لا تَزَالُ صُورَتُهُ مَاثِلَةً فِي أَعْيُنِ بَنِي الحَارِثِ كَبَطَلٍ مِغْوَارٍ لا يُشَقُّ لَهُ غُبَارٌ.. ألَيْسَ هُوَ الذِي قَتَلَ أَبَاهُمُ الحَارِثَ بنَ عَامِرٍ؟
الآنَ حَانَ وقْتُ الانتِقَامِ.
انتَصَرَ المُسلِمُونَ فِي بَدرٍ رَغْمَ قِلّةِ عَدَدِهِمْ وَضَعْفِ عِتَادِهِمْ، لَكِنَّ اللهَ تَعَالَى ثَبَّتَ أقْدَامَهُمْ، وَأنْزَلَ مَلائِكَتَهُ وَسَكِيْنَتَهُ عَلَيْهِمْ. أَمّا المُشرِكُونَ فَقَدْ قُذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، بِرَغْمِ كَثْرَتِهِمْ وَتَفَوُّقِهِمْ.
فِي هَذِهِ الغَزْوَةِ المُبَارَكَةِ، لَمَعَ نَجْمٌ مِنْ هَؤلاءِ النُّجُوْمِ الطّاهِرَةِ الكَرِيْمَةِ. إِنّهُ خُبَيْبُ بنُ عَدِي- رَضِيَ اللهُ عَنهُ- والّذِي استَطَاعَ بِشَجَاعَتِهِ الفَذَّةِ، وَحُسْنِ بَلائِهِ، أَنْ يَضْرِبَ فِي رِقَابِ المُشرِكِيْنَ حَتّى قَتَلَ مِنْهُمْ أَعْدَادًا لا بَأسَ بِهَا، وَكَانَ مِنْ بَيْنِهُم رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِم يُدعَى “الحَارِثَ بنَ عَامِرٍ”، فَلَمّا عَلِمَ بَنُوهُ بِمَقْتَلِهِ، أَزمَعُوا عَلَى الانتِقَامِ مِنْ هَذَا الصّحَابِيِّ قَاتِلِ أبِيْهِم، وَقَدْ كَانَ.
كَانُوا عَشَرَةً أَرْسَلَهُمُ النّبِيُّ- صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ مَكّةَ، لِيَكُونُوا عيُونًا لَهُ، يَعْرِفُونَ مَا يَحْدُثُ هُنَاكَ، وَمَا يُخفِيهِ المُشرِكُونَ ضِدّهُم، ثُمَّ يَأتُونَ إلَيهِ بِالأخبَارِ لِكَي يَحْتَاطَ المُسلِمُونَ وَيَأخُذُوا حِذرَهُم، لَكِنَّ أَمْرَهُمُ انكَشَفَ، فَتَمَّ قَتْلُهُمْ جَمِيْعًا.
إِنّهُ أَحَدُ هَؤلاءِ العَشَرَةِ الأَبْطَالِ، وَقِصّةُ قَتْلِهِ مِنْ أَعْجَبِ مَا تَكُوْنَ. تَعَالوا إِذَنْ نَتَعَرَّفُ عَلَى بَعْضِ مَلامِحِ شَخْصِيَّتِهِ، وَكَيْفَ قَضَى نَحْبَهُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَعَنْ الصّحَابَةِ أجْمَعِيْنَ.
* * *
إِنّهُمْ عَشَرَةُ رِجَالٍ، لِكُلٍّ مِنْهُم قِصَّةٌ أَرْوَعُ مِنَ الأُخْرَى، إِذَا نُقِشَتْ بِالإِبَرِ عَلَى آفَاقِ الزّمَنِ لَكَانَتْ عِبْرَةً لِمَنْ يَعْتَبِرُ.
وَأَجْمَلُ مَا فِي هَذِهِ القِصَصُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نَسْجِ الخَيَالِ. لا تَعْجَبْ؛ فَهُمْ الذِيْنَ تَرَبّوا عَلَى يَدِ المُعَلَِّمِ الأَوَّلِ، وَالقَائِدِ الأَعْظَمِ، رَسُوْلِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًي. وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوْبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُوْنِهِ إلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكَهْف: 13- 14]
كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنّ الأَرْضَ لَيْسَتْ مُعَبَّدَةً سَهْلَةً، وَلا مَغْمُورَةً بِالورُودِ والرّيَاحِينِ، إِنّمَا بِالشّوكِ والحَنْظَلِ. مَا الذِي دَفَعَ بِهِمْ إِلَى هَذَا الطَّرِيقِ الوَعِرِ؟ مَا الذِي جَعَلَهُم يَخْتَارُونَ سَبِيْلَ العَذَابِ والهَوَانِ؟ إِنّهُ الإيمانُ الذِي يَمَسُّ القُلُوبَ فَتَسْتَحِيلُ قُوَّةً عَظِيْمَةً أَعْظَمَ مِن تِلكَ الجِبَالِ الرّاسِيَاتِ. إِنّ السّعَادَةَ التِي يَشعُرُونَ بِهَا تَهُونُ فِي سَبِيْلِهَا كُلُّ الآلامِ والأَوْجَاعِ.. إِنّهُ الإيمَانُ باللهِ وَرَسُولِهِ. إِنّهُ طَرِيقُ النّجَاةِ والخَلاصِ مِنْ رِبْقِ الدّنْيَا الفَانِيَةِ الزّائِلَةِ، والتّطلُّعِ إِلَى مَا عِنْدَ اللهِ مِنْ جَنّاتٍ خَالِدَةٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ.
هُمْ عَشَرَةٌ مِنَ الرّجَالِ الأَبْطَالِ، كُلُّ رَجُلٍ مِنهُم نَسِيْجٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَإِنّ كَانَ الإيمَانُ قَدْ شَمِلَهُم، وَطَبَعَ عَلَى وجُوهِهِم مَلامِحَ الرّوعَةِ والجَمَالِ، فَقدْ لَقوا حَتْفَهُم وَهُم فِي مُنتَهَى الرّضَى والسّعَادَةِ.
* * *
هَا هُم يَسِيرُونَ فِي قَلبِ الصّحرَاءِ المُمتَدَّةِ، يَضرِبُونَ الأَرضَ بِأقْدَامِهِم الثّابِتَةِ، وَيَتَطَلَّعُونَ بِأَعيُنِهِم إِلى حَيْثُ أَمَرَهُمْ قَائِدُهُم رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
كَانَ “التّمْرُ والمَاءُ” طَعَامَهُم، وَكَانَ عَلَيْهِم أَنْ يَجْلِسُوا بَعْضَ الشّيءِ، يَسْتَظِلُّونَ بِظِلِّ شَجَرَةٍ، وَيَلْتَقِطُونَ أَنفَاسَهُم، وَيَمْسَحُونَ قَطَرَاتِ العَرَقِ التي تَتَسَاقَطُ عَنْهُم.. يَتَنَاولُونَ طَعَامَهُمُ البَسِيْطَ، وَيَنَالُونَ قِسْطًا مِنَ الرّاحَةِ؛ لِيَستَكْمِلُوا سَيْرَهُم نَحْوَ هَدَفِهِمُ المَنْشُودِ.
لكِنْ..
فَجْأةً…
انكَشَفَ أَمْرُهُم.
* * *
كَانُوا فِي مَكَانٍ بَينَ عَسْفَانَ وَمَكَّةَ. وَصَلَ
خَبَرُهُمْ إِلَى أَهْلِ حَيِّ هُذَيْلٍ الذِيْنَ يُقَالُ لهُم “بَنُو لحيَانَ”،
فَنَفَرُوا إِليْهِم بِمَا يُقَارِبُ مِائةَ رَجُلٍ رَامٍ مِنْ أمْهَرِ الرُّمَاةِ
الذِينَ تَتَبَّعُوا آثَارَهُم، حَتّى وَجَدُوا مَأكَلَهُم التّمْرَ فِي مَوْضِعِ
جُلُوسِهِم.
قَالُوا:
ـ تَمْرُ يَثْرِبَ!
فاتّبَعُوا آثَارَهُم، وَلَمَّا أَحَسّ بِهِم أَمِيْرُهُم عَاصِمُ بنُ ثَابِتٍ وأَصحَابُهُ لَجَأوا إِلَى رَأسِ جَبَلٍ، فَأحَاطَ بِهِمُ القَومُ قَائِلِينَ لَهُمْ:
ـ انزِلُوا فأعطُوا بِأيدِيكُم، وَلكُمُ العَهْدُ والمِيْثَاقُ أنْ لا نَقْتُلَ مِنْكُم أَحَدًا.
كَانَتْ وُجُوهُهُم الكَالِحَةُ تَحْمِلُ ابتِسَامَاتٍ صَفْرَاءَ.
قَالَ عَاصِمٌ:
ـ أَمَّا أَنَا فَلا أنْزِلُ فِي ذِمّة كَافِرٍ.. اللّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ.
فَرَمَوهُم بِالنّبلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا، وَنَزَلَ إلَيْهِم نَفَرٌ عَلَى العَهْدِ والمِيْثَاقِ، وَقَدْ ظَنُّوا أَنّ القَوْمَ سَيُوفّونَ بِعَهْدِهِم مَعَهُم. وَمَا كَادَتْ أَقْدامُهُم تَطَأُ الأَرْضَ حَتّى ظَهَرَ الغَدْرُ، فَقَدْ أطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِم ثُمّ رَبَطُوهُم بِهَا.
الآنَ
قُتِلَ رَجُلانِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلا وَاحِدٌ.. إِنَّهُ صَاحِبُ هَذِهِ القِصَّةِ،
خُبَيْبُ بنُ عَدِي.
الجَمِيْعُ
يُكَشِّرُوْنَ عَنْ أَنيَابِهِمْ، وَيَسنُّونَ أَسنَانَهُم، وَالجُمُوعُ الكَثِيفَةُ
تُقْبِلُ مِنْ كُلِّ حَدْبٍ وَصَوْبٍ إِلَى مِنْطَقَةِ التّنعِيْمِ؛ لِيَرَوا المَشْهَدَ
الدَّامِي عَلَى أَرْضِ الوَاقِعِ.. يَبْحَثُونَ عَنْهُ.. أَعيُنُهُم مَفتُوحَةٌ عَلَى
مِصْرَاعَيْهَا.
ـ
أَيْنَ هُو ذَلِكَ الأسِيرُ؟
إِنَّهُ
مُكبَّلٌ بِالسَّلاسِلِ فِي حُجْرةٍ مُغْلَقَةٍ لِبَيْتٍ مِنْ بيُوتِ بَنِي الحَارِثِ،
الذِينَ رَاحُوا يعدُّونَ عُدّتَهَم، وَيُحضِرُونَ أكبَرَ حَشْدٍ مِنَ النّاسِ، ليُصْبِحَ
المَشهَدُ أكثَرَ إِثَارَةً، وَيَبْلُغَ مُحَمّدًا وَأصْحَابَهُ.
أَمَّا
هُوَ فَقَد كَانَ رَابِطَ الجَأشِ، مُطمَئِنَ القَلبِ، وَكَأنَّ مَا يُعدُّ لَهُ
لا يَخُصُّهُ وَلا يَعنِيْهِ فِي شَيءٍ، فَقَدْ كََانَت الابتِسَامَاتُ الرّائِعَةُ
التِي تَمَيَّزَ بِهَا هَؤلاءِ المُوحِّدُونَ، أتبَاعُ النّبيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- تَرفُّ عَلَى وَجهِهِ الهَادِئ، وَلِسَانُهُ بَاتَ يُسبِّحُ اللهَ ويَذكُرُهُ.
استَعَارَ
مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الحَارِثِ مُوسِيًّا “شَفْرةً” يَستَحِدُّ بِهَا، فَأعَارَتْهُ.
وَدَرَجَ صَغِيرٌ لَهَا وهِي غَافِلَةٌ حتّي أتَاهُ، فَوَجدَتْهُ وَقَدْ أجْلَسَهُ
عَلَى فَخْذِهِ وَالمُوسِيُّ بِيَدِِهِ.
تَقُولُ
أُمُّهُ ـ وَقََدْ أسْلَمتْ فِيْمَا بَعْد:
ـ
فَفَزِعْتُ فزْعَةً عَرَفَهَا، فَقَالَ:
أتَخْشَيْنَ
أَنْ أَقتُلَهُ؟ مَا كُنتُ لأفْعَلَ ذَلِكَ.
تقُولُ
أَيضًا:
ـ
واللهِ مَا رَأيتُ أَسِيْرًا قَطّ خَيْرًا مِنْهُ.. وَاللهِ لقَدْ وجَدتُهُ يَأكُلُ
قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ، وَإنَّهُ لَمُوثقٌ بِالحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ
مِنْ ثَمرَةٍ!
* * *
كَانُوا يَدْفَعُونَهُ بِقَسوَةٍ، وَالجُمُوعُ
الغفِيرةُ تَمُدُّ أَذرُعَهَا لأعْلَى فِي غَضَبٍ، وَهِي تَهدِرُ بِعُنفٍ:
ـ
اقتُلُوهُ!
ـ
مَزِّقُوهُ!
ـ
الصّابِئُ!
ثَمَّةَ
صَلِيْبٌ تَمَّ صُنعُهُ مِنْ جُذُوعٍ النَّخِيْلِ، وَرُمَاةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ يَحمِلُونَ
رِمَاحَهُم وَسيُوفَهُم وأقْوَاسَهُم، كُلٌّ قَدْ عَرَفَ مَكَانَهُ، وَوجُوهٌ حَادَّةٌ
قَاسِيَةٌ تَتَطلّعُ إِلَى المَشهَدِ، وَتَشْتَاقُ لِرُؤيَةِ الدِّمَاءِ الطّاهِرَةِ
وَهِي تَسِيْلُ أمَامَهَا. وَهُوَ بِرَغمِ المَأسَاةِ، كَانَتْ عَيْنَاهُ تَتَطلَّعُ
إِلَى السَّمَاءِ، يَشْتَاقُ إِلَى لِقَاءِ رَبِّهِ، لِيَلْحَقَ بِأصْحَابِهِ الذِيْنَ
سَبَقُوهُ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
قَالَ
لهُم:
ـ
دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتِيْنِ.
تَرَكُوهُ،
فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى فَرِغَ مِنْهُمَا، ثُمَّ نَظَرَ إلَِيْهِمْ وَقَالَ:
ـ
وَاللهِ لَولا أَنْ تَحسَبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَزِدت.
ثُمّ
دَعَا رَبَّهُ قَائِلاً:
اللّهُمَّ
أحْصِهِمْ عَدَدًا، واقْتُلْهُم بَدَدًا، وَلا تُبْقِ منهم أَحَدًا.
يَقُوْلُ
سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ– وَلَمْ يَكُنْ قَدْ
أَسْلَمَ بَعْد، حِيْنَ حَضَرَ هَذَا المَشْهَدَ: “شَهِدتُ
مَصْرَعَ خُبَيْبِ بنِ عَدِي، وَقَدْ بَضَعَتْ قُريشٌ لَحْمَهُ، ثُمّ حَمَلُوهُ عَلَى جِذْعِهِ فَقَالُوا:
ـ
أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمّدًا مَكَانَكَ؟
فَقَالَ:
ـ
واللهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي فِي أَهْلِي وَوَلَدِي، وَأَنَّ مُحَمَّدًا شِيْكَ بِشَوْكَةٍ
ثُمَّ
أَنْشَدَ:
لَقَدْ جَمــَعَ | قَبَائِلَهُم وَاسْتَجْمَـــــعُوا كُلّ مُجمَعِ | |
وَكُلُّهم مُبْدِي العَـــــدَاوَةَ جَاهِدٌ | عَلَيَّ لأنِّــــي فِي وثَاقٍ بمــضْبعِ | |
وَقَدْ جَمَعُــــوا أبْنَاءَهُم ونِسَاءَهُم | وقُرِّبتُ مــنْ جِـــذْعٍ طَوِيلٍ ممنعِ | |
إلى اللهِ أشْكُــو غُربَتِي ثمـَّ كُرْبَتِي | ومَا أرْصَدَ الأَحْزَابُ لِي عِنْدَ مَصْرَعِي | |
فذَا العَرْشِ صَبَّرني عَلَى مَا يُرَادُ بِي | فَقَدْ بَضَعُوا لَحْمِـي وَقَـدْ يَاسَ مَطْمَعِي | |
وذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَــهِ وَإِنْ يَشَــأْ | يُبَارِكْ عَلَــى أَوْصَـالِ شلـْوٍ مُمزَّعِ | |
وقَد خَيَّرونِي الكُفْــرَ والمَوتُ دُونَهُ | وقَدْ هملت عَيْنَاي مِـــنْ غيرِ مجزعِ | |
وَمَا بِي حَـذَارِ المَــوْتِ إِنِّي لميِّتٌ | وَلكِن حَذَارِي جَحْــــمُ نَـارٍ ملفعِ | |
فواللهِ مَا أرْجُــــو إذَا مِتُّ مُسْلِمًا | عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللهِ مَصْـرَعِي | |
فَلَسْــتُ بِمُبْــدٍ للعَــدُوِّ تَخَشُّعًا | ولا جَزعًا إِنِّــــي إِلَى اللهِ مَرْجِعِي |
ثُمّ
قَامَ إِليْهِ عُقبَةُ بنُ الحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ خُبَيْبُ بنُ عَدِي-
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- هُوَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ حَبْسًا صّلاةَ
رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ تَنْفِيْذِ الحُكْمِ فِيْهِ.
“اللّهُمَّ
إِنَّا قَدْ بَلَّغْنَا رِسَالَةَ رَسُوْلِكَ، فَبَلِّغْهُ الغَدَاةَ مَا يُصْنَعُ
بِنَا”.
قَالَهَا
(رَضِيَ اللهُ
عَنهُ) قَبْلَ أَنْ يُصْرَعَ،
فَاستَجَابَ اللهُ لَهُ، وَوَصَلَتِ النّبيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَ أَحَدَ أَصحَابِهِ لِيَأتِيَهُ بِهِ.
عَنْ
إِبرَاهِيمَ بنِ إِسمَاعِيلَ قَالَ:
أَخبَرَنِي
جَعفَرُ بنُ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَهُ وَحْدَهُ عَيْنًا إِلَى قُريشٍ، قَالَ: فَجِئتُ
إِلَى خَشَبَةِ خُبَيْبِ بنِ عَدِي، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ العُيونَ، فَرَقيتُ فِيْهَا،
فَحَلَلْتُ خُبَيْبًا، فَوَقَعَ إِلَى الأَرضِ، فَانتَبَذْتُ غَيْرَ بَعِيْدٍ، ثُمَّ
التَفَتُّ فَلَمْ أَرَهُ، وَكَأَنَّمَا ابتَلَعَتْهُ، فَلَمْ يُرَ لَهُ أَثَرٌ حتّى
السَّاعَةِ.
فَصَارَ
يُدْعَى “بَلِيْعَ الأَرْضِ”، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ.