قصص القرآن الكريم.. قصة مؤمن آل فرعون
مع قصة جديدة من قصص القرآن الكريم، واليوم مع قصة مؤمن آل فرعون..
كان من بين الذين آمنوا بموسي عليه السلام من قوم فرعون رجل حكيم قد كتم إيمانه عن قومه ليعين موسي عليه السلام في دعوته ويطلعه علي مكر فرعون وملئه أولًا بأول.
فلما علم أن فرعون وهامان وقارون قد عقدوا العزم علي قتل موسي ومن معه من المؤمنين هاله الأمر.
وقام بما يحتِّمه عليه إيمانه، ويمليه عليه ضميره، فدعا الناس إلي التريث والتعقل في هذا الأمر الجَلَلْ.
وحثهم علي الإيمان به بأسلوب بليغ مقنع قد حكاه الله عنه في ثماني عشرة آية من سورة غافر.
قصة الرجل المؤمن
وخلاصة قصته أن السحرة لما آمنوا برب العالمين بلغ الغيظ من فرعون غايته، واشتد حرص هامان وقارون علي تذكية نار الغضب في هذا الرجل الطاغية.
الذي قال: أنا ربكم الأعلى، فَأشَارَا بقتل أبناء المؤمنين الذين آمنوا مع موسي، واستحياء نسائهم للخدمة في البيوت كما كان الحال في بني إسرائيل.
أما فرعون فقد كان له رأي آخر، وهو أن يقتل موسي أولًا حتى يعلم الناس أنه لو كان له رب سواه لخلصه من يده.
فقال كما حكى القرآن:
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ).
توكل موسى عليه السلام على ربه
عندما عرف موسي عليه السلام هذه المؤامرة عن طريق هذا الرجل المؤمن، أو من طريق آخر اعتصم بالله واستعاذ بحوله وقوته من كل جبار متكبر، لا يؤمن بأن وراءه يومًا ثقيلًا يحاسبه الله فيه ويجازيه:
(وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ).
وقد سخر الله لموسي هذا الرجل المؤمن يدافع عنه ويعينه في تبليغ رسالته.
وتثبيت دعائم الإيمان بالحجة القاطعة والبرهان الساطع والأسلوب الحكيم.
وكانت أول حجة بها في صرف فرعون عن قتل موسي عليه السلام هي ما حكاه الله عنه بقوله:
(وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ).
ثم ينتقل بهم إلي التخويف من عقاب الله في الدنيا والآخرة:
( يا قومِ لَكُم الملْكُ اليومَ ظاهرين في الأرضِ فمن يَنْصُرُنا مِن بأسِ اللهِ إن جَاءَنا ).
غرور فرعون
وهنا يأخذ فرعون ما يأخذ كل طاغية عندما توجه إليه نصيحة تخالف ما هو عليه من طبع وجِبِلَّهٍ، فيري في النصح الخالص استخفافا بسلطانه ومشاركة في حكمه، فيطلع علي الناصح بما ينبئ عن مفتاح شخصيته، وهو الاستبداد بالرأي والاعتزاز به ولو كان خطًا بَيِّنا:
(قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ).
وما يكاد القوم يَهُمُّون بالانصراف حتى تمسك بهم نظرة من هذا الرجل المؤمن تريد أن تقول شيئًا فيتلكأ بعضهم في القيام، ويهم آخرون بالانصراف، حتى إذا تكلم عاد المجلس إلي ما كان عليه فيتابع حديثه بعد أن قطعه فرعون بتلك الكلمة الجافة.
وتخرج الكلمات من فم الرجل المؤمن بعد أن عاد المجلس إلي مكانه.. متدفقة هادرة تحمل نبرة عالية من الأسى والحزن:
(وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ . مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ . وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ . يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ . وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا).
والله يعلق علي قول هذا الرجل المؤمن بقوله:
(كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ . الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ).
توكل الرجل المؤمن على ربه
وينفض المجلس من غير أن يستجيب القوم لهذا الداعي الحكيم؛ إرضاء لفرعون ليمنحهم قربه وينالوا شيئا من عطاياه، فهم طلاب دنيا، وليسوا طلاب دين.
أما فرعون فقد تولي كبره، وتمادي في سخريته من موسي عليه السلام، وسعي في بلبلة الفكر وزعزعة القلوب التي أشرفت علي الدخول في هذا الدين، فأمر وزيره هامان أن يبني له صرحًا عاليًا يبلغ عنان السماء ليصعد عليه فينظر إلي إله موسي.
وعندئذ يكشف الرجل المؤمن عن حاله ويعلن ما كان يخفيه عن إيمانه ويخرج عن السلطان (فرعون).
وينطلق يلقي الناس مواجهة بالدين الذي دان به ويجادلهم بمنطق الحق الذي استقام عليه.
فلما ذكرهم بما فيه الكفاية ختم حديثه معهم بأعظم كلمة يقولها المؤمن في الحرب والسلم، والعسر واليسر، وهي برهان التوكل علي الله والثقة بفضله، والرضا بقضائه وَقَدَرِه:
(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ).
فكان الله عند ظنه به، فنجاه من سيئات أعمالهم، وأهلك فرعون ومن معه بالغرق وأوردهم في قبورهم النار، وأعد لهم يوم القيامة عذابًا شديدًا.
تلك كانت قصة مؤمن آل فرعون..