بقلم
مُحَمَّد عَبْد الظّاهِر المَطَارِقِي
إِنَّهَا
الصَّحْرَاءُ العَرَبِيَّةُ بِتَارِيْخِهَا الّذِي يَضْرِبُ بِجُذُوْرِهِ فِي الأَغْوَارِ
السَّحِيْقَةِ، والّتِي كَانَتْ مَسْرَحًا هَائِلاً لِلكثَيْرِ مِنَ المَعَارِكِ وَالغَزَوَاتِ
الحَرْبِيَّةِ.
فَإِذَا كَانَتِ الخَيْمَةُ العَرَبِيَّةُ بِنَكْهَتِهَا
الأَصِيْلَةِ وَعَبَقِهَا العَتِيْقِ، وَالتِي تُطِلُّ عَلَى أَنْهَارٍ مِنَ الرِّمَالِ
تَسْبَحُ فِي المَدَى، وَتُعَانِقُ الجِبَالَ الرَّاسِيَاتِ المُتَدَلِّيَةَ فِي شُمُوْخٍ
عَلَى حَوَافِّهَا المُتَرَامِيَةِ، فَإِنَّهَا- الخَيْمَةَ- اسْتَطَاعَتْ بِعَبْقَرِيَّتِهَا
الفَذَّةِ أَنْ تَمُدَّ السَّاحَةَ بِفِرْسَانَ يَعْتَزُّوْنَ بِقُدْرَتِهِمْ عَلَى
خَوْضِ المَعَارِكِ وَالأَهْوَالِ، وَالزَّوْدِ عَنْ حِيَاضِ القَبِيْلَةِ وَالدِّفَاعِ
عَنْ بِكَارَتِهَا بِعَبْقَرِيَّةِ السَّيْفِ.
وَالسَّيْفُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ المَكَانَةُ
السَّامِقَةُ فِي حَيَاةِ النَّاسِ، فَإِنَّ الدِّمَاءَ الحَارَّةَ التِي تَسْرِي
فِي شَرَايِيْنِهِ تَعُوْدُ لِتِلْكَ السَّوَاعِدِ الفُولاذِيَّةِ الّتِي تَقْبضُ
عَلَى زِمَامِهِ، وَتُوَجِّهُهُ بَحَسبِ أَهْوَاءِ القَبِيْلَةِ وَرَغَبَاتِهَا
الصَّرِيْحَةِ، وَيَبْقَى المَيْدَانُ رَحْبًا، فَسِيْحَ الجَنَبَاتِ، يَحُدُهُ
البَرَاحُ، لِتَتَجَلَّى عَبْقَرِيَّةُ فرْسَانُ آخَرُوْنَ يَحْمِلُوْنَ سُيُوْفَهُم
المَسْنُونَةَ. بِأَجْنِحَةٍ تَنْطَلِقُ كَالسِّهَامِ إِذَا أَرَادَتْ، أَوْ تَتَحَوَّلُ
إِلَي عَصَافِيْرَ ذَاتِ أَلْوَانٍ وَبَهْجَةٍ تُحَلِّقُ فِي سَمَاوَاتِ العِشْقِ
وَالهُيَامِ، أَوْ تَتَجَمَّعُ لِتَصْنَعَ كُتَلاً مِنَ الحِجَارَةِ المُدَبَّبَةِ
فِي وجُوْهِ المُتَنَطِّعِيْنَ وَأَشْبَاهِ الرِّجَالِ مِنَ القَبَائِلِ الخُصُوْمِ.
رَفْرَفَ الإِسْلامُ بِأَجْنِحَتِهِ
الحَانِيَةِ لِيُخَفِّفَ مِنْ وَهْجِ وَقَسْوَةِ تِلْكَ القُلُوْبِ الجَافِيَةِ، يَحْفَظُ
لَهَا مَكَانَتَهَا العَرِيْقَةَ، وَيَصُوْنُ لَهَا كَرَامَتَهَا، وَيَضَعُ عَنْهَا
شَوَائِبَهَا وَنَعَرَاتِهَا الكَاذِبَةَ وَأَبْوَاقَهَا الجَوْفَاءَ؛ لِيَجْتَمِعَ
الجَمْعُ تَحْتَ رَايَةٍ وَاحِدَةٍ “لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ “، وَقَائِدٍ
وَاحِدٍ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْعَلُوْنَ
سِلاحَهَم السَّيْفَ، وِسَلاحَهُم الكَلِمَةَ لِلدِّفَاعِ عَنْ الإِسْلامِ، وَالعَمَلِ
عَلَى نَشْرِ الدِّيْنِ إِلَى خَارِجِ هَذَا المَسْرَحِ العَرِيْقِ، لِيَسْتَضِيءَ
العَالَمُ بِشَمْسِ الإِسْلامِ.
وَهُنَا تَتَجَلَّى عَظَمَةُ هَذَا الفَارِسِ، فَلِكُلِّ
مَيْدَانٍ فرْسَانُهُ، وَلِكُلِّ زَمَانٍ رِجَالُهُ، وَسَيْفُ الكَلِمَةِ يُؤَازِرُ
وَيُسَانِدُ سَيْفَ الجِهَادِ، وَكِلاهُمَا لاَ غِنَي لَهْ عَنْ أَخِيْهِ.
وَيَأتِي هَذَا الصَّحَابِيُّ
الكَرِيْمُ، الّذِي قَطَعَ سِتِّنَ عَامًا مِنْ عُمْرِهِ يَنْتَظِرُ دِيْنَ مُحَمَّدٍ-
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَمْتَدَّ عُمْرُهُ سِتِّيْنَ آخَرِيْنَ فِي نُوْرِ
الإِسْلامِ.
اسْتَطَاعَ أَنْ يَتَصَدى لِجِيُوشِ
الشِّرْكِ وَمَعَهُ شَاعِرَانِ آخَرَانِ؛ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَكَعْبُ بْنُ
مَالِكٍ. وَقَدِ اتَّفَقَتِ العَرَبُ عَلَى أَنَّ حَسَّانَ بنَ ثَابِتٍ هُوَ أَشْعَرُ
أَهْلِ المَدَرِ (يَثْرِبَ) عَلَى الإِطْلاقِ.
وَقَدْ فَاقَ الشُّعَرَاءَ قَاطِبَةً
بِثَلاثٍ: كَانَ شَاعِرَ الأَنْصَارِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَشَاعِرَ النَّبِيِّ- صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَاعِرَ اليَمَنِ كُلِّهَا فِي الإِسْلامِ.
وَلَقَدْ كَانَ فِي مَيْدَانِهِ
فَارِسًا مِغْوَارًا لا يُشَقُّ لَهُ غُبَارٌ، يَحْمِلُ سنَانَ لِسَانِهِ أَيْنَمَا
ذَهَبَ، وَكَانَ يَهْجُو قُرَيْشًا وَيُعَارِضُ شُعَرَاءَهُم. وَلَقَدْ تَحَصَّلَ
عَلَى أَنْسَابِهِمْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ يَهْجُوهُم دُوْنَ أَنْ يَتَعَرَّضَ
لِنَسَبِ النَّبِيِّ الطَّاهِرِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِلأَنْصَارِ:
– مَا يَمْنَعُ القَوْمَ الّذِيْنَ
نَصَرُوا رَسُوْلَ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسِلاحِهِمْ أَنْ يَنْصُرُوهُ
بِأَلْسِنَتِهِمْ. فَقَالَ- رَضْيَ اللهُ عَنْهُ-:
– أَنَا لَهَا، وَأَخَذَ بِطَرفِ
لِسَانِهِ، وَقَالَ: وَاللهِ مَا يَسُرُّنِي بِهِ مقُوْلٌ بين بُصْرَى وَصَنْعَاء.
فَقَالَ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
– كَيْفَ تَهْجُوْهُمْ وَأَنَا
مِنْهُمْ؟
فَقَالَ: إِنّي أَسُلُّكَ مِنْهُم
كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ العَجِيْنِ.
لَقَدْ كَانَ يَهْجُوْهُمْ ثَلاثَةٌ مِنَ الأَنْصَارِِ،
هَذَا الصَّحَابِيُّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، حَتّى إِنَّ النّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ كَلِمَةً عَظِيْمَةً:
– إِنَّ رُوْحَ القُدُسِ لا يَزَالُ
يُؤَيِّدُكَ مَا كَافَحْتَ عَنِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- وَعَنْ رَسُوْلِ اللهِ- صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
* * *
قَدِمَ عَلَى النّبِيِّ ذَاتَ
يَوْمٍ وَفْدُ بَنِي تَمِيْمٍ، وَهُمْ سَبْعُوْنَ أَوْ ثَمَانُوْنَ رَجُلاً، فِيْهِمْ
الأَقْرَعُ بْنُ حَابِس، والزّبرقَانُ بْنُ بَدْرٍ، وَعُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، وَقَيْسُ
بْنُ عَاصِمٍ، وَعَمْرو بْنُ الأَهْتَمِ، وانْطَلَقَ مَعَهُم عُيَيْنَةُ بْنْ حصْنٍ،
فَقَدِمُوا المدِيْنَةَ، وَدَخَلُوا المَسْجِدَ، فَوَقَفُوا عِنْدَ الحُجْرَاتِ، وَنَادَوا
بِصَوْتٍ عَالٍ جَافٍّ:
– اخْرُجْ إِلَيْنَا يَا مُحَمَّدٌ،
فَقَدْ جِئْنَا لِنُفَاخِرَكَ، وَقَدْ جِئْنَا بِشَاعِرِنَا وَخَطِيْبِنَا!!
فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُوْلُ اللهِ- صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ. فَقَامَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ:
– وَاللهِ إِنَّ مَدْحِي لَزَيْنٌ،
وَإِنَّ ذَمِّي لَشَيْنٌ.
فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
ـ ذَلِكَ اللهُ.
فَقَالُوا: إِنَّا أَكْرَمُ
العَرَبِ.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
– أَكْرَمُ مِنْكُمْ يُوْسُفُ
بْنُ يَعْقُوْبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيْمَ عَلَيْهِ السَّلامُ.
فَقَالُوا: ائْذَنْ لِشَاعِرِنَا
وَخَطِيْبِنَا.
فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ- صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ وَجَلَسَ مَعَهُ النَّاسُ، فَقَامَ عُطَارِدُ
بْنُ حَاجِبٍ فَقَالَ:
” الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي
لَهُ الفَضْلُ عَلَيْنَا وَهُوَ أَهْلُهُ، الّذِي جَعَلَنَا مُلُوْكًا وَجَعَلَنَا
أَعَزَّ أَهْلِ المشْرِقِ، وَآتَانَا أَمْوَالاً عِظَامًا نَفْعَلُ فِيْهَا بِالمَعْرُوْفِ،
لَيْسَ فِي النَّاسِ مِثْلُنَا، أَلَسْنَا بِرُؤوسِ النَّاسِ وَذَوِي فَضْلِهِمْ؟
فَمَنْ فَاخَرَنَا فَلْيُعْدِدْ مِثْلَ مَا عَدَدْنَا، وَلَو نَشَاءُ لأَكْثَرْنَا،
وَلَكِنْ نَسْتَحِي مِنَ الإِكْثَارِ فِيْمَا خَوَّلَنَا اللهُ وَأَعْطَانَا.
أَقُوْلُ هَذَا، فَأتُوا بِقَوْلٍ
أَفْضَلَ مِنْ قَوْلِنَا أَوْ أَمْرٍ أَبْيَنَ مِنْ أَمْرِنَا.
ثُمَّ جَلَسَ.
فَقَامَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ
(خَطِيْبُ الرّسُوْلِ) فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الّذِي السّمَواتُ والأَرْضُ خَلْقُهُ،
قَضَى فِيْهِنَّ أَمْرَهُ، وَوَسِعَ كُرْسِيُّهُ وِعِلْمُهُ، وَلَمْ يَقْضِ شَيْئًا
إِلا مِنْ فَضْلِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَكَانَ مِنْ قُدْرَتِهِ أَنْ اصْطَفَى مِنْ خَلْقِهِ
لَنَا رَسُوْلاً أَكْرَمَهُمْ حَسَبًا، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيْثًا، وَأَحْسَنَهُمْ
رَأيًا، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا وَائتَمَنَهُ عَلَى خَلْقِهِ، وَكَانَ خِيْرَةَ
اللهِ مِنَ العَالَمِيْنَ، ثُمَّ دَعَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى الإِيْمَانِ، فَأَجَابَهُ مِنْ قَوْمِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ المُهَاجِروْنَ أَكْرَمُ
النَّاسِ أنْسَابًا، وَأَصْبَحُ النَّاسِ وجُوهًا، وَأَفْضَلُ النَّاسِ فِعَالاً،
ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَنِ اتَّبَعَ رَسُوْلَ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مِنَ العَرَبِ وَاسْتَجَابَ لَهُ نَحْنُ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ؛ فَنَحْنُ أَنْصَارُ
اللهِ وَوُزَرَاءُ رَسُوْلِهِ، نُقَاتِلُ النَّاسِ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَيقُوْلُوا:
لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ، فَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ مَنَعَ مِنَّا مَالَهُ
وَدَمَهُ، وَمَنْ كَفَرَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ جَاهَدْنَاهُ فِي اللهِ، وَكَانَ جِهَادُهُ
عَلَيْنَا يَسِيْرًا.
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِلمُؤْمِنِيْنَ
وَالمؤْمِنَاتِ.
فَقَامَ الزبرقان فََقَالَ:
نَحْنُ الملُوْكُ فَلاَ حَيٌّ يُقَارِبُنَا مِنَّا الملُوْكُ وَفِيْنَا يُؤْخَذُ الربع
تِلْكَ المكَارِمُ حُزنَاهَا
مُقَارَعَةً إِذَا الكِرَامُ عَلَى أَمْثَالِهَا اقْتَرَعُوا
كَمْ قَدْ نَشَدْنَا مِنَ الأَحْيَاءِ
كُلِّهِمُ عِنْدَ التّهَابِ وَفَضْلُ العِزِّ يُتَّبَعُ
وَنَنْحَرُ الكوم عبطا فِي مَنَازِلنَا للنّازِليْنَ إِذَا مَا اسْتُطعِمُوا شَبِعُوا
وَنَحْنُ نطعم عند المحل ما
أكلوا من العبيط إذا لم يظهر
القزع
وَنَنْصُرُ النَّاسَ تَأْتِيْنَا
سراتهم مِنْ كُلِّ أَوْبٍ فَتَمْضِي ثُمَّ تُتَّبَعُ.
فَأَرْسَلَ رَسُوْلُ اللهِ- صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فَجَاءَ، فَأَمَرَهُ أَنْ
يُجِيْبَهُ. فَقَالَ- رَضْيَ اللهُ عَنْهُ-:
إِنَّ الذَّوَائِبَ مِنْ فهر
وإِخْوَتِهِمْ قَدْ بَيَّنُوا سُنَّةً لِلنَّاسِ تُتَّبَـعُ
يَرْضَى بِهَا كُلُّ مَنْ كَانَتْ
سَرِيْرَتُهُ تَقْوَى الإِلَهِ وَبِالأَمْرِ
الّذِي شرعوا
قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا ضَرُّوا
عَدَوَّهُمُ أَوْ حَاوَلُوا النَّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْر
مُحْدَثَةٍ إِنَّ الحَلائِقَ فَاعْلَمَ شَرَّهَا البِدَعُ
لا يرقع الناس ما أوهت أكفهم عند الدفاع ولايوهون مارقعوا
إِنْ كَانَ فِي النَّاسِ سَبَّاقُوْنَ
بَعْدَهُمُ فَكُلُّ سَبْقٍ لأَدْنَى سَبْقِهِمْ
تَبَعُ
أَعِفَّةٌ ذُكِرَتْ فِي الوَحْي
عِفَّتُهُمْ لا يطبــعون وَلا يُرْدِيْهُــمُ الطَّمَـعُ
وَلا يَضُنُّوْنَ عَنْ جَارٍ
بِفَضْلِهِمُ وَلا يَمَسُّهُمْ مِنْ مَطْمَــعٍ طَبْعُ
يسمون لِلْحَرْبِ تَبْدُو وَهِي
كَالِحَة إِذَا الزَّعَانِفُ مِنْ أَظْفَارِهَا خَشَعُـوا
لا يَفْرَحُونَ إِذَا نَالُوا
عَدُوَّهُمُ وَإِنْ أُصِيْبُوا فَلا خَوْرٌ وَلا جَزَعُ
كَأَنَّهُمْ فِي الوَغَى وَالموْتِ
مكتنع أسود بيشة في أرساغهـــا فدع
خُذْ مِنْهُمُ مَا أَتَى عَفْوًا
وَإِنْ مَنَعُوا فَلا يَكُنْ هَمُّكَ الأَمْرُ الّذِي مَنَعُوا
فإن فِي حَرْبِهِمْ فَاتْرُكْ
عَدَاوَتَهُمْ سما يخاض عليه الصاب والسلع
أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُوْلُ
اللهِ قَائِدُهُمْ إِذَا تَفَرَّقَــتِ
الأَهْوَاءُ وَالشِّيَـعُ
أَهْدَى لَهُمْ مَدْحِي قَلْبٌ
يُؤَازِرُهُ فِيْمَا أَرَادَ لِسـَـانٌ حَائـِـك صنع
فَإِنّهُم أَفْضَلُ الأَحْيَاءِ
كُلِّهِمُ إِنَّ جَدَّ بِالنَّاسِ جد القول أوشمعـوا
فَقَامَ عطارد بن حاجب فَقَالَ:
أَتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْلَمَ النَّاسُ فَضْلَنَا إِذَا اجْتَمَعُوا وَقْتَ احْتِضَارِ الموَاسِمِ
بِأَنَّا فُرُوْعُ النَّاسِ فِي
كُلِّ مَوْطِنٍ وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الحِجَـازِ كَدَارِمِ
فَقَامَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ-
رَضْيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ:
مَنَعْنَا رَسُوْلَ اللهِ مِنْ
غَضَبٍ لَهُ عَلَى رُغْمِ أَنف من معد وَرَاغِمِ
هَلِ المجْدُ إِلا السُّؤْدَدُ
العود وَالنّدَى وَجَاهُ الملُوْكِ وَاحْتِمَالُ
العَظَائِمِ
فَقَالَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ:
ـ واللهِ إِنَّ هَذَا الرّجُلُ
لَمُؤْتَى لَهُ! وَاللهِ لَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَلَخَطِيْبُهُ أَخْطَبُ
مِنْ خَطِيْبِنَا، وَلأصْوَاتُهُمْ أَرْفَعُ مِنْ أَصْوَاتِنَا! أَعْطِنِي يَا مُحَمَّدٌ،
فَأَعْطَاهُ؛ فَقَالَ: زِدْنِي، فَزَادَهُ؛ فَقَالَ: اللّهُمَّ إِنَّهُ سَيِّدُ
العَرَبِ، فَنَزَلَتْ فِيْهِمْ: (إِنَّ الّذِيْنَ يُنَادُوْنَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجْرَاتِ
أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُوْنَ) [الحجْرات 4]
ثُمَّ إِنَّ القَوْمَ أَسْلَمُوا
وَأَقَامُوا عِنْدَ النّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَلَّمُوْنَ
القُرْآنَ، وَيَتَفَقَّهُوْنَ فِي الدِّيْنِ، ثُمَّ أَرَادُوا الخُرُوْجَ إِلَى قَوْمِهِمْ،
فَأَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَسَاهُمْ.