نساء حول النبي ذات النطاقين
اليوم سأقدم لكم شخصية عظيمة من نساء حول النبي صلى الله عليه وسلم وهي ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنها.
جلس الأطفال كعادتهم ينتظرون بشغف الشيخ إسماعيل، أن يحدثهم عن الصحابة وسيرتهم العطرة رضوان الله عليهم أجمعين.
فقد صلوا العصر في المسجد وسبقوه إلى المنزل، فجاء وهو يقول: السلام عليکم ورحمة الله وبركاته.
قالوا في آن واحد: وعليکم السلام ورحمة الله وبركاته.
قال الشيخ: أراكم قد جئتم مبكرين عن الميعاد بربع ساعة كاملة..
قال عبد الله: اعذرنا يا شيخ إسماعيل، فإن عقارب الساعة تمضي بطيئة وتحدونا اللهفة لسماع حديثك الشيق عن الصحابة الأبرار.
وهذا ليس رأيي وحدي وإنما نحن جميعا كذلك.
قال الشيخ إسماعيل: الحمد لله الذي هداكم لحب الله ورسوله وصحابته.
وأنصحكم يا أبنائي أن تترجموا هذه المحبة لعمل وتقتدوا بهم، فذاك وحده الدليل العملي لحبكم إياهم وفقكم الله لهذا.
قال أحمد: هذا ما نتمناه يا أبي ونحن نستمع إليك.
ذات النطاقين
قال الشيخ: عظيم جدا والآن اجلسوا فحديثنا اليوم عن صحابية اشتهرت بذات النطاقين، هل تعرفونها؟
قال الجميع: نعم.
واستأذنت فاطمة كي تجيب وقالت: إنها أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.
قال الشيخ إسماعيل: نعم والآن استمعوا إلى جيدا.
أسماء يا أبنائي.. هي الأخت غير الشقيقة لعائشة أم المؤمنين، لأن أم أسماء هي « فتيلة ».
وأم عائشة هي أم رومان، وكان أبوهما أبو بكر الصديق أحب الناس إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا وقد فضلت أسماء أن تعيش مع زوجة أبيها «أم رومان » ومع أختها «عائشة » عن المعيشة مع أمها، وعلى الرغم من أن « أسماء » تكبر عن عائشة بعشر سنوات إلا أنها كانت تحترم مكانتها كزوجة للنبي صلى الله عليه وسلم.
وتناديها « بأم المؤمنين » وكذلك كان يفعل أبوهما أبو بكر رضي الله عنه.
ليلة الهجرة
ولأسماء يا أبنائي لقب مشهور، وهو « ذات النطاقين » أتعرفون لماذا؟
لأنها لما أرادت أن تعلق السفرة شقت نطاقها اثنين، فعلقت السفرة بواحد وتنطقت بالآخر فسميت بذات النطاقين لذلك.
ولقد تعرضت ليلة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبيها لموقف عصيب، فقد جاء أبو جهل لعنه الله عندما خرج أبو بكر والرسول صلى الله عليه وسلم يسأل عنهما في بيت أبي بكر فخرجت له أسماء.
فقال لها: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟
قالت: لا أدري.. فرفع أبو جهل يده ولطم خدها لطمة شديدة أطار القرط من أذنيها، فاستحملت هذا ولم تخبره بمكانهما.
وتمر الأيام وتتزوج أسماء بفارس من أبطال الإسلام وهو الزبير بن العوام الذي كان شديد الغيرة عليها.
زوجة الزبير
ومع ذلك كانت تحبه وتحترمه وتعمل على عدم إثارة غيرته، وتقوم بخدمته هو وأولاده وترعى فرسه المسمى “اليعسوب” فتأتي له بطعامه من النوى في أرض بعيدة لهما، ثم تطحنه بالرحا وتقدمه لفرس الزبير.
وهذا كان يصيبها بالإرهاق والتعب الشديد، ولقد رآها أبوها يوما وشكت له ما تعانيه.
فقال: أتحبين زوجك؟
قالت: نعم ولولا أني أحبه ما صبرت على كل ذلك.
قال: أتحبين أن تكوني زوجته في الجنة؟
قالت: أحب أن أبعث وإنا زوجة له.
قال: إذن اصبري فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثم مات عنها فلم تتزوج من بعده جمع بسهمها في الجنة.
وهذا بالضبط ما حدث يا أبنائي عندما مات الزبير بن العوام، فلم تتزوج بعده حتى ماتت لتكون زوجته في الجنة.
ابناء أقوياء
من صور عظمة أسماء كأم أنها زرعت في أبنائها حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد علمتهم جميعا القرآن، وكانوا ثمانية أطفال خمسة من الذكور هم: عبد الله وعروة والمنذر وعاصم والمهاجر، وثلاث من الإناث وهن: خديجة وأم الحسن وعائشة.
وكانت تحث ابنها عبد الله بن الزبير، وهو في السادسة من عمره على الذهاب إلى المسجد وتشجعه للذهاب إلى خالته عائشة أم المؤمنين، ليتعلم منها والتي كانت تحبه وتعلقت به حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يناديها « بأم عبد الله ».
وكان صلى الله عليه وسلم يحبه لذكائه ويقول: « إنه ابن أبيه ».
وهذا لا شك ثمرة التربية العظيمة له من أمه أسماء.
ولا بد يا أبنائي من ذكر هذا الموقف لعبد الله بن الزبير لندرك عظمة ما غرزته أسماء في قلوب أبنائها وخصوصا عبد الله.
حدث في عهد عمر بن الخطاب أن عبد الله كان يلعب مع صبية في نفس سنه فسمعوا صوتا يقول: أفسحوا الطريق لأمير المؤمنين…
ففر الجميع فقد كان لعمر بن الخطاب هيبة عند الكبار والصغار معا.
ولكن ظل عبد الله واقفا فلفت ذلك نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسأله: لماذا لم تفر مع الصبية؟
قال: ولماذا أفر يا أمير المؤمنين؟ ليست الطريق ضيق فأوسع لك، ولم أقترف ذنبا حتى أخافك، وأنا لا أخشى إلا الله.
فسأله عمر عن اسمه فلم يكن يعرفه إلا صغيرا.
فقال: اسمي عبد الله بن الزبير.
فقال عمر وهو يبتسم: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ابن أبيه.
نعم يا أبنائي من كان أبوه هو الزبير بن العوام، وأمه هي أسماء فلا بد أن تكون الثمرة طيبة وعظيمة.