حكاية قبل النوم القرد المغرور

حكاية قبل النوم القرد

حكاية قبل النوم القرد المغرور

اليوم نقدم لكم حكاية قبل النوم القرد المغرور.

كانَ هنَاكَ غَابَةٌ وَاسِعَةٌ وَجَمِيلَةٌ.. أَشْجَارُهَا كَثِيرَةٌ، وَأَزْهَارُهَا رَائِعَةٌ، وَهنَاكَ نَهْرٌ يَجْرِي وَسَطَهَا..

وَكَانَتْ حَيَوَانَاتُ تِلْكَ الْغَابَةِ متَعَاوِنَةً، وَيحِبُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيَعِيشُ الْجَمِيعُ فِي سَعَادَةٍ.

وكَانَ الأَرْنَبُ إِذَا أَرَادَ عبُورُ النَّهْرِ؛ حَمَلَهُ التِّمْسَاحُ عَلَى ظَهْرِهِ إِلَى الشَّاطِئِ الآخَرِ..

في حين كَانَ الْفِيلُ الضَّخْمُ يَلُفُّ خُرْطُومُهُ الْقَوِيُ حَوْلَ أَيَّةِ شَجَرَةٍ؛ فَيَهُزُّهَا حَتَّى تَسْقُطَ ثِمَارُهَا، وَيَأْكُلُوهَا..

وَإِذَا مَرِضَ أَحَدُهَا؛ وَقَفُوا بِجِوَارِهِ وَسَاعَدُوهُ حَتَّى يَشْفَى.. أَمَّا الثَّعْلَبُ وَالذِّئْبُ، فكَانَا يَحْرُسَانِ الْجَمِيعَ أَثْنَاءَ النَّوْمِ.

وَفِي الْمَسَاءِ كَانَتْ كلُّ الْحَيَوَانَاتِ تَجْتَمِعُ مَعًا، حَيْثُ تَتَسَامَرُ وَتَلْعَبُ وَتَضْحَكُ.. كَانَتِ الْحَيَاةُ جَمِيلَةً.. وَلَمْ تَكُنْ هنَاكَ أَيَّةُ مَشَاكِلَ، إِلاَّ مشْكِلَةً وَاحِدَةً، فِي حَيَوَانٍ وَاحِدٍ!

حكاية قبل النوم القرد

القرد المغرور

إِنَّهُ الْقِرْدُ.. نَعَمْ.. فَقَدْ كَانَ مَغْرُورًا، وَمعْجَبًا بِنَفْسِهِ إِلَى دَرَجَةِ الْكِبْرِيَاءِ.. يحِبُّ الاِنْعِزَالَ عَنْ بَقِيَّةِ الْحَيَوَانَاتِ، وَيفَضِّلُ الْعَيْشَ بِمُفْرَدِهِ، وَلاَ يؤْمِنُ بِالتَّعَاوُنِ وَلاَ الاِتِّحَادِ..

وَكَانَ الْجَمِيعُ يَعْرِفُ عَنْهُ ذَلِكَ، وَيَحْزَنُونَ مِنْ أَجْلِهِ.

 وَذَاتَ لَيْلَةٍ، اِجْتَمَعَتْ حَيَوَانَاتُ الْغَابَةِ كَعَادَتِهَا.. وَتَصَادَفَ أَنْ مَرَّ عَلَيْهَا الْقِرْدُ الْمَغْرُورُ..

فَنَادَتْ عَلَيْهِ الْغَزَالَةُ وَسَأَلَتْهُ: لِمَاذَا لاَ تَأْتِي وَتَجْلِسُ مَعَنَا؟!

فَرَدَّ عَلَيْهَا: وَلِمَاذَا أَجْلِسُ مَعَكُمْ؟

فَقَالَتْ لَهُ السُّلَحْفَاةُ: نرِيدُ أَنْ نَتَحَدَّثَ مَعَكَ، فَنَحْنُ لاَ نَرَاكَ كَثِيرًا..

وَهنَا سَأَلَهُ الْفِيلُ: وَكَانَ حَكِيمًا، لِمَاذَا تَعِيشُ منْعَزِلاً عَنَّا هَكَذَا؟ إِنَّهُ لاَ أَحَدَ يمْكِنُهُ الْعَيْشُ بِمُفْرَدِهِ مِثْلَمَا تَفْعَلُ..

قَالَ الْقِرْدُ: أَنَا سَعِيدٌ بِحَيَاتِي جِدًا.. فَلاَ أَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ.. وَلَيْسَتْ عِنْدِي مَشَاكِلُ.

فَقَالَ لَهُ الثُّعْبَانُ، غَاضِبًا مِنْ كَلاَمِهِ: لاَبُدَّ مِنْ أَنْ تَتَعَاوَنَ مَعَ الْجَمِيعِ..

 أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ الاِتَّحَادَ قوَةٌ؟

حيلة ودرس

 قَالَ الْقِرْدُ سَاخِرًا: تعَاوَنُوا أَنْتُمْ مَعْ بَعْضِكُمْ الْبَعْضِ.. أَمَّا أَنَا فَأَحْصُلُ عَلَى طَعَامِي بِكُلِّ سهُولَةٍ.. أَتَسَلَّقُ أَيَّ شَجَرَةٍ وَأَحْصُلُ عَلَى ثِمَارِهَا..

وَأَعْبُرُ النَّهْرِ قَفْزًا عَلَى عَصَا طَوِيلَةٍ.. ثمَّ إِنَّنِي سَرِيعٌ جِدًا.. أَمَّا ذَكَائِي فَخَارِقٌ، وَمَهَارَتِي عَالِيَةٌ لِلْغَايَة.

 اِسْتَمَعَ الأَرْنَبُ إِلَى الْحَدِيثِ الَّذِي لَمْ يعْجِبْهُ، وَقَالَ فِي سِرِّهِ: مَا الْعَمَلُ مَعْ هَذَا الْقِرْدِ وَغرِورِهِ وَتَكَبُّرِهِ؟!

لاَبُدَّ مِنْ حِيلَةٍ مَا لإِقْنَاعِهِ بِالتَّعَاوُنِ وَالْعَيْشِ بَيْنَنَا.

 صَاحَ الْفِيلُ قَائِلاً: اِسْمَعْ أَيُّهَا الْقِرْدُ.. إِنَّنَا نرِيدُ مِنْكَ خِدْمَةً؛ كَيْ تثبِتَ لَنَا أَنَّكَ ذَكِيٌ وَمَاهِرٌ وَسَرِيعٌ، كَمَا قلْتَ.

 قَالَ الْقِرْدُ: أَيَّةُ خِدْمَةٍ ترِيدُونَ!

 قَالَ الْفِيلُ: هنَاكَ فِي طَرَفِ الْغَابَةِ شَجَرَةُ جَوْزِ هِنْدٍ عَالِيَةٌ جِدًا، ممْتَلِئَةٌ بِالثِّمَارِ اللَّذِيذَةِ..

وَنَحْنُ نَشْتَهِي أَنْ نَأْكَلَ مِنْهَا.. وَلِكَنْ لاَ أَحَدَ غَيْرَكَ يَسْتَطِيعُ بِمَهَارَتِهِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا.. فَمَا رَأْيُكَ؟

 قَالَ الْقِرْدُ بِفَخْرٍ وَغرُورٍ: إِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ صَعْبٌ وَعَسِيرٌ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّهُ سَهْلٌ وَيَسِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيّ.. سَأَذْهَبُ الآنَ لأنَامَ.

وَغَدًا عِنْدَ الظَّهِيرَةِ أَتَسَلَّقُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ، وَأَجْلِبُ لَكُمْ الثِّمَارَ الشَّهِيَّةَ لِتَأْكُلُوهَا.

حكاية قبل النوم القرد

قصة القرد المغرور

 مفاجأة عند الشجرة

وَصَلَ الْقِرْدُ إِلَى الشَّجَرَةِ.. كَانَتْ وَحِيدَةً منْفَرِدَةً.. مِثْلَهُ.. لاَ أَشْجَارَ حَوْلَهَا أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا..

فَقَالَ الْقِرْدُ: حَقًا إِنّهَا عَالِيَةٌ.. وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ الْجَمِيعُ أَنَّنِي أَكْثَرُهُمْ مَهَارَةً وَنَشَاطًا.

وَقَفَزَ بِسُرْعَةٍ، بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، عَلَى الشَّجَرَةِ.. وَفِي ثَوَانٍ مَعْدُودَاتٍ، وَصَلَ إِلَى قِمَّتِهَا، عِنْدَ ثِمَارِ جَوْزِ الْهِنْدِ..

وَهنَا.. حَدَثَتِ الْمُفَاجَأَةُ الْخَطِيرَةُ.. فَقَدْ سَمِعَ زَئِيرًا قَوِيًّا لأَحَدِ الأُسُودِ..َ

وَلَمَّا نَظَرَ بِسرْعَةٍ إِلَى أَسْفَل، وَجَدَ أَسَدًا قَوِيًّا يَجْرِي نَحْوَ الشَّجَرَةِ، وَيَنْظُرُ بِعَيْنَيْهِ إِلَيْهِ!!

اِرْتَعَبَ الْقِرْدُ وَتَمَلَّكَهُ الْخَوْفُ، خَاصَةً وَأَنَّ الأَسَدَ رَقَدَ عَلَى الأَرْضِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.. فَقَالَ الْقِرْدُ: مَا الْعَمَلُ الآنَ؟!

إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي اِنْتِظَارِي كَيْ يَأْكُلَنِي.. أَيْنَ أَذْهَبُ؟ وَكَيْفَ سَأَهْرَبُ؟ حَتَّى إِنَّهُ لاَ يُوجَدُ أَشْجَارٌ أخْرَى قَرِيبَةٌ لأَقْفِزَ عَلَيْهَا، وَأَفِرَّ مِنْهُ.

مَرَّ الْوَقْتُ بَطِيئًا.. وَأَوْشَكَتْ شَمْسُ النَّهَارِ عَلَى الْمَغِيبِ.. وَقَدْ تَعِبَ الْقِرْدُ لِلْغَايَة، أَمَّا الأَسَدُ فَكَانَ لاَ يَزَالُ رَابِضًا وَمتَحَفِزًا، يَنْتَظِرُ نزُولَهُ.

وَفِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ، لَمَحَ الْقِرْدُ مِنْ أَعْلَى شَيْئًا عَجِيبًا وَغَرِيبًا، لَمْ يُصَدِّقْهُ فَقَدْ رَأَى الأَرْنَبَ قَدْ جَاءَ وَاقْتَرَبَ عَلَى مَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ مِنَ الأَسَدِ..

فَقَفَزَ مِنْ مَكَانِهِ، وَأَخَذَ يَعْدُو خَلْفَهُ لِيَصْطَادَهُ.. وَهنَا، وَبِسُرْعَة، دَخَلَ الأَرْنَبُ أَحَدَ الْجُحُورِ تَحْتَ الأَرْضِ..

ثمَّ لَمَحَ الْقِرْدُ عَلَى الْجِهَةِ الأُخْرَى الْغَزَالَةَ وَهِي تَقفُ أَيْضًا فِي مُوَاجَهَةِ الأَسَدِ.

فَلَمَّا رَآهَا، عَدَا وَرَاءَهَا بِشِدَة، فَجَرَتْ بِأَقْصَى سُرْعَتِهَا، فَلَمْ يَسْتَطِعْ اللِّحَاقَ بِهَا..

وَكَانَ الأَسَدُ قَدْ اِبْتَعَدَ كَثِيرًا عَنِ الشَّجَرَةِ.. فَسَمِعَ الْقِرْدُ صَوْتَ الْفِيلِ وَهُوَ يُنَادِي عَلَيْهِ؛ كَيْ يَنْزِلَ قَبْلَ عَوْدَةِ الأَسَدِ.. فَنَزَلَ بِسُرْعَة.. فَأَخَذَهُ مَعُهُ وَانْصَرَفَ.

القرد تعلم الدرس

وَقَفَ الْقِرْدُ يَلْتَقِطُ أَنْفَاسَهُ وَسَطَ الْحَيَوَانَاتِ، وَلَمْ يصَدِّقْ أَنَّهُ نَجَا مِنَ الأَسَدِ الشَّرِسِ.. وَقَالَ لَهُمْ: شُكْرًا لَكُمْ.. لَوْلاَكُمْ لَكُنْتُ الآنَ فِي بَطْنِ ذَلِكَ الْوَحْشِ..

قَالَ الْفِيلُ: هَلْ أَدْرَكْتَ الآنَ قِيمَةَ التَّعَاوُنِ وَفَائِدَةَ الْعَيْشِ مَعَ الآخَرِين؟

رَدَّ الْقِرْدُ فِي خَجَلٍ: نَعَمْ أَدْرَكْتُ.. وَأَعِدُكُمْ جَمِيعًا أَلاَّ أَتَعَالَى عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ، وَأَنْ أَتَخَلَّى عَنْ غرُورِي وَكِبْرِيَائِي.. فَهُمَا مِنْ أَسْوَأ الصِّفَاتِ.

وَهنَا.. فَتَحَ الْقِرْدُ عَيْنَيْهِ بِشِدَّة، ثمَّ أَغْلَقَهَا وَفَتَحَهَا عِدَّةَ مَرَّاتٍ.. فَقَدْ رَأَى الأَسَدَ قَدْ جَاءَ وَالأَرْنَبُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْغَزَالَةُ عَنْ يَسَارِهِ!!

ثمَّ ضَحِكَ الأَسَدُ، وَضَحِكَتْ مَعَهُ بَقِيَّةُ الْحَيَوَانَاتِ.. فَأَدْرَكَ عَلَى الْفَوْرِ، دُونَ أَنْ يخْبِرَهُ أَحَدٌ، أَنَّهَا كَانَتْ حِيلَةً مَاهِرَةً وَمَاكِرَةً، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ دَرْسًا مفِيدًا لَهُ..

فَلَمَّا فَهِمَ الْحِكَايَةَ كُلَّهَا؛ أَخَذَ يَضْحَكُ هو الآخَرُ ضِحْكًا شَدِيدًا متَوَاصِلاً!!

بقلم أحمد حسن عرابي

حكاية قبل النوم القرد

حكاية قبل النوم القرد

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال