العشرة المبشرين بالجنة عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه
هيا نتعرف على شخصية جديدة من العشرة المبشرين بالجنة وهو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن.. أمه هي الشفاء بنت عوف أسلمت وهاجرت.
وأسلم عبد الرحمن بن عوف قبل أن يدخل رسول الله في دار الأرقم فهو من السابقين الأولين، وشارك في جميع الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم.
عبد الرحمن التاجر الكريم
أخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري رضي الله عنهما، فقال له سعد:
أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالي (أي نصفه) فخذه، وعندی امرأتان أيتهما أعجب إليك حتى أطلقها لك.
فقال عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق فدلوه، فاشترى وباع وربح.
وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبارك له في ماله، فكان ينفقه بكلتا يديه يمينا وشمالا وسرا وإعلانا.. حيث تصدق بأربعين ألف درهم من الفضة ثم أتبعها بأربعين ألف دينار ذهبا على خمسمائة أوقية من الذهب، ثم حمل مجاهدين في سبيل الله على خمسمائة فرس، ثم آخرين على ألف وخمسمائة راحلة.. هذا غير ما أوصى لأمهات المؤمنين.
عبد الرحمن العالم الفقيه
كان عبد الرحمن بن عوف فقيها وعالما فهو تلميذ من تلاميذ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وما يدل على علمه وفقه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلس مع ابن عباس وبعض الصحابة يوما وسأل ابن عباس:
هل سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أمر به المرء المسلم إذا سها في صلاته، كيف يصنع؟
فقال ابن عباس: لا والله، أو ما سمعت أنت يا أمير المؤمنين من رسول الله بما في ذلك شيئا؟
فقال: لا والله..
فبينما الصحابة جلوس جاء عبد الرحمن بن عوف ليجلس معهم، وقال: فيما أنتما؟
فأخبره عمر بن الخطاب مسألته فقال رضي الله عنه: لكني قد سمعت رسول الله يأمر في ذلك.
فقال له عمر: فأنت عندنا عدل، فماذا سمعت؟
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا سها أحدكم في صلاته حتى لا يدري أزاد أم نقص، فإن كان شك في الواحدة والثنتين فليجعلها واحدة، وإذا شك في الثنتين أو الثلاث، فليجعلها ثنتين، وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلائا حتى يكون الوهم في الزيادة، ثم يسجد سجدتين، وهو جالس، قبل أن يسلم ثم يسلم”.
إمام النبي في الصلاة
إنها أعظم منقبة لعبد الرحمن بن عوف لا توازيها منقبة أخرى إمام النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة.. كيف حدث هذا؟
فى غزوة تبوك قدم المسلمون عبد الرحمن بن عوف فصلي لهم، فأدرك رسول الله به إحدى الركعتين فصلي مع الناس الركعة الآخرة.
فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله يتم صلاته، فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التسبيح.
فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته أقبل عليهم ثم قال: “أحسنتم”، أو قال أصبتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها.
عبد الرحمن والتجارة مع الله
إن التجارة مع الله لا تبور، وثواب الآخرة خير من الدنيا وما فيها، ولهذا كان عبد الرحمن بن عوف سخي ينفق في سبيل الله تعالى ما شاء.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول لأزواجه: “إن الذي يحنو عليكن بعدی لهو الصادق البار. اللهم أسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة”.
زهد عبد الرحمن بن عوف
كان رضي الله عنه زاهدا في الدنيا رغم ثرائه، جاء له ابنه يوما بطعام وكان صائما، فقال: قتل مصعب بن عمیر رضی الله عنه وهو خير منی کفن في بردة إن غطى رأسه بدت رجلاه، وإن غطى رجلاه بدا رأسه، وقتل حمزة رضي الله عنه وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسطى، وقد خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.
زواج عبد الرحمن بن عوف
بعدما فتح الله عليه وأخذت تجارته تدر عليه ربحا وفيرا احتاج إلى من تشاركه حياته وتؤنس وحدته، فتزوج امرأة من الأنصار، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال له: تزوجت؟
قال عبد الرحم: نعم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كم سقت (أي كم أعطيتها مهرا)؟
قال: زنة نواة من الذهب.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة؟ ففعل رضی الله عنه.
عبد الرحمن واختيار خليفة الفاروق
لما طعن عمر بن الخطاب وأدرك الناس أنها النهاية وأنه میت، قالوا: أوصي يا أمير المؤمنين: أستخلف – الخليفة من بعدك -.
قال: ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله له وهو عنهم راض، فسم عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن بن عوف.
فلما قبض رضي الله عنه قال لهم عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم.
فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى على.
فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان.
وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف.
وانتهى الأمر باختيار عثمان بن عفان رضى الله عنه.
عبد الرحمن الزاهد في الخلافة
كان رضي الله عنه كما ذكرنا زاهدا في الدنيا وزينتها ولا يبخل بماله في سبيل الله تعالی.
ورغم أنه كان من الستة أصحاب الشورى الذي جعل الفاروق الخليفة من بينهم، ورغم أنه له الحق في الخلافة، إلا أنه آخر من يفكر فيها، فما له وللدنيا.
ولكن الدنيا وزينتها لا تتركه ينعم بالهدوء والسكينة ، فها هو عثمان بن عفان يكتب له العهد بتولى الخلافة من بعده؛ لأنه يرى أنه أحق الناس بها.
فماذا فعل کی ينجو مما قد يفسد عليه دنياه، قام بين المنبر والقبر في المسجد النبوي يدعو.. فقال في دعائه:
اللهم إن كان من تولية عثمان إيای هذا الأمر، فأمتني قبله.
واستجاب الله تعالى لدعائه.. ومات سنة اثنين وثلاثين هجرية، ودفن بالبقيع وكان عمره اثنين وسبعين.