دع القلق وانطلق.. الصفح الجميل

قصة لطفلك
هناك الصبر الجميل ، وأيضًا الهجر الجميل ، ومعهما الصفح الجميل . 

ما أجمل تلك المصطلحات التي زينت بها الوجود أخلاقيات الإسلام الرائعة وقيمه الشامخة ، من خلال نماذج حية ومثالات ملموسة ومواقف مشهودة ، فاقت في دلالتها روائع البيان ومحاسن البنان. 
ذكر لي أحد الأحبة أن أمرًا ما أرقه وشغل لبه ، وملك عليه كيانه ، إثر هفوة صدرت من أحدهم ، وظلت تلح على حبيبنا حتى استقل سيارته . وما أن أدار المذياع حتى سكنت روحه بعذوبة قوله تعالى ” وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل ” ، عندها حلت الراحة الغامرة محل الألم الممضي ، وبددت أنوار السكينة ظلمة الهم المقيم ، وكأن شيئًا لم يكن ، وولت المشاعر السلبية الأدبار وغادرت النفس إلى غير رجعة . 
ترى كم هي الصغائر والهفوات التي تستنزف قوانا وتهدر طاقاتنا وتكدر صفو نفوسنا ، وعلاجها بين أيدينا ، بأن نتعالى عليها ، ونجعل منها طبقات تحت أقدامنا ، نسمو بها على همزات الشياطين حين تحضرنا ونزغات النفوس حين تأمرنا . 
وإذا كان البشر قد استطاعوا في عالم المادة أن يستفيدوا من النفايات من خلال ما يعرف ” بتدويرها ” ، فإن عالم المعاني والمشاعر أولى بهذا أو أحق . فالكلمة القاسية قوة للظهر ، والصخرة التي تلقى في طريقنا جسر نعبر عليه ، والأحجار لبنات لصروحنا ، أما الافتراءات الظالمة فأوسمة على صدورنا ونياشين على أكتافنا ، إذا نحن مضينا دون أن نلتفت إليها . 
تقول بعض الدراسات الطبية : إن الهفوات الصغيرة هي التي تتسبب في نصف أمراض القلب السائد في العالم ، والإنسان العاقل هو الذي يسأل نفسه دائمًا ، ماذا لو تفرغ كل منا لتحليل التوافه والوقوف على السفاسف ، متى سوف نعيش إذن حياتنا ، أو نحقق أهدافنا ، أو متى سوف نشيد آمالنا ، ونبني طموحاتنا . 
من هنا تأتي أهمية الصفح الجميل ، والتجاوز السامي والإعراض الحسن . إن الله عز وجل خلقنا في هذه الحياة لنعيش فيها أيامًا محددة نعمر فيها كونه ، ونقيم صرح القيم ، وننشئ أمة السعادة ، ونضع عن الإنسانية إصرها والأغلال التي كانت عليها ، فقل لي بربك ، كيف يسمح من كانت هذه مهمته وذلك فحوى رسالته لصارف أن يصرفه عنها أو لعابث أن يعوقه عن بلوغها؟  

وهل من الحصافة أن نمضي ساعات طويلة من الحزن والقلق لأمور ننساها بعد مرور الزمن ؟  
فلنكرس إذن حياتنا للقيام بالأعمال المفيدة ، والأفكار العظيمة ، والمشاعر الإيجابية البناءة ، ونتحمل أعباء الحياة . 

إن كل ما نحتاجه في كثير من الأحيان هو التغلب على الضيق ، وذلك بتحويل اهتمامنا والتفكير بالأشياء التي تجلب القوة والسرور إلى نفوسنا ، وأن الأمر يسير إذا التفت الإنسان إلى منجزاته التي سوف يحققها وهو ينطلق نحو المعالي ، في الوقت نفسه الذي يلحظ فيه كم من الطاقات التي سوف يبددها إذا هو ظل أسير الهفوات وحبيس الصغائر. إن مثل هذه المقارنة لجديرة بأن تحول سلوكنا تمامًا ، وتنقله من دوائر الانتقام والتدقيق والتعمق والإرهاق إلى الدائرة الأرحب والميدان الأفسح، ألا وأنها دائرة الصفح الجميل. 
وما كان يمكن للعظماء والمبدعين أن يسطروا على صفحات البشرية آيات المجد، ويؤسسوا معالم التقدم وأيديهم مغلولة بصغائر الأمور وتوافه الأشياء . 
لقد تيقنت نفوسهم أنهم لغير هذا خلقوا ، إنهم لم يشيدوا هذه الحضارة إلا بتجاوزهم عن كل منغصات ، ربما حاولت صرف هممهم العالية عن أهدافها لكنها عجزت ، إن كل هؤلاء العظماء ــ وعلى رأسهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ــ هم جميعهم أبناء لهذه المدرسة العظيمة ، مدرسة الصفح الجميل . اللهم اجعلنا من أبناء هذه المدرسة .

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال