رواية المشروع العجيب مكتوبة.. الفصل الرابع بعنوان بائع الوهم

رواية المشروع العجيب مكتوبة.. الفصل الرابع بعنوان بائع الوهم

رواية المشروع العجيب مكتوبة الفصل الرابع

رواية المشروع العجيب مكتوبة مع الفصل الرابع بعنوان بائع الوهم.

تسمّر الجميع في أماكنهم تمامًا، وجعل كل منهم ينظر إلى الآخر في دهشة، وكأنما يقول له: هل سمعت مثل الذي سمعته.

ومما زاد الأمر دهشة، أن بقية أساتذة الجامعة الجالسين، التفتوا إلى أستاذ الاقتصاد، وقد مرت على وجوههم علامات الدهشة البالغة، فبادر الحاج فهد بسؤال أستاذ الاقتصاد، وهو لا يصدق:

هل هذا لغز؟ فهل يوجد مشروع في الدنيا يربح قبل أن يعمل؟ إنني أعمل بالتجارة منذ أكثر من ثلاثين عامًا، ولم أسمع في حياتي عن شيء مثل هذا!

هزّ أستاذ الاقتصاد رأسه، وقال مؤكدًا:

إن ما قلته هو الحقيقة التي أثبتتها الأرقام فعلاً.

سأله حمدي في شغف هائل:

وكيف ذلك؟

بادر أستاذ الاقتصاد قائلاً، وهو ينقل نظراته بين وجوه الجميع، الذين كانوا مثبتين عيونهم عليه، في تطلع وشغف هائلين:

إن تفكيرنا في مشروع دار النشر والمكتبة هذا، نَجَمَ عن دراستنا للمشاكل التي تؤدي إلى عدم إقبال عدد من محبى القراء على شراء الكتب، وحتى الكتب الرخيصة الثمن، فمثلاً قارئ يسكن في مدينة الأقصر، ويحب أن يقرأ كتابًا ما، ولكن هذا الكتاب لا يوجد في مكتبات الأقصر، وقد لا يوجد هذا الكتاب إلا في مكتبة صغيرة في المنصورة مثلا؛ لأن معظم الكتب القديمة قد نفدت، ويتبقى منها كتاب أو اثنين في السوق كله، ولو فرضنا أنه يوجد خمسة مليون قارئ، يريد كل منهم قراءة ما بين كتابين أو ثلاثة، ولا توجد هذه الكتب في نطاق مكانه، فإنه بحسبه بسيطة، نجد أن عدد الكتب التي يحتاجها القرّاء، ولا يجدونها، قد يصل عددها إلى عشرين مليون نسخة كتاب، في مصر فقط.

وتوقف، وراح ينقل نظراته بين الجميع، فلما وجدهم منصِتين في اهتمام وتفكير فيما قال، أردف قائلاً:

وعندما يعرف الجميع أنه توجد مكتبة، لو ذهب كل منهم إليها سيجد فيها كل ما يبتغيه، فلن يتردد أحد منهم في الذهاب إليها، أو يطلب من يذهب إلى مكانها، أن يشتري معه هذا الكتاب.

وأضاف أستاذ المكتبات مؤكدًا:

كما أن وجود مكتبة تحوي جميع الكتب، سيجعل كل دار نشر، من المائتين دار نشر في مصر وحدها، تقوم بطباعة كل ما سبق طباعته من كتب.

سأله حمدي في دهشة:

وما معني ذلك؟

أجاب أستاذ:

ستُعيد طباعة كل الكتب التي سبق وأن قامت بطباعتها، وقد تصل إلى مئات الكتب، ولما كان عدد النسخ من الكتاب الواحد منها، قد لا يقل عن خمسة آلاف، فتخيلوا معي لو قامت كل الدور بطباعة ما سبق أن طبعته منذ تاريخ شغلها بالنشر.

سأله جاسر في حيرة:

كم يكون ذلك؟

أستاذ المكتبات:

ما لا يقل عن عشرين مليون نسخة كتاب.

أُصيب الجميع بذهول شديد.

فعقب أستاذ الاقتصاد قائلاً:

فالمكتبة ستكون بمثابة معرض دائم للكتب، ويحوي عشرات الملايين من العناوين، الأمر الذي سيجلب إليه على الأقل، ما لا يقل عن عشرة مليون زائر سنويًّا.

سكت لحظة، ثم أردف قائلاً:

وكما تعرفون، فإن ثمن الأرض إلى جانب هذه المكتبة التي عليها كل هذا العدد سنويًّا سيرتفع جدًّا؛ لأن المعروف أن المنطقة التي يتردد عليها عدد كبير من الناس، ترتفع قيمة الأرض بها وحولها.

فلما ظهرت الحيرة على وجوه الجميع، أردف قائلاً:

ولذلك، لو تم شراء أرض بمنطقة صحراوية، مثل طريق القاهرة- الإسكندرية الصحراوي؛ لأن تكلفة المتر فيه لا تزيد عن المائة جنيه، ولكنه بعد قيام المشروع سيؤدي إلى رفع قيمة الأرض إلى سبعمائة جنيه.

تنهّد، وجعل يجيل النظر بين الجميع مرة أخري، ثم أردف قائلاً:

وذلك فإننا لو قمنا بشراء أرض مساحتها ثلاثة ونصف كيلو متر مربع، أي ثلاثة ونصف مليون متر مربع، بسعر مائة جنيه/متر، وبعد أن نقيم على نصف كيلو متر مربع المكتبة، وقمنا ببيع هذه الأرض بسعر المتر الواحد سبعمائة جنيه، فإننا سنكسب من وراء ذلك قيمة تكلفة إنشاء المكتبة نفسها.

فما إن سمع الجميع بذلك، حتى ندت عنهم صيحات الإعجاب، وهتف أحد العاملين بالمكتبة:

يحيا العِلْم.

وصاح آخر:

لقد انتصر العلم أخيرًا على الجهل.

وقام الأصدقاء جميعًا بتحية الدكتور، والحاج فهد، وهنئوه على المشروع المنتظر.

ودعا الحاج فهد النابلسي الجميع بهذه المناسبة إلى مأدبة عشاء بأحد الفنادق الكبرى بمدينة الإسكندرية، فراح الجميع يقبل على الطعام بشهية عالية، فقد كانوا يشعرون أنهم؟؟؟؟؟، بانتصار العلم والفكر لأول مرة ضد الجهل، وفي مجال التجارة الذي ينتصر فيه الجهل دائمًا في بلادنا.

وبينما كان الجميع يجلس لاحتساء القهوة والشاي بعد الطعام، وهم في استرخاء وأمان، إذا بجرس محمول الحاج فهد يرن فجأة، وما إن رفع التليفون إلى أذنيه، حتى بدت منه صرخة، وقال في ذهول:

ماذا تقول؟ معقولة! كيف؟

قال ذلك، وانتفض واقفًا، فما إن سأله الجميع في لهفة عما حدث حتى قال في جزع:

لقد سطا أحد المجرمين على المكتب وسَرَقَه.

هب الجميع في فزع وقادوا سيارتهم بسرعة في أثر الحاج فهد، الذي هرع إلى سيارته، وانطلق بها بسرعة هائلة، فاضطر حمدي إلى القيادة بسرعة، حتى يكون إلى جانبه، وفي أثرهم كان أساتذة الجامعة يقودون سيارتهم خلف حمدي، حيث كانوا لا يعرفون الطريق جيدًا.

ولم تمضِ إلا عدة دقائق فقط، حتى توقفت سيارتهم أمام باب العمارة التي يوجد بها مكتب الحاج فهد، والذي لم يطق صبرًا على انتظار المصعد، الذي كان مشغولاً، فصعد السلم عدوًا، فانطلق الأصدقاء صعودًا إلى الطابق الذي به مكتب الحاج، ودخلوا من بابه، حتى فوجئوا جميعًا بالحاج فهد، وقد ظهرت على وجهه علامات الراحة، وبادرهم قائلاً:

الحمد لله. لم يقترب المجرم من الخزينة، والتي بها المستندات الخاصة بالمساهمين.

فتنفس الجميع الصُّعداء أخيرًا، وكان أساتذة الجامعة قد لحقوا بهم في هذه اللحظة، ولما اطمئنوا تساءل أستاذ الاجتماع في حيرة ودهشة:

غريبة.. ولماذا أخبرك رجالك بأن المكتب قد تعرض للسطو؟

فنَدَت عن الحاج ضحكة مرتفعة، وأردف قائلاً:

تصورا.. مجرم يقتحم مكتبًا كبيرًا مثل مكتبنا، ولا يسرق سوي بعض ملابس ساعي المكتب!

قال وليد وهو لا يصدق:

معقولة! إن ملابسه التي يرتديها لا تساوي إلا ثمنًا رخيصًا.

فوجئ الجميع بعم فراج يخرج ويقول في حنق مشوب بالحسرة:

لقد خرجت لاشتري طعام العشاء لي، وما كدت أدخل المكتب حتى وجدت بابه مفتوحًا، فاعتقدت أن الحاج فهد قد حضر، ولكنني دخلت الصالة، فلم أجد أحدًا، فسمعت صوت حركة داخل غرفة مكتب الحاج فهد، فلما دخلت، وقعت عيني على رجل كان يفتش في الشقة، فما كدت أسأله ماذا تفعل، إذا به يهجم عليّ، ويزج بي، فوقعت على الأرض.

وتوقف، وقال وقد تضاعفت حدة الحنق في صوته:

لقد فوجئت بالملعون يسرق ملابسي، وبها حافظة أوراقي. وهز رأسه، وأردف في حسرة وحنق:

آه لو استطعت أن أمسك به، لمزقته إربًا، فأنا لا أنسي وجهه أبدًا.

ولما فرغ الرجل من حديثه، واطمأن الجميع، رفع الحاج فهد ذراعيه، وجعل يدعو الله ويحمده، ثم التفت إلى عم فراج الساعي، وقال وهو يبتسم:

لا تحزن، فسأعوضك عن الجلباب المسروق، فقال عم فراج في لهفة ورجاء:

والصديري..

فابتسم الحاج فهد، وقال:

والصديري يا عم أيضًا.

فغمغم عم فراج في حيرة:

إن ما جعلني أتميز غيظًا، أنني قد اشتريتها منذ أسبوع فقط، فلا أعلم كيف علم هذا اللص أن لدي جلبابًا و (صديري) جديدين.

وتنهد، وهز رأسه، وأردف قائلاً:

ربما كان يقوم بمراقبتي منذ مدة، وعينه عليهما.

فلم يستطع أحد من الموجودين أن يسيطر على حالة الضحك التي انتابته، حتى الحاج فهد.

وسرعان ما دار في إثر حادث السطو هذا حوار طويل بين الأساتذة والحاج فهد والعاملين بالمكتب، وقد شارك فيه الأصدقاء الستة، فأسفر الحوار عن اقتناع الجميع بأن اللص قد سمع عن وجود مكتب لإقراض الناس، فاعتقد أنه يحوي أموالاً طائلة، وأنه جعل يعد العدة للسرقة، فراقب المكتب لمدة، فلما شاهد الجميع وهم يغادرون المكتب، حتى عم فراج نفسه، الذي خرج في أعقابهم، انتهز الفرصة، وقام على الفور باقتحام الشقة، بعدما سهل عليه فتح بابها، ولكنه لم يستطع فتح الخزنة بطريقته، ولذلك، فقد راح يفتش في صديري وجلباب عم فراج، عساه أن يجد فيهما مفتاح الحزينة، فلما لم يعثر عليه، وفوجئ بالساعي، قام بزجه، فأوقعه أرضًا، وسارع بالفرار.

وفي مساء نفس اليوم، غادر الأصدقاء مدينة الإسكندرية، ليستأنفوا الدراسة بالكلية، وقد اعترتهم جميعًا الغبطة والراحة؛ لشعورهم بانتصار العلم على الجهل في مجال التجارة، وذلك من خلال مشروع للثقافة في مصر والعالم العربي، والذي حرص الأساتذة على ألا يعرف به أحد، فوعد كل الحاضرين بالحرص الشديد على أن يجعلوا هذه الفكرة سرية.

وانخرط الأصدقاء في الدراسة بالكلية، وقد انتابتهم موجهة حماس، جعل جاسر في نهاية كل أسبوع يسافر إلى حيث يوجد والده الحاج فهد، ليطمئن منه على سير العمل في المشروع،

والذي يتكون من دار للنشر والتوزيع والمكتبة، وهو ما أطلقوا عليهما اسم مشروع الأمل.

ولم تلبث أن حصلت إدارة المشروع على الأرض التي تطابق المواصفات تمامًا، فمساحتها ثلاثة ونصف كيلو متر مربع، وعلى طريق مصر- الإسكندرية الصحراوي، ولكن كان ثمن المتر في هذه الأرض مائة وخمسون جنيهًا شاملة المرافق، وكان مالك هذه الأرض فرنسي الجنسية، وقد اشتراها منذ عدة سنوات، وقام بعد تجهيزها بالمرافق ببناء مصنع كبير لصناعة السيارات، ولكن عدل الشركاء عن مشاركته، واستثمروا أموالهم في مشروع بأوروبا الشرقية.

بائع الوهم

وعلى الفور، كان مهندس التصميمات قد مد إدارة مشروع المكتبة بالتصميم الهندسي للمكتبة، وكان التصميم خارقًا للمألوف تمامًا، وقد شرح لهم الحاج الفكرة قائلاً:

هذا التصميم خارق للمألوف تمامًا؛ فالمكتبة تُقام على نصف مليون متر مربع، وفيها أماكن مخصصة للكافيتريات، والمطاعم، والحدائق.

فسأله وليد في حيرة:

ولكن، هل يمكن أن تحوي المكتبة عشرات الملايين من عناوين الكتب؟ إن هذا مستحيل.

فأجاب الحاج مؤكدًا:

بل ممكن جدًّا؛ لأنه، وطبقًا لتفكير أساتذة الجامعة الذين فكروا في المشروع، ستحوي أماكن العرض بالمكتبة نسخة واحدة من كل عنوان كتاب، أما أسفل المكتبة، تحت الأرض، فسيوجد طابق مساحته نصف مليون متر مربع، أي بمساحة أرض المكتبة بمرافقها بالكامل، لتكون مخزنًا لعدد من النسخ لكل عنوان، وفيه تتم عملية الشراء.

ولم تمر إلا عدة أشهر، حتى دعا جاسر أصدقاءه لزيارة المكتبة، فلم يصدقوا أنفسهم عندما وقعت عليها أعينهم، فقد تم إنجاز 70 % من المشروع في وقت قياسي؛فشعروا أن الحلم قد بات وشيكًا.

وكانت السعادة والحماسة بادية على وجه الحاج فهد، وهو يشرح للجميع كل قطعة تم إنجازها من المباني، والهدف منها، وفي نهاية اليوم، دعاهم الحاج إلى تناول طعام العشاء في إحدى الكافيتيريا التي تم بناؤها داخل الأرض المقام عليها المكتبة.

وكان الحاج فهد قد قام بإبلاغ المساهمين في الإقراض، بأن المشروع سوف ينتج ربحًا يصل إلى ضعفي قيمته، ولكنه لم يخبرهم بالكيفية التي سيتحقق بها الربح، فلما علموا برقم هذا الربح الذي سيتحقق تشجعوا جميعًا، وقرروا رفع رأس مال مشروع دار النشر والمكتبة، بحيث تمتلكها إدارة المشروع نفسها، وجددوا ثقتهم في رئاسة الحاج فهد النابلسي للمشروع، واسندوا إليه مسئولية إدارة هذا المشروع الهائل.

إلا أنه ما إن مضى على ذلك شهر ففط، وكاد الأصدقاء ينتهون من أداء اختبار نصف العام، إذا بالجميع يفاجئون بمفاجأة لم تكن في الحسبان أبدًا، فهي مفاجأة أصابت الجميع بالشلل التام، فقد اتضح أن إدارة المشروع قد تعرضت لأكبر عملية نصب واحتيال؛ حيث إن وكيل المالك للأرض التي اشتروها كان منتحلاً لشخصية الوكيل الحقيقي، وأن الشيك الذي قاموا بسداده له، وقدره أربعمائة وخمسون مليون جنيه، قد منحوه لشخصية وهمية، فضاعت بذلك عليهم قيمة الأرض، بالإضافة إلى قيمة المباني التي أقاموها على الأرض، وقدرها ثلاثمائة مليون جنيه؛ فسقط الحاج فهد مغشيا عليه!

                                                                ***

اقرأ أيضا باقى الفصول

الفصل الأول الاتصال المجهول

الفصل الثاني بنك الأفكار

الفصل الثالث المكتبة العجيبة

الفصل الرابع بائع الوهم

الفصل الخامس فكرة عبقرية

الفصل السادس سارق الملابس

الفصل السابع الخدعة

الفصل الثامن التنكر

الفصل التاسع الفيلا المهجورة

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال