محمد نبينا هذا نبيك يا ولدي سلسلة مقالات للتعريف النبي صلى الله عليه وسلم

محمد نبينا هذا نبيك

محمد نبينا هذا نبيك لحن السماء

اليوم مع المقالة الثانية من سلسلة مقالات محمد نبينا هذا نبيك بعنوان لحن السماء بقلم: الأستاذ أحمد عبد الباري حفظه الله.

ولدي الحبيب /

ولا يزال الحديث معك متواصلاً ، وإنه لحديث الروح وإن شئت قلت لحن السماء . 

ولدي الحبيب / 

أستطيع أن أقول لك ـ وبكل صدق ـ إنك كلما اقتربت من هذا النبي صلى الله عليه وسلم، كلما سموت وارتقيت ، إنه سر عجيب حقًا !

إنك كلما اقتربت من رحمته ازددت رحمة، فإذا ما رأيت عن قرب شجاعته ، امتلأت نفسك قوة في يقين ، وإقدامًا على نصرة الحق المبين ، وإن كل عظماء الإسلام وعلماءه ومفكريه وقادته والصالحين والدعاة … إلخ .

أقول إن كل واحد من هؤلاء قد تشكلت شخصيته الفذة على حسب قربه أو بعده من هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .

وكل واحد من هؤلاء كانت عطاءاته وإبداعاته على حسب القرب أو البعد منه صلى الله عليه وسلم .

محمد نبينا هذا نبيك

إن شئت فانظر إلى صور من حياة هؤلاء الصحابة والتابعين ، وكيف تبدلت بأيديهم البلاد والعباد ، كل هذا في سنوات معدودة .

فكانت وثبات تغييرية لم يعرف التاريخ لها مثيلاً –

انظر إلى خصائص ومآثر كل صحابي لترى معجزة تحويل الإنسان إلى قرآن متحرك يعيش على الأرض ، تلمح هذا في عبادتهم ، في فتوحهم ، في جهادهم ، في تعاملاتهم اليومية في حديثهم ، في سمتهم ، في … وفي … إلخ .

وما هؤلاء جميعًا يا بني إلا شعاعات من شمس محمد صلى الله عليه وسلم وأقباس من نوره الفياض .

وإني لأعجب كل العجب لأناس يبذلون كل شيء من أجل تلميع أنفسهم أو غيرهم، وتزيين صورهم وشمائلهم ، أحيانًا قليلة بحق ، وكثيرًا كثيرة بباطل.

فإذا ما غادروا هذه الدنيا أو نفد ما عندهم من مال أو جاه وعطايا ونفوذ صاروا كالرمال سفتها الريح ، فلا ذكر لهم ولا أثر ، بينما سيرة محمد صلى لله عليه وسلم وأصحابه تزداد بمرور الزمان تألقًا ونضارة وروعة وبهاء . 

لقد علم الله تعالى يا بني أن النفس البشرية لا تكف أبدًا عن التطلع إلى النموذج الذي تنشده .

والأفق الذي ترنو إليه ، والسماء التي تشتاق الأعين إلى زينة وحسن نجومها .

فكان محمد صلى الله عليه وسلم استجابة إلهية لما أودع في الفطر من آمال ، والأرواح من أشواق وطموحات .

محمد نبينا هذا نبيك

كان هو النموذج والأفق والسماء ، وإن شئت قلت ، كان هو الفطرة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من نقاء وصفاء ، فلتسترح إذًا البشرية المتعبة ، ولتستقر الأنفس الحائرة المضطربة .

فلقد جاءهم حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ، ذو الوابل الصيب من الكلم الطيب .

جاءهم مفتاح دار السعادة وبيده منشور الولاية والعلم والإرادة ، جاءهم صاحب السمو الروحي الأعظم ، والسبيل إلى المنهج الهادي الأقوم . 

بــلغ العلا بكـماله … كشف الدجى بجماله 

عظمت جميع خصاله … صلوا عليه وآلـــه 

ولدي الحبيب / 

إن من الناس من يهوى العكوف على حياة الزعماء والقادة والمفكرين وذوي الشهرة من الفنانين والرياضيين و .. و .. إلخ .

ويقضي أيامه بين صفحات حياتهم ، يجمع المتناثر من أخبارهم وأحوالهم ، زاده الكتب والأخبار والصحف والأوراق والمجلات دون كلل أو ملل .

ولقد كان أبوك ذات يوم أحد المولعين المغرمين والمتتبعين الهائمين ، كنت أسهر الليالي الطوال لقراءة تراجمهم ومذكراتهم .

وفي كل مرة كنت أعجب فيها بأحدهم يحدث أمر غريب ، كنت أفاجأ بسلوك ما أو تصرف معين لصاحب هذه الشخصية بقلب إعجابي به رأسًا علي عقب . 

محمد نبينا هذا نبيك

وكانت النفس الطلعة لا تهدأ ، ونبضات الطموح للكمال تتسارع ، حتى رزقني الله تعالى أحد ذوي الفراسة الصادقة ، والبصيرة الثاقبة .

فدلني على محمد صلى الله عليه وسلم ، وها هي السنوات تمر، وكلما قلبت الأوراق في سيرته ازداد إعجابي به وتوقيري .

وقد تتساءل يا بني ! ألم تكن تعرف محمدًا صلى الله عليه وسلم ؟ 

وأنا أجيبك : بلى، كنت أعرفه ولا أعرفه ، وسأزيد الأمر وضوحًا .

كنت أعرفه تلك المعرفة التقليدية والعاطفية كسائر الناس ، دون التعمق في سيرته، والبحث والتنقيب في صفاته وخصائصه ، وهاك قصة تقرب لك ما أريد قوله .

محمد نبينا هذا نبيك

مر فيلسوف الإسلام وشاعر الهند العظيم ” محمد إقبال ” ذات يوم على مؤذن ، واستمع إليه وهو ينادي بالشهادتين .

فقال ” محمد إقبال ” : أيها المؤذن لو أن الطغاة والجبارين والمستكبرين فهموا كلمات هذا الأذان ، ما جعلوك تصعد هذه المئذنة أبدًا .

لعلك فهمت الآن يا بني الفرق بين إسلام يراه الناس طقوسًا لا تستوعب الأسرار ، وأشكالاً كأن ليس وراءها جوهر ، وبين إسلام يراه الناس تفاعلاً وحياةً وتأثيرًا وعملاً وتغييرًا .

و” لإقبال ” موقف آخر يخص ما نحن بصدده ، فإني من المعجبين به والمتيمين بأشعاره ، كان يقرأ القرآن الكريم وهو صغير ، ودخل عليه أبوه ـ وكان رجلاً صاحب حكمة ـ وظل يستمع إلى قراءة ولده ، حتى إذا ما فرغ ” إقبال ” ، قال له أبوه : ما كنت تقرأ يا محمد ؟

فأجابه في دهشة : القرآن الكريم يا أبي ، فقال الوالد : يا محمد اقرأ القرآن وكأنه عليك أنت نزل .

فكانت الكلمة الشرارة التي أشعلت في ” إقبال ” جذوة إبداعاته العظيمة، نعم كنت أعرفه صلى الله عليه وسلم في الأذان والتشهد.

وأيضًا في بعض مجالس القوم حين يقول أحدهم : صلوا على النبي ، لكني لم أكن أعرفه أبًا وزوجًا وقائدًا ورحيمًا واجتماعيًا ومربيًا وحكيمًا ومتوكلاً وزاهدًا ورؤوفًا وشجاعًا وصابرًا ووفيًا وبرًا وأمينًا وفطنًا .

محمد نبينا هذا نبيك

كنت أعرف هذا إجمالاً دون تفصيل ، لم أكن قد شهدته في بدر وأحد والخندق وحنين وتبوك والحديبية مقاتلاً ومفاوضًا وموجهًا ومرشدًا ومتصرفًا حكيمًا ، لم أكن قد عرفته بعد وهو يصوغ أعظم نماذج بشرية رأتها الإنسانية .

كانت خيالاً بعيد المنال وإحدى المحال ، فجعلها هو واقعًا مشهودًا تراه الدنيا في الحال وتتغنى به الأجيال ، وهذه هي معجزته الثانية بعد القرآن الكريم .

لم أكن يا بني رأيته بعد في محرابه ، يبلل الثرى بدموع عينيه الطاهرتين ، وقلبه الذي يغلي كالمرجل تعظيمًا لربه وشفقة على أمته .

لم أكن رأيته في ( حراء ) عابدًا متفكرًا ، ولا في ( ثور ) مهاجرًا متوكلاً توكلاً يذهل المتوكلين ، ولا في “دار الأرقم” المباركة وهو لأعمدة البناء العظيم يشيد .

إن الحياة يا بني في ظلال محمد عليه الصلاة والسلام متعة لا ترقى إليها كل متع الدنيا الزائلة ، ولا في مشهد واحد من مشاهده ولا في حرف تلفظ به يومًا ، أية طمأنينة تلك التي تنشئها الحياة في ظلال محمد عليه الصلاة والسلام ؟

وأية سكينة هذه تفيضها على القلب؟ وأية ثقة في الحق والخير والصلاح تمنحها للنفس ؟

وأية قوة واستعلاء على الواقع الصغير تسكبها في الضمير ؟

محمد نبينا هذا نبيك

ويوم أن شردت البشرية عن ركب محمد عليه الصلاة والسلام أصابتها الشقاوة ، وطمست عينيها الغشاوة ، وران على قلبها ما اكتسبته يد الإثم والهوى والطغيان والضلال والغرور ، وتحولت البشرية إلى مسخ يفتقد الرشد والهدى والراحة ، ولن تجد الإنسانية كلها السعادة إلا حين تنضم إلى قافلة النبوة المباركة العظيمة . 

لقد كانت تنحية الإسلام يا بني وهو رسالة محمد عليه الصلاة والسلام عن قيادة البشرية حدثًا هائلاً في تاريخها ، ونكبة قاصمة في حياتها ، نكبة لم تعرف لها البشرية نظيرًا في كل ما ألم بها من نكبات .

لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم ، قد تسلم القيادة بعدما فسدت الأرض ، وأسنت الحياة ، وتعفنت القيادات ، وذاقت البشرية من القيادات المتعفنة كل الويلات . 

تسلم محمد عليه الصلاة والسلام القيادة بهذا القرآن ، فكان ذلك مولدًا جديدًا للإنسان أعظم في حقيقته من المولد الذي كانت به نشأته ، فمن أراد أن يولد من جديد ويحيا من جديد ، فليحيا في ظل محمد وكتابه . 

اعلم يا بني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى في كل شيء ، وأن الله قد آتاه الكمالات في كل شيء .

وعلى هذا فنحن نعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل جانب من جوانب الحياة قد أعطاه الله تعالى أعلى المقامات والأحوال وأعدلها .

وأننا لن نبلغ حد التأسي حتى نتابعه متابعة تذوب معها شخصيتنا في شخصيته صلى الله عليه وسلم ذوبانًا كاملاً مطلقًا .

محمد نبينا هذا نبيك

عن مجاهد : كنا مع ابن عمر في سفر فمر بمكان فحاد عنه ، فسئل: لما فعلت ؟

قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا ففعلته ) .رواه أحمد والبزار 

وما علينا يا بني في سبيل إحياء هديه وسننه رضي الناس أم أبوا ؟ 

وحذار يا بني أن نقع في فخ فلسفات الشياطين التي يريد بها أعداء الله أن يمسخوا شخصيتنا بالتقليد الأعمى ، حتى نفقد تميزنا الذي هو سر وجودنا وسبيل رفعتنا وعزتنا، وهل كان للقردة يومًا تميز ورفعة وعزة ؟ . 

إن كل فرد من أفراد هذه الأمة الإسلامية عليه أن يكون نسخة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نائبًا عنه ، ووارثًا له ، بيانًا ، وجهادًا ، وحكمة ، وحنكة ودراية ، وعبادةً ، وزهدًا ، وإقدامًا ، وثباتًا ، وكرمًا ، ورجولة ، ولطفًا ، ورحمة وحزمًا وعملاً وعلمًا وهيئة وحالاً وصفة …

محمد نبينا هذا نبيك

وإذا ما استطاع كل فرد من أفراد هذه الأمة أن يرتفع كل هذا الارتفاع ، فإننا نؤكد وقتذاك أنه أصبح يحس بطعم إنسانيته تميزًا وارتقاءً .

وما أجمل عبارة الشيخ المجدد بديع الزمان ” سعيد النورسي” رحمه الله :

( مثلما أن القرآن الكريم بكل معجزاته وحقائقه الدالة على أحقيته هو معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم ، فإن محمدًا عليه الصلاة والسلام بكل معجزاته ودلائل نبوته وكمالاته العلمية ، معجزة أيضًا للقرآن الكريم وحجة قاطعة على أن القرآن الكريم كلام الله رب العالمين ) .

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال