الحوار الفعال
ما زال الحديث متواصل مع تربية الابناء واليوم مع المقالة التاسع بعنوان الحوار الفعال..
الحوار يعني أن يكون هناك تبادل وجداني وفكري بين الأب وأبناءه، فيشاركهم أحزانهم وأفراحهم، ويشاركونه أيضاً أفراحه وأحزانه، فتكون حياة الأب مسخرة لأبنائه، فيشاركونه فيها بكل الحب والود والصراحة.
فالحار الفعال هو الذي يكسر حاجز الخوف، ويفتح باباً من الرأي والرأي الآخر، فتقوي شخصية الأبناء، وترسخ الكثير من الأفكار البناءة..
فالأطفال الذين يكلمهم آباؤهم ينشئون أقل ثقة بالنفس من الذين يعودهم آباؤهم علي الحديث والحوار الهادئ ..
فعلي الأب أن ينمي عادة الحوار مع ابنه، فيطرح عليه بعض الأسئلة ليري كيف يجيب عليها، وتعويده أيضاً علي عدم رفع الصوت أثناء الحديث، وعدم مقاطعة المتحدثين ..
فالاستماع إلي الأبناء هو البداية الأولي لتكوين شخصية تجيد الإنصات متحررة من الخجل وتتسم بالقدرة علي التفكير
ولهذا الحوار الفعال أسس من أهمها:
الشورى:
قد ينظر الآباء إلي قراراتهم علي أنها صواب لا تحتمل الخطأ، ويجب علي الأبناء أن يستجيبوا لها، فيتخذ الآباء قرارات كثيرة تهم الأسرة دون أن يعلم أحد بهذا الأمر، فتكون النتيجة فشل العلاقات الأسرية
فللشورى فوائد جمة منها، فإذا وقع الخطأ بعد المشورة يتحمل الجميع الخطأ ولا يتهم أحد بالتقصير، وهذه الشورى لا تنقص من مكانة رب الأسرة، بل علي العكس ترفعه في أعين أبنائه وتزيد من هيبته ..
فعلي الآباء أن يستشيروا أبناءهم لا في شئونهم فحسب، بل أيضاً في شئون الأسرة، وكانت هذه صفة المجتمع المسلم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يفعل أمراً يهم المجتمع إلا وشاور الصحابة، عملاً بقوله تعالي: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}
وقال تعالي: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}
وربما فيهم صغير السن، فقد كان صلى الله عليه وسلم يجلس مع الصحابة، وفيهم من هو أصغر سناً ن كابن عمر، وابن عباس وغيرهما ..
وكلن يعلمهم الشورى من خلال طرح الأسئلة والإجابة عليها، لبث روح التعاون بين أصحابه، فقد جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوماً مع أصحابه وسألهم عن الشجرة الطيبة الواردة في قوله تعالي: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}
فسكت الصحابة وكان فيهم الغلام ابن عمر، ولم يجب أحد، ووقع في قلب ابن عمر أنها النخلة، ولكنه استحي أن يذكر ذلك أمام الصحابة، فلما ذكر النبي لصحابته أنها النخلة، وانفض المجلس، فاخبر ابن عمر أباه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه وقع في نفسه أنها النخلة، فتمني عمر لو قالها ولده، وعاتبه علي عدم إبدائه رأيه، ولو كان أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته .
ويقوم الحوار الفعال أيضاً علي قاعدة أساسية وهي الإجابة علي أسئلة الأطفال بصدق وواقعية..
فقد تزيد أسئلة الطفل في كثير من الأحيان، ويكون بعض الأسئلة محرم في أحيان كثيرة..
تساؤلات الأطفال
فرغبة الطفل في التعرف علي الأشياء المحيطة به من أشخاص، ومواقف، هي التي تدفعه إلي السؤال، فالطفل يطلب المعرفة والفهم ..
وتتغير تساؤلات الطفل في كل مرحلة من مراحل عمره، فهو لا يكف عن التساؤل منذ بداية السنين إلي أن يصل إلي العشرة أو أكثر قليلاً.
وهذا التعطش للمعرفة يكون هدفه حب الاستطلاع، والميل لاكتساب المهارات المختلفة، ورغبة في إظهار المقدرة اللغوية، وبيان نمو المارك العقلية ..
ففي السنين الثانية والثالثة تكون تساؤل الطفل عن أشياء غريبة لا يعرف لها تفسيراً، أنس يراهم لأول مرة، ثم تتطور أسئلته لتدور حول مواقف يمر بها إلي أن تأخذ شكلاً محدداً، فتدور حول مواضيع مختلفة عميقة أو حرجة، قد يصعب علي الأهل الإجابة عنها.. أو قد تثير لديهم شعوراً
بالقلق والخجل، وذلك يدفع الأهل إلي التهرب من الرد علي تلك التساؤلات أو يجيبون عليها إجابة بعيدة عن الواقع والحقيقة، أو يطلبون من الطفل الكف عن طرح الأسئلة ..
فعلي الأب والأم أن يجيبا عن أسئلة الأبناء من خلال الحوار الهادئ، فهم بالنسبة له المصدر الأمثل.
الصراحة في الحوار:
وينبغي أن يتسم الحوار بالصراحة، فالمصارحة صفة المجتمع المسلم العصر.
وخير مثال لذلك نجده في قصة موسي عليه السلام مع احدي ابنتي
الرجل الصالح عندما قالت هذه الفتاة: “يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ”
فكان جواب الأب أنه قال: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ)
فهذا مثال واضح بين الأب وابنته، فالفتاه لم تخف إعجابها بموسى عليه السلام ففهم الأب أن الفتاة أعجبت بموسى لأمانته..
فالخطوة الأولى للمصارحة تأتى من الآباء.
وهذه الصراحة بين الأب وأبنائه تكسبهم الصراحة والجرأة والوضوح، والقدرة علي الحوار، والدفاع عن أفكارهم، وتمييز الخطأ من الصواب،
فكم من شاب نشأ وصار في مصاف الرجال، وهو لا يستطيع الدفاع عن أفكاره، ولا يستطيع الحديث..
فعلينا تعويد الأبناء مكن الصغر علي الصراحة مع الوالدين، فالذكر مع أبيه والأنثى مع والدتها.
لذا علي الآباء تعيد الأبناء علي الصراحة في نقل الحقائق، وما يراه بحرية تامة، وذلك عن طريق التقرب إليهم والتبسط معهم في الحديث ويشاركهم حياتهم ..
الإقناع:
ويجب أن يتسم الحوار بالقدرة علي إقناع الأبناء، فيشرح الأب لأبنائه فائدة تنفيذ ما يطلب منهم وأهميته، ومساعدتهم علي أدائه بنجاح عن طريق التشجيع والإرشاد.
فمن خلال الاتفاق والاختلاف، وإعطاء الخيارات، فالخيارات تزيد من قدرة الأبناء علي اتخاذ القرار.
إتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي موسي الأشعري قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم:علي كل مسلم صدقة.
قالوا: فإن لم يجد؟
قال: فيعمل بيده، فينفع نفسه ويتصدق.
قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟
قال: فيعين ذا الحاجة الملهوف.
قالوا: فإن لم يفعل؟ !
قال: فيأمر بالخير أو قال بالمعروف.
قالوا: فإن لم يفعل.
قال: فيمسك عن الشر فإن له صدقة.
ثمرات الحوار
الصداقة بين الأبناء والآباء هي أهم ثمرات الحوار، فالصداقة هي السبيل لتماسك الأسرة، وتقليل مشاكل الأبناء، وسد فجوات التفكك الأسري، فهي المنفذ إلي قلب الأبناء ومشاكلهم..
فالصداقة هي حصيلة جهود كثيرة من سعة الصدر وتوصيل الحب، ومنح الثقة وكسب الاحترام ..
ولكن كيف نستطيع بناء الصداقة بين الأبناء؟!
لكي يصل الآباء مع أبنائهم إلي مرحلة الصداقة الحقيقة، عليهم أن يراعوا عدة شروط هي:
عدم استخدام أسلوب الضغط علي الأبناء ليحكوا ما يدور بعقولهم.
بل من الأفضل أن يترك الآباء لأبنائهم الفرصة، لأن يفكروا بأنفسهم ويبحثوا عن الإجابات والحلول.
عدم الإكثار من إلقاء الأوامر والتعليمات، فهذا الأسلوب يجعل الابن يشعر أن أبويه يردان تكبيل حريته، ويردان السيطرة عليه مما يفقده الثقة بنفسه.
التعرف علي هوايات الابن، ومساعدته علي تنمية هذه الهوايات والاستمتاع بها، وذلك عن طريق توفير الوقت المناسب لممارستها والمكان المناسب لذلك..
زرع الثقة بالأبناء، فالثقة المتبادلة تربة خصبة للعطاء، وتمكن الابن من زرع كل القيم التربوية والاجتماعية والأخلاقية في نفوس الأبناء.
وإذا كانت الحياة الأسرية تخلو من الثقة، فإن الأبناء لن يتغلبوا إرشادات ونصائح الأسرة، فبناء الثقة أمر ضروري لنجاح الرسالة التربوية.
تقبل النصيحة:
والحوار الفعال بين الأب وأبنائه يجعلوهم يتقبلون النصيحة..
فقد كان السلف الصلح يسارعون في إبداء النصيحة لأبنائهم، بهدف إرشادهم وكف الأذى عنهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
إيماناً منهم أن النصيحة تصد نزعات الشيطان وتقي الأبناء، وتحثهم علي السير في الطريق المستقيم.
فالنصيحة هي بمثابة المصحح للمسار المعوج الذي قد تنزلق إليه قدم الأبناء، فبالنصية يعودون إلي صوابهم..