قصة الصحابى الجليل حنظلة بن أبى عامر الراهب رضى الله عنه

قصة الصحابى الجليل حنظلة بن أبى عامر الراهب رضى الله عنه

قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ” إن صاحبكم تغسله الملائكة “فسألوا أهله: ما شانه؟، فسئلت صاحبته عنه.

فقالت ـ خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة. 

فصار يدعي بـ ” غسيل الملائكة ” رضي الله عنه وأرضاه

صحابي جليل

إذا كان بوسعنا أن نتحدث عن هذا الصحابي الجليل والذي لا يسعنا إلا أن نقول بملء القلـب “رضي الله عنه وأرضاه “.

فعلينا أن نتعرف علي والده أولا، والذي كان من أشد الناس كفرا وعداوة للنبي صلي الله عليه وسلم.  

وشتان ما بين الابن وأبيه، فهذا صحابي جليل، والآخر شيطان في هيئة إنسان !!

 قبل الإسلام

كان ” أبى عامر ”  قبل دخول الإسلام المدينة يقرأ في كتب أهل الكتاب، فعلم أن ثمة نبي قد أظل زمانه، وعرف علاماته.

وتأكد أنه حتما سيأتي، وستكون يثرب هي مدينة النور والتي من خلالها سينتشر ويجوب الآفاق.

يقرأ كثيرا ويسأل أهل الكتاب حتي تيقن من ذلك، وراح يبشر بقدومه، وهو رغم أنه من أثرياء يثرب يملك الجاه والمال والشرف..

إلا أنه ارتضي لنفسه حياة التقشف وارتداء المسوح والتشبه بأهل الكتاب من رهبان النصاري، حتي أطلقوا عليه لقب  أبو عامر الراهب لزهده وورعه.

 وتحققت النبوءة..

وظهر الإسلام، وأقبل موكب النور بكل فرحة وسرور يتجه نحو المدينة لتستضيء بأعز مخلوق مشي علي هذه الأرض.

واحتشد الناس من حوله والابتسامات المضيئة تلمع علي وجوههم المشرقة بنور الإسلام.

كان الناس يهرولون من كل حدب وصوب، والنساء والأطفال يطلون من فوق الأسطح ومن خلف الشرفات.

هذا رسول الله.

أنعم به وأكرم.

وهذا صاحبه الصديق.

أهلا به ومرحبا.

موقفه يوم الهجرة

 أما الراهب أبى عامر فكان من المتوقع أن يكون أول المتسابقين، لينضم إلي أمواج الحفاوة والمحبة، ليعلن بين يدي الحبيب شهادة الحق ويكون طوعا لأمره، لكنه لم يفعل !

فما كاد يسمع عن استقبال الأنصار لرسول الله صلي الله عليه وسلم حتي أشاح بوجهه، ولم يعبأ، وكأن الأمر لا يعنيه فى شىء .

معركة بدر 

وتمضي الأيام ليحدث اللقاء بين المسلمين بقيادة القائد الأول رسول الله صلي الله عليه وسلم وبين أنصار الشيطان بقيادة العدو الأول أبو جهل بن هشام.

ودارت رحي المعركة ليفوز الموحدين وتعلو كلمة الحق وتسحق رؤوس الشر.

كان أبو عامر الراهب يمني نفسه بهزيمة ساحقة تلحق بجيش المؤمنين، لكن الله تعالي أخذله.

فلما وصل خبر النصر ضاق صدره، وظهرت ملامح الغضب علي وجهه فراح يغمغم بكلمات تنم عن حقده الأسود.

 ثم قرر أمرا..

قرر أن يترك المدينة، فقد ضاقت عليه أرضها، ولم يعد يشعر بالارتياح منذ أن دخلها النبي صلي الله عليه وسلم.

توجه نحو مكة، ووضع يده في يد قريش، وتحالف معهم ضد النبي صلي الله عليه وسلم.

نعم، لقد أكلت الغيرة قلبه، واستحوذ الشر على فؤاده وسار يتدفق مع دمائه في كل شرايين جسده..

فأخذ يعينهم علي الموحدين، ويمنيهم بالنصر، حتي أجمعوا أمرهم وقرروا الانتقام .

هنالك كانت ” أحد ” والتى راح عدو الله يبذل قصارى جهده فى الصد عن دين الله وقد ظن الأحمق أن أهل المدينة لا يزالون علي العهد القديم يجلونه ويوقرونه.

الراهب

كما كانوا من قبل يدعونه بالراهب احتراما وتقديرا لتبتله وتقشفه، فتقدم صفوف المشركين.

وراح يهتف بهم ويتحدث إليهم محاولا استمالتهم إليه فلما عرفه الأنصار، أخذوا يسبونه، وقالوا له: يا فاسق. 

فرجع إلي أعوانه من المشركين وهو يجرجر وراءه أذيال الخيبة والخزي قائلا لهم بمرارة :

ـ لقد أصاب قومي شر بعدي..

المنافقون فى المدينة

ازداد غضبا علي غضب، فراح يفكر في وسيلة يقضي بها علي هذا الدين ويتخلص بها من هذا النبي صلي الله عليه وسلم..

فكانت له قصة أخري حيث التقي بعدو آخر للإسلام كان يسكن بالمدينة، إنهم المنافقون.

حمل يده النجسة وذهب إليهم ليضعها في أيديهم، كان يشبه طيور الظلام القبيحة والتي لا تستطيع العيش في مناطق النور، بل هي تسعي دائما لبؤر الظلام.

اتجه من فوره  ـ  بعد أن وضع معهم خطة محكمة ـ إلي هرقل ملك الروم
ليؤلبه علي المسلمين، ويطلب منه العون.

مسجد ضرار

أما خطتهم الشيطانية فكان بناء مسجد يجتمع فيه أذنابه من المنافقين والمرجفين وكل المبغضين للإسلام، وفيه تحاك الدسائس، وتدبر المؤامرات.

فهو علي أية حال سيكون مسجدا يصلي فيه لله، وتقام فيه شعائر الإسلام ولا بأس بأن يقوم بافتتاحه الرسول صلي الله عليه وسلم ليباركه..

ويصبح مكانا مشروعا للالتقاء ووضع الخطط.

لكن الله تعالي فضحهم، وأمر رسوله بإحراق هذا المسجد، بعد أن أنزل فى حقهم قرآنا يتلى إلى يوم القيامة.

قال تعالى:) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿107لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴿108( التوبة.

الابن الصالح تغسله الملائكة 

أما الابن فيكفينا فيه أنه أحد الصحابة الأفذاذ الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فكان رضي الله عنه من أشد الناس حبا لرسول الله صلي الله عليه وسلم.

ولطالما طلب من النبي أن يأذن له بقتل أبيه، فهو يمقته، ويتمني لو تمكن من رأسه فبترها كما تبتر رأس الحية.

غير أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يمنعه من ذلك.

 انه الولاء والبراء، الولاء لله تعالي ولرسوله والمؤمنين، والبراء من كل ما يخالف أمر الله.

*   *   *

غزوة أحد

ومضي رضي الله عنه في طريقه الذي حدده له الإسلام لا يحيد عنه قيد أنملة، كان ينظر إلي النبي صلي الله عليه وسلم نظرة التلميذ المجتهد إلي معلمه، والجندي المخلص إلي قائده النبيل.

ينتظر منه إشارة أو إيماءة لينهض إليه ويقف بين يديه قائلا له بمنتهي الصدق :

ـ لبيك يا رسول الله.

  أما موقفه العظيم رضي الله عنه والذي لا زلنا نستعيد ذكراه العطرة كلما أخذنا الشوق والحنين إلي هؤلاء الرجال الأبطال فهو موقفه يوم أحد.

 كان رضي الله عنه قد تزوج بـ الصحابية الجليلة ” جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول” وكلنا يعرف أباها حق المعرفة، فهو رأس المنافقين وعدو الموحدين.

أما هي فقد كانت تشبه أخاها عبد الله رضي الله عنه وأرضاه، ذهب هذا الصحابي وتزوجها، فأدخلت في الليلة التي في صبيحتها كان قتال أحد..

وكان رضي الله عنه قد استأذن رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يبيت عندها فأذن له.

الشهادة
فلما صلي الصبح غدا يريد رسول الله صلي الله عليه وسلم بأحد ثم مال إلي جميلة فأخذ منها ما يأخذ الرجل من زوجته..

وكانت قد أرسلت إلي أربعة من قومها فأشهدتهم أنه دخل بها، فقيل لها في ذلك، فقالت :

ـ رأيت كأن السماء قد فرجت له فدخل فيها ثم أطبقت . فقلت هذه الشهادة .

حمل رضي الله عنه سلاحه وانطلق يعدو نحو جيش المسلمين، انضم إلي الصفوف.

وراح يقاتل بكل ضراوة وشراسة، وكاد أن يطيح برأس أبيه لولا أن نهاه النبي عن ذلك.

راح يبحث بعينيه عن أشد المشركين شراسة وأعنفهم فكان أبو سفيان فانطلق كالسهم، فضرب فرسه..

فسقط أبو سفيان علي الأرض، وأمسك بسيفه وهم بقتله.

لولا شداد بن الأسود الذى علاه بسيفه فأنقذ أبو سفيان من قتل محقق وقتله هو رضى الله عنه.  

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال