توقف الصديقان لثوانٍ، وهما يتابعان الرجل وهو يغادر العمارة مسرعًا، ويحمل حقيبة واضح أنها ثقيلة؛ لما يعانه من حملها، ويتجه إلى سيارة كانت تقف على بعد عدة أمتار، وكان واضحًا عليه الاستعجال الشديد، وراح يلقي نظرات سريعة حوله، وركب بعدها سيارته، وانطلق بها.
فقال حمدي في عجالة:
لا يوجد أمامنا حيلة سوى تتبّع طريقه.
فسأله وليد في قلق وحيرة.
ولكن.. ورئيس المباحث..
فقال حمدي، وهو يتجه مسرعًا إلى سيارته:
إننا نعلم الآن ما سنفعله، فالواضح أن الرجل قد غادر المكان ليختبئ في مكان آخر.
فأسرع وليد، وقال وهو يمشي بسرعة ليلحق بحمدي إلى السيارة:
لك الحق.. لنعرف أين يختبئ، فلقد جئنا في وقتنا فعلاً.
وفي ثوانٍ معدودة، كان حمدي ينطلق بسيارته خلف سيارة الرجل، والتي ظهرت أمامه في أخر الشارع الطويل.
وظل لمدة طويلة يقتفي أثر الرجل من بُعْد حتى وصل إلى محطة الرمل، وعرج بسيارته إلى الميدان الواسع، ودلف به إلى شارع جانبي، يُفضي إلى شارع مهجور لا توجد به سوى فيلا قديمه.
وما إن وصل حمدي إلى أول الشارع، حتى شاهد سيارة الرجل تقف أمام الفيلا، وغادر سيارته، ودخل على الفور.
قال حمدي، وهو يوقِفُ سيارته:
لقد تم كل شيء أسرع مما كنا نتصور، فمن المؤكد أن هذا هو المكان الذي يختبئ فيه الرجلان.
فأضاف وليد ،وهو يلهث من فرط التأثر بالنجاح:
قال حمدي، وهو يضع يديه في جيوبه، ويخرج تليفونه المحمول:
الآن فقط يمكننا الاتصال برئيس المباحث.
ولكن، ما كاد حمدي يحاول الاتصال حتى رأى ثلاثة رجال يقبلون فجأة، وصوب أحدهم مسدسه في ظهر حمدي، فيما مد آخر يده، والتقط المحمول، وصاح الرجل الثالث فيهما بصوت عالٍ، غاضبًا:
هيّا أمامنا دون صوت، وإلا..
فراح حمدي ووليد ينظران إلى الرجال الثلاثة: وقد انتابتهما حالة من الذهول؛ حيث فوجئا بهم، كان الرجال الثلاثة عمالقة الجسم، تبدو عليهم القوة الهائلة، فوجدا أنفسهما رغمًا عنهما يسيران أمام الرجال الثلاثة، حتى وصلا إلى الفيلا المهجورة!
وبينما كانت هادية وطلال ولمياء يقفون في حيرة شديدة، وهم يرقبون مكالمة من المجرم، كلموا يشعر من أنه كلما من الوقت كلما تضاعف الخطر، بينما كان جاسر في حالة هلع شديد على والده، وكان بين حين وأخر يقول في جزع:
لم يتصلوا، تُرى ماذا حدث لوالدي؟
حتى مر يومًا بأكمله، ولم تصلهم مكالمة، بل ولم يتصل حمدي ولا وليد ليطمئنا على ما حدث.
اقترب طلال من هادية، وهمس إليها متسائلاً في حيرة:
لقد تضاعف قلقي وحيرتي؟
فأجابته هادية فيما يشبه الهمس:
إنني أشك في أن يتركنا حمدي في هذا الوقت الذكر أنه
مقاطعها طلال قائلاً:
لقد حاولت الاتصال بتليفونها المحمول مرارًا ولكنها مغلقين فانتابن الآن قلق بالغ عليها
ولكن، ما أن شرعت هادية في الكلام، إذا بجاسر يسأل في هلع:
قولا لي، هل حدث شيء؟
فقال طلال، وهو يحاول أن يبدو الأمر طبيعيًّا:
لا.. لم يحدث شيء. فكيف يخطرنا أحد بشيء دون أن يرن جرس التليفون.
بيد أن طلال وهادية كانا مصيبين في قلقهما، فقد كان حمدي ووليد في هذا الوقت مرتميان محل أرضًا بالفيلا، وقد قُيد وثاقهما.
وقد أقبل في هذا الوقت مندوب شركة إنتاج الأغاني، وقال يخاطبهما، وقد سلّط عليها شعاع لمن القاس:
كيف تقضيان الوقت؟ ترى أيها الولدان، وأنتما صغيران، كيف تجرؤن على فعل ذلك؟ أنا قد أنذرتكما من قبل، وإلا ستضعان بتهوركما هذا، الحاج فهد النابلسي، والد زميلكم، في خطر.
تدخّل أحد العمالقة، وقال:
وما الحل معهما يا ريس؟ هل نضعها…
قاطعه مندوب الأغاني قبل أن يكمل كلامه:
لا يا محروس، لا تتصرف من رأسك.
فبدا الخوف على وجه محروس العملاق، وقال:
لا.. لا يا ريس.. أنا قصدي..
الرجل بنظره ذك مغزي، فغادر العمالقة الثلاثة في إثرها المكان على الفور.
وتناهى إلى أُذُني حمدي ووليد صوت أقدامها الثقيلة وهم يهبطون السلم، واستطاع حمدي أن يميز صوت فدد شركة الأغاني وخو قبول من بعد.
لم يعد أمامي على السفر سوي يومين فقط.
وجاء صوت محروس الجهوري، وهو يتساءل:
وهذان الولدان، ماذا سنفعل معهما يا ريس؟
فأرهف حمدي ووليد السمع، ولكن، كان الصوت قد توقف تمامًا، فجعلا ينظران حولهما، وهما في خوف وفزع، وخطر ببال حمدي أن يستخدم تليفونه المحمول، ولكنه تذكر أنهم انتزعوا تليفونها وهم في الشارع.
ومرت فترة صمت، خالها الصديقان دهرًا، وشعر بأنهما قد غرقا في بحر مظلم، فأخذ خوفهما ورعبهما يتضاعفان، عندما أدركا أن مصيرهما قد أصبح مظلمًا تمامًا.
ولم تمضِ إلا دقيقة واحدة، حتى أقبل عملاقان من العمالقة الثلاثة، وألقى عليهما نظرة تَنُم عن الحق والعقب، وقال أحدهما للآخر:
تعتقد أن الريس سيوافق على طلبنا حرق المحل بالكامل. قال الآخر وهو يهم بمغادرة المكان.
ليس بعد أن يعطينا الإشارة بالتخلص منها، حاول حمدي أن يتكلم، ولكن انحشر الكلام في حلقه، إلا أنه وفجأة سمعا صوت طلق ناري، وصوت رجل يقول:
قِفَا..قِفَا عندكما، وإلا صوبنا عليكما النيران.
فتسمر الصديقان في مكانها.
لم يصدق حمدي ووليد أنفسهما، وهما يشاهدان رئيس المباحث يدخل، وفي أعقابه يدخل جاسر وطلال، واللذان أخذا يعانقانهما في حرارة شديد، ولم يلبث أن دخلتا هادية ولمياء. كان حمدي ووليد ينظران إلى الجميع، وهما في حالة من الذهول التام، ولكن أخرجهما رئيس المباحث عن ذهولها قائلاً:
حمدًا لله على سلامتكما يا أولادي، لقد استطعنا إنقاذكما في آخر لحظة، قبل أن تتعرضوا لأذى هؤلاء المجرمين، والفضل كله يرجع إلى زميلتكم لمياء.
جعل حمدي ووليد ينظران إلى الجميع وقد تضاعف ذهولهما، وكأنهما في حلم.
وفي مساء نفس اليوم، كان الأصدقاء جميعًا مجتمعون في غرفة رئيس المباحث، قائلاً، وقد بدت على وجهه علامات الراحة والشعور بالانتصار.
لقد اتصلت بي لمياء، وأخبرتني أن الحاج فهد اختُطف، وأنها تشك في أنكما تتعقبان القط.
رد وليد في دهشة:
القط!!