رجال حول الرسول أبو هريرة رضى الله عنه
يسعدنا أن نقدم لأطفالنا سلسلة قصص بعنوان رجال حول الرسول وشخصية اليوم هو أبو هريرة رضي الله عنه.
من يكون؟
قال الشيخ إسماعيل بصوت واضح للأطفال الذين جلسوا أمامه:
یا أبنائي إننا اليوم سوف نتحدث عن قصة رجل كثيرا ما نسمع اسمه عندما يروى أحد حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأنا وزملائي من شيوخ الأزهر وأئمة المساجد نذكره على الدوام فهو شخصية عظيمة حفظت الكثير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وعلمها للصحابة الذين نقلوها عنه وعلموها لغيرهم حتى وصلت إلينا بعدما حققها العلماء وصححوها حتى لا يلتبس كلام النبي صلى الله عليه وسلم بكلام غيره.
وهذا الصحابي في الجاهلية كان اسمه « عبد شمس » فلما أسلم غير النبي اسمه إلى «عبد الرحمن » ولكنه اشتهر بكنيته التي إن قلتها عرفتموه على الفور ، فهل تعرفون من هو؟
صمت الجميع .. فقال الشيخ إسماعيل، وهو يبتسم … حسا إن كنيته جاءت من أنه في صغره كانت له هرة يعتني بها ولا تفارقه أبدا ..
وهنا لم يستطع الأطفال الصمت فقد أدركوا اسمه وتنافسوا على الإذن بالإجابة ..
وابتسم الشيخ إسماعيل للمرة الثانية وهو يقول:
أعلم أنكم جميعا قد أدركتم اسمه من كنيته التي اشتهر بها، ودعوني أجيب نيابة عنكم إنه سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه.
قالت فاطمة:
كيف يا أبي يستطيع الإنسان حفظ آلاف من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخطئ ؟
قال الشيخ :
يا بنيتي إن لهذه قصة ولو انتظرتي قليلا لأخبرتكم جميعا بها ..
فضائل أبو هريرة
والآن يا أبنائي اسمعوني جيدا فشخصيته جديرة بالاستماع، وأخذ الشيخ يحكي عن فضائل أبي هريرة والجميع ينصت في اهتمام .
لقد كانت لسيدنا أبي هريرة ذاكرة قوية وكان سبب ذلك تأمين النبي صلى الله عليه وسلم على دعائه ..
فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد يوما فوجد أبا هريرة وزيد بن ثابت، وصاحب له يدعون الله تعالى، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم وسمع دعاء زيد وصاحبه وأمن على دعائهما وقال : آمين … آمين ، ثم دعا أبو هريرة قائلا: اللهم إني أسألك ما سألك صاحباي وأسألك علما لا ينسى .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم آمين .. آمين ، وسارع « زید بن ثابت ، يقول : ونحن نسألك علما لا ينسى .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لقد سبقكم بها أبو هريرة » .
ولعل یا أبنائي ما يدل على قوة حفظه ويبرهن عليه أن في عهد مروان بن الحكم ، كان قد دعاه وطلب من كاتبه أن يجلس خلف حجاب يكتب ما يقوله « أبو هريرة » فلما جاء ، طلب « مروان » أن يحدثه بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، وبعد عام كامل دعاه وطلب أن يحدثه بنفس الأحاديث التي كان قد دونها كاتبه فأخبره بها ولم ينس حرقا واحدا مما قال .
وهكذا يتبين عظمة هذا الصحابي وقوة حفظه .
رجال حول الرسول أبو هريرة
أبنائي …
على الرغم مما أنعم الله عليه به إلا أنه تعرض لبعض المواقف الصعبة لكثرة إخباره بأحاديث المصطفى .
قال عبد الرحمن» : كيف ذلك إنه لشرف أن يحفظ الإنسان أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ويحدث بها الناس؟
قال الشيخ :
نعم يا بني ولكن الحديث بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لا شك يختلف عن حديث غيره من البشر لأنه وحي من السماء وتشريع يعمل به الناس ولهذا قال : ” من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار” .
ولو أدركتم معنى هذا أدركتم خطورة أن يقول الإنسان حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا يعلم أنه غير صحيح .
وأن أعداء الإسلام وأصحاب المصالح والأهواء ذكروا أحاديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدث بها أمته ويعمل بها الناس بحسن نية.
رجال حول الرسول أبو هريرة
ولهذا كله وجد أبو هريرة معارضة شديدة من عمر بن الخطاب » رضي الله عنه فقد قال له يوما : لتتركن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس ويقصد أن ينفيه إليها بعيدا عن الناس.
وما كان ذلك إلا لخوف عمر أن يخلط الناس بين أحادیث النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن ولذلك كان يقول : اشتغلوا بالقرآن فإن القرآن کلام الله ..
ولكن مع ذلك كان «عمر» يعلم أن أجدر الناس بالحديث عن النبي هو « أبو هريرة » ويعلم ورعه وصدقه وإخلاصه ولكن كان يخاف أن يختلط الأمر على الناس بين كلام الله وكلام رسوله.
ولكن أبا هريرة ظل يحدث ويقول: والله لولا آية في كتاب الله ما تحدثت بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى :
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ .
فكما تروا يا أبنائي …
كان يخاف الله أن يحاسبه فهو أكثر الصحابة جلوسا في المسجد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فضلا عما أنعم الله به عليه من قوة حفظه ببركة تأمين النبي على دعائه ، وكتم الحديث كتم للعلم وضياع لمصالح الناس وتيسير دينهم فالسنة مكملة للقرآن ومفسرة له . .
ولو انتقلنا إلى جانب آخر من شخصية أبي هريرة، لوجدناه قصة نجاح وكفاح ولنسمع ما يقوله هو عن نفسه..
قال: لقد نشأت يتيما وهاجرت مسكينا كنت أعمل أجيرا لامرأة هي بسرة بنت غزوان..
وكان يشتد بي الجوع وكنت أسأل الرجل من أصحابي عن آية وأنا أعلمها عسى أن يأخذني إلى بيته ويطعمني .
وقد اشتد بي الجوع ذات يوم حتي شددت على بطني حجرا فمر بي أبو بكر فسألته عن آية وما سألته إلا ليدعوني …. فما دعاني .
ثم مر عمر فلم يدعني أيضا حتى مر النبي صلى الله عليه وسلم وعرف ما بي من جوع فدعاني .
رجال حول الرسول أبو هريرة
وبعد يا أبنائي فتح الله على المسلمين وتدفقت الغنائم من هنا وهناك وصار لأبي هريرة مالا وفيرا ومنزلا ومتاعا وتزوج « بسرة بنت غزوان » التي كان يعمل لها أجيرا .
وكان دائم الحمد فيقول: الحمد لله الذي جعل الدین قواما مصير أبا هريرة إماما … الحمد لله الذي علم أبا هريرة القرآن … الحمد لله الذي من على أبي هريرة بصحبة محمد .
وكان رضي الله عنه من العابدين الأوابين يتناوب هو وزوجته وابنته قيام الليل فيقوم ثلثه وتقوم زوجته ثلثه وتقوم ابنته ثلثه وهكذا لا تمر ساعة إلا وفي بيت أبي هريرة طاعة وصلاة وذكر .
وروى عنه أنه كان يسبح ۱۲ ألف تسبيحة ويقول: أسبج بقدر ذنوبي وكان له خيط فيه ألف عقدة لا ينام حتى يسبح به .
ومع ورعه وتقواه وعبادته كان أيضا حليما كريما .
فقد كانت له جارية أساءت إليه يوما فغضب ورفع السوط ليضربها تأديبا لها ثم توقف وقال:
لولا القصاص يوم القيامة لأوجعتك كما أذيتنا، ولكن سأبيعك لمن يوفيني ثمنك وأنا أحوج ما أكون إليه … اذهبي أنت حرة لوجه الله تعالی .
ومما يروى يا أبنائي من عظيم شمائله أنه كان له أم على الشرك رغم إسلامه ، يدعوها للإسلام بالحجة والإقناع فترفض وقالت له يوما كلاما عن النبي صلى الله عليه وسلم أحزنه وأبكاه فذهب للنبي يبكي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « ما يبكيك يا أبا هريرة؟!» .
رجال حول الرسول أبو هريرة
قال: أمي يا رسول الله كلما أدعوها إلى الإسلام تأبي واليوم أسمعتني فيك ما أكره .
ثم قال : ادع الله أن يهدي أم أبي هريرة للإسلام … فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما عاد إلى البيت سمع صوت الماء ورأى الباب مغلق وأمه تقول : مكانك يا أبا هريرة « أي لا تدخل » .
فلما ارتدت ثيابها خرجت إليه وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
عاد أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبكي من الفرح ويقول:
لقد استجاب الله لدعوتك وهدى أم أبي هريرة إلى الإسلام .
وبعد إسلام أمه كان بارا بها محسنا إليها أكثر مما كان قبل ذلك فإذا دخل عليها قال : السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته … رحمك الله كما ربيتني صغيرا .
فتقول أمه: وعليك السلام يا بني ورحمة الله وبركاته .. ورحمك الله كما بررت بي كبيرا ..
هذا هو يا أبنائي أبو هريرة، الإنسان الذي حفظ كما يقول المؤرخون ما يزيد على ألف وستمائة حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصور عظمته كثيرة ولكن نكتفي بهذا .
وتوفي – رحمه الله تعالى – في المدينة ، سنة سبع وخمسين . وقبل تسع وخمسين في آخر خلافة معاوية وله من العمر ثماني وسبعون سنة.