الشاعر المجاهد عبد الله بن رواحه رضى الله عنه

الشاعر المجاهد عبد الله بن رواحه رضى الله عنه
 

بقلم: مُحمَّد عَبْد الظّاهِر المَطَارِقِي

النشأة

لَعَلَّ نَشْأَتَهُ فِي يَثْرِبَ كَانَتْ سَبَبًا فِي تَفَتُّقِ عَبْقَرِيَّتِهِ الشِّعْرِيَّةِ مُبَكِّرًا، إِنَّهُ دَائِمُ الخرُوجِ بِمُفْرَدِهِ، يَسْعَى إِلَى طَلَبِ الحَقِيْقَةِ، هُنَاكَ بَيْنَ السُّهُولِ والودْيَانِ..
بَيْنَ الخُضْرَةِ والنَّمَاءِ، يَتَأَمَّلُ ذَلِكَ الكَوْنَ الفَسِيْحَ بِمَا فِيْهِ مِنْ سَمَاءٍ صَافِيَةٍ، وَجِبَالٍ رَاسِيَةٍ، وَأَشْجَارٍ وَنَخِيْلٍ؛ وَطُيُوْرٍ تَضْرِبُ بِأَجْنِحَتِهَا الهَوَاءَ.
يَقْرَأُ صَفَحَاتِ العَالَمِ.. يُعِيْدُ تَقْلِيْبَ أَوْرَاقِهِ مَرَّةً، وَمَرَّةً، وَمَرَّاتٍ. تُلاحِقُهُ أَسْئِلَةٌ كَثِيْرَةٌ، تُطَارِدُهُ، يُحَاولُ الهُرُوبَ مِنْهَا فَلا يَسْتَطِيْعُ.
يَتَكَوَّمُ بِجِوَارِ إِحْدَى النَّخْلاتِ السَّامِقَةِ، يُعْمِلُ عَقْلَهُ فِي البَحْثِ عَنْ إِجَابَةٍ فَلاَ يَجِدُ.

الشاعر الفذ

هُوالشَّاعِرُ الفَذُّ الَّذِي تَتَزَاحَمُ مِنْ حَوْلِهِ القَبَائِلُ، يَأتُوْنَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيْقٍ لِيَسْتَمِعُوا إِلَيْهِ وَهُو يُطْلِقُ عَقِيْرَتَهُ بِالأَشْعَارِ، يَخْتَصِرُ العَالَمَ فِي كَلِمَاتٍ عَجِيْبَةٍ، لَهَا طَعْمُ السِّحْرِ، تُدْهِشُهُم وَتُثِيْرُ فِيْهِم الحَمَاسَ؛ فَيَتَزَاحمَوُنَ حَوْلَهُ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ، وَهُم يَطلُبُونَ مِنهُ المَزِيْدَ. فِي ثَوَانٍ مَعْدُوْدَةٍ تَطِيْرُ قَصَائِدُهُ العَذبَةُ مَعَ طُيُورِ السَّمَاءِ، يُرَدِّدُهَا الصِّغَارُ فِي سَاحَاتِ اللعِبِ، وَيُرَدِّدُهَا الفرْسَانُ وَهُمْ عَلَى صَهَوَاتِ الخيُولِ. 
لَكِنَّهُ، وَبِرَغْمِ قُدْرَاتِهِ الفَذَّةِ فِي نَسْجِ الشِّعْرِ، إِلا أَنَّهُ لا يَزَالُ عَاجِزًا عَنْ إِجَابَةٍ شَافِيَةٍ لِتِلْكَ الأَسْئِلَةِ الّتِى تَطْرُقُ عَقْلَهُ دُوْنَ هَوَادَةٍ.

