رواية للشباب ليلة الخطوبة .. الفصل الثاني: شيك بدون رصيد!
موعدنا اليوم مع رواية للشباب ليلة الخطوبة الفصل الثاني بعنوان: شيك بدون رصيد.
وعلى إثر استغاثة جاسر، أسرع وليد وطلال لمعرفة ما حدث، فوجدا جاسرًا وقد انقضَّ على الرجل والغرفة مظلمة، وراح يكيل له ضربات قوية.
أسرع وليد وأضاء الغرفة، بينما تحفّز طلال بالانقضاض على الرجل، ولكنهما توقفا فجأة، فقد وجدا الرجل في حالة إغماءة.
وفي هذه اللحظة، فوجئوا بالمشرف المسئول عن غرف أبواب الطلبة يدخل، وما كاد يشاهد الرجل في حالة إغماءة، حتى صاح موجهًا حديثه إلى جاسر في هلع:
ما هذا؟! تضرب الدكتور فهد الطرابلسي!!فتسمَّر جاسر في مكانه، وكأنما مسَّه صاعق كهربي، وجعل يُجيل النظر بين الدكتور الراقد على السرير، وبين مشرف الغُرف، وهو في حالة من الذهول!عقّب المشرف قائلاًَ في لهجة تأنيب:
لقد حضر الدكتور فهد الطرابلسي وسأل عنك يا جاسر، وناولني بطاقة هويته الشخصية، فرحبت به، وأرسلت عامل نظافة الغرف ليسأل عنك في الحفل، فلما لم يعثر عليك، عرضت على الدكتور أن يبيت في فراشك، حيث كان باديًا عليه التعب من أثر السفر الطويل، وأعطيته نسخة من مفتاح خزينة ملابسك الموجودة لدي، ليضع فيها ملابسه.
فما أن سمع جاسر ذلك الكلام من المشرف، حتى قام بالبحث عن النقود في خزينة ملابسه، فلما وجدها كما هي، غَمْغم قائلاً في تأنيب ضمير مَشُوب بالحرج الشديد:
يا خبر!! لقد كنت وقِحًا معه!بينما أسرع وليد وطلال مع المشرف، وقاموا بمحاولات لإفاقة الدكتور فهد.
وأخيرًا أفاق الدكتور فهد، وجعل ينظر حوله، وهو في حالة من الذهول، ثم سأل في حيرة، وهو يتفحص وجوه الأصدقاء: من فيكم جاسر ابن عمي؟
فأجاب جاسر وهو يشعر بإحراج شديد لِمَا بدر منه:
أنا!وما أن سمع الدكتور فهد ذلك، حتى انقضّ واقفًا، وقام بمعانقة جاسر، وهو يقول في لهفة وتعجب:
جاسر!! لقد كبرت وصرت شابًّا يافعًا!
وتراجع الدكتور فهد خطوات لينظر إلى جاسر في إمعان، ثم عاود حديثه، وقد نَدَت عنه ابتسامة واسعة:
لقد كنت في الرابعة من عمرك، عندما سافرت أنا إلى هولندا للحصول على شهادَتَي الماجستير ثم الدكتوراة، ولكنني لم أعد إلى وطني لبنان مرة أخرى؛ لاضطراري إلى العمل في هولندا، حيث مكثت هناك لمدة خمسة عشر عامًا كاملة!
سأله جاسر في حيرة:
ولكن، لماذا لم تعد إلى لبنان؟
جعل الدكتور فهد يُجيل النظر بين الأصدقاء والمشرف، ثم أجاب قائلاً:
في الحقيقة، إن رسالة الدكتوراة التي سجلتها كانت عن موضوع في غاية الأهمية، وهو كيفية توظيف الغذاء في علاج الأمراض.
فقاطعه المشرف وهو يتساءل في دهشة:
توظيف الغذاء في العلاج! هل الغذاء مثل الدواء؟
فأجاب الدكتور فهد قائلاً:
نعم، إنه في كثير من الأحيان يكون للغذاء نفس القدرة على العلاج، بل وفي أحيان أخرى، يكون أقوى فاعلية في العلاج، من الدواء نفسه.
فلم يصدق وليد ما سمع، وسأل الدكتور متعجبًا:
ولكن، هل معنى ذلك أن الفرد- ولو كان مريضًا- يتناول الطعام؟ إننا نعرف أنه في معظم الأحيان، إذا أُصيب الفرد بمرض فإنه لا يتناول الطعام، مثل الإصابة ببرد في معدته، وأيضًا في حالة ارتفاع السكر لدى مريض السكر.
فقال الدكتور فهد:
ليس المقصود من توظيف الغذاء في العلاج هو تناول الطعام فقط، ولكن المقصود بذلك هو أننا نُعيد صياغة الغذاء ليكون ملائمًا لهذا المريض، فيتجنب هذا المريض عيب هذا الغذاء، وفي الوقت نفسه يستفيد من مميزاته الأخرى.
تساءل المشرف في حيرة:
ولكن.. كيف يتم ذلك؟
أجاب الدكتور فهد بالقول: الألبان- مثلاً- لها فوائد عديدة، ولكن يحدث أحيانًا أن ينقص لدى شخص ما الإنزيم الذي يقوم بهضم اللبن، فهنا يكون اللبن ضارًّا به، مع أن هذا المريض قد يكون في أشد الحاجة إلى اللبن، فهنا نقوم ببعض الصياغات على الألبان، لكي يستطيع الشخص فاقد هذا الإنزيم هضم اللبن. وكذلك يكون الحال مع مريض الكبد، حيث لا يستطيع الكبد القيام بوظائفه كاملة، فنقوم بنزع الدهون التي باللبن؛ ليستطيع مريض الكبد تناول الألبان، وفي الوقت نفسه لا يتأثر كبده.
ثم صمت الدكتور للحظة، وأردف قائلاً في حماسة، وهو يُجيل النظر بين الجميع:
تخيلوا معي! عندما نعيد صياغة الأطعمة لتكون ملائمة لكل مريض، هنا يتحول الغذاء إلى دواء!
التقى الأصدقاء جميعًا في اليوم التالي، وقد حرص جاسر وطلال ووليد، ومعهم لمياء، على القيام باحتفال خاص بالخطيبين حمدي وهادية في الكافتيريا التي اعتادوا اللقاء فيها جميعًا.
وبادر جاسر قائلاً لحمدي وهادية:
والله، لولا أننا لم ننم بالأمس إلا في وقت متأخر جدًّا، لقمت بالاحتفال بِكما احتفالاً خاصًّا.
فعلّق حمدي وهو يضحك:
لا يا عم! إننا نخشى من احتفالك بالآخرين..
يكفي احتفال أمس بقريبك الذي حضر مشتاقًا لرؤياك بعد خمسة عشر عامًا!
فتعالت ضحكات الجميع.
وفي هذه اللحظة، أقبل عامل الغرف، وبرفقته الدكتور فهد، وأشار له إلى مكان الأصدقاء، فما أن شاهده الجميع حتى أسرع جاسر للقائه، وقام بتقديمه إلى هادية وحمدي، فرحّبا به، ولاحظ الجميع علامات الحيرة والقلق الواضحة تمامًا على وجه الدكتور فهد، فسأله جاسر في حيرة:
ماذا حدث يا دكتور؟ أراك مضطربًا وقلقًا!
فنَدَت عن الدكتور زفرة عميقة، وقال في ضيق:
للأسف! لم ألحق بالبنك صباح اليوم، حيث استيقظت متأخرًا، وقد علِمت من الناس هنا أن البنك مغلق غدًا الجمعة، وبعد غد السبت أيضًا.
ثم توقف، وهزّ رأسه، وأردف في ضيق:
مع أنني في أشد الحاجة إلى صرف أموال من البنك، لأن غدًا صباحًا هو آخر ميعاد لسداد رسوم تسجيل الشركة بمدينة القاهرة، وإلا سيتأخر التسجيل لستة أشهر أخرى.
سأله وليد في حيره:
ولماذا لا تسدد لهم شيكًا؟
فأجابه الدكتور فهد قائلاً:
للأسف! إنهم لا يسمحون بتحصيل الشيكات العادية، فلا يُحصِّلون ألا شيكًا مصرفيًّا صادرًا من البنك.
فقال حمدي في حماس:
يا لها من مصادفة، فجاسر أيضًا لم يستطع أن يستيقظ إلا بعد موعد إغلاق البنك، وكان ينوي أن يودع نقودًا معه، يتجاوز قدرها ستمائة وخمسين ألف جنيه، وهي معنا الآن.
فقال الدكتور في لهفة:
عظيم! أعطوني المبلغ بالكامل، وأعطيكم أنا شيكًا به. ثم توقف وأطلق زفرة عميقة، وقال في امتنان:
إنني لن أنسى معروفكم هذا أبدًا!
وما أن قال الدكتور ذلك، حتى أسرع لتوِّه إلى سيارته التي كانت تقف في مواجهة الكافتيريا. وبعد أن غادر الدكتور المكان، سأل حمدي جاسرًا:
ولكن، ما هو المشروع الذي سيقيمه في مصر؟
هز جاسر كتفيه وقال:
لا أعرف!
بيد أنه، وبعد أن راح الأصدقاء في حديث طويل، وقبل أن يهمون بالانصراف، إذا بهم يُفاجأون بالمشرف يقبل ويتجه نحو جاسر مباشرة، ويسأله في لهفة:
هل صحيح أن الدكتور فهد قد أعطاكم شيكًا مقابل المبلغ الذي كان معكم؟
أجابه وليد في حيرة:
نعم.
فسأله المشرف في لهفة:
وما هي قيمة هذا المبلغ؟
أجابه حمدي، وقد تضاعفت حيرته:
ستمائة وخمسون ألف جنيه!
ففوجئ الجميع بالمشرف ينتفض وكأنه قد مسَّه صاعق كهربي، وقال في جزع:
يا لها من مصيبة! إن الدكتور فهد ليس لديه رصيد بالبنك، وهو بذلك يكون قد سرق منكم هذا المبلغ الكبير!! فتسمر الأصدقاء في أماكنهم!
راح الأصدقاء جميعًا ينظرون إلى بعضهم البعض، وهم في حالة من الدهشة الهائلة، وأخيرًا ثاب وليد إلى رُشْده، وسأل المشرف وهو لا يصدق:
ولكن، كيف عرفت ذلك؟
فاتجهت أنظار الجميع إلى المشرف، وهم في شغف هائل، لمعرفة ما حدث، فأجاب المشرف في حيرة:
للأسف! بينما كان الدكتور فهد يجلس معي، تلقى مكالمة على تليفونه المحمول، وسمعته يقول لمُحدِّثه: ليس لدي رصيد بالبنك.
وتوقف المشرف لحظة، ثم راح يُحدّق في وجوه الجميع، وأردف قائلاً:
وبعد ما يقرب من نصف ساعة فقط من هذه المكالمة، تلقى مكالمة أخرى، وقد وضح من حديثه أن المتحدث في المرة التالية يهدده بأنه سيقدم شيكًا لديه للنيابة؛ لأنه بدون رصيد.
صرخت لمياء في جزع:
معقولة!
فعقّب المشرف قائلاً:
وللأسف، وبعد مده قصيرة، فوجئت به يعود مسرعًا، ويأخذ ملابسه ويضعها في حقيبة ملابسه، وأبلغني أنه تلقى منكم مبلغًا، وكتب لكم الشيك، ثم انطلق بعدها على الفور.
توقف المشرف للحظة، وراح يفكر، ثم أردف قائلاً: ومن الغريب أنه وبعد نصف ساعة فقط، اتصل بي الدكتور فهد، وطلب أن أوافيه ببيان عن حمدي فاضل، فنصحته بأن يتصل بشئون الطلبة، وأعطيته رقم التليفون الخاص بها، وأيضًا أعطيته رقم المحمول الخاص بحمدي، وفعلاً عندما اتصلت بشئون الطلبة، أفادوني بأن الدكتور حصل منهم على بيانات وافية عن حمدي فاضل!
ومرت فترة عصيبة، قطعها حمدي قائلاً:
لا يوجد أمامنا سوى الاتصال بالمحامي لإخباره بما حدث.
وبعد نصف ساعة، استطاع حمدي الحصول على رقم المحمول الخاص بالمحامي، وبعد أن أتصل به وأخبره بما حدث، قال المحامي لحمدي:
لا نستطيع اتخاذ أي خطوة حتى يتم تقديم الشيك للبنك، فإذا رُفِضَ، يمكننا إذًا أن نقدم الشيك للنيابة.
أسرع جاسر بالاتصال بوالده في لبنان للاستفسار عن الدكتور فهد الطرابلسي، فأفاده والده بأنه لا يعرف عنه سوى أنه قد حضر إلى لبنان في زيادة قصيرة منذ حوالي ستة أشهر، ولما عرف منه أنه سيغادر من لبنان إلى مصر، أعطاه عنوان جاسر ليزوره، ولكنه لا يعرف شيئًا عنه منذ أن غادر مصر.وبعد يومين، قدم المحامي الشيك إلى البنك، وكانت النتيجة: لا يوجد رصيد!
علّق المحامي قائلاً:
معنى ذلك أن الدكتور فهد هذا نصاب! ثم قام المحامي باتخاذ كافة الإجراءات التي تكفل له اتهام الدكتور فهد، واستطاع أن يقدم للنيابة ما يفيد أيضًا أن هناك شيكَيْن آخَرَيْن تم رفضهما من جانب البنك؛ لعدم وجود رصيد!وكانت المفاجأة في مغادرة الدكتور فهد لمصر مساء نفس اليوم الذي استلم فيه المبلغ، فصاحت هادية قائلة في جزع:
لقد هرب الدكتور.. وضاع بذلك كل شيء!!
*****
اقرأ كل فصول رواية ليلة الخطوبة من هنا
الأول: الخطوبة السعيدة
الثاني: شيك بدون رصيد
الثالث: حقيقة الموقف
الرابع: العلم.. والغذاء
الخامس: الوجبة المتكاملة
السادس: المطعم العجيب!
السابع: المؤامرة!
الثامن: الشركاء الثلاثة
التاسع: دافع الجريمة
العاشر: الصفقة المقترحة
الحادي عشر: سقوط العصابة
الثاني عشر والأخير: الفكرة الشيطانية!
شاهد قناة قصة لطفلك
التسميات
قصص