تربية الابناء التربية النفسية
اليوم مع المقال الخامس عن تربية الابناء وهو بعنوان التربية النفسية.
ما المقصود بتربية الابناء تربية نفسية؟
يقصد بالتربية النفسية هي أن يربي الابن علي الجرأة والصراحة والتحلي بكل الفضائل النفسية.
فالتربية النفسية السليمة نهر معطاء بالخير، فياض بالبركة، وهو أرض راسخة ثمارها الحنان والعطف..
والابن الذي يعيش في جو هذه المشاعر الرقيقة والمعاني السامية، ويتدرب عليها في ود وصفاء وأدب وحياء.
وسنعرض فيما يلي الأساليب النفسية للتربية، وكيف ستؤثر في حياتنا وحياة أبنائنا.
العدل بين الأبناء
العدل بين الأبناء منهج تربوي فعال، وهو أيضا قرآني أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم..
فحينما ذهب إليه أحد الصحابة يشهده علي هدية أهداها لأحد أولاده..
فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عما إذا قد أعطي كل أولاده مثلها.
فأجاب: لا.
فرفض النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون شاهداً علي هذا الجور ( الظلم ) [أحمد].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم” [البخاري ومسلم].
وقال أيضا: “اعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف” [الطبراني].
ورغم تلك الوصايا النبوية نجد البعض يميز الذكور عن الإناث، ويؤثر الصغير عن الكبير، وهذا التصرف من أسوأ الوسائل التربوية.
لأنه يورث الفرقة والغيرة والشقاق والأحقاد والعداوة بين الأبناء، ويلقي بهم في بحر الحرمان والإحساس والقهر.
لذا علينا أن نقتدي بتعاليم ديننا الحنيف الذي يأمرنا بالعدل بين الأبناء، في الأكل والمشرب والملبس وغيرها.
وبين الذكور والإناث، فقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة علي الاهتمام بالبنات ورعايتهن..
فقال صلى الله عليه وسلم: “من عال جارتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه” {مسلم }.
إن من رعي بنتين وقام عليها بالتربية والمؤونة جاء مصاحبا للنبي صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم “من ابتلي – أي اختبر- من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن سترا من النار” {متفق عليه}.
ولكن كيف يسود الحب والود بين الأبناء، وكيف يمكن أن نقتلع العداء ونزرع مكانه أشجار الوئام والحب؟
كيف نجعل الابن يطبع قبلة علي جببين أخيه بدل أن يوجه الضربات والاهانات ؟!
الجواب: لكي نستطيع أن نقلع جذور العداء بين الأبناء وتزرع الحب والوفاق بينهم، فيشبوا قلبا واحدا، ويدا واحدة.
ومن الأمور التي تضاعف الحب بين الأبناء
القبلة وتوزيع الحب:
المساواة في العطف والحنان، فإذا قبل الأب الطفل، فانه يجب عليه تقبيل جميع أبنائه علي رؤوسهم، فإضفاء الحنان علي جميع الأبناء أول درجة في سلم الوصول إلي النفسية السوية ، وأيضا العدل في التشجيع والمدح.
توضيح أهمية الأخ لأخيه:
فعلي الأب أن يبين أهمية الأخ لأخيه، وشرح له الفوائد الجمة التي يؤديها الإخوان لبعضهم البعض والأخ هو الساعد الأيمن لأخيه، وقد تجلي ذلك في قصة موسي عليه السلام حينما قال{ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} كل هذا بالنسبة للأطفال الصغار..
أما كيف نزرع الحب بين الإخوة الكبار؟!
التهادي من وسائل تربية الابناء نفسيا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”تهادوا تحابوا”.
وقال: “الهدية تورث المحبة”.
وقال أيضا: “الهدية تفتح الباب المصمت” فيدفع الأب أبنائه ليقدم كل واحد منهم هدية لأخيه سواء تم ذلك بطريقة مباشرة أو بصورة غير مباشرة..
أيضا الاشتراك في شراء هدية للأب أو العكس وأيضا الاشتراك في تغليفها وتقديمها، وكتابة الرسائل والعبارات الجميلة عليها.
تعويد الأبناء الاعتذار
ولا يكون ذلك بالتوجيه المباشر، بل بالتدريب العلمي علي الاعتذار، فيبدأ الوالدان بأنفسهم، فيعتذرون لبعضهم إن أخطاء احدهما.
وكذلك الاعتذار للأبناء إذا أخطأ أحد الآباء في حقهم.
فلنبدأ بأنفسنا، وننميه في أبنائنا، فالحق لا يعرف كبيرا.
القضاء غلي الظلم والحسد:
ويتم ذلك بالبحث علي أسباب الشقاق، وبواعث الحقد والخصام بين الأبناء، واقتلاعها من جذورها وزرع مكانها رياحين المودة والإخاء.
الحوار والتفاهم:
عند بلوغ مرحلة المراهقة علي الأب والأم مساواة أبنائهم في الحديث، فلا يجب تخصيص البعض بالحديث وإهمال الآخرين.
قال تعالي:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة].
الدعاء للأبناء:
الدعاء عامل من عوامل صلاح الأبناء وهدايتهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاث دعوات مستجابات لا شك:
فيهن دعوة المظلوم..
ودعوة المسافر..
ودعوة الوالد علي ولده” [أبو دواد والترمذي].
لذا مما يعين علي تربية الأبناء كثرة الدعاء لهم بالهداية والصلاح، فهذا دأب الأنبياء كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فعن ابن عباس رضي الله عنه قال:
” ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إلي صدره، وقال: اللهم علمه الحكمة ” [البخاري ومسلم].
وبفضل هذه الدعوة أصبح ابن عباس رضي الله عنه حبر الأمة وترجمان القرآن.
كما أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات: 10].
وقال إسماعيل عليهما السلام : (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) {البقرة 228}.
وهذا نبي الله زكريا عليه السلام يقول سبحانه وتعالي في شأنه: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) {آل عمران: 38}.
وقد وصف الله المؤمنين: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) {الفرقان :74}.
فائدة الدعاء
إذن الدعاء دليل علي الحرص والاهتمام بالأبناء، لذا فعلي الأب ألا يحرم ابنه هذا الفضل، وأن يدعو لأبنائه.
وكما يدعو الأب، سيأتي اليوم الذي يدعو فيه الابن لأبيه..
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: إن العبد ليرفع في الجنة درجات، فيقول يا رب هذا ولم أعمل ما يقربني لهما؟
فيقول الله تعالى هذا بدعاء ولدك الصالح لك “{ ابن ماجه }.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: “إذا مات ابن أدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له” {مسلم}.
كما أن الملائكة تدعو لمن صلح من الآباء والأبناء: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) {غافر}.
وإن كان الابن منحرفا لم ينشأ علي طاعة الله فكيف سيدعو لوالديه بعد مماتهما.
والدعاء له أثر نفسي كبير علي الأبناء، فإذا سمع الابن دعاء أبيه له، فهذا يسعده ويشعره بحب الأب له.