ابو عبيدة بن الجراح أمين الأمة واحد المبشرين بالجنة
اليوم مع صحابي جليل وهو ابو عبيدة بن الجراح أمين الأمة
إنه أول من لقب بأمير الأمراء..
إنه من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم بعد أبي بكر بيوم واحد.
انه الرجل الذي يجتمع نسبه مع نسب النبي صلى الله عليه وسلم في جده فهر.
إنه أمين هذه الأمة المباركة، كما إنه أحد العشرة المبشرين بالجنة.
إنه قائد الفتوحات الإسلامية في بلاد الشام، إنه الصحابي الجليل عامر بن عبد الله بن الجراح.. وكنيته: أبو عبيدة بن الجراح رضى الله عنه.
فتعالا بنا لنتعايش بقلوبنا وأرواحنا مع سيرة هذا الصحابي الجليل.
إسلامه رضى الله عنه
لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم وعرض الإسلام على أبي بكر الصديق فأسلم لساعتها، ولم يتردد لحظة واحدة.
ثم خرج أبو بكر يدعو إلى الله جل وعلا، فأسلم علي يديه عدد كبير، وكان على رأسهم أبو عبيدة بن الجراح.. الذي أسلم بعد أبي بكر بيوم واحد.
وذهب أبو عبيدة ليرى النبي صلى الله عليه وسلم ويسعد بصحته الغالية.
صبره على الإيذاء
وكغيره من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فقد تعرض أبو عبيدة للإيذاء والتعذيب..
ولكنه ظل صابرا ثابتا على دينه فما كان يزيده العذاب إلا ثباتا على الحق ويقينا في أن النصر قادم إن شاء الله.
ثم إنه يعلم أن الجنة تحتاج إلى الصبر والبذل والتضحية.
وفوق ذلك كله فهو لا يريد إلا الفوز برضوان الله ورحمته ومغفرته..
وهو يعلم أنه لن يفوز برضوان الله إلا بالثبات على دينه والبذل لنصرة هذا الدين العظيم.
الهجرة إلى الحبشة
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في هذا البلاء والعذاب الشديد أشار عليهم بالهجرة إلى الحبشة..
فهاجر بعض الصحابة ولم يهاجر معهم أبو عبيدة..
فلما عاد المسلمون من الهجرة الأولى للحبشة بعد ما شاع خبر إسلام قریش وعلموا أن هذا الخبر كان كاذبا، فعزموا على الهجرة الثانية إلى الحبشة فهاجر معهم أبو عبيدة، فرارا بدينه من بطش قرش وتعذيبهم.
وعلى الرغم من الحماية البالغة التي قابلهم بها النجاشي ملك الحبشة إلا أن أبا عبيدة، كان لا يتحمل أبدا أن يبتعد عن حبيبه صلى الله عليه وسلم..
فإن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم والجلوس معه والتعلم على يديه والاقتباس من هديه وأخلاقه لا يعدله أي نعيم.
ولكن قريشا كانت تزداد يوما بعد يوم في تعذيبها لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم..
فكان أبو عبيدة يتحمل كل هذا في سبيل البقاء في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم يدم بقاء أبی عبیدة بمكة طويلا حتى أذن النبی صلى الله عليه وسلم له
ولأصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة..
درس عظيم في الولاء
لقد كان سيف أبي عبيدة معروفا في أرض الجزيرة، ولذلك كان الناس يخافون منه..
ولا يكاد أحد يجرؤ على الاقتراب منه إلا إذا كان يريد أن يفقد حياته.
وكان عبد الله بن الجراح والد أبي عبيدة رجلا كافرا وكان يؤذي المسلمين كثيرا.
لما كان يوم غزوة بدر وت أبو عبيدة في صفوف المسلمين..
ووقف أبوه في صفوف المشركين.
وبدأ القتال في فأقبل أبو عبيدة يقاتل بكل ضراوة وشجاعة، فكان المشركون يبتعدون عن البقعة التي يقاتل فيها..
ولكن كان هناك فارس قد أصاب بعض الصحابة وأخذ يقترب من أبي عبيدة.. وأبو عبيدة يبتعد عنه.
فلما أكثر هذا الفارس من التصدي لأبي عبيدة هجم عليه أبو عبيدة كالأسد الضاری وقتله.
أتدرون من هو المقتول؟
إنه والد أبي عبيدة.
وأنزل الله في شأنه وشان أبيه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة:
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
فيا له من موقف عظيم لأبي عبيدة يلقن فيه الدنيا كلها درسا عظيما ليعلموا أن الولاء إنما يكون الله ولرسول وللمؤمنين.
دفاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد
وفي يوم أحد لما عصى الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانكشف المسلمون، وأجهز عليهم المشركون، فأصابوا منهم من أصابوا..
وكان يوم بلاء وتمحيص أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة حتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا قتله.
وجاء رجل من المشرکین اسمه (ابن قمئة) وضرب النبي صلى الله عليه وسلم ضربة بالسيف اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم منها أكثر من شهر..
ثم ضربه على وجنته ضربة أخرى أعنف من الأولى حتى دخلت حلقتان من درع النبي صلى الله عليه وسلم في وجه.
فجاء أبو بكر يريد أن ينتزع الحلقتين من وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبو عبيدة:
أقسمت عليك بالله أن تتركني أنا حتى أنزع الحلقتين من وجه النبي..
وقام أبو عبيدة ينتزع الحلقتين من وجه النبی صلى الله عليه وسلم بأسنانه حتى وقعت أسنانه.
فانظر كيف بلغ الأدب بأبي عبيدة لا ينزع حلقتي المغفر بيده حتى لا يؤذي رسول الله له بل ينزعهما بفمه حتى سقطت.
وظل أبو عبيدة رضى الله عنه يشهد المعارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ثبات كالجبال.
لذا سألت عائشة رضى الله عنها أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه؟
فقالت: أبو بكر، ثم عمر، ثم أبو عبيدة بن الجراح.
وقال صلى الله عليه وسلم: “نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح”.
هذا أمين هذه الأمة
ولما جاء وفد نجران إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم، سالهم وسألوه، ثم دعاهم إلى الإسلام..
فامتنعوا ثم اجتمع رايهم على تحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرهم، فقالوا:
إنا نعطيك ما سألتنا فقبل رسول الله منهم الجزية، وأعطاهم ذمة الله وذمة رسوله، وكتب لهم بذلك كتابا..
فطلبوا منه أن يبعث عليهم رجلا أمينا..
فقال صلى الله عليه وسلم: لابعثن معكم رجلا أمينا حق أمين”..
فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقال صلى الله عليه وسلم: “قم يا أبا عبيدة بن الجراح”.
فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هذا أمين هذه الأمة”.
صور مشرقة من جهاد في سبيل الله
وظل أبو عبیدة ملازما للعبادة والطاعة والدعوة إلى الله تعالی مع رسول الله.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولاه أبو بكر القيادة العامة في أرض الشام..
ثم ولى أبو بكر خالد بن الوليد..
وبعد وفاة أبو بكر ولاه عمر قائدا للجيش فكتم أبو عبيدة الخبر عن خالد حتى انتهت المعركة.
بعد أن انتصروا على العدو علم خالد بأن أمير المؤمنين عمر قد عزله فدخل على أبي عبيدة، وقال له:
يغفر الله لك، اتاك كتاب امير المؤمنين بالولاية فلم تعلمني، وأنت تصلی خلفی؟
فقال أبو عبيدة:
وأنت يغفر الله لك، ما كنت أعلمك ذلك حتى تعلمه من عند غیري..
وما كنت لأكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا أريد وما للدنيا أعمل.. وإن ما ترى سيصير إلى زوال، وإنما نحن إخوة.
عمر يختبر أبا عبيدة
لم تستطع الدنيا أن تصل إلى قلب أبي عبيدة بحال من الأحوال..
أرسل إليه عمر بن الخطاب باربعة آلاف درهم، وقال لرسوله: شاهد ما يصنع.
فقصمها أبو عبيدة..
فلما أخبر عمر رسوله یما صنع أبو عبيدة في المال..
قال: الحمد لله۔
ولما قدم عمر الشام: أين أخي؟
فقالوا: من؟
قال: أبو عبيدة.
قالوا: يأتيك الآن، فجاء على ناقة فسلم عليه، فقال عمر للناس: انصرفوا عنا.
ثم قال لأبي عبيدة: اذهب بنا إلى منزلك يا أبا عبيدة..
ودخل عمر فلم ير في البيت شيئا فقال: أين متاعك؟
أعندك طعام؟
فقام أبو عبيدة إلى سلة فأخذ منها كسيرات..
فبكي عمر..
فقال له أبو عبيدة: يكفيك من الزاد ما بلغك المحل!
وحان وقت الرحيل
عاش أبو عبيدة في بلاد الشام منذ أن فتحها وإلى آخر لحظة في حياته.
وفي تلك الفترة نزل بالمسلمين في أرض الشام الطاعون، الذي كان يسمى بطاعون عمواس..
فحصد أرواح عدد كبير من المسلمين..
فخاف عمر بن الخطاب على المسلمين وازداد خوفه على أبي عبيدة فأرسل إليه من أجل أن يعود إلى المدينة في أسرع وقت..
فهم أبو عبيدة ما في الرسالة وقال لأصحابه:
إن أمير المؤمنين يريد أن يستبقي ما ليس بباق…
أي: أنه يريد أن أنجو من الطاعون وأظل حيا، وهو يعلم أننا سنموت جميعا إما بالطاعون أو بغيره.
واعتذر أبو عبيدة عن عدم الذهاب إلى أمير المؤمنين عمر وقال له: إني في جند من أجناد المسلمين، ولا أرغب بنفسي عنهم.
فلما وصلت الرسالة إلى عمر بكي بكاء شديدا۔
وبعد فترة توفي أبو عبيدة وجاءت رسالة إلى أمير المؤمنين عمر تخبره بموت أبي عبيدة فبكی عمر وظل يدعو لأبي عبيدة بالرحمة والمغفرة.
وهكذا توفي أبي عبيدة بعد حياة طويلة مليئة بالزهد والورع والبذل والتضحية والجهاد في سبيل الله جل وعلا.
وذات يوم قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: أتمني لو أن هذا الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح..
ولما حضرت عمر الوفاة قال:
لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته فإذا سألني الله عز وجل: لم استخلفته؟
قلت: استخلفت عليهم أمين هذه الأمة.
رضي الله عن أبي عبيدة بن الجراح.