شقاوة الطفل ضرورية
اليوم مع المقالة العاشرة بعنوان شقاوة الطفل ضرورية..
كثير ما يكون شقاوة الطفل مصدر إزعاج للآباء والأمهات ومن يقوم علي تربيته، ولكن كيف يتصرف الأهل تجاه شقاوة أطفالهم؟
هل الضرب هو الوسيلة الصحيحة للتأديب؟
وهل التوبيخ مع ترديد الكلمات القاسية؟
هل التجاهل كأن الطفل لم يقم بأي عمل ولم يقترف أي خطأ هو الحل السليم؟
كل هذه الأساليب تدفع بالطفل إلي العناد..
وهنا يبدر سؤال: ما هي حدود شقاوة الطفل الطبيعية المقبولة؟
ومتى تتطور هذه الشقاوة لتصير مرضاً؟
والجواب علي كل هذه الأسئلة:
أن النشاط الحركي أمر ضروري للطفل، وحبه للاستطلاع أمر فطري.
وقد تكون شقاوة الطفل تعبيراً عن ذكائه وحب استطلاعه.
لأن الطفل الذكي يهتم باستمرار بالمحيط الذي حوله، وقد تكون الشقاوة عن غير قصد..
فمثلاً عندما يكسر الطفل لعبة فإن هدفه ليس سيئاً أو يقصد به التدمير، ولكنه يظهر قدرته علي الفك والتركيب.
وكذلك ليكتشف كيف تعمل هذه اللعبة، كذلك الشخبطة علي الحائط أو تمزيق الكتب.
ولكن ماذا نفعل تجاه شقاوة الطفل؟
هناك عدة طرق لتوجيه ميول الأطفال وطاقاتهم إلي الاكتشاف ومن أهم هذه الأمور:
أخذ الطفل إلي الأماكن المفتوحة للعب وممارسة الأنشطة المختلفة.
كذلك اختيار الألعاب التي لها دور في حرق الطاقة الزائدة.
وهناك الكثير من الألعاب البسيطة يمكن تفكيكها وتركيبها دون أن يلحق بها الأذى مثل: المكعبات التي تشكل علي هيئة أشكال.
فالتعامل مع الطفل الشقي يجب أن يكون علي أساس أنه طفل يحتاج من يسمعه ومن يجلس معه ويدير معه حواراً.
الحب والحنان
الحب أرض راسخة تنعش القلب، فتملأه نورا وضياءا..
ولأن الأبناء زرع المستقبل، وأمل الأمة المنتظر فهم أولي بالرعاية وأحق بالاهتمام.
فالحب باب من أبواب اللطف والرحمة، كما هو الغذاء النفسي الذي تنمو وتفصح عليه شخصية الأبناء وتنضج.
فإذا أردنا أن ينشا أطفالنا علي الثقة بالنفس والاطمئنان فلابد من منحهم الحب أولا وأخيرا.
ولكن ما المقصود بحب الأبناء؟
الحب لا يعني تلبية كافة رغبات الأبناء.. فهذا هو التدليل، فالحب الفعال هو الذي يحقق نموا سليما في الشخصية.
الأبوة الحانية
الأب الحنون شعاره البسمة الهادئة، ونبراسه النظرة الحانية، حديثه غنوة بشري كالعبير في نفوس أبنائه فيسود الدفء ويعم الود.
وفي هذا الجو البهيج يصبح الباب مفتوحاً لكي نغرس القيم والمبادئ الدينية والأخلاقية في عقول الأبناء، فيدركون معايير الصواب والخطأ.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان قدوة في حبه لأبنائه وأحفاده وللبشر أجمعين..
فذات يوم ذهب أسامة بن زيد إلي بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله عن حاجة له، فخرج إليه رسول الله وقد لف عليه ثوبه وكان أخفي تحته شيئاً..
فسأله أسامة: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فكشف صلى الله عليه وسلم عن ثوبه، فظهر الحسن والحسين، وقال: “هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهم” [ الترمذي ].
وذات يوم أيضاً، رآهما النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب علي المنبر يمشيان ويعثران.
فنزل فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: “صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة، فنظرت إلي هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ” [ الترمذي ].
فقد كان صلى الله عليه وسلم يحبهما حباً كثيراً وقبلهما إذا رآهما، وكان يحب أمهما فاطمة رضي الله عنها، ويفرح لرؤيتهما، ويقول لها: مرحباً يا بنتي ويقبلها ويجلسها إلي جواره.
ومن حنانه ورفقه بالأطفال أنه كان يمسح خد الطفل.
فعن جابر قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلي أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان أي صبيان فجعل يمسح خد أحدهم واحداً واحداً ” [ مسلم ].
كما كان صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار ويمسح رؤوسهم. [ النسائي ].
وكان عمر رضي الله عنه يمشي علي رجليه ويديه وأولاده علي ظهره يلعبون وهو يسير بهم كالحصان..
فيراه بعض الناس فيقولون له:
أتفعل ذلك وأنت أمير المؤمنين؟
فيقول: نعم ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي ” أي في الليونة، والسهولة “.
التعبير عن الحب
يحتاج الطفل الصغير إلى التعبير عن الحب بطرق مباشرة.
ولكن كيف نعبر عن هذا الحب؟
عند استيقاظ الطفل من نومه، فعلي الأم أن تضمه إلي حضنها، وتحكي له ما سيقومان بعمله في هذا اليوم الجديد.
وعند تناوله الطعام ينبغي مداعبته، وبعد حمامه الدافئ يجفف جسمه بلطف.
وقبل خروج الأم من المنزل عليها أن تعطيه جرعة تكفيه من الحنان فترة غيابها عنه.
وعند عودتها تعبر له عن اشتياقها له، وعن سعادتها لرؤيتها من جديد.
كما أن القبلة والكلمة الرقيقة مفتاح سحري لقلوب الصغار.
أما الكبار فهم لحاجة إلي اقتران الحب بالحزم والثبات علي الرأي.
فلا يشعر الابن بأنه حر طليق، وأن الحبل متروك علي غاربه فيفعل ما يحلو له دون ضابط أو رابط.
وأيضاً لا نشعره بأنه محبوس في قنين، تصرفاته تحت المجهر، فالمراقبة المتصلة تضايق الابن.
لذا فلنترك شيئاً من الحرية، وإقناعه أن هذه الحرية سوف تسلب منه إذا أساء استعمالها.
فالحقيقة أن الابن يحتاج إلي الحب لا الخفاء، فلابد من التوسط في العواطف.
فلا نبالغ في الحنان بشكل زائد، ولا نبالغ في الجفاء وحرمان الطفل من الحنان.
ولكي يشعر الابن بهذا الحب علينا أن نشعره بالاستقرار الأسري الذي هو من أهم عوامل بناء شخصية الطفل.
أما الخلافات الأسرية، فستجعله متردداً حيراناً لا يدري ماذا يفعل؟
فهو لا يستطيع إيقاف الخصام والنزاع، ولا يستطيع أن يقف مع أحد والديه دون الأخر.
إضافة إلي محاولات كلاً من الوالدين تقريب الطفل إليه واتهام الأخر، فيشعر الابن بعدم الثقة بالنفس.
لذا فالأبناء بحاجة إلي الحنان من كلا الوالدين علي حد سواء.
وأخيراً بالحب لا تذبل الثمار.
فاتركوا نهر الحب الذي في قلوبكم ليروي قلوب أبنائكم.
فالابن الذي يعيش جو هذه المشاعر، يعيش في ود وصفاء.