رواية المشروع العجيب مكتوبة الفصل الثالث
رواية المشروع العجيب مكتوبة الفصل الثالث بعنوان المكتبة العجيبة.
كان وقوع المفاجأة على الجميع بمثابة الزلزال الذي زلزل أفكارهم جميعًا، وأفقدهم الثقة في كل شيء.
صاح وليد، وهو لا يصدق:
معقولة.. بعد كل ما طُرح من أفكار، وبعد أن وضعت العديد من الأفكار في مشروع يكون نواة لنهضة الأمة العربية، تكون هذه هي النتيجة.
عقّب طلال ساخرًا:
يبدو أنها أفكار لإقامة نهضة غنائية، وكأنما يكتفي شعبنا العربي بالأغاني التي تُذاع ليل نهار في جميع القنوات، حتى صارت الشغل الشاغل لشبابنا.
قال حمدي في ذهول:
أنا لا أصدق ما حدث، وكأنني في حلم أو كابوس. هل سينهض العرب بالأغاني؟
وغمغمت لمياء في حيرة وحنق شديدين:
ويا ليت المكتب قد قام بإقراض مشروع الأغاني هذا جزءًا من رأسماله المعدّ للإقراض، بل أقرض مشروع الأغاني رأسماله بأكمله.
هزت هادية رأسها، وعلّقت في يأس وحيرة:
إن ما حدث كان بمثابة كارثة سفّهت أحلامنا، وهزّت ثقتنا في كل القيم.
ومنذ أن نما هذا الخبر إلى علم جاسر، لم يستطع السكوت عليه، فسافر لتوِّه إلى مدينة الإسكندرية لمقابلة والده، ليسأله لماذا حدث هذا؟ وكيف يقوم بحرمان كل أصحاب الفِكْر في عالمنا العربي من قيمة أفكارهم، ويمنح هذه الحقوق لشركة إنتاج الأغاني؟! ولكنه ما إن وصل وقابل والده، وسأله عن حقيقة ما سمع، حتى أخبره والده بالحقيقة التي وراء ذلك القرار.
فلقد كان مشروع الإقراض، يقتضي زيادة رأسماله في فترة وجيزة، حتى يصل إلى الخمسمائة مليون جنيه اللازمة لتأسيس البنك، فلما تقدمت مجموعة من المندوبين عن تجارة الخضار، والفاكهة، والطيور، واللحوم، برأسمال، وحتى المطاعم، والذين قاموا بالاتفاق مع مندوب شركة كبري متخصصة في إنتاج شرائط الأغاني وتوزيعها، على إنتاج كم هائل من الشرائط لأغاني المطربين المشهورين، والذين لهم جمهور كبير، على أن يحصلوا على قرض كبير، ولا مانع أن يسددوا أكبر فائدة، ولكن بشرط وجود رهن.
فلم يجدوا سوى مكتب الإقراض هذا، فعرضوا عليه أن يقترضوا منه كل الرصيد المتاح، وهو ثلاثمائة وخمسين مليون جنيه، على أن يقوموا بسداده خلال عامين فقط، بعائد مرتفع، يبلغ ضعف قيمة المصروفات التي فرضها المشروع للمقترضين، فوجدها المساهمون في المشروع فرصة جيدة لزيادة رأسمال المكتب من هذه الفوائد المرتفعة، ليصل من خلال ذلك إلى تحقيق رأسماله المنتظر الخمسمائة مليون جنيه، خلال عامين فقط، وبذلك يُسمح لهم بتأسيس البنك.
وبعد عدة أيام، وفِدَ إلى مصر مجموعة أساتذة جامعيين من العرب المقيمين بالخارج، ليطرحوا فكرة لديهم على بنك الأفكار، ولم يكن خبر اتفاق مكتب الإقراض مع شركة الأغاني قد وصلهم، فلمّا زاروا الحاج فهد النابلسي، وقد تصادف وجود الأصدقاء الستة بمكتبه، أقبل في هذا الوقت وفد من التجار، ومندوبون عن شركة إنتاج الأغاني، وقد رافقهم عدد من محاميهم لوضع التفاصيل الكاملة لبنود عقد الإقراض المتفق عليه، الذي أتاح رأس المال المخصص لإقراض بالكامل إلى مندوب التجار لتمويل شركة إنتاج الأغاني، فأُصيبوا بذهول شديد، وراحوا يجيلون النظر بين الجميع، وهم لا يصدقون ما يحدث، فدخل أحدهم، وهو أستاذ علم النفس الاجتماعي بإحدى جامعات كندا، وسأل الحاج فهد في لهجة اعتراض مصحوبة بالغضب الشديد:
هل يُعقل هذا؟ لقد جئنا من آخر الدنيا لكي نقترض لعمل المشاريع المبتكرة، والتي ستخدم أمتنا العربية، كما تشترطون على المقترض، فنُفاجأ بأنكم تتركون كل ذلك، وتختارون مشروعًا لا علاقة له بالفكر، ولا بالعلم.
وتوقف ليلتقط أنفاسه، وأضاف:
مجرد إنتاج شرائط للأغاني!
وتساءل زميل في حنق:
وهل عالمنا العربي ينقصه ذلك، وقد سادت الأغاني كل حياتنا، ووسائل إعلامنا؟
فاندفع أحد مندوبي تجارة الأغاني والكاسيت:
يا سيدي الأستاذ، أنت أستاذ بالجامعة، وأكثر مني علمًا، ولكن لا دخل لك بمجال التجارة.
فتدخل أستاذ للاقتصاد بجامعات ألمانيا قائلا:
ولكن، إن للتجارة أصول وعلم، وليست مجرد خبرة.
فأطلق المندوب ضحكة عالية رنت أجوائها في أنحاء المكان، ثم قال في ثقة وزهو ممزوجين بالسخرية:
يا سيدي: إن الكتب التي تقرؤها وتدرّسها شيء، والواقع شيء آخر.
فرد عليه أستاذ الاقتصاد بتحدٍّ مصحوب بالسخرية:
وما هو الواقع يا سيدي، فإنني أجهله تمامًا؟
فقام مندوب آخر من مندوب التجار، وخاطبة قائلاً:
نعم يا سيدي، يجب أن تفهم الواقع.. يجب أن تعرف يا سيدي أن واقع بلدك يظهر بلا مجال للشك، أن الطبقة التي تحصل على أعلي دخل هي طبقات تجار الآكل والشرب، فهل يوجد يا سيدي صاحب مطعم إلا ويمتلك عمارة، وهل لا تجد مواطنًا طوال أشهر الصيف أمام محل عصير؟
وعقّب زميل له في تحدٍّ:
وحتى المقاهي، فلا يوجد فيها واحد يخلو من الزبائن منذ الصباح وحتى آخر الليل، وحتى أصحاب محلات الجزارة، والأسماك، والطيور، جميعهم- ما شاء الله- لا تنقطع رجْل الزبون عن محلاتهم.
هزّ محاميهم برأسه، وقال مؤكدًا:
فعلاً، فأنا محامي، وخريج جامعة، ولكني لا أنكر أن هذا هو الواقع.
بَيْدَ أن أستاذ علم الاجتماع قد عنّ له شيء، فتساءل في حيرة شديدة:
ولكن، ما علاقة مشاريع الأكل التي تتحدثون عنها، بمشروع إنتاج شرائط المطربين.
فلفت ذلك أنظار الجميع، وجعل الأصدقاء الستة ينقلون أنظارهم في دهشة بين التجار، وسادت لحظات صمت، فحطمها مندوب الشركة التي تنتج شرائط الأغاني قائلاً:
يا سيدي: إن السوق ليس قاصرًا فقط على التجارة في المأكولات والمشروبات، وأنا أستطيع القول بصراحة: إننا نعيش على الربح المرتفع من فن الطرب، ليس المهم أن تكون الأغاني جيدة، ولكن العبرة بوجود العدد الهائل من جمهور كل مطرب منهم.
عقّب مندوب التجار موضحًا:
إن زبائن الشرائط يا سيدي يقْربون من نصف سكان البلد، فلا توجد سيارة أجرة، أو ميكروباص، أو نقل، إلا وكان سائقها زبونًا دائمًا، ومتابعًا لكل شريط جديد يظهر في السوق لمطربِهِ المفضل، بل ولا يوجد مقهى إلا ويشتري الشرائط لتشغيلها في المحل.
