رواية المشروع العجيب مكتوبة.. الفصل الثاني بعنوان بنك الأفكار

رواية المشروع العجيب مكتوبة.. الفصل الثاني بعنوان بنك الأفكار

رواية المشروع العجيب مكتوبة الفصل الثاني

رواية المشروع العجيب مكتوبة مع الفصل الثاني بعنوان بنك الافكار

أحدث قرار رفض الحكومة المصرية لتأسيس البنك صدمة شديدة في عقول وقلوب الجميع، وصاح حمدي في سخط وحنق:

هل وصل الروتين إلى هذه الدرجة؟

وعلّق شاب من دولة جيبوتي، في ضيق شديد مما حدث:

لن تقوم قائمة بعد ذلك للدول العربية، فالمشروع الذي اعتبرناه نواه لنهضة العرب توقف أمام صخرة الروتين المصرية.

إلا أنه لم يلبث أن حضر الحاج فهد النابلسي، والد جاسر، للقاء الحاج فاضل، والد حمدي، بأحد الكافيتريات الملحقة بالكليّة، فلما عرف من ابنه جاسر ما تم، وحالة الرفض والسخط التي في نفوس جميع الطلبة، قال معترضًا:

لقد أساء الجميع الفهم لسبب الرفض.

غمغم حمدي في ضيق:

ولكن ألم تخطرنا حضرتك يا عمي، بأن الحكومة قد رفضت تأسيس البنك.

ففوجئ بالحاج فهد يقول:

نعم، ولكن الحكومة لم تمانع فكرة تأسيس البنك، بل بالعكس، رحب بها كل مسئول قابلته في مصر.

فسأله وليد في دهشة وحيرة شديدتين:

ولماذا رفضوا إذن؟

الحاج فهد:

لأن كل ما في الأمر، أن القوانين المصرية الخاصة بالبنوك، تشترط ألا يقل الحد الأدنى لرأسمال أي بنك عن خمسمائة مليون جنيه مصري.

علقت هادية قائلة:

الأمر هكذا بسيطًا، فممكن جدًّا أن يزيد كل مساهم من حصته حتى يكتمل النصاب.

تنهد الحاج فهد بعمق، وهو يقول في أسى:

للأسف، فقد اتصلت بجميع من ساهموا في هذا المشروع، وعرضت عليهم زيادة حصتهم، لكي يُستكمل النصاب لتأسيس البنك، ولكنهم قالوا: قد سدد كل منا ما في إمكانياته في هذا المشروع، ولا يوجد لدى أحد منهم المزيد.

وبعد عدة دقائق فقط، أقبل الحاج فاضل، والد حمدي، وبصحبته محاميه عادل الطحلاوي، والذي بادر قائلا:

لقد جئت لأزف إليكم البشرى:

فسأله الحاج فهد النابلسي في لهفة:

وما هي؟

ندت عن المحامي ابتسامة واسعة، وقال وهو يوجه حديثه للحاج فهد:

ما دام هدفكم إقراض كل فرد لديه فكرة مبتكرة، تؤدي إلى تشغيل عدد أكبر من العمال، بالإضافة إلى أنكم لن تطلبوا رهنًا كبيرًا، قد لا يتعدى دراسة الجدوى، وفكرة المشروع، وذلك كله مقابل قيمة منخفضة، فلماذا يتم كل ذلك من خلال بنك؟

فسأله الحاج فهد، وهو لا يصدق:

وهل ثمة وسيلة أخرى عدا البنوك للقيام بعملية الإقراض؟

المحامي:

نعم، يتم فتح مكتب للإقراض، ويُشهر هذا المكتب، ويُعلن عن البنود التي تتضمن شروط عملية الإقراض، والسداد، وطرق الرهن، وغيرها.

فما إن سمع الجميع بذلك، حتى هتفوا بصوت عالٍ، وقد علا صوت هتافهم، حتى أقبل جميع الطلبة، الذين ما إن سمعوا من الأصدقاء بما حدث، حتى جعل كل منهم يهنئ الآخر.

ولم يلبث أن مر أسبوعان فقط، حتى صار مشروع الإقراض حقيقة، فاتخذوا له مقرًّا بمدينة الإسكندرية، وتم تعيين عدد من الموظفين، كان معظمهم من أصحاب المعاشات، الذين كانوا يعملون من قبل بالبنوك، وتم عمل لائحة قانونية وتنظيمية للمشروع، وصار الحاج فهد النابلسي رئيسًا لمجلس الإدارة، فاضطر إلى ترك كل أعماله التي في بيروت، ليستقر بمدينة الإسكندرية.

وتم عقد الاجتماع الأول، وكان الهدف منه، كيفية زيادة الواردات بالنسبة للمشروع، حتى تصل في ظرف عامين إلى الخمسمائة مليون جنيه مصري على الأقل، حتى يتم تأسيس البنك، فيتمتع المشروع بمميزات البنوك.

وكان الإعلان عن مكتب للإقراض بفائدة منخفضة، وبتسهيل طويل في السداد، بالإضافة إلى تسهيل الرهن، مما يجعل قيمة مصروفات القرض تكاد تكون معدومة، مما شجّع العديد من أبناء الدول العربية، وأثار حماسهم، مما جعل العديد منهم يرسلون أفكارًا لمشاريع، والجدوى الاقتصادية لها.

