قصص عن خلق البر أجمل القصص التى وردت عن البر
الْبِرُّ هُوَ الإِحْسَانُ وَالطَّاعَةُ وَفِعْلُ الْخَيْرِ لِمَنْ تَبَرُّهُ، وَيَأْتِى عَلَى رَأْسِ الْبِرِّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، وَلَهُ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإِسْرَاءُ: 23]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النِّسَاءُ: 36].
وَلِلْبِرِّ أَنْوَاعٌ؛ مِنْهَا: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَيَكُونُ فِى حَيَاتِهِمَا وَبَعْدَ مَمَاتِهِمَا، وَهُنَاكَ بِرُّ الأَقَارِبِ وَعَلَى رَأْسِهِمُ الْخَالَةُ، وَهُنَاكَ بِرُّ أَصْدِقَاءِ الْوَالِدَيْنِ. فَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: “نَعَمْ. الصَّلاةُ عَلَيْهِمَا (الدُّعَاءُ)، وَالاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِيفَاءٌ بِعُهُودِهِمَا مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لا تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا”.
وَلِلْبِرِّ فَضْلٌ عَظِيمٌ، وَثَوابٌ كَبِيرٌ عِنْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ، فَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: “الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا”. قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: “ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ”. قَالَ: ثُّمَّ أَيُّ؟ قَالَ: “الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ”.
وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الْجِهَادَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ وَيَبَرَّ أُمَّهُ، وَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “وَيْحَكَ! الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ”.
وَفِى مُقَابِلِ الْبِرِّ هُنَاكَ الْعُقُوقُ، وَقَدْ حَذَّرَنَا اللهُ تَعَالَى مِنْهُ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا﴾ [الإِسْرَاءُ: 23].
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ”.
والآن مع مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْقِصَصِ وَالْحِكَايَاتِ الشَّيِّقَةِ، الْهَدَفُ مِنْهَا غَرْسُ حُبِّ خُلُقِ الْبِرِّ فِى نُفُوسِ الأَطْفَالِ.
قصة بر الأم
مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ: الْبِرِّ بِالأُمِّ. قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ:”أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ”. وَلِذَا كَانَ عَلِىُّ بْنُ الْحُسَيْنِ لا يَأْكُلُ مَعَ أُمِّهِ فِى إِنَاءٍ، فَلَمَّا سَأَلَهُ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ لَهُمُ الابْنُ الْبَارُّ: أَخَافُ أَنْ تَسْبِقَ يَدِي يَدَهَا إِلَى مَا تَسْبِقُ عَيْنَاهَا إِلَيْهِ فَأَكُونُ قَدْ عَقَقْتُهَا.
قصة بر حارثة بن النعمان
إِنَّ جَزَاءَ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ السَّعَادَةُ فِى الدُّنْيَا وَالْجَنَّةُ فِى الآخِرَةِ، وَلِذَا نَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَأَى كَأَنَّهُ فِى الْجَنَّةِ، وَإِذَا بِهِ يَسْمَعُ قَارِئًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ هَذَا؟” فَقِيلَ لَهُ: “هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانَ”. فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كَذَلِكَ الْبِرُّ.. كَذَلِكَ الْبِرُّ”. وَذَلِكَ أَنَّ حَارِثَةَ بْنَ النُّعْمَانَ كَانَ مِنْ أَبَرِّ النَّاسِ بِوَالِدَتِهِ.
من أنواع البر
مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ الدُّعَاءُ وَالاسْتِغْفَارُ لِلْوَالِدَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا. وَلِذَا جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ: هَلْ عَلَىَّ مِنْ بِرِّ أَبَوَىَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “نَعَمْ، الصَّلاةُ عَلَيْهِمَا، وَالاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِى لا تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا”.
قصة بر عبد الله بن عمر
مِنَ الْبِرِّ إِكْرَامُ أَصْدِقَاءِ أَبَوَيْكَ. فَقَدْ رَأَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – رَجُلاً أَعْرَابِيًّا فِى الطَّرِيقِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: أَلَسْتَ فُلانُ بْنُ فُلانٍ؟ فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: بَلَى. فَأَعْطَاهُ عَبْدُ اللهِ حِمَارَهُ، وَخَلَعَ عِمَامَتَهُ وَأَعْطَاهَا لَهُ. فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ: غَفَرَ اللهُ لَكَ، أَعْطَيْتَ هَذَا الأَعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرْكَبُهُ وَعِمَامَتَكَ!!. فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللهِ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ”. وَكَانَ هَذَا الأَعْرَابِيُّ صَدِيقًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
قصة البار بأمه عند الكعبة
لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَظُنَّ أَنَّكَ وَفَّيْتَ وَالِدَيْكَ حَقَّهُمَا مِنَ الْبِرِّ، وَلِذَا يُرْوَى أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَحْمِلُ أُمَّهُ وَيَطُوفُ بِهَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَبَعْدَ الانْتِهَاءِ مِنَ الطَّوَافِ ذَهَبَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَهُ: هَلْ أَدَّيْتُ حَقَّ أُمِّى؟. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لا، وَلا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ”. أَيْ مَهْمَا يَبَرُّ الإِنْسَانُ أُمَّهُ فَلَنْ يُسَاوِى لَحْظَةً مِنْ لَحَظَاتِ تَعَبِ الأُمِّ أَثْنَاءَ الْوِلادَةِ.
قصة بر أسماء بأمها المشركة
إِنَّ شِرْكَ الأُمِّ أَوْ كُفْرَهَا لا يَمْنَعُهَا حَقَّهَا فِى الْبِرِّ، فَذَاتَ يَوْمٍ جَاءَتْ أُمُّ السَّيِّدَةِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَهِىَ تُرِيدُ أَنْ تَبَرَّهَا أَسْمَاءُ وَتُحْسِنَ إِلَيْهَا، فَتَرَدَّدَتْ السَّيٍّدَةُ أَسْمَاءُ، ثُمَّ تَوَجَّهَتْ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَتْهُ: هَلْ يَحِقُّ لَهَا أَنْ تَبَرَّ أُمَّهَا وَهِىَ مُشْرِكَةٌ؟. فَأَمَرَهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَصِلَ وَالِدَتَهَا وَتُحْسِنَ إِلَيْهَا.
قصة بر إسماعيل بأبيه إبراهيم عليهما السلام
عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَبَرَّ وَالِدَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَهَا هُوَ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَطْلُبُ مِنْهُ أَبُوهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَذْبَحَهُ تَقَرُّبًا للهِ تَعَالَى، فَكَانَ مِنْ بِرِّ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ وَافَقَ عَلَى أَنْ يُذْبَحَ طَاعَةً للهِ وَبِرًّا بِوَالِدِهِ. قَالَ: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ. وَقَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ – عَلَيْهِمَا السَّلامُ – أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى كَبْشًا مِنَ السَّمَاءِ فِدَاءً للابْنِ الْبَارِّ إِسْمَاعِيلَ.
البر بالخالة
مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ الْبِرُّ بِالْخَالَةِ؛ لأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ. فَذَاتَ يَوْمٍ ذَهَبَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَدْ أَذْنَبَ ذَنْبًا كَبِيرًا وَخَافَ أَلاَّ تَكُونَ لَهُ تَوْبَةٌ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَلَكَ وَالِدَانِ؟” قَالَ الرَّجُلُ: لا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فَلَكَ خَالَةٌ؟”. قَالَ الرَّجُلُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فَبِرَّهَا إِذًا”.
قصة بر أبي هريرة بأمه
مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَتَحَرَّى الْخَيْرَ لِوَالِدَيْكَ، وَلِذَلِكَ لَمَّا أَسْلَمَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ ذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لأُمِّهِ بِالْهِدَايَةِ. فَاسْتَجَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: “اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِِى هُرَيْرَةَ”. وَبَعْدَ أَنْ رَجِعَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى بَيْتِهِ وَجَدَ أُمَّهُ قَدْ أَسْلَمَتْ للهِ بِفَضْلِ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَرِحَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَرَجِعَ مَرَّةً أُخْرَى يُبَشِّرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِدَايَةِ أُمِّهِ.
بر إبراهيم عليه السلام بأبيه
وَمِنَ الْبِرِّ الرِّفْقُ فِى دَعْوَةِ الْوَالِدَيْنِ لِلْخَيْرِ، فَهَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَدْعُو أَبَاهُ – الَّذِى كَانَ يَصْنَعُ الأَصْنَامَ وَيَبِيعُهَا لِقَوْمِهِ – إِلَى التَّوْحِيدِ، وَلَكِنَّ أَبَاهُ يَرْفُضُ، فَيُحَاوِلُ إِبْرَاهِيمُ مَرَّةً ثَانِيَةً بِرِفْقٍ وَلِينٍ دَعْوَةَ وَإِقْنَاعَ أَبِيهُ بِالتَّوْحِيدِ، وَلَكِنَّ الأَبَّ يَرْفُضُ، بَلْ وَيُهَدِّدُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالرَّجْمِ بِالْحِجَارَةِ إِنْ لَمْ يَتَرَاجَعْ عَنِ التَّوْحِيدِ. وَمَعَ كُلِّ ذَلِكَ لَمْ يَعُقِّ إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ، بَلْ قَالَ لَهُ: سَلامٌ عَلَيْكَ.
بر النبي صلى الله عليه وسلم
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأُسْوَةَ لَنَا فِى الْبِرِّ. فَقَدْ كَانَتِ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ زَوْجَةُ أَبِي طَالِبٍ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبَرُّهَا وَيُحْسِنُ إِلَيْهَا فِى حَيَاتِهَا. وَلَمَّا مَاتَتْ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ أَلْبَسَهَا النَّبِىُّ قَمِيصَهُ، وَاضْطَجَعَ فِى قَبْرِهَا، فَلَمَّا سَأَلَهُ أَصْحَابُهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: “إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَ أَبِى طَالِبٍ أَبَرَّ بِى مِنْهَا، إِنَّمَا أَلْبَسْتُهَا قَمِيصِى لِتُكْسَى مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ، وَاضْطَجَعْتُ مَعَهَا لِيُهَوَّنَ عَلَيْهَا”.
قصة بر سعد بن أبي وقاص
مِنَ الْبِرِّ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ إِلاَّ فِى الْكُفْرِ بِاللهِ. فَقَدْ أَسْلَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَانَ مُطِيعًا لِوَالِدَتِهِ، فَلَمَّا عَلِمَتْ أُمُّهُ بِإِسْلامِهِ طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يَتْرُكَ الإِسْلامَ وَأَنْ يُشْرِكَ بِاللهِ، وَقَالَتْ لَهُ: أَنَا لَنْ آكُلَ وَلَنْ أَشْرَبَ حَتَّى تَرْجِعَ عَنِ الإِسْلامِ. وَلَكِنَّ سَعْدًا ظَلَّ مُتَمَسِّكًا بِدِينِهِ رَغْمَ بِرِّهِ بِأُمِّهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قَوْلَهُ: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ…) .
من أعمال البر بالوالد
هُنَاكَ كَثِيرٌ مِنْ عَلامَاتِ بِرِّ الابْنِ بِوَالِدَيْهِ، مِنْ هَذِهِ الْعَلامَاتِ مَا يُحَدِّثُنَا بِهِ هَذَا الأَبُّ، فَقَدْ سَأَلَهُ أَحَدُ النَّاسِ عَنْ أَحَدِ أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِى يَصْنَعُهَا مَعَهُ ابْنُهُ، فَقَالَ الْوَالِدُ: إِنَّ ابْنِى إِذَا سَارَ مَعِى فِى النَّهَارِ سَارَ خَلْفِى احْتِرَامًا وَتَقْدِيرًا، وَإِذَا سَارَ مَعِى فِى اللَّيْلِ فَإِنَّهُ يَسِيرُ أَمَامِى لِيُرْشِدَنِى إِلَى الطَّرِيقِ، وَلَمْ يَصْعَدْ سَطْحَ بَيْتٍ أَكُونُ أَنَا تَحْتَهُ أَبَدًا.
قصة بر جابر بن عبد الله بأخوته
مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ أَيْضًا الْبِرُّ بِالأَخَوَاتِ، فَهَذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَتَزَوَّجُ مِنِ امْرَأَةٍ لَيْسَتْ بِكْرًا لِتَقُومَ عَلَى خِدْمَةِ أَخَوَاتِهِ وَرِعَايَتِهِنَّ. فَلَمَّا عَلِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَوَاجِهِ قَالَ لَهُ: هَلاَّ بِكْرًا تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ”. فَبَيَّنَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّ زَوَاجِهِ مِنَ الثَّيِّبِ؛ وَهُوَ رِعَايَةُ شُئُونِ أَخَوَاتِهِ الْبَنَاتِ الصَّغِيرَاتِ. فَأُعْجِبَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَابِرَ، وَقَالَ لَهُ: “بَارَكَ اللهُ لَكَ”.