تربية الابناء التربية الأخلاقية
التربية الأخلاقية جزء من تربية الابناء، فهي نهر مليء بالفضائل والقيم النبيلة، ومدرسة يتعلم منها الأبناء الآداب الرفيعة مثل:
غض البصر.
وعدم رفع الصوت عن القدر الذي يسمع المخاطب.
والاحتشام في الملبس.
والاستئذان قبل دخول الأماكن المغلقة.
وعدم تناول الطعام في الطريق.
والحديث بطريقة مهذبة مع الآخرين.
وعدم التلفظ بالألفاظ البذيئة.
وعدم مزاحمة الرجال أو النساء في الأماكن المزدحمة.
ما المقصود بالتربية الأخلاقية
فالتربية الأخلاقية هي مجموعة المبادئ الخلقية والفضائل السلوكية والوجدانية التي يمكن أن يتلقها الطفل ويعتاد عليها.
ويهدف إلي تقويم طباع وعادات الأبناء وتربيتهم علي الصدق والصراحة.
وتتم التربية الأخلاقية من خلال استخدام القصص الهادفة، فقد قال تعالي: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176].
فالقصة هي رفيق الطفل الذي يغرس في نفسه المبادئ الدينية الخلقية والعقلية، فيفرق بين الصواب والخطأ، الحلال من الحرام، الطيب من الرديء.
ومن الأخلاق التي ينبغي تعليم الأبناء إياها ما يلي:
آداب الاستئذان من تربية الابناء الاخلاقية
قال الشاعر :
وينشأ ناشيء الفتيان منا علي ما كان عودة أبوة
لذا ينبغي تعليم الأبناء الاستئذان عند دخول حجرة الأبوين خاصة في أوقات الراحة، فلا يدخلوا حتى يسمح لهم.
وما ذلك إلا تأديبا وتهذيبا يحمي الأبناء ويصون الآباء والأمهات.
فقد روي أن أسماء بنت مرثد جاءت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكوه، فقالت يا رسول الله إن غلماننا وأولادنا يدخلون علينا ونحن في حال لا نحب أن يطلعوا علينا، ولا غني لنا عنهم.
فنزلت علي رسول الله صلى الله عليه وسلم آية توضح أحكام الاستئذان.
قال تعالي: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 59].
قال القرطبي: كان أنس بن مالك دون البلوغ يستأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك أبناء الصحابة.
كما أن اللباس أمام الأبناء لابد أن يكون محتشما كما أمر الله ورسوله.
كما ينبغي التفرق بين الذكور والإناث في المضاجع قرب البلوغ، حيث أنها مرحلة نضج جسدي وجنسي.
قال صلى الله عليه وسلم: “مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع” [ أحمد ].
الشجاعة من تربية الابناء الاخلاقية
لم يعقل الإسلام ذلك الخلق القويم، بل اهتم بتربية الأولاد علي الشجاعة، وحثهم علي الإقدام ليكونوا في المستقبل جيل الإسلام الصاعد.
لذا ينبغي تقديم النماذج الطيبة من حياة الصحابة – رضي الله عنهم – فقد كانوا علي جانب عظيم من الشجاعة الفائقة، والبطولة النادرة، ليقتدي بها الأبناء ومنها:
مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرة في طريق بالمدينة فرأي أطفال يلعبون وبينهم عبد الله بن الزبير – رضي الله عنه – وهو طفل يلعب.
فهرب الأطفال هيبة من عمر، ووقف ابن الزبير ساكنا ولم يهرب، فلما وصل إليه عمر.
قال: لمَ لَمْ تهرب مع الصبيان؟
فقال علي الفور: لست جانياً فأجري منك، وليس في الطريق ضيق فأرسو لك.
فسر عمر لجرأته وجوابه السديد.
الغلام الفصيح
وأيضاً قحطت البادية في أيام هشام بن عبد الملك، فقدمت عليه العرب ومنهم بعض الصبيان.
فتكلم صبي، فقال: يا أمير المؤمنين: إنا أصابتنا سنون ثلاث: سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة نفت العظم وأي أخرجت مخه.
وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله ففرقوها علي عباده، وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم، فإن الله يجزي المتصدقين ولا يضيع أجر المحسنين.
فقال هشام: ما ترك لنا هذا الغلام في واحدة من الثلاث عذراً وأمر البوادي بمائة ألف درهم.
وقال هشام للصبي: أما لك حاجة؟
فقال الصبي: مالي حاجة خاصة دون عامة المسلمين.
وقد روي أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنما مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟
فوقع الناس في شجر البوادي.
قال عبد الله بن عمر: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستجبت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: “هي النخلة” وفي رواية: ورأيت أبا بكر وعمر يتكلمان فكرهت أن أتكلم فلما قمنا حدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: “لأن تكون قلتها لأحب إلي من حمد النعم” [ البخاري ] .
فهذا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يرعى موهبة ولده، ويحثه علي الشجاعة والإقدام ما ذلك عن علم رفعهم.
الخليفة والغلام
كما أن عمر بن عبد العزيز في أول خلافته دخل عليه وفود المهنئين من كل أقطار الخلافة، فتقدم وفد من الحجاز لتهنئة عمر بن عبد العزيز، فتقدمهم غلام صغير لم يبلغ سنه إحدى عشرة سنة.
فقال له عمر: ارجع أنت وليتقدم من هو أكبر (أسن) منك.
فقال له الغلام: أيد الله أمير المؤمنين بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا منح الله العبد لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق منك بمجلسك هذا.
فتعجب عمر من كلامه وأنشد قائلاً :
تعلم فإن المرء لا يولد عالماً
وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده
صغير إذا التقت إليه المحافل
ويؤخذ من هذه النماذج الوضاءة أن أبناء السلف كانوا يربون علي:
التحرر من الخجل والانكماش والانطوائية، من خلال مصاحبة الآباء لهم لحضور المجالس العامة، وزيارة الأصدقاء.
وتشجيعهم علي التحدث أما الكبار.
ودفع ذوي النباهة والفصاحة منهم لمخاطبة الخلفاء والأمراء.
وامتدت الشجاعة إلي قلوب الأمهات، فكن يدفعن بأولادهم إلي ساحات القتال والجهاد، ويوم سمعن خبر النعي ونبأ الاستشهاد تقول إحداهن: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من الله أن يحمني وإياهم يوم القيامة.
الصدق من تربية الابناء الاخلاقية
ينبغي تعليم الأبناء خلق الصدق.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إياكم والكذب فإن الكذب يهدى إلي الفجور وإن الفجور يهدي إلي النار، وما زال العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذبا” {متفق عليه }.
وقد ضربت أم العالم عبد القادر الجبلاني خير مثال لهذا، فقد قال العالم: خرجت من مكة إلي بغداد أطلب العلم، فأعطتني أمي أربعين درهما استعين بها علي النفقة وعاهدتني علي الصدق.
فلما وصلنا إلي أرض همذان خرج علينا جماعة من اللصوص، فأخذوا القافلة فمر واحد منهم.
وقال لي: ما معك قلت أربعون دينارا.
فظن أني أهزأ به، فتركني فرآني رجل أخر ، فقال: ما معك فأخبرته بما معي فأخذني إلي كبيرهم.
فسألني فأخبرته فقال: ما حملك علي الصدق؟
قلت: عاهدتني أمي علي الصدق، فأخاف أن أخون عهدها.
فأخذت الخشية رئيس اللصوص، فصاح ومزق ثيابه، وقال: أنت تخاف أن تخون عهد أمك وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله، ثم أمر برد ما أخذوه من القافلة.
وقال: أنا تائب لله علي يدك، فقال من معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق وأنت اليوم كبيرنا في التوبة فتابوا جميعا.
مساعدة المحتاجين
ينبغي تعويد الأبناء مساعدة المحتاجين، وخدمة كبار السن ومساعدتهم، ونزرع في نفوسهم حب الغير.
وفي قصة أبي بكر وعمر بن الخطاب – رضي الله عنهما- في التسارع لخدمة المرآة العجوز قدوة حسنة.
فقد كان أبو بكر خليفة وعمر قاضي القضاة، وقد سمع كل منهما أن هناك امرأة عجوز لا تجد من يخدمها.
فكان أبو بكر يخرج مبكرا قبل صلاة الفجر، ويذهب إليها، يكنس لها البيت، ويحضر لها الطعام والشراب، ثم يذهب للمسجد.
وكان عمر – رضي الله عنه – يذهب إليها، لكنه يجد كل حاجتها قد قضيت لها، فكان يفعل ذلك كل يوم، فذهب عمر في يوم من الأيام في ساعة مبكرة، حتى رأي أبا بكر فقال أنت يا خليفة رسول الله؟
فطلب منه أبو بكر ألا يخبر بذلك أحدا، حتى يكون العمل بينه وبين الله.
ونحن حين نربي أبنائنا علي حب الغير، والسعي لقضاء حوائجهم، لا نتصور أن يشب الابن ديكتاتور متسلط، لا يعرف إلا مصلحته.
وأخيرا علينا ضرب القصص الهادفة للأبناء، لتحثهم علي التعاون والأمانة وغيرها من الأخلاق، التي تصحح بعض المفاهيم عند الأبناء.
وتغرس فيهم السلوكيات الإيجابية التي تحث الأبناء علي احترام الكبير والعطف علي الصغير.
لذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا” [أبو داود والترمذي].