قصص الحيوان فى القرآن الغراب المعلم
نبدأ معكم اصدقائي سلسلة قصص الحيوان فى القرآن وقصة اليوم عن الغراب المعلم نتمنى ان تنال رضاكم.
أنا غراب من الغربان .. ريشي أسود اللون كما تعرفون.. وكنت ذات يوم أقف فوق غصن شجرة كبيرة في إحدى الحدائق..
وبينما أنا في مكاني أقبل ثلاثة من الأولاد للعب والمرح تحت الشجرة التي أقف فوقها .. وكان الجو في هذا اليوم جميلا ممتعا يبعث على البشر والسرور والفرح والمرح..
وبدأ الأولاد في لعبهم ومرحهم فرحين ومسرورين.. فطربت لفرحهم .. وحاولت أن أغني بصوتي لأعبر لهم عن فرحي بهم .. ووجودهم قريبا مني ..
ولكن عندما سمع الأولاد صوتی توقفوا عن اللعب، وأخذوا يتساءلون عن مصدر هذا الصوت المزعج.. فنظر أحدهم إلى الشجرة فوجدنى..
فقال لزملائه وقد أشار إلى: إنه صوت هذا الغراب الأسود ..
فقال آخر: إن شكله يبعث على الضيق والتشاؤم..
لا تشاءم
فحزنت كثيرا في نفسي.. وتأثرت بكلام الأولاد عني.. وقد أردت مشاركتهم في لعبهم ومرحهم.. وغنيت لهم لأدخل السرور عليهم..
وفجأة حاول أحدهم أن يطردني من فوق الشجرة لأنه قد تشاءم من وجودی .. كما أنني- حسب قوله أفسدت عليهم يومهم.. وقام هذا الولد برمي الحجارة الصغيرة على..
فلم أتمالك نفسي وقلت للأولاد بصوت حزين: لم تفعلون معي هكذا أيها الأولاد .. وأنا أحبكم.. وقد فرحت بوجودكم قريبا مني ..
فقال أحدهم: نحن نتشاءم منك..
فقلت له: هذا خطأ كبير منك.. فالمسلم ينبغي ألا يتشاءم من شيء .. والنبي يقول: “لا عدوى ولا طيرة” .. وقد كان النبي لا يتطير..
فقال أحد الأولاد : عندك حق أيها الغراب.. وشكرا لك لأنك ذكرتنا بهذا الأدب النبوى الرفيع..
فقال لى ولد آخر: ولكنك أخطأت أيضا في شيء أيها الغراب..
فقلت له: وما هذا الأمر الذي تراني أخطأت فيه..
فقال الولد : أنت لا تجيد الغناء.. كما أن صوتك مزعج وغير جميل.. وإذا كنت حقا تريد أن تسعدنا فكان ينبغي عليك أن تختار شيئا تجيده وتحسنه لكى تمتعنا به..
قال الغراب: لقد أحسنت في كلامك أيها الولد النبيه، ولقد ذكرتني بقول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
قال الولد : هذا كلام حكيم منك أيها الغراب..
الغراب: شكرا .. شكرا يا صديقي .. فأنت الذي نبهتني إلى هذا الأمر.. ولذلك سوف أسعدكم وأمتعكم بشيء أجيده الآن..
قصة الغراب المعلم
تعجب الأولاد وقالوا: وما هو هذا الشيء الذي تحسنه وتجيده أيها الغراب؟
قال الغراب: ينبغي أو أن تعرفوني بأنفسكم..
فقال أحد الأولاد : اسمى سعد .. وهذا أيمن.. وهذا حسن..
ضحك الغراب وقال: أسماؤكم يا أصدقائي تبعث على التفاؤل حقا .. وقد كان الرسول يحب الفأل الحسن..
قال سعد : شكرا لظرفك معنا أيها الغراب.. والآن بأي شيء تريد أن تمتعنا؟
فقال الغراب: سوف أحكى لكم قصة جدي غراب ابني آدم..
وهنا قال الأولاد بدهشة: غراب ابني آدم.. يبدو أن فصيلة الغربان قديمة جدا .. قال الغراب: نعم.. فنحن الغربان من أقدم الطيور التي تعيش في الأرض.. فمنذ زمن بعيد .. بعيد .. خلق الله سبحانه آدم عليه السلام .. وأمر الملائكة أن تسجد له تكريما .. وتعظيما لخالقه .. فسجدت الملائكة كلهم إلا إبليس الذي رفض أن يسجد لآدم مدعيا أنه خير منه.. لأن الله خلقه من النار.. وخلق آدم من الطين..
قال حسن: نحن نعرف أن الملائكة خلقت من النور.. فكيف يقول إبليس إنه خلق من النار..
قال الغراب: كان إبليس من الجن المؤمنين الطائعين ، وكان كثير العبادة والتقرب إلى الله ، واتصف بأفعال الملائكة وتشبه بهم ، وتعبد وتنسك، فأكرمه الله سبحانه ، ورفعه إلى درجة الملائكة ..
وعندما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم ، فتن إبليس بنفسه واغتر بمنزلته، وظن أنه خير من آدم واستكبر أن يسجد له، فعصي أمر الله .. وهكذا امتلأ قلب إبليس حسدا وكبرا فأبى أن يسجد لآدم ..
قال سعد : إذن الصراع بين آدم وذريته من جهة وإبليس اللعين من جهة أخرى صراع قديم جدا..
قال الغراب: نعم يا سعد، فمنذ هذه اللحظة انكشف ميدان المعركة الخالدة: المعركة بين طبيعة الشرفي إبليس، وبين خليفة الله في الأرض، المعركة الخالدة في ضمير الإنسان، المعركة التي ينتصر فيها الخير بمقدار ما يتمسك الإنسان بعهده مع الله، وينتصر فيها الشر بمقدار ما يستسلم الإنسان لشهوته، ويبعد عن ربه ..
ابليس عدو الانسان
فقد طرد الله سبحانه إبليس من رحمته ، وحذر آدم منه ومن كيده ، وأخبره بأن إبليس صار عدوا له ولذريته من بعده.. وتوعد إبليس آدم وذريته بأن يغويهم ويبعدهم عن عبادة الله حتى يحشروا معه في النار ، فسأل الله أن يؤخر موته إلى يوم القيامة ليواصل کيده لآدم وذريته.
قال أيمن: وهل بدأ الصراع هكذا مباشرة؟
قال الغراب: لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يؤنس آدم في وحشته.. فخلق له حواء لتكون زوجة له .. وأسكنهما الجنة يأكلان من خيراتها ويتنعمان بثمارها وطيبها ، وحذرهما أن يأكلا من شجرة واحدة معينة منها .. وحذرهما الله – سبحانه . من إبليس ومكائده ، ووجدها إبليس فرصة مناسبة لإغواء آدم وزوجه وإخراجهما من الجنة، فبدأ يوسوس لآدم وزوجه ويزين لهما الأكل من هذه الشجرة ،
ويقسم لهما أنه ناصح أمين، وأنهما إذا أكلا من هذه الشجرة حصل لهما الخلد في هذا النعيم ، ولن ينقطع ملكهما ذلك ولن يبيد .
فاغتر آدم وحواء بكلام إبليس وصدقاه ، فأكلا من الشجرة وعصيا الله سبحانه.. فأهبط الله عزوجل آدم وحواء ومعهما إبليس إلى الأرض ليبدعوا على ظهرها رحلة حياة جديدة من التعب والشقاء والصراع …
وبدأ آدم عليه السلام مسيرة الحياة على الأرض ، وعلمه الله سبحانه صنعة كل شيء فبدأ يزرع ويحصد، ويغزل وينسج.. ويحفر الآبار ويعمر الأرض.. ورزق الله آدم وحواء بالبنين والبنات ، فقد كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى ..
وأمره الله أن يزوج كل ابن أخت أخيه التي ولدت معه ، والآخر بالأخرى، وهكذا ، ولم يكن تحل أخت لأخيها الذي ولدت معه.
ولم تلد حواء في بطن واحد غير شيث.
قال سعد : أظن أنه كان لا بد من هذه الطريقة في الزواج حتى تكثر ذرية آدم..
قال الغراب: نعم يا سعد .. ولكن حدث أمر عجيب عندما حان موعد أول زواج سيتم بين أبناء آدم…
فقال حسن: وما هو هذا الأمر أيها الغراب؟
بداية الصراع
قال الغراب: أراد هابيل بن آدم أن يتزوج بأخت قابيل أخيه الأكبر، حسب شريعة آدم – عليه السلام. في زواج أبنائه ، ولكن قابيل رفض ذلك وأراد أن يتزوج بأخته التي ولدت معه في بطن واحد ، لأنها كانت أجمل من أخت هابيل ، وقال لهابيل: هي أختى ولدت معي، وأنا أحق بها.
قال أيمن: إذن إبليس بدأ رحلة الصراع مع أبناء آدم.. فماذا فعل آدم عليه السلام أمام هذه المشكلة الجديدة..
قال الغراب: أمر آدم ابنيه أن يقرب كل واحد منهما قربانا لله تعالى، ومن يتقبل الله قربانه، فهو أحق بالأخت الجميلة..
وقال سعد: هذا حل عظيم.. ولابد أن كلا منهما قد اجتهد في اختيار أحسن ما عنده ليقدمه قربانا إلى الله تعالى..
قال الغراب: كان هابيل صاحب غنم، فقرب لله كبشا كبيرا سمينا هو أحسن ما عنده من الأغنام، بنفس طيبة، بينما قرب قابيل صاحب الزرع أسوأ ما عنده من الزرع والحرث.
فتقبل الله سبحانه قریان هابيل، وهنا وجد إبليس اللعين الفرصة المناسبة ليوقع بين الأخوين، فملأ قلب قابيل حسدا وبغضا على هابيل، مما جعل قابيل يتوعد أخاه بالقتل وكان هابيل سمحا طيبا، فقال لأخيه: إنما يتقبل الله من المتقين الذين يخافون الله في أفعالهم وأعمالهم.
ورفض هابيل أن يواجه صنع أخيه الفاسد بمثله تورعا عن المعصية وخوفا من الله سبحانه .. . قال حسن: ولكن من أين عرف قابيل القتل؟
قال الغراب: كان قابيل يرى الحيوانات والطيور من حوله وهي تتشاجر مع بعضها .. وربما قتل بعضها الآخر..
قال أيمن: وهل كان قابيل جادا في تهديد هابيل؟
فقال الغراب: لقد زين إبليس لقابيل أمر القتل.. مما جعله يظن أن الأمر سهل.. وإذا تخلص من هابيل فسوف يتزوج بأخته .. ولذلك امتلأت نفس قابيل حسدا وبغضا وحقدا على أخيه فقتله.
أول جريمة قتل
قال أيمن: يا له من ذنب عظيم أن يقتل الإنسان أخاه ظلما وعدوانا ..
وقال سعد : وماذا فعل قابيل بعد أن قتل أخاه؟
قال الغراب: حمله على كتفه .. وجعل يدور به حيران لا يعرف ماذا يفعل بجثة أخيه.. فلم يكن عند الإنسان علم بدفن الموتى..
وقال حسن: ربما يفهم من ذلك أن هابيل هو أول من مات من بني آدم فوق الأرض..
والعجيب في الأمر أن يموت قتيلا ..
قال الغراب: صدقت يا حسن.. هابيل هو أول من مات من بني آدم.. وهو أول قتيل فوق ظهر الأرض..
فقال أيمن: وكيف استطاع قابيل أن يتخلص من جثة أخيه؟
قال الغراب: لقد شاءت حكمة الله أن توقف قابيل أمام عجزه – وهو الباطش القاتل عن أن يوارى جسد أخيه..
وفي هذه اللحظات المريرة التي كان قابيل يعيشها .. أرسل الله سبحانه أمام قابيل غرابين أخوين يقتتلان فيما بينهما، فقتل أحدهما الآخر، فحفر الغراب القاتل في الأرض حفرة ثم وضع فيها الغراب القتيل ثم غطاه بالتراب.
الغراب يعلم الانسان دفن الموتى
قال حسن: إذن أمة الغربان هي التي علمت الإنسان كيفية دفن الموتى.. قال الغراب: نعم يا حسن.. فلقد دفن قابيل أخاه في الأرض كما رأى الغراب يفعل..
وقال سعد : الإنسان مدين لكم يا أمة الغربان بهذه النعمة العظيمة.. نعمة الدفن.. التي حفظت للإنسان كرامته بدلا من أن يترك جسد الميت في الخلاء تأكله الحيوانات والطيور..
قال أيمن: ولكن ماذا فعل قابيل بعد ذلك؟ فقال الغراب: لما دفن قابيل أخاه ازداد تحسرا وندما، ولم يكن ندمه ندم التوبة – وإلا قبل الله توبته- وإنما كان الندم الناشئ من عدم جدوى فعلته، وما أعقبته له من تعب وعناء وقلق.
قال سعد : هذا ما كنت أتوقعه، فهذه هي عاقبة البغي والحسد والظلم،
قال الغراب: صدقت يا سعد..
وهنا قال أيمن: نشكرك أيها الغراب على هذه القصة المفيدة.. ونتأسف لك على ما بدر منا نحوك..
قال الغراب: شكرا لكم يا أصدقائي.. فكما أنتم تعلمتم مني .. فقد تعلمت أنا منكم أيضا .. ويسعدني أن نكون جميعا أصدقاء منذ اليوم..
قال الجميع: ونحن نرحب بصداقتك أيها الغراب المعلم