وذات يوم، أقبل الحاج فهد النابلسي إلى الكافيتريا الملحقة بالكلية، لمقابلة ابنه جاسر، فلما وجده وسط أصدقائه، الذين أسرعوا لقدومه، وسارعوا للترحيب به، وسألهم بدوره كيف تسير الأمور بالكلية؟ فقالوا: بخير، والحمد لله، ثم سألوه بدورهم عن مشروع الإقراض، فأخبرهم بأن المكتب قد اشترط ألا يقرضوا أحدًا سوى صاحب الفكرة المبتكرة، لنستطيع التوصل إلى إنتاج سلع قادرة على المنافسة في الفترة الحالية، حيث لن يكون هناك مجال إلا للسلع التي تحوي مكونًا فكريًّا وعلميًّا مرتفعًا.

علَّقت لمياء في إعجاب:

ياله من مشروع يا عمو! إنه سيكون النواة لنهضة العرب.

قالت هادية:

إن هناك يا عمو مئات الآلاف من الناس في عالمنا العربي، الذين يمتلكون القدرة على توليد أفكار مبتكرة، وغير تقليدية، ولكن.. 

فسألها الحاج فهد في لهفة:

ولكن ماذا يا ابنتي؟

هادية:

لكنهم لا يملكون ما يمكنهم رهنه من أراضٍ، أو حتى أثاث، لكي يأخذوا قرضًا، ولذلك لا يستطيعون الاقتراض لتنفيذ أفكارهم..

عقّب طلال مؤكدًا:

وهذا يؤدي إلى اقتصاد يخرج أفكار مشاريع من يملكون الأموال فقط، مع أنه قد يكون هناك مئات الآلاف من غير القادرين، ولديهم القدرة على توليد أفكار عظيمة.

فتدخل جاسر قائلا:

فعلاً يا أبي، ولذلك، فإن الفكر لدينا قاصرًا على أصحاب السلطة، وأصحاب الأموال، فلا يوجد في العالم العربي من يقدر على طرح أفكاره سوى أصحاب المشاريع أنفسهم، وللأسف قد يكون هؤلاء أضعف الناس فكرًا، فبذلك يحرم دولتنا العربية.

وفجأة بزغت فكرة في رأس وليد، فقال في حماس:

ما دمنا متفقين على أن قرض من لا يملكون الأموال في عرضه للحصول على القرض، حيث لا يملكون ما يرهنونه في مقابل الاقتراض، مع أنه قد توجد لدي العديد منهم أفكار قد تؤدي الفكرة الواحدة منها إلى كسب مئات الآلاف، أو ربما الملايين.

وتوقف وجعل ينقل نظراته بين الجميع، وأردف قائلاً:

فما رأيك يا عمي لو ننشئ بنكًا للأفكار، يكون تابعًا لمكتب الإقراض هذا؟

عاود الحاج فهد كلام وليد، وهو يستعرض الفكرة:

بنك للأفكار يكون تابعًا لمكتب الإقراض.

وقال، وقد استحسن الفكرة:

والله فكرة!

فتدخل طلال قائلاً في حماس:

يعرض كل فرد فكرته على بنك الأفكار، والفكرة الناجحة يقوم المشروع بشرائها، أو يدخل شريكًا بالتمويل مع هذا الفرد في تنفيذ فكرته.

قال الحاج فهد، وقد استحسن الرأي:

عظيم.

أضاف حمدي قائلاً:

توجد لدي ملاحظة في غاية الأهمية.

سأله الحاج فهد:

ما هي؟

حمدي:

يجب ألا يرفض البنك أي فكرة تُقدم إليه، حتى لو لم يستحسنها. فلمّا حدق فيه الجميع في دهشة، أردف قائلاً:

نعم، فقد لا تعدو الفكرة مجرد ملاحظة، ولكنها ملاحظة قد تفضي إلى فكرة جبّارة، وقد تُعرض فكرة، قد تبدو ضعيفة، ولكنها قد تهدف إلى فكرة أقوى، وطبيعة الأفكار أنها تقوي بتساند الأفكار لبعضها البعض.

قال الحاج، وهو يشرع في مغادرة المكان:

لقد أعجبتني فكرة مشروع بنك الأفكار هذا يا أولاد، وستُطرح فيه جميع الأفكار المقدمة من أبناء الشعب العربي، فربما ينجم عن ذلك حصولنا على أفكار عظيمة، تقوي بعضها البعض، فنحن لا نحتاج إلا لذلك لنهضة عالمنا العربي.

ولكن.. ما إن مرت عشرة أيام فقط على هذا اللقاء، حتى فوجئ الجميع بمفاجئة لم تكن في الحسبان أبدًا، بل كانت كالقنبلة التي انفجرت في الجميع، فبدلاً من أن يتيح المشروع القروض لأصحاب الأفكار المبتكرة، أو حتى المشاريع العامة، فقد فوجئ الجميع بأن إدارة المشروع قد قررت إقراض الرصيد المتاح للإقراض بالكامل، إلى شركة إنتاج شرائط الأغاني.

                                                                                   ***

اقرأ أيضا باقى الفصول

الفصل الأول الاتصال المجهول

الفصل الثاني بنك الأفكار

الفصل الثالث المكتبة العجيبة

الفصل الرابع بائع الوهم

الفصل الخامس فكرة عبقرية

الفصل السادس سارق الملابس

الفصل السابع الخدعة

الفصل الثامن التنكر

الفصل التاسع الفيلا المهجورة

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال