رواية المشروع العجيب.. الفصل السابع بعنوان الخدعة

رواية المشروع العجيب.. الفصل السابع بعنوان الخدعة

رواية المشروع العجيب.. الفصل السابع بعنوان الخدعة

وصار لغز الرجل الذي سافر ليسلم أوراق فتح البنك بسويسرا، والذي يدعى عزت القماش، هو شغل رجال المباحث الشاغل، وجعلوا يتتبعونه في أستراليا، ولكن أسفرت التحريات أنه الرجل غادر أستراليا، واتجه منها إلى سويسرا على الطيران السويسري، ولكنه ما أن فتح الحساب هناك، لم يغادر سويسرا، أما تحرياتهم عن عزت القماش، التي قاموا بها في مصر، فقد أسفرت نتيجتها عن أنه كان يعمل بشركة تصدير في مصر منذ عدة سنوات، وقد قام أثناء عملة بسفريات عديدة لمجموعة من الدول؛ أهما أستراليا، وتزوج من امرأة أسترالية هناك، وأنجب منها طفلين، وأمضى ثلاث سنوات في أستراليا، ولكنه فجأة طلق زوجته الأسترالية، وعاد للعمل في مصر.

ولكن لم يعرف أحد ماذا كان يفعل في هذه الفترة في مصر، والغريب أن الرجل ليس له سوى قريب واحد في مصر، وهو ابن عم والده، والمقيم بمدينة دمنهور، ولم يعرف بواب العمارة عنه أي شيء، عدا أنه رجل يقضي طوال يومه في العمل، ولكنه لا يعرف ماذا يعمل. وبسؤالهم لزملائه في العمل في مصر، أفاد زملاؤه
في العمل السابق، أنه كان ينشد الثراء بأي شكل، ولو أدى إلى ارتكابه غدة جرائم من أجل ذلك!

إلا أنه، وبعد أسبوع بأكمله، اتصل الحاج فهد برئيس المباحث ليطمئن، هل تم القبض على عزت القماش هذا في سويسرا، فقال رئيس المباحث في أسى:

للأسف لم يستطيع رجال المباحث السريون الوقوف على أي أثر له، ولذلك سافر ثلاثة من رجالنا إلى سويسرا، لمعاونة المخابرات السويسرية في القبض عليه، ولكنهم لم يستطيعوا العثور على مكانه حتى الآن.

وسكت وأردف قائلاً في صوت حانق:

كما أن حساب الرجل الأسترالي الذي تم فتحه ببنك سويسرا لم يتحرك حتى الآن، فلم تظهر أي معاملات له مع أحد.

وتنهد في عمق، وغمغم في حيرة:

يبدوا أن الرجل حريص جدًّا، ويعرف أننا نراقب حركته البنك.

ولما أخبر الحاج الأصدقاء بما حدث، قالت هادية في حيرة: أنا يُخيل إليَّ أن رفعت القماش هذا وراء كل ما تم تدبيره.

فراح الأصدقاء يفكرون في أمر عزت القماش، والرجل الأسترالي، وهم في حيرة شديدة. وتساءل طلال فجأة:

إن السؤال الذي لم يفارق ذهني أبدًا هو: كيف عرف عزت القماش هذا بمشروعنا؟

عقّب حمدي في يأس:

من الواضح جدًّا، أن هذا الرجل كما تقول هادية، هو المحرك لكل هذه الأحداث، فيُخيل إلي أنه هو الذي قام بالتخطيط، بداية من التخطيط لشراء الأرض من مسيو بابير، وتزويد من قاموا بعملية الاحتيال، فالقبض عليه فعلاً سيؤدي إلى القبض على العصابة كلها.

علّقت لمياء في ذهول:

ولكن، لن يستطيع رجال المباح المصرية القبض عليه في سويسرا، فمن المؤكد أنه استطاع أن يختبئ بإحدى الفيلات هناك، وقد يعيش فيها عامًا بأكمله، حتى لو أنفق مليوني جنيه.

صاح جاسر في حنق وضيق:

ما دام الأمر كذلك، فلن نترك الأمور هكذا.

فسألته هادية في حيرة:

ماذا تعني؟

جاسر:

لا يوجد أمامنا سوي معرفة كل شيء عن هذا الرجل بأنفسنا.

سألته لمياء، وهي لا تصدق:

وكيف يمكننا ذلك، وهو موجود بالفعل في سويسرا؟!

فقال جاسر في إصرار:

لا، إن عزت القماش هذا هو المفتاح الوحيد الذي أمامنا؛ فالرجل الذي انتحل شخصية رفعت السنجري مختفي هو والأسترالي، ولكن لا يوجد خيط للتوصل إلى حقيقتهما، أما هذا الرجل، فلدينا عنوانه في مصر، وعنوان الشركة التي كان يعمل فيها في مصر، حيث حصل والدي على هذه المعلومات من رئيس المباحث، فقال حمدي، وقد راقت له الفكرة.

ينبغي لذلك أن نحاول التوصل إلى معلومات قد تفيدنا عن هذا الرجل، فربما نصل إلى أحد شركائه بسويسرا أو أستراليا، فنفيد بها رجال المباحث.

وجد الأصدقاء جميعًا أن هذا هو الحل الذي يستطيعون من خلاله الحصول على معلومات عن عزت القماش، وكانت الخطة أن يوزعوا جهدهم بينهم، فيذهب طلال وهادية ولمياء إلى الشركة التي كان يعمل بها عزت القماش، ويزعمون أنهم أبناء لرجال أعمال مجرِمين، قَبَضَ منهم عزت القماش عشرين ألف دولار، ثمنًا مقدمًا لبضاعة سيصدرها لهم منذ عام، وزاغ منهم، ولذلك حضروا لمقابلته، أو لاقتفاء أثره، ولما عرفوا من بواب العمارة التي يسكن فيها، أنه سافر للخارج، حضروا إلى الشركة التي كان يعمل فيها، ليعرفوا أين يوجد. أما حمدي ووليد وجاسر فيسافرون إلى مدينة دمنهور، حيث يقطن ابن عم والد عزت القماش.

وقام الأصدقاء بتنفيذ الخطة، ولكن لم يستطع طلال وهادية ولمياء الحصول على مقاومات من موظفي، بَيْدَ أن طلالاً لمح على وجه أحد السعاه بالشركة، أنه يبغي الإفصاح عن شيء، ولكنه يبدو مترددًا، فأسرع إليه طلال، ولما اقترب منه مال عليه، وبادره قائلاً:

هيّا معي.

فما كاد الساعي يتابعه في حيرة، إذا بطلال يخرج من جيبه خمسين جنيهًا، وقال له في لهجة إغراء ووعيد:

هذه مجرد فكة، فلو هديتنا إلي معلومة قيمة عنه، فسوف يكون لك عشرة أضعاف ذلك.

فلما تناول الرجل النقود، همس إليه قائلاً:

إنه له صاحب لا يفارقه أبدًا، يقطن هنا في الإسكندرية، في كامب شيزار، فلقد ذهبت أكثر من مرة لأحمل لهما بضاعة اشترياها.

ووضع الرجل يده في جيبه، وأخرج قصاصة ورق صغيرة، وكتب عليها العنوان.

فلما أخبر طلال هادية ولمياء بما حدث، صاحت لمياء في حماس: عظيم، لقد وقع في أيدينا أول عنوان ممكن تقديمه لرجال المباحث.

فقالت هادية معترضة:

لا، إنه قد يكون خيطًا ضعيفًا.. مجرد صديق له.

فقال طلال، بعد أن فكر لثوانٍ، وهم يغادرون المكان.

في رأيي أن نقوم نحن بسؤال صاحبة، ولكن من خلال خطة أخرى نستطيع بها أن نحصل منه على معلومة.

ردت لمياء في حيرة:

خطة!

فتدخلت هادية قائلة في حماس:

فعلاً، لقد خطر ببالي أنَّ أفضل ما سيجعله يعطينا معلومات، هي أن نوحي إليه أن لديه مبلغًا من المال، هو باقي قيمة سلع استوردها
لوالدنا.

لاقت هذه الفكرة استحسان ثلاثتهم، وبعد نصف ساعة فقط، توقفت السيارة الأجرة أمام العمارة التي يقطن بها صحابه، طِبْقًا للعنوان الذي كتبه الساعي، لكنهم ما كادوا يصلون إلى رقم الشقة، ويضربون جرس الباب، إذا بهم يفاجئون بمفاجأة لم تكن في الحسبان أبدًا، فلقد فوجئوا بأن صاحبه الذي فتح لهم الباب، هو مندوب شركة الأغاني نفسه! فتسمروا جميعًا في مكانهم.

 لم يجد الأصدقاء الثلاثة؛ حمدي ووليد وجاسر، صعوبة في الوصول إلى عنوان ابن عم والد عزت القماش، في مدينة دمنهور، فبمجرد أن دخلو المدينة، وسألوا عنه، أشار إليه أكثر من فرد على الطريق، فما أن دلفوا بسيارتهم من الشارع العمومي، الذي يُفضي إلى شارع فرعي، إذا بعيني حمدي تقعا على العنوان بحارة برتون.

قابلهم أحد أقارب عزت، وجعل ينظر إليهم في ريبة من خلف نظَّارته السميكة. وما إن أخطروه بأنهم قادمون إلى مدينة الإسكندرية، في مهمة خاصة بعزت القماش، حتى انفجر الرجل صائحًا وغاضبًا: وما لي أنا وعزت؟ وماذا تريدون؟

وعلى إثر صياحه المرتفع، فوجئ الأصدقاء بأربعة شبّان أقوياء يدخلون فجأة، وقد ظهر على وجوههم التحضير للعراك.

فقال وليد، وقد أبان ثغرة عن ابتسامة واسعة.

هل يُقابل من يأتون لسداد ما عليهم هذه المقابلة؟

تبدلت نظرات العنف والغضب التي بدت على وجه الشبّان، وحلت محلها علامات الدهشة، وجعل الرجل الكبير، قريب عزت يبش في وجوه الأصدقاء الثلاثة، وقد ارتسمت على وجهه علامات دهشة شديدة، وتساءل وهو لا يصدق.

ماذا تقولون يا أولاد؟ تريدون أن تسددوا دينًا عليكم!

لمن؟ لعزت؟

هز حمدي رأسه، وقال مؤكدًا:

نعم، فإن له حساب متبقي علينا، قدرة ألف ومائتان وخمسون جنيهًا.

فما أن ذكر حمدي هذا الرقم، حتى تضاعفت الدهشة التي بدت على وجه الشبّان الأربعة، وجعلوا ينقلون النظرات فيما بينهم وبين الأصدقاء، وهم في حيرة شديدة.

ردد الرجل العجوز، وهو لا يصدق:

ألف ومائتان وخمسون جنيهًا، جئتم تردونها إلى عزت!

وتوقف، وردد مرة أخري، وهو لا يصدق.

عزت القمّاش!

نعم، فلقد اشتري لوالدي بضاعة، وهي مجرد لعب أطال، واستوردها له من أستراليا، وتبقي له هذا المبلغ.

أردف جاسر:

وقد جئنا لنسدد له هذا المبلغ.

فتدخل أحد الشبان قائلاً، وهو يحاول التودد إلى الأصدقاء: ما دمتم قد جئتم إلى ابن عمنا عزت القمّاش، فأنتم اليوم مدعون لتناول الغذاء معنا.

واندفع الرجل العجوز قائلاً:

لقد سُررنا يا أولاد لأمانتكم، فسوف نسلّم له المبلغ عندما يأتي على الفور.

استغل وليد الفرصة، وقال بلباقة:

ولكننا للأسف سمعنا أن الأستاذ عزت مسافر في الخارج، فهل تعرفون عنوانه هناك لنرسل إليه المبلغ؟ فتدخل شاب أخر، وقال متوددًا إلي الأصدقاء الثلاثة: لا نعرف عنوانه، ولكن سنعطيك إيصالاً باستلامنا للمبلغ. فشعر الأصدقاء أنهم وضعوا في مأزق شديد، فقال جاسر في دهاء:

ليست هناك مشكلة في أن ندفع لكم المبلغ، فأنتم أقاربه بلا شك، ولكن لو تفضلتم، وافونا برقم تليفونه المحمول، لنتصل به بالخارج، وبمجرد الاتصال به، نسدد لكم القيمة على الفور.

فوجئ الجميع بالرجل العجوز ينتفض واقفًا، وقال بلهجة متشددة، وفي حنق شديد:

لا، إنه مدين لي بخمسة آلاف جنيه، فهذا المبلغ مستحق لنا، ولن نترككم حتى نأخذ حقنا.

وعلى الفور، التف الشبان الأربعة حول الأصدقاء، وتأهبوا للعراك الشديد، فشعر الأصدقاء الثلاثة أنهم قد وضعوا في مأزق خطير، لا حل له سوى سداد القيمة.

وفجأة صاح حمدي بلباقة:

تسمحوا لي قبل أي شيء أن أقوم بالاتصال بوالدي، حتى أستأذنه، فاندفع أحدهم، وقال في حدة:

اتَّصِل، وسواء وافق والدك أو لم يوافق، فلن تخرجوا من هنا حتى تدفعوا المبلغ. إنه حقنا.

فأخرج حمدي على الفور تليفونه المحمول، وسمعه الجميع يتحدث قائلا:

نعم العنوان
**********************بدمنهور أبوه أقارب عزت القماش يريدون أن
نسدد مبلغًا من المال رغمًا عنا.

فصاح شاب أخر في لهجة تهديد:

رغما عنكم؛ فهو حقنا.

فناوله حمدي التليفون، وقال:

تفضل.. تكمل.

فاندفع الشاب، وتناول التليفون من حمدي، ولكنه ما أن وضعه على أذنه، فوجئ به الجميع يقول:

ماذا.. رئيس مباحث الإسكندرية، أنا يا فندم.. حا حاضر!

فرانت الدهشة على وجه الجميع، ولم يصدق وليد وجاسر أنفسهما وهما يغادرن الشقة إلى جانب حمدي سالمين:

وعلق جاسر وهو يضحك يا لها من خدعة؟

وركب ثلاثتهم سيارة حمدي في طريقهم إلى الإسكندرية.

وكان طلال وهادية ولمياء قد فروا من العمارة بسرعة، بعدما فتح لهم مندوب شركة الأغاني الباب، وفوجئ بهم.

فما أن التقي الجميع، وفوجئ الأصدقاء الثلاثة؛ حمدي وجاسر ووليد، من طلال، بأن مندوب شركة الأغاني، هو صديق عزت، صاح جاسر، وهو لا يصدق:

معقولة!

وعقّب وليد قائلاً في دهشة:

يالها من مفاجأة! لقد اتضح لنا الأمر إذن، فمن المؤكد أن هذا الرجل هو الذي دبّر كل شيء.

وقال حمدي:

إن الوضع الآن صار في صالحنا لأول مرة؛ فالرجل موجود في مصر، وعنوانه موجود، ولن يستطيع الهرب من الشرطة.

صاحت هاية:

لا يوجد أمامنا سوي إبلاغ رئيس المباحث بالأمر؛ حتى يسارع بالقبض عليه قبل أن يهرب.

فأخرج حمدي تليفونه المحمول، وقام بالاتصال على الفور برئيس المباحث، ولكنه قال في ضيق:

تليفونه مغلق للأسف.

علّق وليد في حيرة:

يبدو أنه في لهفة

وقال جاسر:

لا يوجد، فمن المؤكد أن الرجل قد عرف أننا كشفنا أمره، وخاصة أنكم اضطررتم للفرار من أمامه، فربما أنه يدبر طريقة للهروب الآن.

بَيْدَ أنهم ما كدوا يغادرون المكان، إذا بجرس تليفون المكتب يرن، وما إن أسرع جاسر يرد، حتى فوجئ به الجميع وهو يقول، وقد تجهّم وجهُه تمامًا، وقال متلعثمًا:

ماذا؟ ماذا تقول؟

ثم ووضع السماء، وقد ظهرت عليه علامات ذهول وهلع شديدين. فلما سأله الجميع عما حدث، قال وهو في ذهول:

لقد.. لقد اختَطَف الرجل والدي، وهددنا بقتله لو حاولنا الاتصال بالمباحث!

فنظر الجمع إلى بعضهم في ذهول تام!

 

اقرأ أيضا باقى الفصول

الفصل الأول الاتصال المجهول

الفصل الثاني بنك الأفكار

الفصل الثالث المكتبة العجيبة

الفصل الرابع بائع الوهم

الفصل الخامس فكرة عبقرية

الفصل السادس سارق الملابس

الفصل السابع الخدعة

الفصل الثامن التنكر

الفصل التاسع الفيلا المهجورة

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال