حكايات بنات الأسيرة
حكاية جديدة من حكايات بنات بعنوان الأسيرة..
جلست (أزهار) الطفلة الصغيرة ذو العشرة سنوات… وحيدة في منتصف فصلها الدراسي…
واضعة يديها على مقعدها (دكتها)… ومسندة رأسها على يديها… بعد أن خرج كل البنات من الفصل لكي يأخذن قسطا من الراح منتصف اليوم الدراسي في الفترة التي تسمى بـ (الفسحة).
لم تعلم (أزهار) كم مر عليها من الوقت وهي في جلستها هذه وعلى حالتها البائسة الحزينة هذه…
فلم تنتبه (أزهار) إلا على صـوت الأرجل المتـلاحقة للبنات زميلاتها اللاتي تصعدن السلم في سرعة كبيرة..
فأحدثن ضجة عالية وصخبا شديدا يقلق من في مثل حالتها من الشرود والتفكير أو أكثر منها..
حكايات بنات الأسيرة
تذكرت (أزهار) في هذه المدة القصيرة .. حياتها كلها التي مرت منذ طفولتها…
وكذلك تذكرت عادتها السيئة وهي الجلوس منفردة لساعات طويلة… لا تختلط بأحد… أو تكلم أحدا… أو تخرج من المنزل بقصد أو بدون قصد.
فلم يكن لهذه الطفلة أزهار أي زميلات أو صديقات… كانت كأنها يرقة في شرنقتا. لا أحد يأتي لزيارتها ولا هي تذهب لزيارة أحد…
أصبحت (أزهار) أسيرة … نعم أسيرة الوحدة حبست نفسها في نفسها.. أغلقت على نفسها كل الأبواب، فليس لها صديقة من قريباتها في الأسرة أو زميلة من رفيقاتها في المدرسة.
كادت الطفلة الصغيرة أن تجن أو تصاب بخلل عقلي مما أثر عليها في تحصيل العلوم في المدرسة..
فكانت أو كادت أن تكون من التلميذات البليدات في الفصل.
حكايات بنات الأسيرة
كان مظهرها لا يقل بشاعة عن مخبرها، فلم تهمل (أزهار) ما بداخلها فقط، ولكن أهملت مظهرها الخارجي أيضا.
ولذلك كانت (أزهار) محل عطف لكل من يراها ويرى منظرها الغريب… بنت صغيرة في مثل سن الزهور ولكن ملامح وجهها توهم الناظر إليها أنها في السبعينات أو التسعينات من العمر…
كان في فصلها بنت اسمها (ميادة)… راجحة العقل رغم صغر سنها… جميلة المنظر في أناقة وهدوء..
تخيم على سمتها الرزانة… كانت هذه البنت (ميادة) مضرب المثل في الأدب والذوق… ليس في فصلها فحسب؛ بل في المدرسة كلها… حتى ذاع صيتها
في كل الإدارة التعليمية… فعرفها بسيرتها من لم يعرفها بشكلها الحميل الأنيق.
لما رأت ميادة أزهار بهذا المنظر فكرت في مشكلة عزلتها عن باقي البنات؛ بل عن باقي المجتمع بأسره، وصممت ميادة أن تحل لها هذه المشكلة.
حكايات بنات الأسيرة
كلمت ميادة زميلة أخرى لها فقالت لها هذه الزميلة: إننا بمفردنا لن نقدر أن نحل هذه المشكلة… فلابد من مساعدة أحد الكبار… فيجب علينا أن نبحث عنه وبسرعة كبيرة .
فكرت البنتان ميادة وزميلتها كثيرا عمن يساعدهما لكي تحل مشكلة زميلتيهما (أزهار)…
وبعد تفكير عميق توصلتا الزميلتان إلى أن أنسب من يقوم بذلك هي السيدة (حنان) الأخصائية الاجتماعية بالمدرسة…
فقد كانت السيدة (حنان) محبوبة من كل التلميذات، فإذا ما تعرضت إحداهن لمحنة هرعت إليها…
ذهبت البنتان (ميادة) وزميلتها إلى الأخصائية الاجتماعية في المدرسة وحكتا لها مشكلة (أزهار) وطلبتا منها مساعدتهما على حل هذه المشكلة.
حكايات بنات الأسيرة
استدعت الأخصائية الاجتماعية (أزهار) في حجرتها، وقالت لها: لابد أن تخبريني عن سبب ما أنت فيه من عزلة!!!
ويجب عليك أن تكوني صريحة معي كل الصراحة لكي تتخطي هذه العقبة في حياتك… فوعدتها (أزهار) بذلك…
وبعد عدة جلسات قضنها (أزهار) مع الأخصائية الاجتماعية وبمساعدة البنتان وقبلهما مساعدة نفسها بدأت (أزهار) في التأقلم مع البنات صديقاتها…
بل تأقلمت مع كل من حولها في الأسرة وفي المدرسة…
وجلست (أزهار) مرة نفس جلستها الأولى ولكنها قالت في نفسها: نعم إن العزلة مثل السجن ولكنه سجن يضربه المرء على نفسه.
لابد أن ننخرط مع أفراد المجتمع لكي يستمتع المرء بالحياة التي يعشها.. فيحس بحلاوتها وجمالها.
أما إذا العزل الإنسان عمن حوله من أصدقاءه وأقاربه وزملاءه، فإنه يضرب على نفسه سجنا بسور حديدي لا يمكن أن يتخلص منه بسهولة.
إن العزلة مثل السجن، لكنه سجن يضربه المرء على نفسه.