محمد نبينا هذا نبيك قطوف من روضة الحب
ما زلنا مع سلسلة مقالات محمد نبينا هذا نبيك ومقالة اليوم بعنوان: قطوف من روضة الحب بقلم: الأستاذ أحمد عبد الباري حفظه الله.
ولدي الحبيب /
إن معرفتك الشاملة بنبيك عليه الصلاة والسلام من خلال تتبعك لأحاديثه الشريفة الصحيحة وشمائله الكريمة، جديرة بأن تفجر فيك طاقة هائلة من الحب تنقلك بدورها نقلة نوعية لا مثيل لها .
وأنا في رسالتي إليك الآن سأتجول معك في بعض رياضه النضرة، ومناقبه العطرة، كي نقتطف بعض ثمارها الشهية ونستنشق بعضًا من أريجها الفواح.
أ – قطف (خبيب بن عدي رضي الله عنه).
أحضر الكفار الصحابي الجليل خبيب بن عدي رضي الله عنه بعدما أسروه عقب غزوة (ماء الرجيع)، سألوه قبل استشهاده: (أتشتهي أن يكون محمد مكانك وتكون أنت آمنًا في بيتك؟)
فأجابهم: (لا والله لا أحب أن يشاك شوكة في قدمه وأنا في موضعي هذا).
فهذا أحد أصحاب المحبوب العظيم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تخللت أضلاعه محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأثمرت شهادة في سبيل الله، ونصرة لدينه واستعلاء على الجاهلية، وأترك لك يا بني المجال كي تستنبط منها الذي ربما غاب عني.
ب – قطف (سميراء) رضي الله عنها.
وهاك يا بني مشهد آخر يشرح قلب كل مؤمن، رغم مرور الدهور وتعاقب العصور، وقد أشرت إليه في أول رسالتي إجمالاً، لكني آثرت أن أفصله لك هنا في هذا الموضع: عندما سمعت الصحابية (سميراء) في معركة أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استشهد، أسرعت إلى سفح جبل أحد وهناك أروها جثث أبيها وزوجها وأولادها، ولكنها لم تلق بالاً لذلك، بل كانت تبحث عن رسول الله، وتسأل على الدوام: (ما فعل رسول الله؟ ).
وعندما أشاروا لها أخيرًا إلى مكان رسول الله، هرعت إليه قائلة: (كل مصيبة بعدك جلل) ، (جلل) أي هين أو صغير.
وهكذا يا بني تربع حب رسول الله في القلوب والصدور، وحل محل الروح عند هذه المرأة المؤمنة.
إنها بلا شك نادرة من نوادر الحب والتفاني التي لم تعرف البشرية لها مثيلاً، وخارقة من خوارق إيثاره على النفس والمال والأهل والولد لم تحدث قبله ولن تحدث بعده .
ج – قطف (أم حبيبة رضي الله عنها) .
قدم أبو سفيان المدينة، فدخل على ابنته أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه.
فقال: يا بنيه ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني، قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس.
إن المرء ليعجب كيف حول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الخامات البشرية إلى كتل من الوفاء للحق تعلو النسبة إليه أي نسبة أخرى .
د – قطف (معاذ بن جبل رضي الله عنه) .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن، ليبلغ رسائل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقبل سفره ذهب إلى رسول الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري).
فكأن صاعقة نزلت على رأس معاذ، شعر كأنه طير قصت جناحاه، وانهمرت الدموع من عينيه.
هـ – قطف (عمر بن الخطاب رضي الله عنه) .
لما تسرب النبأ الفادح (نبأ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم شعر المؤمنون أن آفاق المدينة أظلمت، فتركتهم لوعة الثكل حيارى، لا يدرون ما يفعلون.
وقتها وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه – وقد أخرجه الخبر عن وعيه – يقول : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات، ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران.
فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع بعد أن قيل قد مات ، والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات) .
فأي درجة من الحب هذه التي جعلت عملاق الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه يذهل عن وعيه في هذا الموقف العصيب،، إنه الحب العظيم؛ وكفى.
اقرأ سلسلة مقالات هذا نبيك يا ولدي: