قصص للاطفال عن الاخلاق.. الصدق
اليوم مع سلسلة قصص للاطفال عن الاخلاق، ومع الكتاب الأول وهو كتاب الصدق..
الصِّدْقُ هوَ قَوْلُ الْحَقِّ وَمُطَابَقَةُ الْكَلاَمِ لِلْوَاقِعِ. وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالصِّدْقِ، فَقَالَ:” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ” [التوبة: 119].
وَالصِّدْقُ كَانَ صِفَةً لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ كَانَ قَوْمُهُ ينَادُونَهُ بِالصَّادِقِ الأَمِينِ، وَلَقَدْ قَالَتْ لَهُ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عِنْدَ نزُولِ الْوَحْيِّ عَلَيْهِ: إِنَّكَ لَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ.
وَلِلْخُلُقِ الصِّدْقِ فَضْلٌ كَبِيرٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، فَقَدْ أَثْنَى اللهُ عَلَى الصَّادِقِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: “قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” [المائدة:119].
كَمَا أَنَّ الصِّدْقَ طمَأْنِينَةٌ، وَينَجِّي صَاحِبَهُ..
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَحَرُّوا الصِّدْقَ وَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنَّ فِيهِ الْهَلَكَةَ، فَإِنَّ فِيهِ النَّجَاةَ) [ابن أبي الدنيا].
وَفِي الْمقَابِلِ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَذِبِ، فَقَالَ: (وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ ليضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ؛ فَيَكْذِبْ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ) [الترمذي].
الصِّدْقُ مَعَ اللهِ
جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَعْرَابِ إِلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَعضَ الْغَنَائِمِ، وَقَسَمَ لِذَلِكَ الأَعْرَابِي.
فَلَمَّا رَأَى الأَعْرَابِي نَصِيبَهُ مِنَ الْغَنَائِمِ، قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قَسَمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فذَهَبَ إِلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ -، وَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنَّنِي اِتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أرْمِي إِلَى هَا هنَا – وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ – فَأَمُوتُ فَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ تَصْدُقَ اللهَ يَصْدُقُكَ).
وَفِي غَزْوَةٍ أخْرَى قتِلَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ بِسَهْمٍ فِي حَلْقِهِ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (أَهوَ هوَ؟) قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ).
ثمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ثمَّ صَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي صَلاتِهِ: (اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فقتِلَ شَهِيدًا، أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ).
الصِّدْقُ فِى الْعَهْدِ
حَكَى لَنَا أَنَسُ بنُ مَالِكِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قِصَّةَ عَمِّهِ أَنَسَ بنِ النَّضرِ، فَقَالَ: لَمْ يَشْهَدْ أَنَسُ بْنُ النَّضرِ غَزْوَةَ بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَزِنَ حزْنًا شَدِيدًا.
وَقَالَ: أَوَّلُ غَزْوَةٍ شَهِدَهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغِيبُ عَنْهَا!! وَاللهِ لَئِنْ أَرَانِي اللهُ غَزْوَةً أخْرَى مَعْ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ليَرَيَنَّ اللهُ مَا أَصْنَعُ.
فَلَمَّا جَاءَتْ غَزْوَةُ أحُدٍ خَرَجَ أَنَسُ بْنُ النَّضرِ مَعَ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي الْغَزْوَةِ، فَقَاتَلَ بِكُلِّ شَجَاعَةٍ، فَسَأَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا أَبَا عَمْروٍ، إِلَى أَيْنَ؟
فَقَالَ أَنَسُ: إِنِّي أَشُمُّ رِيحَ الْجَنَّةِ!! أَجِدُهَا دونَ أحُدٍ.
فَقَاتَلَ حَتَّى قتلَ، فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ، فَمَا عَرفَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ بِبَنَانِهِ.
وَنَزَلَ فِيهِ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:}مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا{ [الأحزاب:23].
الطِّفْلُ الصَّادِقُ
كَانَ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجِيلاَنِي طِفْلاً صَغِيرًا لاَ يَكْذِبُ أَبَدًا، وَذَاتَ يَوْمٍ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَغْدَادَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ، فَأَعْطَتْهُ امُّهُ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، وَعَاهَدَهَا عَلَى الصِّدْقِ.
وَلَمَّا وَصَلَتِ الْقَافِلَةُ أَرْضَ هَمْدَان خَرَجَ عَلَيْهِمْ لصوصٌ، فَأَخَذُوا الْقَافِلَةَ، فَمَرَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ: مَا مَعَكَ؟ فَقَال: أَرْبَعُونَ دِينَارًا.
فَظَنَّ اللِّصُ أَنَّ عَبْدَ الْقَادِرِ يَهْزَأُ بِهِ، فَتَرَكَهُ، فَرَآهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: مَا مَعَكَ؟
فَقَالَ عَبْدُ الْقَادِرِ: مَعِي أَرْبَعُونَ دِينَارًا.
فَأَخَذَهُ إِلَى الأَمِيرِ، فَقَالَ الأَمِيرُ: مَا الَّذِي جَعَلَكَ تَقُولُ الصِّدْقَ؟
قَالَ: عَاهَدَتْنِي أمِّي عَلَى الصِّدْقِ، فَأَخَافُ أَنْ أَخُونَ عَهْدَهَا.
فَبَكَى أَمِيرُ اللُّصُوصِ، وَقَالَ: أَنْتَ تَخَافُ أَنْ تَخُونَ عَهْدَ أمِّكَ، وَأَنَا لاَ أَخَافُ أَنْ أَخُونَ عَهْدَ اللهِ! ثمَّ أَمَرَ بِرَدِّ مَا أَخَذُوهُ مِنَ الْقَافِلَةِ، وَقَالَ: أَنَا تَائِبٌ للهِ عَلَى يَدَيْكَ.
فَقَالَ مَنْ مَعَهُ: أَنْتَ كَبِيرُنَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَأَنْتَ الْيَوْمَ كَبِيرُنَا فِي التَّوْبَةِ، فَتَابُوا جَمِيعًا.
عاقبة الكذب
وَيحكَى أَنَّ طِفْلاً كَانَ كَثِيرَ الْكَذِبِ، سَوَاءً فِي الْجَدِّ أَوِ الْمُزَاحِ.
وَفِي إِحْدَى الْمَرَّاتِ كَانَ يَسْبَحُ بِجِوَارِ شَاطِئِ الْبَحْرِ وَتَظَاهَرَ بِأَنَّهُ سَيَغْرَقُ، وَظَلَّ ينَادِي أَصْحَابَهُ: أنْقِذُونِي.. أَنْقِذُونِي.. إِنِّي أغرَقُ..
فَجَرَى زمَلاؤُهُ إِلَيْهِ لِينقِذُوهُ، فَإِذَا بِهِ يَضْحَكُ لأَنَّهُ خَدَعَهُمْ، وَفَعَلَ مَعَهُمْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ.
وَفِي إِحْدَى هَذِهِ الْمَرَّاتِ اِرْتَفَعَ الْمَوْجُ، وَكَادَ الطِّفْلُ أَنْ يَغْرَقَ، فَأَخَذَ ينَادِي وَيَسْتَنْجِدُ بِأَصْحَابِهِ، لَكِنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَكْذِبُ عَلَيْهِمْ كَعَادَتِهِ..
فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ حَتَّى جَرَى أَحَدُ النَّاسِ نَحْوَهُ وَأَنْقَذَهُ.
فَقَالَ الْوَلَدُ لأَصْحَابِهِ: لَقَدْ عَاقَبَنِي اللهُ عَلَى كَذِبِي عَلَيْكُمْ، وَلَنْ أَكْذِبَ بَعْدَ الْيَوْمِ.
وَبَعْدَهَا لَمْ يَعُدْ هَذَا الطِّفْلُ إِلَى الْكَذِبِ مَرَّةً أخْرَى.
الرَّجُلُ وَالْعَالِمُ
يحكَى أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَعْصِي اللهَ – سبْحَانَهُ – وَكَانَ كَثِيرَ الْعُيُوبِ، فَحَاوَلَ أَنْ يصْلِحَهَا، فَلَمْ يَسْتَطِعْ..
فَذَهَبَ إِلَى عَالِمٍ، وَطَلَبَ مِنْهُ وَصِيَّةً يعَالِجُ بِهَا عيُوبَهُ، فَامَرَهُ الْعَالِمُ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنِ الْكَذِبِ، وَأَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، وَأَخَذَ مِنَ الرَّجُلِ عَهْدًا عَلَى ذَلِكَ.
وَبَعْدَ فَتْرَةٍ أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا فَاشْتَرَاهَا وَمَلأَ كَأْسًا مِنْهَا، وَعِنْدَمَا رَفَعَهَا إِلَى فَمِهِ، قَالَ: مَاذَا أَقولُ لِلْعَالِمِ إِنْ سَأَلَنِي؛ هَلْ شَرِبْتَ خَمْرًا؟ فَهَلْ أكْذِبُ عَلَيْهِ؟ لاَ، لَنْ أَشْرَبَ الْخَمْرَ أَبَدًا.
وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَنْبًا آخَرَ، لَكِنَّهُ تَذَكَّرَ عَهْدَهُ مَعَ الْعَالِمِ بِالصِّدْقِ، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الذَّنْبَ، وَكلَّمَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يفْعَلَ ذَنْبًا اِمْتَنَعَ عَنْ فِعْلِهِ حَتَّى لاَ يَكْذِبُ عَلَى الْعَالِمِ، وَبِمرُورِ الأَيَّامِ تَخَلَّى الرَّجُلُ عَنْ كُلِّ عيوبِهِ بِفَضْلِ تَمَسُّكِهِ بِخلُقِ الصِّدْقِ.
التسميات
قصص