما كل مساء عبد الله بن أبي بكر حاملا معه أخبار قريش ، وبعض الطعام ، ويتبعه مولاهم عامر بن فهيرة الذي كان يرعى إبل أبي بكر ، فيحلب الشياة ، ويسقي النبي وصاحبه لبنها ، ثم يتبع عبد الله في طريق العودة ، فتخفي الأغنام آثار الأقدام البشرية ، إمعانا في التمويه ..
وفي الليلة الثالثة قامت أسماء رغم ثقل حملها، فأعدت زاد السفر للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وصاحبه .. فكيف تضع الماء والطعام على ظهر الراحلة ؟
احتارت أسماء قليلا ثم فكت نطاقها ، وشقته فربطت وسطها بنصفه , وعلقت طعام المهاجرين وشرابهما في النصف الآخر .
ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ما صنعت أسماء ابتسم لذكائها ،
وعطائها ، وبشرها قائلا : إن لك بنطاقك هذا نطاقين في الجنة .
ومن يومها سميت أسماء بذات النطاقين .
وأيد الله نبيه ، وصاحبه ، وأعانهما على سفرهما ووصلا سالمين إلى المدينة .
ولما استقر بهما المقام أرسل أبو بكر إلى ولده أن يأتي ، ومعه أختاه أسماء ، و عائشة وزوجة أبيه أم رومان، وتتحمل أسماء مشقة الرحيل وقد أوشكت أن تتم أيام حملها .. يا لها من رحلة شاقة يعلم الله وحده كم عانت أسماء أثناءها.
مولد عبد الله بن الزبير
وفي قباء على مشارف المدينة المنورة نزلت أسماء حيث جاءها المخاض.. ورزقها الله بصبي جميل ، وكم كانت فرحة المسلمين في المدينة بهذا الوليد فأمه هي أسماءه بنت أبي بكر، وأبوه الزبير بن العوام أحد السبعة الأوائل الذين سارعوا إلى الإسلام .
يا له من طفل کریم النسب، وكانت ولادة هذا الطفل بالمدينة ردا حاسما على اليهود الذين أشاعوا أنهم سحروا نساء المسلمين ، ليصبن بالعقم ، فلا يولد لهن طفل بالمدينة ..
وحمل المسلمون الطفل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فباركه ، وسماه عبد الله .. عبد الله بن الزبير بن العوام .. وبعد عبد الله رزقت أسماء بالبنين : عروة ، والمنذر ، وعاصم ، والمهاجر .. وبالبنات : عائشة ، وأم الحسن ، وخديجة .
كان الزبير زوج أسماء فقيرا لا يملك من متاع الدنيا إلا فرسه .. فكان على أسماء أن تقوم بكل واجبات الزوجة والأم .. ترعى أبناءها وزوجها ، وتعلف الفرس، وتسقيه ، وتعجن العجين ..
ونقلب الأوراق ، ونقرأ عن أسماء صفحات مشرقة .. فقد كانت من أفقه صحابیات رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أخذت عن أبيها حسن الخلق، ورائع السلوك ، وصحيح التقوى.. وهي نموذج في الكرم ، والجود ، والذكاء ، والشجاعة..
ومن خلال شقيقتها عائشة أم المؤمنين تعلمت أسماء الكثير عن فقه دينها . وكانت تنقل ما تخجل أن تنطق به أمام الرسول إلى عائشة التي تأتيها بالإجابة ..
وأضحت أسماء موسوعة في السنة النبوية خاصة في أمور النساء .. وكانت راوية للحديث ، أخذ عنها كثير من الرواة ، أهل الثقة .
وما هي إلا أيام .. ولحقت أسماء بابنها .. كريمان يلتقيان عند خالقهما.
اقرأ أيضا القصص الآتية:
ميمونة بنت الحارث رضى الله عنها