كن صادقا مع الله الصدق خلق يجب أن يتحلى بها المسلم

كن صادقا مع الله

كن صادقا مع الله

نقدم لكم اليوم مجموعة من القصص تحت عنوان كن صادقا مع الله، وتضم أربعة عشرة قصة تحبب المسلم فى الصدق.

ما هو الصدق؟

الصِّدْق هوَ أَنْ يَقولَ الإِنْسَان الْحَقَّ وَأَنْ تَكونَ أَفْعَاله مطَابِقَةً لِلْوَاقِعِ،

لَقَدْ مَدَحَ الله الصَّادِقِينَ فَقَالَ فِى كِتَابِهِ: {أوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقوا وَأوْلَئِكَ هم الْمتَّقونَ} [الْبَقَرَة: 177].

وَالصِّدْق أَنْوَاعٌ؛ فَمِنْهَا الصِّدْق مَعَ اللهِ؛ وَذَلِكَ بِإِخْلاصِ الأَعْمَالِ كلِّهَا للهِ، وَهنَاكَ الصِّدْق مَعَ النَّاسِ؛ وَذَلِكَ بِعَدَمِ الْكَذِبِ، وَقَوْلِ الْحَقِّ فِى حَدِيثِهِ، وَهنَاكَ الصِّدْق مَعَ النَّفْسِ.

وَلِلصِّدْقِ فَضْلٌ كَبِيرٌ، قَالَ تَعَالَى: {قَالَ الله هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ لَهمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ الله عَنْهمْ وَرَضوْا عَنْه ذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم} [الْمَائِدَة: 119].

قَالَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَِّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجلَ لَيَصْدق؛ حَتَّى يكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا) [متَّفَقٌ عَلَيْهِ].

وَفِى الْمقَابِلِ نَهَى الإِسْلام عَنِ الْكَذِبِ. قَالَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (آيَة الْمنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتمِنَ خَانَ) [متَّفَقٌ عَلَيْهِ].

وَفِى هَذَه المقالة مَجْموعَةٌ مِنَ الْقِصَصِ وَالْحِكَايَاتِ الشَّيِّقَةِ، الْهَدَف مِنْهَا غَرْس حبِّ خلقِ الصِّدْقِ فِى نفوسِ الأَطْفَالِ.

الْمسْلِم يَكون صَادِقًا مَعَ اللهِ، وَصَادِقًا مَعَ النَّاسِ، وَصَادِقًا مَعَ نَفْسِهِ.

وَلِذَا لَمَّا ذَهَبَ الإِمَام الْبخَارِيّ إِلَى إِحْدَى الْبِلادِ لِيَطْلبَ عِلْمَ الْحَدِيثِ، رَأَى الرَّجلَ الَّذِى سَيَأْخذ مِنْه الْحَدِيثَ يشِير إِلَى فَرَسٍٍ لَه هَرِبَ مِنْه بِرِدَائِهِ، كَأَنَّ فِيهِ شَعِيرًا، فَلَمَّا اقْتَرَبَ الْبخَارِىّ مِنَ الرَّجلِ رَأَى رِدَاءَه فَارِغًا، فَسَأَلَه الْبخَارِيّ: أَكَانَ مَعَكَ شَعِيرٌ؟

فَقَالَ: لا، وَلَكِنْ أَوْهَمْتهَا حَتَّى تَجِيءَ.

فَرَجِع الْبخَارِيّ وَرَفَضَ أَنْ يَأْخذَ عَنْه الْعِلْمَ وَالْحَدِيثَ، وَقَالَ: لا آخذ الْحَدِيثَ مِنْ رَجلٍ يَكْذِب.

ثمَّ عَادَ مِنْ سَفَرِهِ وَلَمْ يَأْخذْ مِنْه شَيْئًا؛ لأَنَّه كَانَ يَتَحَرَّى الصِّدْقَ فِي كلِّ شَيْءٍ. 

الْمؤْمِن لا يَكْذِب.

سئِلَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَكون الْمؤْمِن كَذَّابًا؟ قَالَ: (لا).

يحْكَى أَنَّ رَجلاً سَرَقَ فَرَسًا وَذَهَبَ لِيَبِيعَه فِى السّوقِ، فَجَاءَ صَاحِب الْفَرَسِ إِلَى السّوقِ لِيَشْتَرِيَ فَرَسًا غَيْرَ الَّتِى سرِقَتْ مِنْه، فَرَأَى فَرَسَه مَعَ الرَّجلِ السَّارِقِ، فَقَالَ لِلسَّارِقِ: هَذِهِ فَرَسِي، فَقَالَ السَّارِق: لا وَلَكِنَّهَا تشْبِههَا.

فَوَضَعَ صَاحِب الْفَرَسِ يَدَه عَلَى عَيْنِ الْفَرَسِ، وَقَالَ لِلسَّارِقِ: أَسْتَحْلِفكَ بِاللهِ، مِنْ أَيِّ الْعَيْنَيْنِ لا تَرَى الْفَرَس؟

فَقَالَ السَّارِق: مِنَ الْيمْنَى.

قَالَ صَاحِب الْفَرَسِ: كَذَبْتَ.

فَقَالَ السَّارِق: نَسِيت، مِنَ الْيسْرَى. فَرَفَعَ صَاحِب الْفَرَسِ يَدَه، وَقَالَ: إِنَّ الْفَرَسَ سَلِيمَة الْعَيْنَيْنِ. فَعَرَفَ النَّاس كَذِبَ السَّارِقِ، وَعَادَتِ الْفَرَس لِصَاحِبِهَا. 

الصِّدْق طمَأْنِينَةٌ، وَمَنْجَاةٌ فِي الدّنْيَا وَالآخِرَةِ

وَلِذَا خَرَجَ غلامٌ فِي قَافِلَةٍ يَطْلب الْعِلْمَ، فَأَوْقَفَه سَارِقٌ، وَسَأَلَه: كَمْ مَعَكَ مِنَ الْمَالِ؟

فَقَالَ الْغلام: أَرْبَعونَ دِينَارًا. فَأَخَذَه السَّارِق إِلَى كَبِيرِ اللّصوصِ فَسَأَلَه: مَا الَّذِي أَجْبَرَكَ عَلَى أَنْ تَصْدقَ وَلا تَكْذِبَ؟

قَالَ: لَقَدْ عَاهَدْت أمِّي أَلاَّ أَكْذِبَ، وَإِنِّي أَخَاف أَنْ أَخونَ عَهْدِي.

فَتَأَثَّرَ السَّارِق وَقَالَ: أَنْتَ تَخَاف أَنْ تَخونَ عَهْدَ أمِّكَ! أَنَا أَوْلَى مِنْكَ بِذَلِكَ.

وَرَدَّ الأَمْوَالَ إِلَى أَصْحَابِهَا، وَتَابَ إِلَى اللهِ هوَ وَمَنْ مَعَه بِبَرَكَةِ صِدْقِ الْغلامِ. 

مِنْ أَنْوَاعِ الصِّدْقِ الصِّدْق مَعَ النَّاسِ

فَالْمسْلِم لا يَكْذِب فِي حَدِيثِهِ مَعَ الآخَرِينَ.

يحْكَى أَنَّ رَجلاً ذَهَبَ لِيَشْتَرِيَ ثَوْبًا مِنْ دكَّانِ أَحَدِ التّجَّارِ، فَقَالَ لَه التَّاجِر: إِنَّ نَوْعَه غَيْر جَيِّدٍ.

فَتَعَجَّبَ الرَّجل مِنْ صِدْقِ التَّاجِرِ وَقَالَ لَه: إِذَنْ بِعْ لِي ثَوْبًا جَيِّدًا. فَقَالَ التَّاجِر: لَيْسَ عِنْدِي الآنَ النَّوْع الْجَيِّد.

فَلَمَّا رَأَى الرَّجل صِدْقَ التَّاجِرِ قَالَ لَه: أَنْتَظِركَ حَتَّى تَأْتِي وَلا أَشْتَرِي مِنْ أَحَدٍ غَيْرِكَ.

وَبِالْفِعْلِ انْتَظَرَ الرَّجل حَتَّى أَتَى التَّاجِر بِالثَّوْبِ الْجَيِّدِ، وَاشْتَرَاه، وَذَاعَ الْخَبَر بَيْنَ النَّاسِ، فَكَانوا يَقْصِدونَ التَّاجِرَ الصَّدوقَ. 

قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَحَرَّوْا الصِّدْقَ وَإِنْ رَأَيْتمْ أَنَّ فِيهِ الْهَلَكَةَ، فَإِنَّ فِيهِ النَّجَاةَ)

وَلِذَا هَرَبَ أَحَد الشَّبَابِ مِنْ ظَالِمٍ يرِيد أَنْ يؤْذِيَه، وَاخْتَبَأَ عِنْدَ رَجلٍ صَالِحٍ، فَلَمَّا عَلِمَ الرَّجل الصَّالِح بِقِصَّةِ الشَّابِّ قَامَ بِإِخْفَائِهِ تَحْتَ كَوْمَةٍ مِنَ الْخوصِ، وَجَاءَ الرَّجل الظَّالِم وَقَالَ لِلرَّجلِ الصَّالِحِ: هَلْ مَرَّ عَلَيْكَ شَابٌّ؟

فَقَالَ الرَّجل الصَّالِح: نَعَمْ، وَهوَ تَحْتَ هَذَا الْخوصِ. فَظَنَّ الرَّجل الظَّالِم أَنَّ الرَّجلَ الصَّالِحَ يَكْذِب عَلَيْهِمْ، فَتَرَكَه وَانْصَرَفَ.

وَهنَا ظَهَرَ الشَّابّ وَقَالَ لِلرَّجلِ الصَّالِحِ: لِمَاذَا قلْتَ لِلظَّالِمِ أَنِّى تَحْتَ الْخوصِ، هَلْ كنْتَ ترِيد إِيذَائِي؟

فَقَالَ الرَّجل الصَّالِح: اسْكتْ فَقَدْ نَجَوْتَ بِبَرَكَةِ الصِّدْقِ. 

الصِّدْق يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ

 قَالَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ).

يحْكَى أَنَّ رَجلاً كَانَ يَعْصَى اللهَ، فَذَهَبَ إِلَى عَالِمٍ، فَأَوْصَاه الْعَالِم بِالصِّدْقِ فِي كلِّ حَالٍ، وَبَعْدَ فَتْرَةٍ أَرَادَ الرَّجل الْعَاصِى أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا، وَقَبْلَ أَنْ يَشْرَبَهَا قَالَ لِنَفْسِهِ: مَاذَا أَقول لِلْعَالِمِ إِنْ سَأَلَنِي: هَلْ شَرِبْتَ خَمْرًا؟ فَهَلْ أَكْذِب عَلَيْهِ؟ لا، لَنْ أَشْرَبَ الْخَمْرَ أَبَدًا.

وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، أَرَادَ الرَّجل أَنْ يَفْعَلَ ذَنْبًا آخَرَ، لَكِنَّه تَذَكَّرَ عَهْدَه مَعَ الْعَالِمِ بِالصِّدْقِ. فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الذَّنْبَ، وَكلَّمَا أَرَادَ الرَّجل أَنْ يَفْعَلَ ذَنْبًا امْتَنَعَ عَنْ فِعْلِهِ حَتَّى لا يَكْذِبَ عَلَى الْعَالِمِ، وَهَكَذَا اسْتَطَاعَ الرَّجل أَنْ يَتَخَلَّى عَنْ عيوبِهِ. 

كَذِبٌ أَبْيَض وَكَذِبٌ أَسْوَد

فَكلّ الْكَذِبِ حَرَامٌ، وَلِذَا يحْكَى أَنَّ طِفْلاً كَانَ يَسْبَح فِى الْبَحْرِ فَأَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّه يَغْرِق، وَظَلَّ ينَادِي: أَنْقِذونِي أَنْقِذونِي.. إِنِّي أَغْرِق.

فَجَرَى النَّاس إِلَيْهِ لِينْقِذوه، فَلَمَّا اقْتَرَبوا مِنْه ضَحِكَ مِنْهمْ وَقَالَ لَهمْ: لَقَدْ خَدَعْتكمْ، أَنَا لَمْ أَغْرِقْ.

وَفِى الْيَوْمِ التَّالِى ذَهَبَ الطِّفْل لِيَسْبَحَ فِي الْبَحْرِ، وَلَكِنَّه هَذِهِ الْمَرَّةَ كَادَ يَغْرِق، وَظَلَّ ينَادِي عَلَى النَّاسِ لِينْقِذوه، لَكِنَّ النَّاسَ ظَنّوا أَنَّه يَكْذِب عَلَيْهِمْ كَمَا فَعَلَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمْ ينْقِذوه حَتَّى كَادَ أَنْ يَغْرِقَ، وَهنَا أَسْرَعَ رَجلٌ وَأَنْقَذَه، فَقَالَ الطِّفْل: لَقَدْ عَاقَبَنِي الله عَلَى كَذِبِي عَلَيْكمْ، وَلَنْ أَكْذِبَ بَعْدَ الْيَوْمِ. 

كَذِبَةٌ كَبِيرَةٌ أَوْ كَذِبَةٌ صَغِيرَةٌ

الْكَذِب كَذِبٌ وَالصِّدْق صِدْقٌ، وَلِذَا رَأَى رَسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً تنَادِى عَلَى ابْنِهَا وَتَقول لَه: تَعَالَ أعْطِكَ.

فَقَالَ لَهَا رَسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا أَرَدْتِ أَنْ تعْطِيهِ؟”.

قَالَتِ الْمَرْأَة: أَرَدْت أَنْ أعْطِيَه تَمْرًا.

فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَمَّا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تعْطِهِ شَيْئًا كتِبَتْ عَلَيْكِ كَذِبَةٌ”. 

مِِِِِِِِِِِِِِِِِِِنْ أَنْوَاعِ الصِّدْقِ الصِّدْق مَعَ اللهِ

لَمَّا كَانَتْ غَزْوَة خَيْبَرَ، وَغَنِمَ رَسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَسَّمَه بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَأَرْسَلَ نَصِيبٌ مِنَ الْغَنَائِمِ إِلَى رَجلٍ مِنَ الأَعْرَابِ كَانَ يَرْعَى الأَغْنَامَ، فَأَخَذَ الأَعْرَابِيّ نَصِيبَه وَذَهَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا رَسولَ اللهِ؟

قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قِسْمٌ قَسَمْته لَكَ».

فَقَالَ الأَعْرَابِيّ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتكَ، وَلَكِنِ اتَّبَعْتكَ عَلَى أَنْ أرْمَى هَاهنَا – وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ – بِسَهْمٍ، فَأَموت، فَأَدْخل الْجَنَّةَ.

فَقَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ تَصْدقِ اللهَ يَصْدقْكَ.

ثمَّ قَامَ الأَعْرَابِيّ لِلْقِتَالِ فَمَاتَ فِى الْمَعْرَكَةِ، فَلَمَّا رَآه الرَّسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَدَقَ الله فَصَدَقَه».

ثمَّ دَعَا لَه: «اللَّهمَّ هَذَا عَبْدكَ خَرَجَ مهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ، قتِلَ شَهِيدًا، وَأَنَا عَلَيْهِ شَهِيدٌ». 

