روايات مصرية التبني الفصل الثاني: ضيف بلا انتظار
أخذ “سعيد” نفسا عميقا ثم قال: قد عرضت على ابنتا “صباح” أن نتبنى ولدا، يكون عونا لنا، ويملأ عليك وحدتك..
وهنا أدركت “وفاء” سر حديث ابنتها “صباح” إلى أختها “انتصار” ولماذا سألتها عن شروط تبنى الأطفال في الجمعية التي تعمل بها..
الآن اتضح الأمر.. قد قررت “صباح” أن يتبنى أبيها طفلا، ولم تتمهل حتى أسرعت إلى خالتها “انتصار” في الجمعية لتعرف منها شروط تبنى الأطفال، وها هي الآن تنتظر الموافقة، حتى تأخذ أبيها إلى دار رعاية الأيتام التي تعمل فيها خالتها “انتصار” وتنفذ خطتها..
كل هذا الخواطر دارت في ذهن “وفاء” وهى جالسة أمام زوجها، ولم تنتبه إلا حين قال لها زوجها “سعيد”: ما رأيك؟
لم تعرف “وفاء” بماذا تجيب، فالأمر كان مفاجئ لها، ولم تفكر فيه من قبل.. ولكنها تغلبت على حيرتها بطريقة ذكية، وسألت زوجها “سعيد”: وما رأيك أنت؟
روايات مصرية التبني
تردد “سعيد” وكأنه لم يكن ينتظر هذا السؤال، ولكنه أجاب بتردد: أنا لم أحسم الأمر، “فصباح” قد عرضته علىّ اليوم، وأنا لم أقرر بعد.. وها أنا أعرض عليك الأمر والقرار سنأخذه معا..
سادت فترة صمت ليست بالقليلة، وفجأة قالت “وفاء” وهى في حيرة: لا أدري ماذا أقول.. أنا في حيرة..
لماذا فكرت “صباح” في هذا الأمر؟!!
لكن “سعيد” عاجلها: وأنا مثلك محتار، فلنأخذ وقتا لكي نفكر في الأمر.. أليست معي..
أخذت “وفاء” نفسا عميقا ثم قالت: معك حق الموضوع يحتاج إلى تفكير.. لقد فاجأتنا “صباح” بهذا الأمر..
أخلد “سعيد” إلى سريره ليرتاح قليلا، في حين خرجت وفاء إلى غرفة “صباح” التي جلست فيها تعيد ترتيبها.. حيث جمعت كتبها وكراستها التي كانت تذاكر فيهم، فأيام الإجازة لا تحتاج إلى هذه الكومة من الكتب والمذكرات، وأخرجت بعض الألعاب التي كانت تحتفظ بها في خزينة ملابسها..
تعجبت “وفاء” عندما رأت ابنتها تمسك ببعض اللعب التي كانت تلعب بها منذ عدة سنوات وسألتها: ما سر أخراجك لهذه اللعب الآن.. لقد كبرت على اللعب بها؟!!
لم تترد “صباح” فى الإجابة عن سؤال أمها بل ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة وقالت: إنها ليست لى.. تعجبت الأم وقال: لمن إذن أخرجت هذه اللعب؟؟!!
غدا ستعرفين يا أماه..
روايات مصرية التبني
هكذا ألقت “صباح” جملتها التي جعلت الأم في حيرة.. غدا؟!!
ولماذا غدا؟؟!! لماذا لا أعرف اليوم؟؟!!
علت ضحكة بريئة من “صباح” وهى ترى لهفة أمها لمعرفة سر إخراجها للعب..
ولكنها للمرة الثانية أجابتها: إنها مفاجئة يا أمي، ولا تقلقي.. مفاجئة سارة، سوف تدخل على قلبك السعادة..
خرجت “وفاء” من غرفة ابنتها “صباح” وهى فى حيرة من تصرفها، ولكنها لم تقف كثيرا أمام هذا الحدث البسيط، فقد كان شغلها الشاغل هو موضوع التبني الذي اقترحته “صباح” على أبيها اليوم.. والذي يجب أن يجدوا فيه حلا، فالأمر ليس بسيطا كما تتصور “صباح”، إن تبنى طفلا مسئولية كبيرة أمام الله وأمام المجتمع..
جلست “وفاء” تفكر قليلا ماذا تقول لزوجها حتى خطر لها خاطر أن تتحدث مع “صباح” وتحاول أن تعرف لماذا فكرت “صباح” فى هذا الأمر، ومن الذي دفعها إلى هذا التفكير..
وعلى الفور أسرعت “وفاء” مرة ثانية إلى غرفة ابنتها “صباح” التي استقبلتها بابتسامة أضاءت جنبات الغرفة، ثم دعتها للجلوس هذه المرة..
اقتربت الأم من ابنتها “صباح” ثم همست فى أذنها..
أخبريني لماذا عرضت على أبيك اليوم أن يتبنى طفلا؟! لقد رزقنا الله بك، وأنت تملئين علينا حياتنا..
وقبل أن تسترسل الأم في حديثها قاطعتها “صباح”: هل أخبرك أبى بنا قلته له اليوم؟
أجابت الأم نعم، فأنت تعرفين أن أباك لا يخفى عليّ شيء، ثم إن هذا الأمر يجب أن يوافق عليه كل أفراد الأسرة.. إنه مسئولية اجتماعية وأخلاقية يجب أن يتحملها الجميع..
نظرت الأم إلى وجه “صباح” فإذا الجد قد كساه، وإلى عيناها فإذا هى تلمع..
ثم استمعت إلى حديثها الذي لم تبح به لأحد من قبل..
روايات مصرية التبني
أمي أنا أحتاج إلى أخ لى، يلعب معى، وأخرج للتنزه معه، احكي له عن الأشياء المزعجة التي أتعرض لها ليدافع عنى، وعن الأشياء السعيدة ليفرح بي، أنا يا أمي أرى كثير من صديقاتى يمشون من أخواتهم من البنات أو الأولاد، فكم تمنى أن يكون لى أخ مثلهم..
خرجت الأم من غرفة خرجت صباح التي استطاعت وهى ما زالت طفلة صغيرة أن تصف مشاعرها لأمها، ما جعل فكرة تبنى طفلا صغيرا أمر حتميا
ليس لعلاج الوحدة التي تشعر بها “وفاء” والأسرة، بل أيضا لتملأ على هذه
الطفل حياتها..
استقبلت أسرة سعيد يوما جديدا ولكنه ليس كأي يوم، فهو مليء بالأحداث المنتظرة، فالابنة صباح قد أنهت امتحاناتها وتستقبل أيام اجازتها اعتبارا من هذا اليوم.
وأما سعيد فقد بات يفكر في الأمر الذي عرضته عليه ابنته صباح بالأمس، وأما الأم وفاء فهي على موعد مع زوجها سعيد لإبداء رأيها في موضوع التبني ..
فى أحدى مكاتب جمعية رعاية الأطفال جلست الطفلة “صباح” فى أحدى زواياه، بينما جلس “سعيد“ وزوجته “وفاء“ ومعهم “انتصار“ شقيقتها التي تعمل في الجمعية، أمام مكتب مديرة الجمعية التي راحت تبين له قواعد التبني، وأنه لا ينبغي أن يتغير اسم الطفل، وأن يحافظوا عليه مثله مثل أحد أفراد الأسرة.
روايات مصرية التبني
وفى نهاية حديثها قدمت لهم استمارة، وبدوره قام “سعيد” بمليء الاستمارة بالبيانات المطلوبة، وعلى الفور توجهت “وفاء” و”سعيد” بصحبة “انتصار” معهم “صباح” إلى أحد الغرفة المخصصة لمبيت الأطفال، وبمجرد ما دخلوا الغرفة أسرعت “صباح” إلى “باسم”، إنه الطفل الذي تريد أن تأخذه ليكون أخا لها..
تعجبت الأم والأب من سرعة اختيار “صباح” للطفل، وكأنها تعرفه من قبل..
والحقيقة التي لا يعرفها أحد أن “صباح” بالفعل تعرف ذلك الطفل، وكم جاءت إلى دار الرعاية لتراه وتلعب معه، وتقدم له الهدايا البسيطة، بل وقد سعت أكثر من مرة لتأخذه معها ليتنزه في إحدى الحدائق القريبة من الحي، ولكن المسئولة رفضت أن يخرج الطفل باسم من الجمعية..
ولعل هذه هو السر الذي عرفه أبوها “سعيد” من معلمتها في المدرسة، فقد حكت له ذات يوم عن تعلق “صباح” بطفل صغير في إحدى جمعيات رعاية الأطفال أثناء زيارة رحلة المدرسة إلى جمعية رعاية الأطفال فى احتفال يوم اليتم…
وهذا هو الدافع الأكبر لدى الأب “سعيد” ليوافق على تبنى طفلا، ويضمه إلى الأسرة، ليس تلبية لرغبة “صباح” فقط، فتبنى طفلا ليس كشراء لعبة للتسلية، بل هو مسئولية كبيرة يتحملها “سعيد” أمام الله والمجتمع..
أسرعت “صباح” بصحة “باسم” إلى غرفتها، وهناك راحت تقدم له الألعاب التي قامت بإخراجها من خزينتها، نظرت الأم إلى “صباح” “وباسم”، وساعتها أدركت السر.. سر أخراج “صباح” لألعابها بالأمس وأدركت أنها أمام المفاجئة السارة التي أخبرت بها “صباح” من قبل..
روايات مصرية التبني
باتت الأسرة من ليلتها الأولى سعيدة بهذا الطفل الذي لم يتجاوز عمره خمس سنوات..
ومرت الأيام والمساحة التي يشغلها “باسم” في حياة الأسرة تزداد رقعتها، فهاهي “صباح” لا تدخر من وقتها شيئا إلا وأعطته له، حتى وهى في دراستها التي أصبحت أكثر عمقا، فهي في الثانوية العامة، وتحتاج إلى وقت كبير للتحصيل والمذاكرة، ولكنها مع ذلك لم تبخل على “باسم” بالوقت الكافي للعب والمذاكرة معه..
وأما “وفاء” الأم التي أعاد لها “باسم” ذكرياتها القديمة في رعاية ابنتها “صباح” هاهي تعيد الكرة مرة أخرى، وتبذل في سبيل توفير الراحة لباسم كل ما تستطيع، وتمضى معه وقتا كبيرا وخاصة بعد غياب زوجها “سعيد” في العمل وابنتها “صباح” في المدرسة..
وأما “سعيد” فقد تعلق قلبه “بباسم” كأشد ما يكون التعلق، ولما لا وقد بث فيه الأمل، وجعله يتمنى أن تسرع الأيام في المضى حتى يراه شابا رجلا يعتمد عليه فى مسيرة الحياة، ويريحه من العناء بعد أن ظهرت ملامح الكهولة على جسده..
هكذا تعايشت الأسرة مع الطفل الجديد الذي جاءها من حيث لا تحتسب.. ولكنها لم تكن تعلم ما تخبئه الأيام لها من وراء مجيء هذا الطفل..