قصص الحيوان فى القرآن الحوت المطيع
أصدقائي نستكمل معكم سلسلة قصص الحيوان فى القرآن وقصة اليوم عن الحوت المطيع نتمنى أن تنال رضاكم.
ذات يوم، قرر والد أحمد أن يسافر مع زوجته وابنه أحمد إلى أراضى الحجاز لأداء العمرة .. فاقترح أحمد على والده أن يسافر عن طريق البحر .. لأنه يحب ركوب السفن .. حتى يستمتع بمنظر البحر.. فوافق الأب على اقتراح أحمد ..
وعندما ركبت الأسرة السفينة كان أحمد يصعد فوق ظهر السفينة كل ليلة ليستمتع برؤية البحر ومنظر البدر الجميل في وسط السماء ..
واعتاد أحمد أن يقرأ كل ليلة بعض ما يحفظ من القرآن..
حفيد الحوت المطيع
وذات ليلة من ليالي السفر.. كان أحمد جالسا فوق سطح السفينة بمفرده.. وكان يقرأ في سورة الصافات بصوت جميل عذب.. حتى وصل إلى الآيات التي تتحدث عن قصة نبي الله يونس عليه السلام.. (وإن يونس لمن المرسلين . إذ أبق إلى الفلك المشحون . فساهم فكان من المدحضين . فالتقمه الحوت وهو مليم . لولا أنه كان من المسبحين . للبث في بطنه إلى يوم يبعثون . فنبذناه بالعراء وهو سقيم . وأنبتنا عليه شجرة من يقطين . وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون . فآمنوا متعناهم إلى حين) سورة الصافات.
فسمع أحمد صوت شيء يتحرك في الماء بشدة.. فنظر أحمد إلى الماء .. فرأي حوتا كبيرا ضخما يقترب من السفينة.. فخاف أحمد خوفا شديدا وتوقف عن القراءة ..
وفي هذه اللحظة كان الحوت قد اقترب جدا من السفينة وأخرج كثيرا من جسمه من الماء حتى أصبح رأسه بمحاذاة أحمد ..
وهنا تكلم الحوت وقال: لماذا توقفت عن القراءة أيها الصبي .. إن صوتك حسن في قراءة القرآن مما دفعني أن أقترب منك وأسمعك..أكمل ..أكمل..
قال أحمد: ولكني أشعر بالخوف منك..
ضحك الحوت وقال: لا تخف يا صديقي.. ولكن قل لي أولا: ما اسمك؟
فقال الصبي: اسمي أحمد ..
قال الحوت: اسمك جميل مثل صوتك.. لقد هزتني الآيات التي كنت تقرؤها من سورة الصافات والتي تتحدث عن قصة نبي الله يونس عليه السلام..
فتذكرت جدي الأكبر الحوت العظيم الذى ابتلع نبي الله يونس..
شعر أحمد ببعض الطمأنينة وقال: وهل حوت يونس كان جدك؟
قال الحوت: نعم.
فقال أحمد: وهل كان كبيرا وضخما مثلك؟
حكاية الحوت المطيع
قال الحوت: كان حجمه أكبر من حجمی بكثير .. فبعض أنواعنا تصل إلى أحجام كبيرة جدا ..
فقال أحمد: وكيف تجد هذه الحيتان الكبيرة ما يكفيها من الطعام؟
قال الحوت: لا تنس يا أحمد أن الله هو الذي خلقها وهو الذي تكفل برزقها ..
فقال أحمد: ما أروع كلامك أيها الحوت الكبير.. والصديق الجديد ..
قال الحوت: بل أروع منه قصة حوت نبي الله يونس عليه السلام.. وسوف أحكيها لك أيضا مكافأة على حسن صوتك في قراءة القرآن.. الذي أمتعتني به الليلة..
فقال أحمد: شكرا يا صديقي الحوت..
قال الحوت: في قديم الزمان، كان هناك قرية من قرى العراق تسمي نينوى، وكان أهلها مائة ألف أو يزيدون، وكانوا يعبدون الأصنام.. فأرسل الله سبحانه إليهم نبيه يونس عليه السلام ليدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر..
ومكث يونس في قومه فترة يدعوهم إلى عبادة الله .. ولكنهم كفروا به وعارضوه معارضة شديدة ..
فغضب يونس عليه السلام، ووعدهم بعذاب الله لهم بعد ثلاثة أيام..
وقرر أن يتركهم ويهاجر.. معتقدا أن الله لن يضيق عليه، فأرض الله واسعة.. وظن أنه سيجد مكانا آخر يكون أهله أكثر قبولا للدعوة وأقل عداوة له..
فقال أحمد: الهجرة حل جميل في مثل هذه الظروف..
يونس عليه السلام في بطن الحوت
قال الحوت: لا يا أحمد، إن الله سبحانه أرسل نبيه يونس عليه السلام إلى هؤلاء القوم خاصة.. وكان لابد أن يتحمل الأذى منهم.. ولا يخرج من بينهم إلا إذا أذن الله له بذلك.. ولذلك لما خرج يونس عليه السلام من نينوى ذهب وركب مع قوم في سفينة.. وبينما هم في وسط البحر.. تلاعبت بهم الأمواج.. وقالوا: لا بد من تخفيف الحمولة حتى تنجو السفينة من الغرق..
وأجروا القرعة.. فوقعت القرعة على يونس.. فأبوا أن يلقوه؛ لأن من معه في السفينة كانوا معجبين به لحلاوة ذكره وتسبيحه لله، ولذلك أعادوا القرعة مرة ثانية، فوقعت عليهـ فأبوا أن يلقوه، فأعادوا القرعة مرة ثالثة فوقعت عليه..
فقام يونس عليه السلام وتجرد من ثيابه ثم ألقى بنفسه في البحر..
فقال أحمد: يبدو أن القرعة لما وقعت على نبي الله يونس في المرات الثلاث جعلته يتيقن أنه هو المطلوب.. وأن هذا قدر الله له..
قال الحوت: نعم يا أحمد .. ولذلك لما ألقى يونس بنفسه في البحر.. أمر الله سبحانه جدي الحوت أن يسرع إلى حيث ألقى يونس بنفسه ويلتقمه في الحال..
فقال أحمد: الحوت الكبير يبتلع يونس عليه السلام .. يا لها من نهاية أليمة..
ضحك الحوت وقال: لا يا أحمد ليست هذه هي النهاية .. فلقد أوحى الله تعالى إلى جدي الحوت: ألا تأكل له لحما .. ولا تهشم له عظما .. فإن يونس ليس لك رزقا.. وإنما بطنك يكون له سجنا..
فقال أحمد: وماذا فعل نبي الله يونس عندما وجد نفسه في بطن الحوت؟
قال الحوت: كان الوقت الذي ألقى فيه يونس بنفسه في البحر ليلا.. لذلك وجد يونس نفسه في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت..
تسبيح يونس عليه السلام
ولكن يونس عليه السلام سمع وهو في بطن الحوت تسبيح دواب البحر.. فقام وصلى الله تعالى، وقال: يا رب اتخذت لك مسجدا في موضع لم يبلغه أحد من الناس.. واستغرق يونس في تسبيح الله سبحانه وتعالى، قائلا: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين..
وعندئذ سمعت الملائكة تسبيح يونس، فقالوا: يا ربنا، صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة..
فقال تعالى: أما تعرفون ذاك؟
قالوا: يا رب، ومن هو؟
قال: عبدی یونس.
قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مجابة..
قالوا: يا رب، أو لا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء .. قال: بلى..
فأمر الحوت فطرحه في العراء..
فقال أحمد: هذا درس عظيم يعلمنا أن العبد كلما كان قريبا من الله في وقت الرخاء حفظه الله من كل سوء وقت الشدة والبلاء، والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقول: “اعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة”.
قال الحوت: ولقد جعل الله سبحانه وتعالى دعوة يونس عليه السلام وقت الشدة بشرى لكل مؤمن يقولها في شدته فهي ليست خاصة بيونس، فقد قال: “دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له”.
وذلك لأن الله تعالى يقول في خاتمة الآية: (وكذلك ننجي المؤمنين).
نجاة المؤمنين من الهم
فقال أحمد: ولقد سمعت أبي يذكر مقولة لأحد الصالحين يقول فيها: عجبت لمن ابتلي بالهم والحزن كيف يغفل عن قول الله تعالى: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين). لأن الله تعالى يقول بعقبها: (ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين).
قال الحوت: صدقت يا أحمد..
فقال أحمد: وماذا حدث ليونس عليه السلام بعد أن قذفه الحوت بالساحل ..
قال الحوت: لما أمر الله سبحانه جدي الحوت بإخراج يونس من جوفه .. استجاب جدي الحوت لأمر الله سبحانه وتعالى .. وذهب ناحية الساحل وألقى بيونس عليه السلام بأرض ليس بها نبت ولا بناء، وهو ضعيف البدن كهيئة الصبي حين يولد ..
وفي هذه اللحظة نزل فضل الله على عبده يونس حيث أنبت الله سبحانه عليه شجرة القرع ليستظل بورقها الكبير الناعم.. ويتغذي بثمرها ..
وبعد فترة عادت إلى يونس عافيته وقوته ..
فقال أحمد: ما حكيته لي أيها الحوت الصديق هو ما كان من أمر نبي الله يونس عليه السلام لما ترك قومه.. ولكنك لم تخبرني عما حدث لقوم يونس بعد أن تركهم..
قال الحوت: إن يونس عليه السلام قبل أن يترك قومه .. كان قد وعدهم بعذاب من الله تعالي سيحل بهم بعد ثلاثة أيام نتيجة تكذيبهم وكفرهم .. وحينئذ رأى قوم يونس غيما وعواصف ورياحا شديدة وانقلابا في الطبيعة، فذهبوا إلى ذوى الرأي فيهم فقالوا لهم: إن هذه بداية عذاب سيصيبهم به الله سبحانه وتعالى لما فعلوه مع نبي الله يونس. وقالوا لهم: اذهبوا لترضوا يونس لأن الله تعالى هو الذي أرسله لكم فأمنوا به ليكشف الله عنكم الغمة ..
القرية المؤمنة
ولكنهم لم يجدوا يونس.. فآمنوا جميعا وبدءوا يردون المظالم إلى أهلها حتى قيل إن الرجل كان يهدم جدار بيته لأن به حجرا سرقه من جاره ويعيد لجاره الحجر..
فرضى الله سبحانه وتعالى عنهم وقبل توبتهم وأحسن إيمانهم.. ورفع الله سبحانه عنهم العذاب..
فقال أحمد: وهل عاد إليهم نبي الله يونس بعد ذلك؟
قال الحوت: نعم يا أحمد .. فقد عاد إليهم نبيهم يونس يعلمهم الخير، ويبين لهم طريق الإيمان..
فقال أحمد: هذه قصة عظيمة يا صديقى الحوت.. وما أحسن استجابة جدك الحوت لأمر الله سبحانه عندما ابتلع يونس عليه السلام.. .
قال الحوت: ولا تنس أيضا يا أحمد، صلاح نبي الله يونس الذي دعا الله سبحانه وذكره وصلى له في مكان لم يعبد الله فيه أحد من الناس غيره، وهذا المكان هو بطن جدي الحوت، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى” .
فقال أحمد: أشكرك يا صديقي الحوت على هذه اللحظات الجميلة التي قضيتها معي في هذه الليلة..
قال الحوت: أنا الذي أشكرك يا أحمد لأنك ذكرتني بهذه الأحداث الجميلة..
وعليك أن تداوم على قراءة القرآن وتجتهد في طلب العلم وتعلمه لغيرك، فإننا معشر الحيتان ندعو لأهل العلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير”.
فقال أحمد: جزاك الله خيرا أيها الحوت..
ولا تنس كذلك يا أحمد أن تقول دائما: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين).
وانصرف الحوت وترك أحمد يتدبر ما سمعه من الحكايات.. وبعد لحظات واصل أحمد قراءة القرآن مرة ثانية.