رواية ليلة الخطوبة .. الفصل التاسع: دافع الجريمة
اليوم مع الفصل التاسع من رواية ليلة الخطوبة بعنوان: دافع الجريمة.
توقف الأصدقاء جميعًا عن تناول الطعام، وراح كل منهم في شرود تام، وبادرت لمياء قائلة في أسى:
لقد غير ذلك كل افتراضاتنا؛ فالرجل لا يوجد لديه الدافع ليصيب نفسه بالإشعاع القاتل!
وعقّبت هادية في حيرة:
ولكن كل ما عرفناه من أحداث، يدلل على إدانة هذا الرجل، وعلاقته بالرجلين اللذين أخرجا ثمرة الكرنب التي تحوي الإشعاع عن عمدٍ ودراية.
وأضاف طلال:
ومقابلة المرأة غير الطبيعية لحمدي وجاسر، ونظراتها لهما بشك وريبه، مع أن عادة المصريين في هذه المواقف هي دعوة الزائر على الأقل لتناول الشاي، فهما شابان صغيران، وهي امرأة عجوز، ولا تنسوا أنهما ذهبا للسؤال والاطمئنان على زوجها.
راح الجميع يفكر لمدة، وجاءت شقيقة حمدي، وقدمت لهم الشاي وأطباق الفاكهة، ولكنهم اكتفوا جميعًا بتناول الشاي، فقد كان كل منهم مستغرقًا تمامًا في التفكير.
وفجأة صاح حمدي:
لقد خطر ببالي أمر في منتهي الأهمية.
فسألته لمياء مستفسرة:
وما هو؟
فرد حمدي قائلاً:
أقصد هذه المرأة العجوز التي تزوجها عبد السميع حديثًا، وقبل افتتاح المطعم بشهرين فقط.
فقال جاسر معترضًا:
إن ذلك ليس بالأمر الغريب، فالرجل كبير في السن، وليس لديه أولاد، فهو في هذا العمر ربما يفكر في أن يؤنس وحدته بالزواج.
فعلق حمدي قائلاً:
يا جماعة، على العموم، لقد وضعنا أيدينا على أول الخيط، وهو المُجرمان اللذان أظهرا ثمرة الكرنب المُشعّة، وصِلتهما بالرجل المصاب، فلا داعي لأن يضيع هذا الخيط من أيدينا.
قالت هادية في شك:
ولكن، يجب أن نضع في الحسبان أيضًا، أنه لا يوجد لدى عبد السميع المغربي هذا أي دافع لارتكاب هذه الجريمة؛ فهو ليس له أولاد ليضحي بروحه من أجلهم، أما النقطة الثانية والأهم فهي: ما هو الدافع الذي يدفع هذين الرجلين وعبد السميع إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة؟
شعر الجميع وكأن الأمر قد انتهى تمامًا، وأنه لا أمل في ذلك، فربما كان كل ما توصلوا إليه بمثابة صدفة، ولكن حمدي صاح وهو لا يصدق:
لو كان الأمر كذلك لمثَّل كارثة ضاعت معها كل أموال والدي، وكل ما أدخرته أنا وهادية!
فردَّ طلال معترضًا:
لقد جرت العادة عند ارتكاب أي جريمة، أن يتم البحث أولاً عمّن لديه الدافع لارتكابها،
ولكن هذا لا ينفي ما توصلنا إليه، فالمجرمان واضحان تمامًا، فلا يمكن أن يضعا أيديهما على ثمرة كرنب مصابة بالإشعاع وسط كل هذا الكم الموجود بالمخزن مصادفة، إضافة إلى علاقتهما بعبد السميع نفسه، وبذلك لا يوجد أمامنا سوى مراقبتهما، ومن المؤكد أننا سوف نصل إلى معرفة دافع ارتكابهما للجريمة بمشاركة عبد السميع.
وبعد مناقشات طويلة، توصل الجميع إلى خطة مؤدَّاها أن يذهب حمدي وجاسر إلى المستشفى متنكِّرين، ومن هناك يستطيعان الحصول على أية معلومات، أو قد يجدا الرجلين في زيارة عبد السميع بالمستشفى، على أن تذهب هادية ولمياء متنكرتين إلى منزل عبد السميع، وتكونا في شكل غير الذي ذهبتا به إلى المستشفى من قبل.
ومع شروق شمس اليوم التالي، كانت هادية ولمياء تزوران منزل الرجل، ولم تصعدا لمقابلة زوجته؛ حتى لا يتضاعف شكها، ووجدتا أن أفضل طريقة هي أن يسألا الجيران عن الرجل وامرأته، بحُجّة أنهما صحفيتين.
وبالرغم من قيامهما بجهد هائل، إلا أن جهودهما قد باءت بفشل ذريع، فلم يجبهما أي أحد من الجيران عن أسئلتهما.
وعلى الجانب الآخر، قام حمدي وجاسر بمحاولات عديدة علَّهما يحصلان على معلومة واحدة مهمة عن الرجل، ولكنهما لم يجدا آذانًا صاغية من الممرضات اللاتي يعمَلْن في الطابق الذي يوجد به عبد السميع المغربي، حيث كانت إجابتهن دائمًا مقتضبة، ولا تنُم عن معلومة جديدة، سوى أنه مريض إثر إصابته بالإشعاع.
استمر كل من حمدي وجاسر على ذلك لمدة ثلاثة أيام كاملة، وفي اليوم الرابع، فوجئ الأصدقاء بالمحامي يُقبل فجأة، ويبادر الجميع قائلاً:
هل تعرفون ما حدث؟
فلما نظر إليه الجميع في لهفة وشغف هائلين، قال:
إن عبد السميع المغربي يطلب تعويضًا قدره خمسة ملايين جنيه!
صاحت لمياء في دهشة عظيمة:
يا خبر! خمسة ملايين جنيه! إنها تبلغ حوالي ربع رأس المال!
هز المحامي رأسه، وأردف في حيرة:
ليت الأمر يقف على ذلك، بل هناك ما لا يقل عن ألف موظف في الزراعة، والمخازن، والمطاعم، والمطابخ، إضافة إلى العاملين بإدارة الشركة، الجميع لجأوا إلى المحكمة، يطلب كل منهم أجر ستة أشهر على سبيل التعويض، وهذا قد يستهلك باقي رأس المال!
صاح جاسر في حيرة وحزن شديدين:
يا لها من كارثة!
وأومأت هادية برأسها، وقالت مؤكدة:
لقد اتضح الآن الدافع من وراء ارتكاب الجريمة، وهو الحصول على تعويض كبير، بعد أن طمع المجرمان، وعبد السميع المصاب، وربما زوجته، في هذه الشركة الكبيرة.
بَيْدَ أن طلال تساءل قائلاً:
ولكن، كيف يطمع رجل مثل عبد السميع المغربي في كل هذا المبلغ، فيُضحي بنفسه من أجل امرأة لم يتزوجها إلا منذ شهرين أو ثلاثة؟!
وفي اليوم التالي، اضطرت هادية ولمياء إلى معاودة سؤال الجيران عن زوجة عبد السميع، فنجحتا في التعرف على شابة في مثل سنِّهما، تقطن مع أسرتها في المنزل المقابل لمنزل عبد السميع، ولما سألتها هادية عن عبد السميع، أجابت الفتاة:
الجميع في هذه الحارة يستغربون مما حدث لعبد السميع!
فسألتها لمياء:
لماذا؟ هل لأنه أُصيب بالإشعاع؟
فأجابت الفتاة بالقول:
لا، ولكن عبد السميع يعاني منذ عدة سنوات من المرض، وما أن يدخل مستشفى حتى يخرج منها، وبعد كل هذا يتزوج وهو فه هذه الحالة المَرَضيَّة، ورغم كبر سنه!
فسألتها هادية في شغف هائل:
إلي هذه الدرجة يعاني من المرض!
فردت الفتاة قائلة: نعم، فهو مريض بالكبد، وحالته خطيرة، ولا يُجدي معه سوى أن يجري عملية نقل كبد في الخارج، وقد قال لولدي عندما زاره في المستشفى منذ بضعة أشهر، أنه يحتاج لإجراء هذه العملية الخطيرة إلى أكثر من مليون جنيه!
أسرعت هادية ولمياء بإبلاغ الأصدقاء بذلك، فصاح حمدي قائلاً على الفور:
لقد اتضحت الآن أسباب الخطة كلها.
فنظر إليه الجميع في دهشة!!
****