وعاد مندوب شرائط الأغاني يقول:
ولما وجد هؤلاء التجّار أن مشروع إنتاج أغاني للمطربين، وبيعه في شرائط، أو فيديو كليب، يحقق ربحًا هائلاً، اتفقوا جميعًا معي في الدخول في هذا المشروع الكبير، مشروع إنتاج شرائط أغاني لكل مطرب من الخمسين مطربًا، الذين يتعاملون معي.
فأردف مندوب من تجّار الأغذية قائلاً:
ولذا قمنا بعمل شركة، فوجدنا أننا نحتاج إلى الثلاثمائة وخمسين مليون جنيه بأكملهم، ليكملوا ما جمعناه من التجّار لعمل هذا المشروع الكبير، وسندفع 20 % كفائدة سنوية، بشرط عدم وجود رهن.
لما لاحظ الحاج فهد النابلسي ومساعدوه علامات الحزن والضيق قد بدت على وجوه أساتذة الجامعات العرب، خطر بباله على الفور القيام بتأجيل التوقيع على العقد، فقال بلباقة أصحاب الأعمال يخاطب مندوبي التجّار:
اسمحوا لي يا سادة أن نؤجل دراسة تفاصيل العقد حتى ننتهي دراسة لجنة الاستشاريين القانونية، وأحصل على تقريرهم، فالمبلغ كما ترون كبير لدرجة تستلزم المزيد من التأني في الدراسة، فأنا نائب عن مئات المساهمين.
لكن، صاح صاحب شركة الشرائط قائلاً، في لهجة تحدٍّ وحسم:
لا تضيع الوقت يا حاج؛ فأمامنا كما قلت ما يزيد من الخمسين مطربًا، لكل منهم جمهوره، والسوق متعطش لشرائط أغانيهم الجديد، وخاصة أغانيهم من خلال الفيديو كليب، فلا يوجد مشروع يربح مثلما يربح هذا المشروع، ولذلك ستحصلون على فائدة لا تتخيلوا كم تكون.
سكت الرجل لثوانٍ، ولكنه سرعان ما أردف قائلاً:
صدّقونا، فنحن أصحاب الخبرة، كما أننا الفئة الوحيدة ذات الدخل المرتفع، فلو فكرتم في إقراض طبقة الجامعيين هذه، فلن تضمنوا أن يسددوا شيئا؛ لأنهم ببساطة ليس لهم في شئون التجارة.
لكن، فجأة صاح أستاذ الاقتصاد، وفي تحدٍّ:
بل أتحداكم، وسأثبت لكم أن العلم قادر على أن يحقق أضعاف أرباحكم من مشروع إنتاج الأغاني بمراحل.
فنظر إليه الجميع، وهم لا يصدقون.
انتابت الجميع حالة من الذهول، وظلوا على هذه الحالة لمدة، وقطع الصمت مندوب شركة الأغاني، وهو يقول:
اسمحوا لي، لابد من تغيير جاكت البدلة بالعباءة، فهي تشعرني بالراحة في السير.
مد يده، وفتح حقيبة كانت أمامه، وأخرج منها عباءة ملفوفة، وفردها، وقام بعدّة محاولات لارتدائها.
وبعد أن غادر مندوبو التجارة المكان، ساد المكان حالة من الصمت التام، فقد كانت علامات الحيرة والذهول ظاهرة على وجوه الجميع، وكان الحاج فهد النابلسي أشدهم اضطرابًا وحيرة، فقد كان يخشى من ضياع صفقة العمر، والتي ستؤدي إلى زيادة رأس المال المعدّ للاقتراض، والتي كان سيحصل عليها من عملية الشرائط، وفي الوقت نفسه كانت الحيرة تنتابه؛ لحرمان جميع أصحاب الأفكار المبتكرة من الإقراض لمشاريعهم، لمدة قد تتجاوز العامين.
التفت حمدي إلى أستاذ الاقتصاد، وسأله في شغف وحيرة:
هل لدى حضرتك فعلاً مشروع يعطي عائد مرتفعًا لدرجة أن تتحدي به مشروع إنتاج شرائط الأغاني والمعروف بربحيته المرتفعة؟
ففوجئ الجميع بالأستاذ يقول:
نعم.
فالتفت إليه الجميع ورمقوه في دهشة واستطلاع بالغ، وسأله الحاج فهد في لهفة:
وما هو هذا المشروع؟
فتدخل أستاذ علم الاجتماع قائلاً:
مشروع إنشاء مكتبة.
أعاد الحاج فهد ما سمعه، وهو لا يصدق.
مشروع إنشاء مكتبة!
هز أستاذ الاقتصاد رأسه، وقال مؤكدًا:
نعم يا سيدي، إنه ليس مجرد مشروع لدار نشر ومكتبة لبيع الكتب وحسب، ولكننا من خلال دراسة الجدوى، وجدنا أننا نستطيع الحصول على عائد من وراء هذا المشروع، بمقدار عشرة أضعاف تكاليف المشروع.
فاندفع أحد مساعدي الحاج فهد قائلاً، وهو لا يصدق:
ماذا تقول يا دكتور؟ معقولة المشروع الذي يتحدى مشروع إنتاج شرائط الأغاني، ويكون البديل له في هذا الربح الهائل، مشروع مكتبة؟!
ردّ مساعد آخر للحاج فهد في لهجة ساخرة:
مكتبة في عالمنا العربي، الكتاب هو السلعة الوحيدة التي لا سوق لها، سيكون هذا المشروع خاسرًا، بل ويحقق خسارة فادحة.
وكان الأصدقاء الستة يتابعون ما يحدث، وهم لا يصدقون أن تكون الفكرة، التي يتحدى بها أستاذ الجامعة مشروع الأغاني، هو مجرد دار نشر ومكتبة.
عقّب أحد موظفي المكتب في حنق ممزوج بالحيرة:
لقد اعتقدنا أن لديكم مشروعًا خطيرًا، يتعامل مع سلعة متداولة، ولها سوق، مثل الأطعمة وشرائط الأغاني، فنُفاجئ بأن سلعتكم هي التي لا تُباع في أسواقنا، فنحن يا سيدي نتحدث عن تجارة، ولا نتحدث عن ثقافة.
فقال أستاذ الاقتصاد في ثقة وتأكيد:
يا سادة، أنا أستاذ في علم الاقتصاد، ولا أتحدث من فراغ، فلدي أرقام البيانات، ودراسة الجدوى.
تدخلت هادية، وسألت الأستاذ في حيرة:
ولكن يا سيدي، الكل يعرف أن سوق الكتاب في عالمنا العربي ضعيف جدًّا.
فالتفت إليها أستاذ الاقتصاد، وقال في هدوء وثقة:
لا يا ابنتي، الواقع كما نعرف نحن المتخصصين، هو الحقيقة التي تظهرها الأرقام، والمؤشرات، والتحاليل العلمية، فالأرقام تفيد أن هناك، على سبيل المثال، نصف مليون طبيب في العالم العربي يحتاجون إلى مراجع من الخارج، للإطلاع على الجديد في الطب، وتتراوح قراءة كل منهم سنويًّا ما بين مائتين إلى خمسمائة جنيه، وأخرج أستاذ علم الاجتماع ورقة، وجعل يقرأها: ويوجد ما يقْرب من مائتي ألف مدرس بالجامعة، وضعفهم من المعيدين، وطلاب الدراسات العليا، يحتاج الفرد منهم ما بين عشرة إلى خمس عشرة مرجعًا، ويتراوح فيه المرجع الواحد ما بين عشرة إلى خمسين جنيهًا.
فندت عن الحاج فهد صرخة، لم يستطع كتمها:
معقولة!
ولم يردّ أحد، بل تدخل أستاذ علم المكتبات- وكان يجلس بجانب أستاذ الاقتصاد- وأردف قائلاً:
كما يوجد ما يقرب من عشرة آلاف مكتب استشاري، ومثل هذا العدد مكاتب المحاسبة القانونية، ويحتاج العاملون فيه كل مكتب سنويًّا كتبًا تصل إلى خمسمائة جنيه على الأقل، كما يحتاج ما يقرب من مائتي ألف طالب بكليات الطب، والطب البيطري، والأسنان، والصيدلة، إلى مراجع، خصوصًا في السنوات الأولي، ومتوسط ما يحتاجه الطالب منهم فقط ألف جنيه.
فنظر الجميع إلى بعضهم في دهشة، وعلّق آخر العاملين بالمكتب قائلاً:
تصوروا، إن هذه الأرقام حقيقية فعلاً، فابني طالب بالسنة الأولي بكلية الطب، وقد اشترى مراجعه هذا العام، بما يزيد عن الألفي جنيه.
فتساءل وليد في حيرة:
ولكن، إن هذه المراجع خارجية، وتشتريها كل جهة عن طريقها، فما علاقة مشروعكم بذلك.
فنظر الجميع إلى أساتذة الجامعة في تساؤل وشَكٍّ، ولكن سرعان ما تدخل أستاذ الاقتصاد قائلاً في ثقة:
لأنه لو كانت كل مكتبة صغيرة تستورد كتبًا على حدة، فإن تكلفة شحن الكتاب إلى العالم العربي قد تتكلف حوالي ثلاثين جنيه، ولكن لو كان الذي يشتري دار كُبرى للنشر والتوزيع، وتستورد في الشهر الواحد ما قيمته مائتي مليون جنيه، فإنها ستشحن كل هذا الكمية دفعة واحدة، فيتكلف المراجع الواحد ما لا يزيد عن جنيهين.
هز أحد المساعدين رأسه، وقال مؤكدًا:
آه.. فعلاً.
أضاف أستاذ الاقتصاد قائلاً:
وبما أننا سنكون الجهة التي تشتري بما يزيد عن المليار جنيه سنويًّا، فسيرتفع بالتبادل خصم الشراء لنا إلى ما يقرب من؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
صاح الحاج فهد النابلسي، والذين معه في إعجاب ودهشة، في وقت واحد:
يالها من فكرة. إن ربحها مرتفع فعلاً.
فتدخلت أستاذة في علم المناهج قائلة:
ولكن، ليست هذه كل الأرباح، بل توجد أرباح أخرى لا تقل عن ذلك، لو احتكرنا بيعها.
فسألها جاسر في شغف ولهفة:
أرباح أخرى من الكتب.. كيف؟
أستاذة المناهج:
نعم، فالمعروف أن التعليم في الفترة التي نحن بصددها، سيلزم كل تلميذ بقراءة عدة كتب كمراجع، ولما كان عدد التلاميذ في العالم العربي مائة مليون تلميذ، ونظام التعليم القادم سيتطلب أن يقرأ كل طالب ما بين خمسة إلى عشرة مراجع في المادة التي يختارها للقراءة، فإننا لو احتكرنا عملية نشر وبيع هذه الكتب، لقمْنا ببيع كتب تزيد قيمتها على المليار جنيه سنويًّا.
صدر عن جميع الحاضرين صياح الإعجاب والدهشة، وصاح طلال، وهو لا يصدق:
لقد كنا متصورين أن العلم لا يفيد التجارة في شيء.
فرد عليه أستاذ علم الاجتماع قائلاً:
إن هذه أكذوبة وصدقناها يا بني؛ فما يسود في عالمنا من تجارة هو مجرد استغلال لظروف الناس، وحاجتهم من مأكل ومشرب، بل واستغلال وسائل الإعلام في إثارة مشاعر الشباب بالأمور التافهة لبيع أشرطة الأغاني، ولكن الصعب، هو كيف تكتشف ما لا يكتشفه الفرد العادي، وتجذب الأنظار إلى سلع لا يُقبل عليها الفرد العادي، فهذا هو دور العلم والفكر.
وما إن هدأ الجميع، إذا بأستاذ الاقتصاد يقول في هدوء وثقة:
أما المفاجأة التي سأعلنها لكم، هي أن مشروع النشر والتوزيع والمكتبة هذا، سوف يحقق قبل أن يبدأ ضعف قيمته، أي لن نكلّف المكتبة ودار النشر جنيهًا واحدًا، بل سنحصل على ضعف تكلفتها قبل أن نبدأ في تشغيلها.
فأُصيب الجميع بذهول شديد.