رواية المشروع العجيب مكتوبة الفصل الأول
رواية المشروع العجيب مكتوبة هى احدى الروايات التى سوف ننشرها تباعا هنا والآن مع الفصل الأول:
تلقَّى جاسر مكالمة على تليفونه المحمول من والده، الذي كان يحدثه من مطار بيروت.
في منتصف الليل، ليخطره أنه سيركب بعد نصف ساعة فقط، الطائرة القادمة إلى مطار الإسكندرية.
وطلب منه أن يذهب إلى مطار الإسكندرية ليستقبله هناك؛ لأنه يحمل حقائب ثقيلة الوزن، ولا يعرف الطرق في مصر.
وما إن أخطره والده ذلك بالتليفون حتى أنهي المكالمة.
وقد ترك جاسر طوال الليل لتساؤلاته:
لماذا يأتي والده فجأة إلى مصر، وهو ليس لديه أي تعامل مع أحد فيها؟ حيث لم يخبره والده بشيء عدا جملة واحدة:
إنني قادم إلى مصر، في مهمة غاية في الخطورة.
ظل جاسر يفكر في هذا الأمر، حتى لاح بعينه بصيص نور يولد في الأفق، فترك فِراشه، وارتدي ملابسه.
ولم يشأ جاسر أن يوقظ أحدًا من أصدقائه، ليبلغهم بالأمر؛ فقد كان الوقت لديه لا يسمح له بحمل أي شيء.
فالطائرة التي تقل والده ستصل بعد ثلاث ساعات فقط، الأمر الذي يضطره إلى أن يأخذ أول سيارة بيجو أجرة مسافرة من موقف السيارات على خط مرسى مطروح- الإسكندرية.
وأثناء مغادرته لمساكن الطلبة، ندت عنه تنهيدة عميقة، وقال في حيرة:
آه لو كان حمدي موجودًا، ولم يسافر لزيارة أسرته، لصحبني بسيارته إلى هناك، وخفف عليّ المشقة، وأسرع يطوي الطريق، فوصل فيما بين مكان إقامته ومحطة السيارات البيجو في عشرين دقيقة فقط.
إلا أنه، وبالرغم من الجهد الذي بذله ليصل بهذه السرعة، كانت الطائرة التي تقل والده قد وصلت قبل أن يصل هو إلى المطار بمدة طويلة، فوقعت عيناه على والده من بعيد، وهو يقف على باب صالة الركاب، وأمامه مجموعة من الحقائب، فخف جاسر مسرعًا إلى لقائه، وراح يعانقه في حرارة.
ولم يجد ولد جاسر، والذي يُدعى الحاج فهد النابلسي، صعوبة في الحجز بأحد الفنادق، فقد أرشده سائق السيارة الأجرة التي تقلهم إلى فندق ممتاز في مدينة مرسى مطروح.
بادر والد جاسر (الحاج فهد)، فور وصوله إلى غرفته بالفندق قائلا:
الحمد لله.. لا تتصور يا بُني مدي المشقة التي صادفتها أثناء قيامي بهذه المهمة.
فسأله جاسر في لهفة وحيرة:
مهمة.. وما هي يا أبي؟
ندت عن والده زفرة عميقة، قبل أن يقول:
أتَذْكر يا بُني اللقاء الذي تم بين أهالي الطلبة بكليتكم، وهيئة التدريس، عندما كنا نقضي الإجازة بالقرية السياحية بالغردقة؟
ظهرت علامات الدهشة على وجه جاسر، وهو يسأل في دهشة وحيرة:
نعم.. بالقطع، ولكن ما علاقة ذلك بمهمة حضرتك الخطيرة التي أخبرتني بها؟
هز والده رأسه، وقال:
لقد أسفر هذا اللقاء عن المشروع الخاص ببيع حق اختراع المادة التي تُضاف إلى السلاطة، فتجعلها طرية، وتحفظها لعدة أيام أيضًا.
فلما تصاعدت حدة الدهشة والحيرة، واللذان ظهرا على وجه جاسر، أردف والده قائلا:
وطبعًا هذا المشروع أمامه خمس سنوات على الأقل حتى يبدأ تنفيذه، ولذلك كان لا هم لي منذ اللقاء الذي تم بالقرية السياحية، سوى التفكير في كيفية التقاء العرب مع بعضهم البعض، في مشاريع تؤدي إلى تعميق الصلة بينهم، وجلب فرص عمل للشباب العربي.
فتعجب جاسر، وجعل يحدق في وجه والده بإعجاب شديد.
وأنت تعرف يا بني أنني رجل أعمال، وأقوم بالتجارة مع العديد من رجال الأعمال العرب، وبعد محاولات كثيرة منى استطعت إقناعهم بضرورة تأسيس بنك عربي كبير، يقوم بإقراض كل صاحب مشروع صغير برأسمال، ليسهل عليهم الأمر.
توقف ريثما يبتلع أنفاسه التي كانت تتلاحق، ثم أردف قائلاً:
أمّا شرطنا الوحيد، فهو أن تكون فكرة من يتقدم بطلب القرض جيدة ومبتكرة، ويتيح فرص عمل لأكثر عدد من الشباب.
فلم يقاوم جاسر إعجابه الشديد بعروبة والده، فقام وأخذ يعانقه في حرارة وحب.
وفي هذه اللحظة، كان ثمة طَرْق على الباب، حيث أقبل عامل الغرف ليخبر الحاج فهد بأن ميعاد الإفطار بالفندق قد أوشك على الانتهاء، فقال له الحاج في لهفة:…………
تناول جاسر مع والده إفطارهما بشهية عالية، فقد بذلا جهدًا شاقًّا في السفر والانتقال،
ولكنهما ما كادا يتناولان الحماسة نحو مشروع، ولكن سرعان ما يخبو حماسنا فأنا أخشى..
فقاطعة والده متسائلا في حيرة:
وما الذي تخشاه يا بني؟
قال جاسر:
أخشى أن تضيع الحماسة لفكرة تأسيس هذا البنك مع الأيام.
أفتر ثغر والده عن ابتسامة واسعة، وقال في ثقة وتأكيد:
ستكون محقًّا في خشيتك هذه، لو لم نقم بالتنفيذ بالفعل، وإلا لما أتيت إلى هنا، وتكبّدت عناء السفر، وترك جميع مصالحي.
ظهرت الدهشة على وجه جاسر، وسأل والده، وهو لا يصدق:
وهل تم التنفيذ؟
فقال والده في ثقة وتأكيد:
نعم، فلقد تم التنفيذ بالفعل؛ حيث سدد كل مساهم في مشروع البنك حصته بالكامل، وقد أودعت الرصيد بالكامل في أحد البنوك العربية، تمهيدًا لتحويله إلى مصر، كرأسمال للبنك، وقدره ثلاثمائة وخمسين مليون جنيه.
فانفلتت من جاسر شبة صرخة، ولم يستطع أن يكبح جماح شعوره بالسعادة التي اعترتْه، فراح يعانق والده، وهو يبكي من فرط الفرحة، وسط أنظار جميع الجلوس بالمطعم، والذين راحوا يُحدّقون فيهما في تطلع ودهشة.
ولم يلبث جاسر أن سارع يزف هذا الخبر إلى جميع أصدقائه. وانتشر الخبر بين طلبة الكلية، وهيئة التدريس بها، فعلّق عميد الكلية في غبطة، عندما وصله الخبر..
وأعربت هادية عن سعادتها قائلة:
إنها أول خطوة نحو النهضة العربية، فالبنك وشروط إقراضه الميسَّرة سيتيح الفرصة لكل صاحب فكرة لتنفذها.
قال طلال يشاركهم الفرحة:
وعلى المدى الطويل، ستزداد مساهمة باقي العرب، فيمكنهم بذلك سحب أموالهم الكثيرة التي بالخارج، لتتلاقى مع أفكار المواطنين العرب المبتكرة، حيث إن الأفكار بذلك لن تكون قاصرة على أصحاب الأموال والسلطة فقط.
وقام حمدي من فوره، واتصل بوالده، وزف إليه الخبر، فوعده والده بأنه سيكلّف محامية عادل الطحلاوي، بمهمة إجراءات تأسيس البنك وإشهاره، لمعرفته بالقوانين المصرية، وستكون حصة مساهمته في هذا العمل الجليل، هي من خلال ما يسدد من أتعابه في تأسيس البنك.
وصار كل طالب بالكلية منذ هذا اليوم لا يفكر إلا في شيء واحد: ما هي فكرة المشروع التي يمكن أن يتقدم بها إلى هذا البنك الجديد، ليحصل بموجبها على قرض لتنفيذها، وكان الأصدقاء لمياء، وهادية، وحمدي، وطلال، ووليد، وجاسر، هم أكثر طلبة الكلية اهتمامًا بمشروع الاقتراض من البنك، حتى مرّ على ذلك ثلاثة أسابيع كاملة، ولكن، فجأة وصلت إلى والد جاسر مكالمة من محاميه عادل الطحلاوي، أخطره من خلالها بأنه للأسف قد رفضت السلطات المصرية تأسيس البنك.
فنظر الجميع إلى بعضهم في ذهول تام.
***