السيرة النبوية للأطفال الجزء الثامن (إلى الرفيق الأعلى) The PropheticBiography: The life story of Muhammad
أصدقائي القراء
واليوم مع الجزء الثامن والأخير من السيرة وهو بعنوان إلى الرفيق الأعلى..
حجة الوداع
عَشَرَاتُ الآلافِ مِنَ النَّاسِ يَطُوفُونَ حَوْلَ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ. كُلُّهُمْ مُسْلِمُونَ.. انْتَهَى عَهْدُ الأَصْنَامِ وَالأَوْثَانِ.. انْتَشَرَ الإِسْلامُ فِى رُبُوعِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ.
إِنَّهُ مَشْهَدٌ مَهِيبٌ لِحِجَّةِ الْوَدَاعِ.. كَانَتْ حُشُودٌ كَثِيفَةٌ وَهَائِلَةٌ مِنَ الْبَشَرِ يُتَابِعُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله يه وسلم وَهُوَ فَوْقَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ.. يَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ يَخْطُبُ فِيهِمْ خُطْبَةَ الْوَدَاعِ.. حَدَّثَهُمْ كَثِيرًا عَنْ خُلُقِ الْمُسْلِمِ، وَآدَابِ الإِسْلامِ الَّتِى يَجِبُ أَنْ يَتَحَلَّوْا جَمِيعًا بِهَا..
عَلَيْهِمْ أَنْ يَترُكُوا الرَّذَائِلَ، وَالأَفْعَالَ السَّيِّئَةَ.. لِيَقْطَعُوا عَلاقَاتِهِمْ بِالرِّبَا. وَأَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَكَانَ مِنْ بَيْنَ مَا قَالَهُ لَهُمْ صلى الله يه وسلم : "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ...أَيَّهُا النَّاسُ إِنَّهُ لا نَبِىَّ بَعْدِي وَلا أُمَّةَ بَعْدَكُمْ،
أَلا فَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، طَيِّبَةٌ بِهَا أَنْفُسُكُمْ، وَتَحُجُّون بَيْتَ رَبِّكُمْ، وَأَطِيعُوا وُلاةَ أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ"..
أداء الأمانة
شَهِدَتْ جُمُوعُ الْحَجِيجِ لِلنَّبِىِّ صلى الله يه وسلم حِيْنَ سَأَلَهُمْ: "هَلْ أَدَّيْتُ الرِّسَالَةَ ؟"
وَهَتَفُوا بِقُوَّةٍ: نَعَمْ، نَشْهَدُ أَنَّكَ بَلَّغْتَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّيْتَ الأَمَانَةَ، وَنَصَحْتَ الأُمَّةَ..
سَأَلَهُمْ ثَانِيَةً: هَلْ بَلَّغْتُ الرِّسَالَةَ؟
قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ..
ثُمَّ سَأَلَهُمُ الثَّالِثَةَ، فَأَجَابُوهُ بِنَفْسِ الإِجَابَةِ..
هُنَا رَفَعَ النَّبِىُّ صلى الله يه وسلم إِصْبَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ.. اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ.. اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ".
فِى أَيَّامِ الْحَجِّ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ) [الْمَائِدَة: 3]، وَعِنْدَمَا سَمِعَهَا عُمَرُ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْكَمَالِ إِلاَّ النُّقْصَانُ.
كَانَ الْمَوْقِفُ فِى غَايَةِ الْمَهَابَةِ وَالْجَلالِ.. شُعُورٌ بِالرَّاحَةِ وَالسَّعَادَةِ تَكْتَسِحُ الْقُلُوبَ لِتَمَامِ الدِّينِ.. وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ شُعُورٌ بِالْمَرَارَةِ وَالْحُزْنِ؛ لأَنَّ النَّبِىَّ قَدْ أَوْمَأَ بِكَلِمَاتٍ لَهَا دِلالَتُهَا أَنَّهُ فِى آخِرَ عَهْدِهِ مَعَهُمْ، وَلَنْ يَلْقَاهُمْ مَرَّةً ثَانِيَةً.
وَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ تَنْعَاهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَهِىَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) [سُورَةُ النَّصْر].
مرض الرسول صلى الله يه وسلم
كَانَتْ كُلُّ الشَّوَاهِدِ تُؤَكِّدُ أَنَّ النبي صلى الله يه وسلم يَقْتَرِبُ مِنَ الْخَاتِمَةِ.. فَفِى رَمَضَانَ الأَخِيرِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا بَعْدَ أَنْ كَانَ يَعْتَكِفُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ.. وَقَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى جِبْرِيلَ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقْرَؤُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً..
وَذَاتَ يَوْمٍ شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله يه وسلم جِنَازَةً، فَلَمَّا رَجَعَ، أَخَذَهُ صُدَاعٌ فِي رَأْسِهِ، وَاتَّقَدَتِ الْحَرَارَةُ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَجِدُونَ حَرَارَتَهَا فَوْقَ الْعِصَابَةِ الَّتِي تُعَصَّبُ بِهَا رَأْسُهُ.
وَهَكَذَا بَدَأَتْ رِحْلَةُ الْمَرَضِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله يه وسلم .
وَبَعْدَ أَيَّامٍ مِنْ مَرَضِهِ صلى الله يه وسلم خَرَجَ النَّبِىُّ صلى الله يه وسلم مُتَوَكِّئًا عَلَى عَلِىٍّ وَالْفَضْلِ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، بَلَغَنِى أَنَّكُمْ تَخَافُونَ مِنْ مَوْتِ نَبِيِّكُمْ، هَلْ خَلَّدَ نَبِىٌّ قَبْلِى فِيمَنْ بُعِثَ، فَأُخَلَّد ُ فِيكُمْ؟ أَلا وَإِنى لاحِقٌ بِرَبِّى، أَلا وَإِنَّكُمْ لاحِقُونَ بِى، فَأُوصِيكُمْ بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ خَيْرًا، وَأُوصِى الْمُهَاجِرِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ.. وَأُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِكُمْ.."
إلى الرفيق الأعلى
كَانَ صلى الله يه وسلم يُوصِى قَبْلَ مَوْتِهِ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا.. وَيُوصِى بِالصَّلاةِ.. ثُمَّ أَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: إِلَى الرَّفِيقِ الأَعْلَى.. إِلَى الرَّفِيقِ الأَعْلَى..
فَارَقَتْ رُوحُ النَّبِيِّ صلى الله يه وسلم الشَّرِيفَةُ الطَّاهِرَةُ جَسَدَهُ صَاعِدَةً إِلَى بَارِئِهَا .. نَعَمْ .. مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله يه وسلم ..
لَمْ يُصَدِّقِ الصَّحَابَةُ الْخَبَرَ.. قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَدِ اسْتَلَّ سَيْفَهُ، وَزَأَرَ بِغَضَبٍ قَائِلاً: لا، لَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللهِ صلى الله يه وسلم .. وَاللَّهِ لَيَرْجَعَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله يه وسلم ، فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَاتَ.
وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه ، فَدَخَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله يه وسلم ، وَهُوَ مُغَشَّى بِثَوْبِهِ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَبَكَى، ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صلى الله يه وسلم فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ.
وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ. قَالَ تَعَالَى: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) [آلُ عِمْرَانَ: 144] ".. لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ حَتَّى تَلاهَا أَبُو بَكْرٍ ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ يَتْلُوهَا.
الخلق العظيم
كَانَ صلى الله يه وسلم : أَحْلَمَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَأَعْدَلَ النَّاسِ، وَأَعَفَّ النَّاسِ، وَأَسْخَى النَّاسِ، وَكَانَ يَخْصِفُ النَّعْلَ، وَيُرَقِّعُ الثَّوْبَ، وَيَخْدِمُ فِى مِهْنَةِ أَهْلِهِ. وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً، لا يُثَبِّتُ بَصَرَهُ فِى وَجْهِ أَحَدٍ.
كَانَ صلى الله يه وسلم يُجِيبُ دَعْوَةَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَيَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَلَوْ جَرْعَةَ لَبَنٍ، وَيُكَافِئُ عَلَيْهَا، وَيَأْكُلُهَا وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمِسْكِينِ. يَغْضَبُ لِرَبِّهِ وَلا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ. وَيُنْفِذُ الْحَقَّ وَإِنْ عَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَصْحَابِهِ بِالضَّرَرِ.
كَانَ صلى الله يه وسلم يَعُودُ الْمَرْضَى، وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ، وَيَذْهَبُ إِلَى بُيُوتِ الْمَسَاكِينِ لِيُعَزِّىَ الْمُصَابِينَ، وَيُوَاسِى الْمَنْكُوبِينَ، وَيَمْشِى وَحْدَهُ بَيْنَ أَعْدَائِهِ بِلا حَارِسٍ.
وَلَمْ يُرَ أَكْرَمُ مِنْهُ لِضَيْفِهِ، وَكَانَ لا يَأْكُلُ وَحْدَهُ، بَلْ يَدْعُو أَصْحَابَهُ لِيَأْكُلُوا مَعَهُ.
كَانَ صلى الله يه وسلم أَرْحَمَ النَّاسِ بِعِيَالِهِ، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بِالصِّبْيَةِ يُقْرِؤُهُمُ السَّلامَ وَيُقَبِّلُهُمْ وَيَلْتَزِمُهُمْ، وَيَكْنِيهِمْ، فَيَسْتَليِن بِهِ قُلُوبَهُمْ.
وَكَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ غَضَبًا، وَأَسْرَعَهُمْ رِضًا، وَكَانَ أَرْأَفَ النَّاسِ بِالنَّاسِ، وَخَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، وَأَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ.
انتشار الإسلام
كَانَ الصَّحَابَةُ رضى الله عنه ـ بَعْدَ وَفَاةِ نَبِيِّهِمْ صلى الله يه وسلم - يَعْمَلُونَ قَصَارَى جُهْدِهِمْ لِنَشْرِ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.. كَانُوا قَدْ تَرَبَّوْا عَلَى مَائِدَةِ أَعْظَمِ الْخَلْقِ، وَتَشَرَّبُوا الإِيمَانَ النَّقِىَّ مِنْ يَنْبُوعِهِ الصَّافِى، فَحَمَلُوا لِوَاءَ الدَّعْوَةِ، وَانْطَلَقُوا
فِى رُبُوعِ الأَرْضِ يِدْعُونَ إِلَى دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُجَاهِدُونَ فِى اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَى أَيْدِيهِمُ الْبِلادَ وَقُلُوبَ الْعِبَادِ، وَكَانُوا خَيْرَ نَمَاذِجَ
تُمَثِّلُ دِينَ اللهِ.
وَعَلَى أَيْدِى هَؤُلاءِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ وَصَلَ الإِسْلامُ إِلَيْنَا..