الصديق

الْمسْلِم يَرْتَقِى فِى الْكَمَالِ حَتَّى يصْبِحَ صِدِّيقًا لِكَثْرَةِ صِدْقِهِ مَعَ اللهِ وَمَعَ النَّاسِ وَمَعَ نَفْسِهِ، وَلِذَا لَمَّا أسْرِىَ بِالنَّبِىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى رِحْلَةِ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ ذَهَبَ الْمشْرِكونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالوا: هَلْ لَكَ إِلَى صَاحِبِكَ يَزْعم أَنَّه أسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: أَوَقَالَ ذَلِكَ؟

قَالوا: نَعَمْ.

قَالَ: لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ صَدَقَ.

فقَالوا: أَوَ تصَدِّقه، تصَدِّق أَنَّه ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يصْبِحَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنِّي لأصَدِّقه فِيمَا هوَ أَبْعَد مِنْ ذَلِكَ، أصَدِّقه بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ. وَمِنْ يَوْمِهَا لقِّبَ أَبو بَكْرٍ بِالصِّدِّيقِ. 

مِنْ أَنْوَاعِ الصِّدْقِ الصِّدْق فِى الْعَهْدِ مَعَ اللهِ

وَلِذَلِكَ بَعْدَ أَنِ انْتَهَتْ غَزْوَة بَدْرٍ قَالَ أَنَس بْن النَّضِرِ: وَاللهِ لَئِنْ أََرَانِي الله مَشْهَدًا مَعَ رَسولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَرَيَنَّ الله كَيْفَ أَصْنَع.

وَقَدْ صَدَقَ فِي وَعْدِهِ، وَجَاءَتْ غَزْوَة أحدٍ وَأَشَاعَ الْمشْرِكونَ فِيهَا مَوْتَ النَّبِىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهنَا فَرَّ الْمسْلِمونَ أَمَامَ الْمشْرِكِينَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَسٌ ذَلِكَ قَالَ: يَا قَوْم إِنْ كَانَ محَمَّدٌ قَدْ قتِلَ فَإِنَّ رَبَّ محَمَّدٍ لَمْ يقْتَلْ، وَموتوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ. ثمَّ قَالَ: اللَّهمَّ إِنِّي أَعْتَذِر إِلَيْكَ مِمَّا فَعَلَ هَؤلاءِ – يَعْنِي الْمسْلِمِينَ – وَأَبْرَأ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤلاءِ – يَعْنِي الْمشْرِكِينَ – ثمَّ أَلْقَى بِنَفْسِهِ فِي الْمَعْرَكَةِ، حَتَّى اسْتشْهِدَ, وَنَزَلَ قَوْل اللهِ تَعَالَى: {مِِِِنَ الْمؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقوا مَا عَاهَدوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهم مَّنْ قَضَى نَحْبَه وَمِنْهم مَّن يَنتَظِر وَمَا بَدَّلوا تَبْدِيلاً} [الأَحْزَاب: 23]. 

الْمسْلِم يَصْدق الْقَوْلَ فِى جَمِيعِ الأَحْوَالِ

وَلِذَلِكَ صَحِبَتِ السَّيِّدَة أَسْمَاء بِنْت عمَيْسٍ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ عِنْدَ زَوَاجِهَا بِالنَّبِىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْخَلَتْهَا عَلَى رَسولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ فِى الْبَيْتِ بَعْض النِّسَاءِ، فَقَدَّمَ لَهم الرَّسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحًا مِنَ اللَّبَنِ، فَشَرِبَتِ السَّيِّدَة عَائِشَة، ثمَّ قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “‏ نَاوِلِي صَوَاحِبِكِ ‏”‏. فَقَالَتِ السَّيِّدَة أَسْمَاء‏:‏ لا نَشْتَهِيهِ.

فَقَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏”‏ لا تَجْمَعَنَّ جوعًا وَكَذِبًا ‏”.‏

قَالَتِ السَّيِّدَة أَسْمَاء‏:‏ يَا رَسولَ اللهِ إِنْ قَالَتْ إِحْدَانَا لِشَيْءٍ تَشْتَهِيهِ: لا أَشْتَهِيهِ، أَيعَدّ ذَلِكَ كَذِبًا؟

قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:‏”‏ إِنَّ الْكَذِبَ لَيكْتَب كَذِبًا حَتَّى تكْتَبَ الْكذَيْبَة كذَيْبَةً”‏.‏ 

إِنَّ الصِّدْقَ شِعَار الْمتَّقِينَ الصَّالِحِينَ

قَدْ يَكون أَثَره الْقَرِيب أَلَمًا وَحَسْرَةً، وَلَكِنَّ عَوَاقِبَه فَوْزٌ وَفَلاحٌ، وَلِذَا لَمَّا تَخَلَّفَ كَعْب بْن مَالِكٍ عَنْ غَزْوَةِ تَبوكٍ وَرَجِعَ الرَّسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ سَأَلَه النَّبِىّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَبِ تَخَلّفِهِ، فَقَالَ كَعْب: لَيْسَ لِى عذْرٌ يَا رَسولَ اللهِ.

فَقَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقمْ حَتَّى يَقْضِيَ الله فِيكَ.

وَكَانَ مَعَ كَعْبٍ مَرَارَة بْن الرَّبِيعِ، وَهِلال بْن أمَيَّةَ، وَهنَا أَمَرَ الرَّسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ بِاعْتِزَالِ هَؤلاءِ الثَّلاثَةِ حَتَّى يَحْكمَ الله فِيهِمْ.

وَظَلَّ كَعْبٌ وَأَصْحَابِهِ خَمْسِينَ يَوْمًا لا يكَلِّمهمْ رَسول اللهِ وَلا الصَّحَابَة حَتَّى نَزَلَ قوْل اللهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ، وَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى يَمْدَحهمْ: {يَـٰأَيّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنواْ ٱتَّقواْ ٱللَّهَ وَكونواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ}[التَّوْبَة: 119]. 

كَانَ النَّبِىّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلَقَّب قَبْلَ الإِسْلامِ بِالصَّادِقِ الأَمِينِ، وَلِذَا لَمَّا ذَهَبَ أَبو سفْيَانَ إِلَى هِرَقْلَ قَيْصَرِ الرّومِ – وَكَانَ أَبو سفْيَانَ يَوْمَئِذٍ مشْرِكًا – سَأَلَه هِرَقْل عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبو سفْيَانَ: وَاللهِ لَوْلا الْحَيَاء لَكَذَّبْته.

ثمَّ قَالَ أَبو سفْيَانَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هوَ فِينَا ذو نَسَبٍ. فَقَالَ هِرَقْل: فَهَلِ ادَّعَى أَحَدٌ مِنْ قرَيْشٍ النّبوَّةَ قَبْلَه؟

فَقَالَ أَبو سفْيَانَ: لا.

فَقَالَ هِرَقْل: كنْتمْ تَتَّهِمونَه بِالْكَذِبِ؟

قَالَ أَبو سفْيَانَ: لا.

قَالَ هِرَقْل: فَهْلْ يَغْدِر؟

فَقَالَ أَبو سفْيَانَ: لا.

قَالَ هِرَقْل: فَمَاذَا يَأْمركمْ بِهِ؟

فَقَالَ أَبو سفْيَانَ: يَأْمرنَا أَنْ نَعْبدَ اللهَ وَحْدَه لا نشْرِك بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبد آبَاؤنَا، وَيَأْمرنَا بِالصَّلاةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ. فَقَالَ هِرَقْل: هَذِهِ صِفَة نَبِيٍّ.

 

اقرأ أيضا القصص الآتية:

خديجة بنت خويلد

عائشة رضى الله عنها

سودة بنت زمعة

أم المؤمنين حفصة

أم سلمة

السؤال الأول من المسابقة

السؤال الثانني من المسابقة

سؤال المسابقة الثالث

السؤال الرابع

سؤال المسابقة الخامس

السؤال السادس

لا تنسى الاشتراك فى القناة

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال