العقيدة الإسلامية للأطفال والناشئة الإيمان بالقضاء والقدر
أعزائي الأبناء من الأطفال والناشئة نتابع اليوم ما بدأناه من الحديث عن العقيدة الإسلامية، وحديثنا اليوم عن الإيمان بالقضاء والقدر.
الإيمان بالقضاء والقدر:
وهو التصديق الجازم بأن كل خير وشر فهو قضاء الله وقدره، وأنه الفعال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وأن كل أمر مكتوب في اللوح المحفوظ، وأنه خالق العباد وأفعال العباد (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96).
ومع ذلك فقد أمر العباد ونهاهم وجعلهم مختارين لأفعالهم غير مجبورين عليها، بل هي واقعة بحسب قدرتهم وإرادتهم.
والله خالقهم وخالق إرادتهم وخالق قدرتهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وهذا هو مجمل الإيمان بالقضاء والقدر، وإليك تفصيل لبعض المسائل المتعلقة بهذا الموضوع :
الله تعالى وسع علمه كل شيء ما كان وما سيكون وما لم يكن.
ومن بين ذلك أعمال الإنسان قبل أن يخلق ورزقه وأجله وكل ما يتعلق به من أمور.
لكن هذا العلم لا يعني إجبار الإنسان وسلب حريته في العقيدة والعمل، وتوضيح ذلك في النقاط القادمة.
العقيدة الإسلامية للأطفال
وقد أمر الله تعالى القلم عند بداية الخلق بأن يكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة وكل ذلك موجود في اللوح المحفوظ.
الله فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير، ومشيئته شاملة نافذة لا يردها شيء.
وقدرته لا يعجزها شيء، فجميع الحوادث واقعة بمشيئته وقدرته سبحانه، ولا يمكن حدوث شيء خارجا عن مشيئة الله تعالى.
والله تعالى خالق لكل شيء ومن بين ذلك خلقه تعالى لأعمال العباد (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ).
ومع أنها أعمالهم باختيارهم فإن الله تعالى هو الذي خلقها لهم ولم يخلقها الإنسان لنفسه.
وقد ضلت بعض الفرق في هذه المسألة فقال بعضهم بأن الله تعالى لا شأن له بأعمال العباد ولا يستطيع التحكم فيها.
وقال آخرون بأن العبد مجبور على أفعاله ولا مشيئة له، والله يعاقبه ويخلده في النار على أمر لم يختره وهذا ظلم يتعالى عنه رب العزة سبحانه.
واعلم أن الذي عليه الأئمة المحققون ودل عليه الكتاب والسنة أن المشيئة والمحبة ليستا شيئا واحدا ولا هما متلازمتان.
بل قد يشاء الله ما لا يحبه كمشيئة سبحانه وجود إبليس وجنوده ومشيئته العامة لجميع ما في الكون مع بعضه لبعضهم فشاء عز وجل ما لا يحب.
وقد يكون يحب أمر، لكنه لا يشاء أن يحدث، كمحبته إيمان الكفار وتوبة الفاسقين، ولو شاء ذلك لوجد كله، فانه ما شاء سبحانه كان وما لم يشأ لم يكن.
وأنواع القضاء ثلاثة:
قضاء يستوجب الصبر:
وهو كل ما يحدث للإنسان بدون تدخل من إرادته، كموعد ولادتك وموتك ومن هم من والديك والبلد التي ولدت فيها والذكاء والوسامة والقبح وسعة الرزق وضيقه…. الخ.
وهذه كلها أمور يجب تقبلها وعدم الاعتراض على حكمة الله تعالى فيها.
قضاء يستوجب المعالجة:
وهو ارتباط الأسباب بالمسببات، فقضاء الجوع يعالج بالأكل، وقضاء المرض يعالج بالدواء، وقضاء النجاة من الغرق يعالج باتخاذ الأسباب الدافعة له.
ولذا قال عمر حين سأله أبو عبيدة : “أتفر من قدر الله؟”.
قال عمر: “نعم، أفر من قدر الله إلى قدر الله”.
قضاء أنت حر فيه:
وهو سلوكك تجاه التكاليف الشرعية، وهل تعصي أم تطيع، فهذه أمور أنت حر فيها، ومتى ما رفعت عنك حرية الاختيار رفع عنك التكليف، لأنك مضطر والمضطر لا إثم عليه ما لم يبغ أو يعتدي.
وسلوكك هذا يجري ضمن مشيئة الله تعالى وعلمه الذي وسع كل شيء كما شرحت سابقا.
وإذا أصابتك مصيبة فلا تقل لو كان كذا لكان كذا، بل لم وارض وقل قدر الله وما شاء فعل فإن (لو) تفتح عمل الشيطان.
ولتكن قاعدتك دائما: افعل المأمور واترك المحظور واصبر على المقدور..
وأما مسألة الهداية والضلال فالله سبحانه وتعالى منزه عن الظلم، فهو لا يضل إلا من آثر الضلالة على الرشاد، حيث أن الله تعالى ألهم النفس الفجور والتقوى.
فالذين اهتدوا يزيدهم هدى، والذين زاغوا يزيغ الله قلوبهم، ولا يجبر الله تعالى أحدا على ضلال، وإلا لكان ذلك منافيا للعدل الإلهي.
وقد يجعل الله الدعاء من يم أسباب دفع البلاء أو جلب و الرزق، كما قد يجعله من أسباب إبعاد الإنسان عن المعاصي أو تيسير الطاعات له.
العقيدة الإسلامية للأطفال
ومن هذا الباب يكون أثر الدعاء في القدر.
أما ما كتب في اللوح المحفوظ فهو علم الله تعالى الذي لا يبدل. ولهذا لزم اللجوء إلى الدعاء، ومن هذا الباب دعاء رسول الله پر (وقني شر ما قضيت) (رواه أحمد)
ويجب على المؤمن ألا يرضى بالذنوب والعيوب ومخالفة الإسلام، لأن الله تعالى أمره ألا يرضى بها، وأن يحاربها ويعمل على إزالتها.
بل ويجب عليه طاعة الله تعالى والتوبة والاستغفار من الذنوب، ولا يحتج بأنها مقدرة عليه لأن هذا الاحتجاج مرفوض.
والرضا بالقضاء هو التسليم وسكون القلب وطمأنينته للقضاء الذي قضى به الله سبحانه وتعالى وهو الحكيم العليم.
وهو جزء لا يتجزأ من الإيمان، وهو ركن من أركان الإيمان عند جمهور العلماء.
يتبع موضوع القدر مسألة التوكل على الله تعالى، وهو إنما يكون مع الأخذ بالأسباب الضرورية لنجاح أي عمل.
وترك الأسباب بدعوى التوكل لا يكون إلا عن جهل بالشرع أو فساد في العقل.
فالتوكل محله القلب والعمل بالأسباب محله الأعضاء والجوارح.
والقدر لا يمنع العمل ولا يصح الاتكال عليه، لأن الإنسان مأمور باتخاذ الأسباب وانظر إلى قوله تعالى: (خُذُوا حِذْرَكُمْ) (النساء: 71).
وقوله (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (الأنفال: 60) وغيرها من الآيات التي تحث المؤمنين على اتخاذ الأسباب.
نتائج الإيمان بالقضاء والقدر
إن اعتقاد القضاء والقدر الصحيح تنجم عنه الأفعال الصحيحة وتتبعه الصفات الحميدة من بسط اليد في النفقة والصدقة والجرأة والإقدام والشجاعة.
ويبعث على اقتحام المهالك في سبيل الحق وحماية الدين، ويلهج أهله بقولهم: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 51).
وعندها سيقدم المؤمن ولا يخشى الموت، وينفق ولا يخشى الفقر ويقول كلمة الحق ولا يخشى في الله لومة لائم.