في الصباح الباكر حمل أحمد حقيبته، وخرج من منزله متوجها إلى مدرسته، وعندما ركب السيارة جلس بجوار صديقه حازم بعد أن ألقى عليه تحية الإسلام.
وجد أحمد حازما متضايقا ويبدو عليه الكسل والنوم.
فقال له: أين الهمة والنشاط يا حازم، لماذا تبدو متكاسلا هكذا؟!
– قال حازم: كل يوم يا أحمد نقوم في الصباح، ونذهب إلى المدرسة، ولقد تعبت من هذا، وأريد أن أنام كثيرا وأستريح.
فكر أحمد في كلام حازم ثم سأله: لماذا تذهب إلى المدرسة يا حازم؟
– حازم: أذهب إلى المدرسة لأن والدتي توقظني كل يوم لكي أذهب إلى المدرسة.
– أحمد: نحن نذهب إلى المدرسة يا حازم، لنطلب العلم، وطلب العلم فريضة، ألا تعلم أن للعم نزلة عظيمة في الإسلام، فأول آية نزلت في القرآن: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) (العلق:1)، وأقسم الله سبحانه بأداة الكتابة وهي القلم، فقال تعالى: ( ن والقلم وما يسطرون ) ( القلم:1).
وهنا وصلت السيارة إلى باب المدرسة، فنول أحمد وحازم، ووقفنا في فناء المدرسة ينتظران حتى يبدأ طابور الصباح، وبينما أحمد وحازم واقفان في الفناء إذ بصديقهما مجدي يقطف زهرة من حديقة المدرسة، فغضبا منه وقال له أحمد: إن هذه الورود والأشجار تزين المدرسة وتجعل المكان جميلا، وهذه الوردة التي قطفتها سوف تذبل وتموت بعد قليل.
وقال له حازم: لو أنك تركتها ولم تقطفها لظلت حية واستمتعنا بها جميعا وهي في شجرتها، فحافظ يا مجدي على الخضرة وعلى نظافة وتجميل مدرستك.
شعر مجدي بالخطأ والخجل، واعتذر لهما عن ذلك، ووعد أنه لن يفعل ذلك مرة أخرى.
– أحمد: لقد اشتركت في جماعة الحفاظ على نظافة المدرسة، ونحن نقوم بتنظيفها وتجميلها .
حازم: لقد رأيت جهودكم وسوف اشترك معكم في تنظيف مدرستنا.
مجدي: وأنا سوف أشترك مع جماعة الخطوط، وارسم لوحات جميلة وأساهم في تجميل مدرستي وفصلي.
– أحمد: لقد أعددت كلمة عن آداب العلم وسوف ألقيها اليوم في طابور الصباح أنا وطارق وخالد.
– حازم: لقد ذكرتني يا أحمد بحديث أخذناه في مادة التربية الدينية عن فضل العلم ومكانته العالية التي توصل صاحبها إلى الجنة، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريق إلى الجنة) ( رواه البخاري وأبو داود و الترمذي).
– أحمد: أحسنت يا حازم، وأنا أيضا أحفظ حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصحابي صفوان بن عسال المرادي – رضي الله عنه- يقول: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد متكيء على برد أحمر، فقلت له: إني جئت أطلب العلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مرحبا بطالب العلم، إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها ) (رواه أحمد والطبراني).
– مجدي: ولكن يا أحمد هذا الثواب العظيم والأجر الكبير يكون لي عندما أطلب العلم في المدرسة أيضا؟! أم أن ذلك مقصورا على علوم الدين فقط؟!
– أحمد: لقد سمعت في خطبة الجمعة أن العلم ينسم إلى نوعين: فرض عين وفرض كفاية، فالأول ينبغي على كل مسلم أن يعرفه مثل: العقيدة، كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، والعبادة كالصلاة وما يلزم لها من الوضوء والطهارة، والصيام والحج وغيرها.
والعلم الثاني فرض كفاية مثل باقي العلوم والتخصصات الدقيقة ومعرفة ما تصلح به الحياة من علوم الزراعة والصناعة والطب وغيرها.
وهنا بدأ طابور الصباح فوقف أحمد وحازم في الصف بهمة ونشاط، وأديا تمارين الصباح، وبدأت فقرة الإذاعة المدرسية، فوقف أحمد أمام الطلاب ليلقي كلمة في طابور الصباح فقال:
( إخواني الطلاب سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، سوف نتحدث عن بعض الآداب والسلوك التي ينبغي علينا أن نحرص عليها في طلبنا للعلم، ويجب علينا أولا أن نتحلى بالإخلاص، فلا يتعلم أحدنا بنية حب الظهور والسيطرة وإنما تكون نيته طلب العلم النافع الذي يفيده ويفيد المجتمع من حوله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى ) ( متفق عليه).
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من العلم الضار الذي لا ينفع فيقول في دعائه: ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع، ودعاء لا يسمع ) ( رواه أحمد والحاكم وابن حبان).
ويقول الشاعر:
ما أكثر العلم وما أوسعه من ذا الذي يقدر أن يجمعه
إن كنت لا بد طالبا محاولا فالتمس أنفعه
ولابد من احترام المعلم، وذلك لأن للمعلم فضلا كبيرا علينا، وقد قال الشاعر أحمد شوقي:
قم للمعلم ووفيه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
أرأيت أفضل أو أجل من الذي يبني وينشء أنفسا وعقولا
وهناك قصة للصحابي ابن عباس مع أستاذه الصحابي زيد بن ثابت – رضي الله عنه- فقد أراد زيد بن ثابت أن يركب فرسه، فإذا بابن عباس يمسك بيده الركاب الذي يضع فيه الراكب رجله ليصعد، فقال له زيد: ما هذا يا ابن عم رسول الله؟ فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نصنع بعلمائنا.
وعلينا أن نحترم مجالس العلم، فنجلس بأدب ووقار، وننصت إلى المعلم والأستاذ أثناء شرح الدروس، ولا نلتفت أو نضحك، ولا نسخر من زملائنا الذين يخطئون، ولا نتحدث أو نسأل إلا بعد الاستئذان، وقد أوصى الحسن ابن على وصلده أن ينصت ويحسن الاستماع ليستفيد من العلم، فقال له: يا بني إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الصمت.
ومع طارق يحدثكم عن أهمية الحفظ والكتابة.
– طارق: الحفظ مهم في طلب العلم والمذاكرة، ولابد أن يكون ذلك الحفظ ناتجا عن فهم وتدبر، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) ( رواه الترمذي ).
وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أهمية الحفظ في طلب العلم والمذاكرة .
وفي ذلك يقول الإمام الشافعي:
علمي معي حيثما يممت يتبعني
قلبي وعاء له لا بطن صندوق
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي
أو كنت في السوق كان العلم في السوق.
والكتابة تفيد وتقوى الحفظ، وقد قيل: قيدوا العلم بالكتابة، وقيل العلم صيد والكتابة قيد.
فيجب علينا أن نهتم بكتابة ما تعلمناه حتى لا ننساه.
ومع صديقى خالد ليكمل لنا آداب طلب العلم.
– خالد: على الإنسان أن يسعى في طلب العلم منذ الصغر، وقد قيل: اطلبوا العلم من المهم إلى اللحد.
والعم والمذاكرة تحتاج إلى مداومة واستمرار، لأن العلم كثير، والعمر قصير، ولذا يجب علينا أن نتحلى بالصبر على مشقة العلم، والذهاب إلى المدرسة ومجالس العلم، ومذاكرة الدروس، فالصبر والإيمان هما العون على كل ما نلاقي من متاعب وآلام.
وإليكم هذه القصة التي توضح لنا مدى الجهد والمشقة التي كان يتحملها العلماء في طلب العلم والسعي في تحصيله، فهذا الصحابي جابر بن عبد الله – رضي الله عنه- يقول: بلغني عن رجل حديث سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا إليه، فسرت إليه شهرا حتى قدمت الشام، فوجدته عبد الله ابن أنيس – رضي الله عنه- فاعتنقني واعتنقته، فقلت حديث بلغني عنك أنك سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن اسمعه، فذكر له عبد الله بن أنيس الحديث ( رواه أحمد والترمذي).
وهنا يقول الشعبي: لو أن رجلا سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ليسمع كلمة حكمة ما رأيت أن سفره ضاع.
وهذا عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما- كان يحب طلب العلم منذ صغره، وبعد أن توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، اهتم ابن عباس بسؤال الصحابة عن أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلما علم أن رجلا يعرف حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إليه، فإذا وجده نائما وقت الظهيرة جلس على بابه وانتظر حتى يستيقظ، فتكسوه ريح الصحراء بالتراب.
وعندما خر الصحابي إلى ابن عباس يقول له: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك، فيقول ابن عباس: لا أنا أحق أن آتيك، فأسألك عن الحديث ( راوه الحاكم).
والآن مع أحمد ليختم لنا الحديث عن طلب العلم.
– أحمد إخواني الطلاب: لابد من العمل بالعلم، فقد ذم الله سبحانه أناسا لا يعلمون بعلمهم وشبههم بالحمير التى تحمل الكتب ولا تفهم ما فيها، قال تعالى: ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفار) ( الجمعة:15)، وقال تعالى: ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)( البقرة:44).
وعلينا أيها الزملاء أن نطلب العلم بجد واجتهاد، وأن نحرص على المذاكرة وأن نهتم بها، وذلك بتنظيم الوقت وإعطاء النفس حقها من الراحة، وأن نختار الوقت المناسب للمذاكرة ونقسم وقت المذاكرة على جميع العلوم، كما يجب ترتيب الكتب وتنظيمها، وأن نذاكر في مكان هادئ وافر الإضاءة مع تجنب المذاكرة في الفراش، لأن ذلك النعاس والنوم .
نختم كلامنا بقول معاذ بن جبل – رضي الله عنه-: ( تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد،وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة).
وفي نهاية الإذاعة المدرسية أعلن خالد أن أحد الزملاء وجد كتابا قد وقع من صاحبه، وعليه أن يأتي لاستلامه بعد طابور الصباح.
وبعد أن انتهت الإذاعة المدرسية من فقرتها ورجع أحمد وزملاؤه إلى أماكنهم وانتهر طابور الصباح صعد التلاميذ إلى فصولهم.
وسار أحمد بجوار صديقه حازم في نظام من غير أن يتسابقا مع زملائهم أو يدفعا أحد منهم أثناء الصعود إلى الفصل، ولما دخل أحمد الفصل وجد المقعد الذي يجلس عليه الأستاذ قد وقع عن المكتب، فأخذه ونظفه بمنديل من الورق ووضعه في مكانه.
جلسا أحمد وحازم في الفصل يستمعان إلى شرح الأستاذ، ويكتبان ما يمليه عليهما حتى جاء وقت الراحة، فدق الجرس وخرج التلاميذ إلى فناء المدرسة، وذهب أحمد ليقضيا هذا الوقت في مكتبة المدرسة، وبينما هما يبحثان عن بعض الكتب المفيدة وجدا بعض الكتب المقطوعة، فأخذا هذه الكتب وسلماها إلى أمين المكتبة ليصلحها، ثم جلسا يقرآن حتى دق الجرس فصعدا إلى الفصل.
وفي طريقهما إلى الفصل وجدا زميلهما خالدا يحمل الكتب الدراسية التى استلمها الآن من المدرسة، ولا يستطيع أن يحملها، وقد وقع بعضها منه، فقال أحمد لحازم: هيا نساعد صديقنا خالدا في حمل الكتب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه) ( رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة).
أسرع حازم و أحمد إلى خالد وحملا عنه بعض الكتب، حتى وضعها خالد في حقيبته وشكرهما وقال لهما: جزاكما الله خيرا.
وبعد انتهاء اليوم الدراسي خرج أحمد من فصله هو وزملاؤه، وأخذوا الورق الصغير الذي ألقي في الفصل فوضعوه في سلة القمامة، وخرجوا من مدرستهم ورجعوا إلى منازلهم.
التسميات
قصص