إسلامه

وَلَمَّا بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَجَدَ فِيْهَا ضَالَّتَهُ المَنْشُوْدَةَ، سَعَى إِلَيْهِ، وَحَضَرَ البَيْعَةَ شَاهِدًا شَهَادَةَ الحَقِّ.
وعندما هَاجَرَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسلم إِلَى يَثْرِبَ، كَانَ مِنْ أَوَائِلِ الّذِيْنَ اسْتَقْبَلُوْهُ.
وَقَدْ حَاوَلَ أَنْ يَدْعُو النَّبِيَّ إِلَى دَارِهِ، مُمْسِكًا بِخُطَامِ النَّاقَةِ، غَيْرَ أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابتَسَمَ فِي وَجْهِهِ قَائِلاً لَهُ:
 – دَعْهَا فَإِنَّهَا مَأْمُوْرَةٌ.
وَفِي مَجْلِسِ النُّورِ، كَانَ أَحَدُ الصَّحَابِةِ المُلازِمِيْنَ لِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ يُنْصِتُ بِاهْتِمَامٍ وَهُو يَسْتَمِعُ إِلَى أَحَادِيْثِهِ العَذْبَةِ، فَتَرتَسِمُ عَلَى وَجْهِهِ المُضِيءِ ابتِسَامَاتٌ رَائِعَةٌ.

الشاعر المؤمن

إِنَّ العَالَمَ الرَّحْبَ الّذِي يَعْتَرِيْهِ الغُمُوضُ، تَتَكَشَّفُ أَسْرَارُهُ أَمَامَ عَيْنَيْهِ.
تُحَوِّلُهُ مِنْ إِنْسَانٍ حَائِرٍ تُسَيْطِرُ عَلَيْهِ الهَوَاجِسُ وَالأَفْكَارُ المُرِيْبَةُ، إِلَى إِنْسَانٍ مُؤْمِنٍ بِخَالِقِ هَذَا الكَوْنِ العَظِيْمِ، يَمْتَلِئُ قَلْبُهُ بِنُوْرِ اليَقِيْنِ. 
لَقَدِ اتَّضَحَتِ الرُّؤْيَةُ، وَصَارَ بِوِسْعِهِ الإِجَابَةُ عَنْ سِرِّ وجُوْدِهِ، وَالغَايَةِ مِنْهُ، وَأَيْنَ يَكُوْنُ الْمَآلُ.
تَحَوَّلَتْ قَرِيْحَتُهُ الشِّعْرِيَّةُ هِي الأُخْرَى، لِتُعَانِقَ عَقِيْدَتَهُ الصُّلْبَةَ، لِتُصْبِحَ مُؤَهَّلَةً لِخِدْمَةِ دِيْنِ اللهِ، تَذُبُّ عَنْ أَعْرَاضِ المُسْلِمِيْنَ، وَتُهَاجِمُ الْكَفَرَةَ وَالمُشْرِكِيْنَ، وَتَلْطُمُ وُجُوهَ المُنَافِقِيْنَ..
كَلِمَاتٌ فِي وجُوهِ الأَعْدَاءِ حَادَّةٌ قَاسِيَةٌ..كَلِمَاتٌ مَسْنُوْنَةٌ كَحَدِّ السَّيْفِ الَّذِي يُجَابَهُ بِهِ الكُفْرَ وَالإِلْحَادَ، لَكِنَّهَا فِي حَضْرَةِ النَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ.
كَلِمَاتٌ أَشْبَهُ بِالعَصَافِيْرِ المُلَوَّنَةِ الّتِي تَطِيْرُ فِي سَمَاءِ الكَوْنِ، تَسِيْلُ رَقَّةً وَعُذُوْبَةً، حَتَّى نَزَلَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: (وَالشُّعَرَاءُ يَتّبِعُهُم الغَاوون)

بشرى القرآن

هُنَالِكَ أَغْلَقَ الصَّحَابِيُّ الجَلِيْلُ “عَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ ” عَلَى نَفْسِهِ بَابَ الشِّعْرِ، وَأَصَرَّ عَلَى عَدَمِ طَرْقِ هَذَا البَابِ مَرَّةً أُخْرَى مَهْمَا كَانَتِ الأَسْبَابُ.
لَكِنَّ الآذَانَ الّتِي اعْتَادَتْ عَلَى سَمَاعِ نَغَمَاتِهِ الشَّجِيَّةِ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَصْبِرَ.
حَاوَلُوا مَعَهُ كَثِيْرًا لَكِنَّهُم فَشَلُوا، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ نُزُوْلِ آيَاتٍ تَْرفَعُ الْحَرَجَ عَنْهُ وَعَنْ إِخْوَانِهِ مِنَ الشُّعَرَاءِ المُؤْمِنِيْنَ: (إلا الّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيْرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظَلَمُوا).

يقول الشعر مرة أخرى

ذَهَبَ إِلَيْهِ البَعْضُ يُحَاوِلُوْنَ إِثْنَاءَهُ عَنْ مَوْقِفِهِ، وَهُمْ يُبَشِّرُوْنَهُ بِآيَاتِ اللهِ تَعَالَى، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَجِبْ، حَتَّى أَمَرَهُ النَّبِيُّ يَوْمًا- وَكَانُوا فِي سَفَرٍ طَوِيْلٍ- أَنْ يَنْزِلَ لِيُحَرِّكَ الرَّكْبَ.
فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنِّى قَدْ تَرَكْتُ قَوْلِي هَذَا!
فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: اسْمَعْ وَأَطِعْ.
فَنَزَلَ- رَضْيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُو يَقُوْلُ:
               يَارَبُّ لَوْلا أَنْتَ مَا اهْتَـدَيْنَا             وَلا تَصَـدَّقْنَا وَلا صَـلَّيْنَا
               فَأَنْزِلَـنْ سَكِيْنَـةً عَلَيْنَــا            وَثَبَّتِ الأَقْــدَامَ إِنْ لاقَيْنَا
              إِنَّ الكُفَّــارَ قَدْ بَغَوا عَلَيْنَا             وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَـــةً أَبَيْنَا

شعره فى هجاء المشركين

وَفِي عُمْرَةِ القَضَاءِ كَانَ آخِذًا بِزِمَامِ القَصْوَاءِ “نَاقَةِ رَسُوْلِ اللهِ”- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الّتِي كَانَ يَطُوْفُ عَلَيْهَا بِالبَيْتِ. 
أَرْسَلَ نَظَرَاتِهِ إِلَى وجُوْهِ المُشْرِكِيْنَ الّذِيْنَ كَانُوا يُحَاوِلُوْنَ الابْتِعَادَ عَنْ سَاحَةِ الْحَرَمِ، حَتَّى لا يَرَوْنَ النَّبِيَّ وَأَصْحَابَهُ وَهُمْ يَطُوْفُونَ بِالبَيْتِ العَتِيْقِ، وَيَهْتِفُوْنَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيْدِ مِنْ أَعْمَاقِ قُلُوْبِهِمْ.
فَيَفِرُّوْنَ مِنْهَا “كَأَنَّهُمْ حُمرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ”، فَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَضْحَكُ مِنْ قَلْبِهِ، قَائِلاً لِنَفْسِهِ وَهُو يَرْمِيْهِمْ بِنَظَرَاتِهِ القَاسِيَةِ “مُوْتُوا بِغَيْظِكُمْ”، ثُمَّ أَطْلَقَ عَقِيْرَتَهُ:
                خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبِيْلِهِ     خَلُّو، فَكُلُّ الْخَيْرِ مَعَ رَسُوْلِهِ
                نَحْنُ ضَرَبْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيْلِهِ        كَمَا ضَرَبْنَاكُم عَلَى تَنْزِيْلِهِ
                ضَرْبًا يُزِيْلُ الْهَامَ عَنْ مُقِيْلِهِ       وُيُذْهِلُ الْخَلِيْلَ عَنْ خَلِيْلِهِ

الشاعر المجاهد

وَلأنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَعْلَمُ قُدْرَاتِهِ القِتَالِيَّةَ الّتِي لا تَقِلُّ عَنْ عَبْقَرِيَّتِهِ فِي مَجَالِ الشِّعْرِ، كَانَ يَدْعُوهُ إِلَى الْمَعَارِكِ والغَزَوَاتِ.
فَلَم يَتْرُكْ مَشْهَدًا شَهِدَهُ رَسُوْلُ اللهِ إِلا وَكَانَ أَحَدَ المُشَارِكِيْنَ فِيْهِ، يَمْتَشِقُ حُسَامَهُ وَيَضْرِبُ بِهِ أُنُوْفَ المُشْرِكِيْنَ، مُلْقِيًا بَأَبْيَاتٍ مِنَ الشِّعْرِ كَأَنهَّا الحِجَارَةُ المُدَبَّبَةُ.
وَقَدْ تَجَلَّتْ شَخْصِيَّتُهُ المؤْمِنَةُ القَوِيَّةُ- رَضْيَ اللهُ عَنْهُ- يَوْمَ (مُؤْتَةَ)، حِيْنَ أَشْرَكَهُ النَّبِيُّ مَعَ اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَدَفَعَ إِلَيْهِم بِاللوَاءِ، وَعِنْدَ وَدَاعِهِ- رَضْيَ اللهُ عَنْهُ- لأَصْحَابِهِ، غَلَبَتْهُ دُمُوْعُهُ فَبَكَى، وتَجَمَّعَ الكَثِيْرُ مِنْ حَوْلِهِ، وَقُلُوبُهُمْ تَتَفَطَّرُ أَلَمًا وَحُزْنًا لِبُكَائِهِ.
قَالُوا: مَا يُبْكِيْكَ؟
فَقَالَ: واللهِ مَا بِي حُبُّ الدُّنْيَا وَلا صَبَابَةٌ لَكُمْ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ يَذْكُرُ فِيْهَا النَّارَ: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَان عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا)، فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصُّدُوْرِ بَعْدَ الورُوْدِ؟
قَالَ المُسْلِمُوْنَ: صَحِبَكُمُ اللهُ وَدَفَعَ عَنْكُمْ، وَرَدَّكُم إِلَيْنَا صَالِحِيْنَ.

طلب الشهادة

لَكِنِّ الصَّحَابِيَّ المُؤْمِنَ الّذِي تَعَلَّمَ مِنْ أُسْتَاذِهِ سِرَّ هَذَا العَالَمِ، كَانَ مِنْ دَاخِلِهِ مُتَشَوِّقًا للشَّهَادَةِ.
أَرْسَلَ نَظَرَاتِهِ إِلَيْهِمْ، لَكِنَّهَا كَانَتْ نَظَرَاتٍ بَعِيْدَةً وَعَمِيْقَةً، نَظَرَاتٍ تَخْتَرِقُ الحُجُبَ وَتَرَى مَا لا يَرَاهُ غَيْرُهُ.. قَالَ فِي نَبَرَاتٍ صَادِقَةٍ:
                       لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْـمَنَ مَغْفِرَةً        وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْع تَقْذِفُ الزبدَا
                       أَوطَعْنَةً بِيَدِي حــران مجهزة بِحَرْبَةٍ تَنْفُذُ الأَحْشَاءَ وَالكَبِـدَا
                       حَتَّى يُقَالَ إِذَا مَرُّوا عَلَى جدثى أَرْشَدَهُ اللهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَـدَا.
وَهَكَذَا انْطَلَقَ جَيْشُ المُسْلِمِيْنَ وَقوَامُهُ ثَلاثَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ، وَوَصَلُوا إِلَى هُنَاكَ، وَأَقَامُوا عَلَى أَرْضِ “مَعَان” يَتَلَمَّسُوْنَ الأَخْبَارَ، ثُمَ اجْتَمَعَ القَادَةُ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ.
فَقَدْ كَانَ جَيْشُ المُشْرِكِيْنَ كَبِيْرًا جِدًّا، حَيْثُ بَلَغَ مائَةَ أَلْفِ مُقَاتِلٍ مِنْ جُنُوْدِ الرُّومِ، يُسَانِدُهُم مائَةُ أَلْفٍ أُخْرَى مِنْ القَبَائِلِ العَرَبِيَّةِ.
اقْتَرَحَ البَعْضُ أَنْ يَكْتُبُوا لِرَسُوْلِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَدَدِ هَؤلاءِ المُشْرِكِيْنَ، فَإِمَّا أَنْ يُمْدِدَهُم بِالرِّجَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالقِتَالِ.
عِنْدَئِذٍ انبَرَى لَهُم هَذَا الصَّحَابِيُّ الجَلِيْلُ، وَصَاحَ قَائِلاً: “يَا قَوْمُ.. وَاللهِ إِنَّ الّذِي تَكْرَهُوْنَ لَلَّتِي خَرَجْتُم تَطْلُبُوْنَ، إِنَّها الشَّهَادَةُ..
وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعَدَدٍ، وَلا قُوَّةٍ، وَلا كَثْرَةٍ، مَا نُقَاتِلُهُم إِلا بِهَذَا الدِّينِ الّذِي أَكْرَمَنَا اللهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا، فَإِنَّمَا هِي إِحْدَى الحُسْنَيَيْنِ؛ إِمَّا ظُهُوْرٌ، وَإِمَّا شَهَادَةٌ”.
فَقَالَ النَّاسُ: قَدَ صَدَقَ وَاللهِ.
 
عبد الله بن رواحة

 

غزوة مؤته

والْتَحَمَ الجَيْشَانِ، وَانْتَقَلَتِ الرَّايَةُ مِنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ، مَا كَادَ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ يَسْقُطُ حَتّى تَلَقَّاهَا جَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ.
وَمَا كَادَ جَعْفَرٌ يَسْقُطُ مُقَطَّعَ الأَوْصَالِ حَتَّى تَلَقَّفَهَا هَذَا الصَّحّابِيُّ. هُنَالِكَ أَخَذَهُ بَعْضُ التَّرَدُّدِ، فَانْزَعَجَ وَرَاحَ يَلُوْمُ نَفْسَهُ قَائِلاً:
                    أَقْسَمْتُ يَا نَفْــسُ لَتَنْزِلَنَّه           لَتَنْزِلَـــنَّ أَو لَتَكْرَهِنَّه
                   إِنْ أَجْلَبَ النّاسُ وَشَدُّو الرَّنَّةَ           مَا لِي أَرَاكِ تَكْرَهِيْنَ الْجَنَّة
                   قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّة           هَلْ أَنْتِ إِلاّ نُطْفَةٌ فِي شنة؟!
ثُمّ غَمَزَ جَوَادَهُ، وَخَاضَ بَيْنَ جُيُوْشِ الأَعْدَاءِ وَهُويَهْتِفُ:
                 يَانَفْسِي إِنْ لا تُقْتَلِي تَمُوْتِي        هَذَا حِمَامُ المَوْتِ قَدْ صَلِيْتِ
                وَمَا تَمَنَّيْــتِ فَقَدْ أُعْطِيتِ        إِنْ تَفْعَلِي فِعَالَهَا هُدِيْــتِ

الشهيد

وَكَانَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ قَدْ أَتَاهُ بِقَطْعَةِ لَحْمٍ قَائِلاً لَهُ:
ـ شُدّ بِهَا صُلْبَكَ، فَإِنَّكَ قَدْ لَقِيْتَ فِي أَيَّامِكَ هَذِهِ مَا لَقِيْتَ، فَأَخَذَهَا مِنْ يَدِهِ، فَانْتَهَشَ نَهْشَةً ثُمَّ أَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ، فَتَقَدَّمَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ).
اقرأ أيضا

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال