صحابة الرسول للاطفال.. البراء بن مالك الأنصاري (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)

 

 

صحابة الرسول للاطفال

 

صحابة الرسول للاطفال البراء بن مالك

قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: “كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لا يؤبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، مِنْهُمُ (البَرَاءُ بنُ مَالِكٍ)” [الترمذي].

رضى الله عنه

إِنَّهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ الأَخْيَارِ.

لازَمَ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منْذُ غَزْوَةِ أحُدٍ.

وَلَمْ تَفتْهُ مَعْرَكَةٌ وَاحدَةٌ قَطّ، وَهو مَنْ بَايَعَ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْعَةَ المَوتِ، تَحْتَ شَجَرَةِ الرّضوَانِ.

ونَزَلَ فِيهِ وَفِي أَصحَابِ النَّبِيِّ الذِينَ بَايَعوهُ تِلْكمُ البَيعَةَ المبَارَكَةَ، آيَاتٌ تَدلُّ عَلَى رِضَى ربِّنَا عَنهُم، وَوَعْدَهُ لَهم بالجَنَّةِ.

يَقوْلُ تَعَالَى: (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِيْنَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) [الَفْتح: 18].

منذُ تِلكَ اللحْظَةِ التِي عَانَقَتْ فِيْهَا يَدُهُ يَدَ النّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الطّاهِرَةَ المبَارَكَةَ، وَهوَ يَرْمِي بِنَفْسِهِ فِي أتوْنِ المَعَارِكِ، لا يَأْبَهُ لِقوَّةِ الأَعْدَاءِ، أَوْ كِثرَتِهِمْ.

إنّهُ يَخوْضُ المَعْرَكَةَ بِقَلْبٍ مِنْ حَدِيْدٍ، وَيَضْرِبُ بِالسَّيْفِ فِي مَهَارَةٍ عَجِيْبَةٍ، حَتَّى أَنَّهُ قَتَلَ بِالمبَارَزَةِ فَقَطْ مَا يقَارِبُ مِائَةَ مشْرِكٍ. 

لقَدْ كَانَ شجَاعًا مهَابًا، رَغْمَ أنَّهُ قَلِيْلُ الجِسمِ، ضَعِيفُ البِنْيَةِ.

وَلِكِنّ اللهَ- سبحَانَهُ- قَدْ أَعْطَاهُ مِنَ القُوَّةِ مَا يَجْعَلهُ يَهدُّ رِقَابَ العَمَالِقَةِ.

وَيَقْطَعُ أَوْصَالَ الجَبَابِرَةِ، فَضْلاً عَنْ كَونِهِ مسْتَجَابَ الدّعوَةِ، لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّ قَسَمَهَ، وَمَنَحَهُ مَطْلَبَهُ. 

وَقَدْ تَجَلَّتْ عَظَمَةُ البَرَاءِ بنِ مَالِكٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – فِي الكَثِيرِ مِنَ المَعَارِكِ.

وَبَرزَتْ أَكْثَرَ فِي مَعْرَكَةِ اليَمَامَةِ، فِي عَهْدِ الخَلِيْفَةِ الرَّاشِدِ، أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ- رَضِيَ اللهُ عَنهُ-.

لَمَّا انْسَلَخَتِ الكَثِيْرُ مِنَ القَبَائِلِ العَرَبِيَّةِ عَنْ جَنَّةِ الإِسْلامِ، فَخَرَجوا مِنْ دِيْنِ اللهِ أفوَاجًا كَمَا دَخَلوهُ أفْوَاجًا، إِلا مَنْ ثبَّتَهُ اللهُ عَلَى الحَقِّ.

                                        *  *  *

مسليمة الكذاب

جَمَعَ أبو بَكرٍ الصِّدِّيْقُ الجيوشَ الإِسلامِيَّةَ وَأطلَقَهَا فِي أنْحَاءِ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ.

