قصص الحيوان في القرآن النملة الحكيمة
أصدقائي نستكمل معكم سلسلة قصص الحيوان فى القرآن وقصة اليوم عن بعنوان النملة الحكيمة نتمنى أن تنال رضاكم.
كان بعض الأولاد يلعبون تحت ظل شجرة كبيرة، فذهب أحدهم ليستريح بعض الوقت ويجلس فوق صخرة كبيرة قريبة منهم..
وبينما كان الولد جالسا فوق الصخرة وقعت عيناه على نملة تحمل في فمها قطعة صغيرة جدا من ورقة شجرة وتريد أن تصعد بها فوق الصخرة..
فأمسك الولد بعصا صغيرة ووضعها في طريق النملة فسقطت النملة على الأرض.. ولكنها حاولت الصعود مرة أخرى فوق الصخرة.. فأسقطها الولد مرة ثانية.. فكانت النملة تعاود المحاولة.. ووجد الولد في إسقاطها
كلما اقتربت من غايتها لعبة مسلية تسعده وتضحكه..
نملة تتكلم
وفجأة .. التفتت النملة إلى الولد وقالت: كان الأولى بك أن تأخذ مني درسا في الإصرار والعزيمة وقوة الإرادة بدلا من أن تتخذني لعبة لك..
فتعجب الولد وقال: نملة تتكلم..
قالت النملة: نعم أتكلم لكي أعلمك..
فقال الولد: وأي شيء تستطيع نملة صغيرة مثلك أن تعلمه لولد مثلي؟
قالت النملة: عندي الكثير من الأمور تحتاج أن تتعلمها منى.. ولقد تعلم مني قبل ذلك قائد جيش كبير..
تعجب الولد وقال: قائد جيش كبير تعلم منك .. يبدو أنك نملة مغرورة ..
قالت النملة : لا يا عزيزي ليس هذا غرورا .. ولكن هذه هي الحقيقة .. ففي إحدى المعارك، هزم قائد من كبار القادة، فأصابه بأس شديد، وخارت عزيمته، وضعفت إرادته عن مواصلة الحرب مع أعدائه.
وذات يوم، كان القائد يجلس في الصحراء منفردا إلى جوار صخرة كبيرة يفكر ماذا يفعل؟
فرآني أنا النملة الصغيرة وأنا أجر حبة قمح، وأحاول أن أصعد بها إلى منزلى في أعلى الصخرة، ولما سرت بالحبة سقطت مني، فعدت إلى حمل الحبة مرة أخرى فسقطت منى أيضا، وظللت أحاول الوصول بالحبة إلى منزلى عدة مرات دون أن أيأس أو أمل، بل إني كنت في كل محاولة جديدة أزداد إصرارا وعزما.
اصرار وإرادة النملة
وبعد عدة محاولات استطعت أن أصل بالحبة إلى منزلي في أعلى الصخرة .
وكان القائد الكبير يراقبني باهتمام شديد، فتعجب من هذا المشهد الغريب، ومن قوة إرادتي وشدة تصميمي على تحقيق ما أريد، فعاد مسرعا إلى جنوده وقد امتلأ قلبه إرادة وعزما، ونظم جيشه، وأعد جنده لمعركة جديدة.
واستطاع القائد أن يهزم أعداءه بفضل الدروس التي تعلمها منى أنا النملة الصغيرة، وهي: قوة الإرادة، والعزيمة الجادة، ومواصلة الجد والكفاح، والصبر، وقوة التحمل.
قال الولد: أنا آسف أيتها النملة الصغيرة فيبدو أنك نملة حكيمة حقا..
ضحكت النملة وقالت: وأين تكون حكمتي بجانب حكمة جدتي نملة نبي الله سليمان عليه السلام؟
تعجب الفتى وقال: نملة سليمان!!
قالت النملة : ألا تعرف قصة نملة سليمان.. إنها مذكورة في القرآن الكريم..
قال الولد : لقد أعجبنى حديثك أيتها النملة الصديقة.. فأرجو منك أن تحكى لى قصة جدتك نملة سليمان..
قالت النملة : سأحكيها لك أيها الولد الصغير لعلك تستفيد منها .. ولابد أن أذكر لك شيئا من قصة النبي داود وولده سليمان عليهما السلام..
قال الولد : لا بأس أيتها النملة فكلى لك آذان مصغية..
قالت النملة: في قديم الزمان.. طلب بنو إسرائيل من أحد أنبيائهم أن يبعث الله لهم ملكا من الملوك يقاتلون تحت لوائه أهل الكفر والشرك، فاختار الله سبحانه طالوت ملكا عليهم، وأمرهم أن يقاتلوا جالوت وجيشه..
وكان جيش طالوت قليل العدد والعدة بينما كان جيش جالوت كثير العدد والعدة ..
ولكن جيوش المؤمنين لا تنتصر أبدا بكثرة عدد ولا عدة..
وأخبر نبي القوم في ذلك الوقت أن الذي يصلح أن ينضم إلى الجيش لا بد أن يكون درع موسى عليه السلام على مقاسه.
نبى الله داود عليه السلام
وكان داود عليه السلام أخا لعشرة وهو أصغرهم، فاستعرض والد داود الدرع على جميع أبنائه، فلم يأت على مقاس واحد منهم إلا على أصغرهم وهو داود ..
واستطاع داود بذلك أن ينضم إلى صفوف جيش المؤمنين..
وبفضل من الله سبحانه انتصر جيش المؤمنين على جيش الكفار، واستطاع داود أن يقتل جالوت.
وكانت هذه المعركة هي بداية تاريخ داود..
قال الولد : يا لها من بداية رائعة..
قالت النملة: ثم أنعم الله على داود بالملك والحكم والنبوة والعلم، ونعمة العلم هذه من أعظم نعم الله على عباده المؤمنين..
قال الولد: وكيف نستفيد من هذه النعمة؟
قالت النملة: العلم كله هبة من الله، واللائق بكل ذي علم أن يعرف مصدره، وأن يتوجه إلى الله بالحمد عليه، وأن ينفقه فيما يرضي الله الذي أنعم به وأعطاه .. فلا يكون العلم مبعدا لصاحبه عن الله، ولا منسيا له إياه، وهو بعض مننه وعطاياه ..
والعلم الذي يبعد القلب عن ربه علم فاسد، بعيد عن مصدره وهدفه، لا يثمر سعادة لصاحبه ولا للناس، إنما يثمر الشقاء والخوف والقلق والدمار، لأنه انقطع عن مصدره، وانحرف عن وجهته، وضل طريقه إلى الله.
قال الولد: وهل أنعم الله على داود بنعم أخرى؟
قالت النملة: كان داود حسن الصوت فكانت الطيور تجتمع عنده وتأتى إليه من كل ناحية عندما يقرأ مزاميره فتستمع إليه وتقرأ معه ..
وكانت الجبال تردد وترجع معه تسبيح الله وتنزيهة..
وهكذا يتجاوب الكون كله مع ترتيل داود وتسبيحه لحلاوة صوته وحرارة نبراته واستغراقه في مناجاة ربه وتجرده من كل ما يحول بينه وبين ذكر ربه..
صناعة الدروع
وأحب داود الدروع وصار أمله أن يعلمه الله صناعة الدروع، ولذلك لم يتخذ صنعة في حياته إلا عمل الدروع..
وأجرى الله سبحانه وتعالى على يديه معجزة باهرة حيث ألان له الحديد فصار في يده مثل الشمع أو الصلصال، فكان داود يصنع الدروع بيديه ويشكل الحديد على الصورة التي يريدها ..
ووهب الله سبحانه لداود عليه السلام ابنه سليمان..
قال الولد : وماذا أعطى الله لسليمان من النعم ؟
قالت النملة: أكرم الله سليمان بالنبوة والملك والعلم مثل أبيه، وعلمه كذلك كيف يفهم لغة الحيوان والطير..
فلكل خلق من خلق الله لغة يتفاهم بها، والعلماء في الوقت الحاضر يعكفون على معرفة لغات الحيوانات، مثل : لغة النمل، والنحل ، والسمك، فهذه الحيوانات تتفاهم فيما بينها تفاهما غريزيا..
وهذه المخلوقات لا تكون أمما حتى تكون لها روابط معينة تحيا بها، ووسائل معينة للتفاهم فيما بينها.
ملك سليمان عليه السلام
وما وهبه الله لسليمان كان شأنا خاصا به عن طريق المعجزة والخارقة التي تخالف ما يألفه البشر، لا عن طريق المحاولة منه والاجتهاد لتفهم وسائل الطير وغيره في التفاهم على طريق الظن كما هو حال العلماء اليوم.
كما أعطى الله سليمان أمرا آخر حيث سخر له الريح تجري وفق أمره، وينتقل بها من مكان إلى آخر في الأرض التي بارك الله فيها من صحراء فلسطين حتى العراق.
فكانت الريح تمثل مواصلات داخلية له في مملكته.
ويا لها من قدرة عظيمة ونعمة كبيرة من الله سبحانه على سليمان، ولذلك يحكى أن سليمان عليه السلام ركب البساط مرة وسار به الريح فشعر بشيء من الزهو فمال به البساط فكاد أن يقع من فوقه، فقال له: اعتدل يا بساط. فقال له البساط: “أمرنا أن نطيعك ما أطعت الله” فعرف سليمان ذلك فما نسيه بعد.
قال الولد : هذه أمور عجيبة حقا تفوق الخيال..
قالت النملة: والأعجب من ذلك أن الله سخر لسليمان طائفة من الجن يطيعونه وينفذون أوامره ويصنعون له ما يريد ..
فكانوا يغوصون له في أعماق البحر ليخرجوا له كنوز البحر ونفائسه الموجودة فيه، ويعملون أعمالا أخرى شاقة لا يستطيع الإنسان أن يؤديها مثل صناعة المحاريب والتماثيل والجفان الواسعة التي تتسع الإطعام عشرات الرجال، والقدور الضخمة التي لا يمكن نقلها من مكانها ..
تسخير الجن
ومن تمام نعمة الله على سليمان في تسخير الجن أن سليمان وحده كان هو الذي يرى الجن ولا يراهم أجد غيره وذلك حفظا للناس، فالناس يخافون من الجن ويصيبهم الرعب منهم.
وكما ألان الله الحديد لداود فقد صهر الله النحاس لسليمان.
قال الولد : سبحان الله القادر على كل شيء .. ولكن أين جدتك النملة من كل هذه الأحداث؟
وما قصتها مع نبي الله سليمان؟
قالت النملة: ذات يوم جمع سليمان عليه السلام جميع جنوده من الإنس والجن والطير، وكان العدد ضخما كبيرا منظما منضبطا ..
وساروا جميعا حتى وصل الجمع عند وادي من الوديان في سفح أحد الجبال..
وكان هذا الوادى كثير النمل، فسماه القرآن وادي النمل..
وهنا يحدث أمر عجيب فقد سمع سليمان عليه السلام نملة تخاطب بقية النمل وتحذرهم وتطلب منهم أن يدخلوا مساكنهم خشية أن يحطمهم سليمان وجنوده دون أن يشعروا بهم.
أمة النمل
إن النمل أمة من أمم الله تعالى، وهي أمة تعيش حياتها في غاية النظام والدقة، وكل فرد من أفرادها له مهمة، فمملكة النمل مثل مملكة النحل دقيقة التنظيم.
تتنوع فيها الوظائف، وتؤدي كلها بنظام عجيب يعجز البشر غالبا عن اتباع مثله، على ما أوتوا من عقل راق وإدراك عال ..
والدليل على ذلك هو هذه النملة التي تحذر أخواتها النمل من هذا الخطر .. فقد كانت جدتي النملة مكلفة بمراقبة حركة المرور من وإلى وادي النمل وهذه مهمتها .
ولقد قالت النملة للنمل بالوسيلة التي تتفاهم بها أمة النمل، وباللغة المتعارفة بينها ..
ويا لها من نملة حكيمة واعية، فهي تعلم أن من يسير في الطريق لا يلزمه التحرز وإنما يلزم من في الطريق التحرز، كما أنها قالت: (وهم لا يشعرون) كأنها عرفت أن النبي معصوم فلا يقع منه قتل هذه الحيوانات إلا على سبيل السهو وهذا تنبيه عظيم على وجوب الجزم بعصمة الأنبياء عليهم السلام.
وما أحسن هذه اليقظة التامة التي كانت عليها هذه النملة الحكيمة التي تعرف واجبات مهمتها تماما وتعرف كيف تؤديها على خير وجه وأكمل عمل.
قال الولد : لقد أدركت الآن سبب قولك إن حكمتي لا تساوي شيئا أمام حكمة جدتي نملة سليمان..
النملة الحكيمة
فيا لها من نملة حكيمة حقا.. يحق لأمة النمل أن تفخر بها ..
قالت النملة: شكرا لك أيها الولد على اعترافك بهذه الحقيقة.
قال الولد: هذا هو حقكم يا صديقتي.. ولكن ماذا فعل نبي الله سليمان عندما سمع هذا الكلام من جدتك النملة؟
قالت النملة: لما سمع سليمان كلام جدتي النملة ارتسمت ابتسامة كبيرة على وجهه، وشعر بفضل الله الذي أنعم عليه هذه النعمة وقال : (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) (النمل:۱۹ ).
أي يا رب امنعني أن أنسى فضلك على حتى أظل شاكرا حامدا لك لأن هذه نعمة فوق ما أنعمت به على عامة الخلق، ونعمة فوق ما أنعمت به على من سبقني من الأنبياء، وفوق ما أنعمت به على الملوك.
فهو أكثر من الملوك لأن الله أعطاه الملك مع النبوة..
ثم يطلب سليمان من الله تعالى المزيد من الفضل والرحمة فيجعله من عباده الصالحين.
قصة عجيبة
قال الولد: قصتك كلها عجيبة أيتها النملة .. وأنا أقف فيها أمام خارقتين عجيبتين: خارقة إدراك سليمان لتحذير النملة لقومها، وخارقة إدراك النملة أن هذا سليمان وجنوده..
قالت النملة: نعم يا صديقي.. فأما الخارقة الأولى فهي مما علمه الله لسليمان.
وأما عن الخارقة الثانية فقد تدرك النملة أن هؤلاء خلق أكبر، وأنهم يحطمون النمل إذا داسوه، وقد يهرب النمل من الخطر بحكم ما أودع الله فيه من القوى الحافظة للحياة.
أما أن تدرك النملة أن هذا الموكب هو موكب سليمان وجنوده فتلك هي الخارقة الخاصة التي تخرج على المألوف..
فسبحان الله العظيم الذي خلق فسوى والذى قدر فهدى..
قال الولد : أنا أحمد الله يا صديقتي النملة الذي ساقنى إلى هذا المكان اليوم
حتى أتعلم منك كل هذه الدروس العظيمة.