وَكَانَتْ مَا يَقرُبُ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جَيْشًا، فَعَقَدَ لِكلِّ جَيْشٍ لِوَاءَهُ، وَعَيَّنَ قَائِدَهُ، ثمَّ وَجَّهَهُ إِلَى هَؤلاءِ المرْتَدِّيْنَ.

وَكَانَ الشّيطَانُ الأعْظَمُ مسَيلَمَةُ- مدعِي النّبُوَّةِ- أَكثَرَ مَا أقْلَقَ الصِّدِّيقَ.

فَقَدْ تَجَمَّعَ حَوْلَهُ مِنْ أتبْاَعِهِ مَا يقارِبُ أرْبَعِيْنَ ألْفَ سَيْفٍ، مِنْ أشَدِّ السّيُوفِ وَأعْنَفِهَا، يَلتَفُّوْنَ مِنْ حَوْلِهِ وَهم يَعْلَمُونَ كَذِبَهُ.

لِكِنَّ العَصَبِيَّةَ هِيَ التِي دَفَعَتْهُمْ لِمسَانَدَتِهِ والخروجِ مِنْ دَائِرَةِ الإسْلامِ. 

لَقَدْ كَانَ البَعْضُ مِنْهُمْ يَقولُ:

أَشْهَدُ أَنَّ مسَيْلَمَةَ كَذَّابٌ، وَمحَمَّدًا صَادِقٌ، لَكِنَّ كَذَّابَ رَبِيْعَةَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ صَادِقِ مضَرٍ!!

                                        *  *  *

أَيُّ قلُوبٍ عَفِنَةٍ تِلْكَ؟!

كَيْفَ لِهَؤلاءِ أنْ يلْغوا مَصَابِيْحَ عقولِهِمْ وَيَنْسَاقُوْنَ خَلْفَ شَيْطَانٍ أخْرَقٍ، وَهُم يَعْلَموْنَ كَذِبَهُ وادِّعَاءَهُ؟!

لَكِنَّهَا مَشِيْئَةُ اللهِ تَعَالَى وَحِكْمَتُهُ، حَتّى يَمِيْزَ الخَبِيْثَ مِنَ الطّيِّبِ، وَيَتَّخِذَ مِنَ المُؤمِنِيْنَ الصّادِقِيْنَ شُهَدَاءً.

تَحَرَّكَ قَادَةُ الجيوشِ، وَتَوَجَّهَ عِكْرَمَةُ بنُ أبِي جَهْلٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى جَيْشِ مسَيْلَمَةَ.

لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعِ الصمُودَ طَوِيْلاَ؛ إِذْ كَانَ هَؤلاءِ المرْتَدُّوْنَ يحَارِبونَ بِكُلِّ ضَرَاوَةٍ وَوحشِيَّةٍ، فَتَراجَعَ عِكرِمَةُ لِيتَقَدَّمَ الجَيْشَ بَدَلاً مِنْهُ خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ.

عبقرية خالد

وَمَا كَادَ خَالِدٌ يَسْتَأنِفُ المَعْرَكَةَ، حَتّى انقَضَّ هَؤلاءِ الطَّوَاغِيْتُ بِكلِّ قَسْوَةٍ يَحْمِلونَ عَلَى جَيْشِ المسْلِمينَ حَمْلَةً قَاضِيَةً، حَتَّى وَصَلوا إِلَى فسْطَاطِ خَالِدٍ، وَكَادُوا يَأسِرونَ زَوجَتَهَ! 

فَكَّرَ خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ، فَوَجَدَ أنْ يعِيْدَ تَنْظِيْمَ الجَيشِ مَرَّةً أخرَى.

فَجَعَلَ المُهَاجِرِينَ جَمِيْعَهُمْ تَحْتَ رَايَةٍ وَاحِدَةٍ.

والأَنْصَارَ كَذِلَكَ تَحْتَ رَايَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَقَدْ جَمَعَ القَبَائِلَ، وَجَعَلَ كلَّ جنْدِيٍّ مَعَ جَمَاعَتِهِ أوْ قَبِيلَتِهِ التِي يَنْتَمِي إلَيْها؛ حتَّى يَثْبُتُ الجَمِيْعُ ولا يفِكِّرَ أحَدٌ فِي التّرَاجُعٍ.

ثمَّ أمَرَ بالهُجُومِ، فَقَامَ الجَيْشُ بِهَجْمَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، حَتّى دَفَعُوا بِجَيْشِ مُسَيْلَمَةَ للاخْتِبَاءِ فِي الحَدِيْقَةِ والاحْتِمَاءِ بِهَا.

وَقَدْ كَانَتْ شَاسِعَةً، وَلَهَا أسْوَارٌ ضَخْمَةٌ وَعَالِيَةٌ، فاحتَمَوا بِهَا، وَرَاحُوا يطلِقُونَ السَّهَامَ عَلَى المُسْلِمِيْنَ، حَتّى كَانَتْ كَالمَطَرِ النّازِلَِ مِنْ كَثْرتِهَا.

هُنَا ظَهَرَ البَطَلُ الشُّجَاعُ “البَرَاءُ بنُ مَالِكٍ”- رَضِي اللهُ عَنْهُ- وهو لا يَخشَى المَوتَ أبَدًا، بَلْ يَسعَى إليْهِ، ويَبْحَثُ عنْهُ.

فكرة الاقتحام

قالَ لَهُم:

يَا قَوْمُ، ضَعُونِي عَلَى تِرْسٍ، وارفَعُوا التِّرْسَ عَلَى الرِّمَاحِ، ثمَّ اقْذفُونِي إلِى الحَدِيْقَةِ قَرِيْبًا منْ بَابِهَا، فَإِمَّا أنْ اسْتَشْهَدَ، وَإِما أنْ أفتَحَ لكُم البَابَ.

أيُّ شَجَاعةٍ تِلْكَ، وَأيُّ قَلْبٍ هَذَا؟

                                        *  *  *

 وَبِالفِعْلِ حَمَلُوهُ عَلَى تِرْسٍ كَمَا أَرَادَ..

عَشَرَاتُ الأَسِنَّةِ كَانَتْ تَرْفَعُهُ..

إِنَّهُ خَفِيْفُ اللحْمِ، قَلِيْلُ الجَسَدِ، لكِنَّهُ قَوِيُّ الإِرَادَةِ، رَاسِخُ الإِيْمَانِ، لا يَهَابُ المَوْتَ.

وَفِي لَحَظَاتٍ سَرِيْعَةٍ قَذَفُوا بِهِِ دَاخِلَ الحَدِيْقَةِ، فَكَانَتْ مفَاجَأةً مذْهِلَةً..

أَمْسَكَ بِالسَّيفِ، وَرَاحَ يقَاتِلُ بِمُفْرَدِهِ دَاخِلَ الحَدِيْقَةِ، حَتّى قَتَلَ أكْثَرَ مِنْ عِشْرِيْنَ رَجلاً، إلَى أَنْ وَصَلَ قرْبَ البَابِ فَفَتَحَهُ.

فَإذَا بِطُوفَانٍ مِنْ المُسْلِمِيْنَ يَدْخُلُونَ الحَدِيْقَةَ لِيعْمِلُوا سيُوفَهُم فِي هَؤلاءِ العُتَاةِ الطُّغَاةِ. وانتَهَى أَمْرُ مسَيْلَمَةَ تَحْتَ سَنَابِكِ الخُيُولِ، بَعْدَ أنْ رَمَاهُ بالرُّمْحِ الصّحَابِيُّ الجَلِيْلُ وَحْشِيُّ بنُ حَرْبٍ، الذِي قَتَلَ بِنَفْسِ الحَرْبَةِ سَيِّدَ الشُّهدَاءِ حَمْزَةَ، فَكَانَ يَقُولُ:

قَتَلْتُ بِحَرْبَتِي هَذِهِ خَيْرَ النّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثمّ قَتَلتُ بِهَا شَرَّ النّاسِ أَيْضًا.

اصابة البطل

أَمَّا البَرَاءُ- رَضِيَ اللهُ عَنهُ- فَإِنَّهُ قَدْ أصِيْبَ بِعَشَرَاتِ الجرُوحِ، مَا بَيْنَ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، أَوْ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، حَتّى أَوْشَكَ عَلَى الهَلاكِ.

وَقَدْ قَامَ عَلَى عِلاجِهِ بِنَفْسِهِ القَائِدُ المظَفّرُ خَالِدُ بنُ الوَلِيدُ، حَتَّى شفيَ بَعْدَ شَهْرٍ كَامِلٍ ليَسْتأنِفَ رِحْلةَ الجِهَادِ مَرّةً أخْرَى.

وَفِي إِحْدَى الحرُوبِ فِي العِرَاقِ، لَجَأَ الفرْسُ إلَى كَلالِيْبَ مثَبَّتَةٍ فِي أَطْرَافِ السَلاسِل المحْمَاةِ بِالنّارِ، يلقُونَهَا مِنْ حُصُونِهِم.

فَتَخطَفُ مَنْ تَنَالُهُ مِنَ المُسلِمِينَ الذِيْنَ لا يَستَطِيعُونَ مِنهَا فِكَاكًا، وَسَقَطَ أَحَدُ هَذِه الكَلالِيبِ فَجْأةً، فَتَعَلَّقَ بِهِ أنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أنَسٌ أَنْ يَمَسَّ السِّلْسِلَةَ ليخَلّصَ نَفْسَهُ، إذْ كانَتْ تَتَوهَّجُ نَارًا. 

شهادة البراء

أَبْصَرَ الصَّحَابِيُّ الشُّجَاعُ البَرَاءُ بنُ مَالِكٍ المَشْهَدَ، فَأسْرَعَ نَحْوَ أخِيهِ الذِي تَجْذِبُهُ السّلسِلَةُ، وَتَصعَدُ بِهِ عَلَى سَطْحِ الجِدَارِ، وَقَبَضَ عَلَى السّلسِلَةِ بِيَدَيْهِ، وَرَاحَ يعَالِجُهَا فِي بَأسٍ شَدِيْدٍ حَتى قَطَعَهَا، وَنَجَا أنَسٌ- رَضِيَ اللهُ عَنهُ- وَأَلْقَى البَرَاءُ وَمَنْ مَعَهُ نَظْرَةً عَلَى كَفَّيْهِ، فَلَمْ يَجِدُوهُمَا مَكَانَهُمَا.

لَقَدْ ذَهَبَ كلٌّ مَا فِيْهَا مِنْ لَحْمٍ، وَبَقِيَ هَيْكُلُهَا العَظْمِيُّ مسَمَّرًا محْتَرِقًا، وَقَضَى البَطَلُ فَترَةَ عِلاجٍ حَتّى تَمّ شِفَاؤُهُ.

وَلأنَّهُ يَعْلَمُ أنَّهُ مستَجَابَ الدّعْوَةِ، فَقَدْ دَعَا اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- بِدُعَاءٍ طَالَمَا كَانَ يَرْجُوهُ وَيَتَمَنَّاهُ، وَهوَ أنْ يَنَالَ الشّهَادَةَ، لِيَلْتَقِيَ بِالأَحَبَّةِ؛ محَمَّدٍ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحِزْبِهِ، وَقَدْ كَانَ.

 رَضِيَ اللهُ عَنِ البَرَاءِ بنِ مَالِكٍ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ.

 

اقرأ سيرة هؤلاء الصحابة
عروة بن الزبير
عَمْرو بن العَاصِ
خَالِد بن الوَلِيْدِ
جَابِر بن عَبْدِ اللهِ الأَنصَارِيُّ
معَاذ بن جَبَلٍ
سَعْد بن معَاذٍ
مصْعَب بن عمَيْرٍٍ

قصة بنى الله إبراهيم

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال