نتحدث اليوم عن اخلاق الإسلام التواضع.. ا
لتواضع هو عدم التكبر و التعالي على الناس، وقد أمرنا الله – تعالى- بالتواضع، فقال تعالى: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} [الشعراء: 215]، أي تواضع للناس جميعًا. وقال تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين} [القصص: 83].
وللتواضع أنواع فهناك التواضع مع الله عز وجل وهناك التواضع مع رسوله ص وهناك التواضع مع الخلق أجمعين.
للتواضع فضل عظيم عند الله تعالى فالمتواضع محبوب من الله تعالى ومن الناس، قال صلى الله عليه وسلم: “ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله”.
وفى المقابل لا يجب على المسلم أن يتكبر على أحد مهما كان ذلك الشخص؛ لأن الكبرياء لله وحده، قال الله -تعالى-: {ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا إن الله لا يحب كل مختال فخور} [لقمان: 18]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: “قال الله -عز وجل-: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار”.
وقد حذَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الكبر، وأمرنا بالابتعاد عنه؛ فقال: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر”.
والآن هيا نقرأ هذه القصص والحكايات الشيقة الهدف منها غرس حب خلق التواضع فى نفوس الأطفال.
تواضع النبى صلي الله عليه وسلم
كان رسول الله متواضعا أبلغ ما يكون التواضع، وقد بلغ من تواضعه صلي الله عليه وسلم أنه كانت الفتاة الصغيرة إذا احتاجت إلي من يعينها من الرجال، ولقيت رسول الله صلي الله عليه وسلم أخذت بيده وأعانها على حاجتها حتى يقضيها، فعن أنس رضي الله عنه أن امرأة كانت في عقلها شيء جاءته، فقالت: إن لي إليك حاجة، فقال صلي الله عليه وسلم: اجلسي يا أم فلان في أي طرق المدينة شئت أجلس إليك حتى أقضي حاجتك”.
الجارية تصطحب رسول الله
التواضع يكون مع خلق الله جميعا، فذات يوم وجد النبي صلي الله عليه وسلم جارية في الطريق تبكي، فقال لها ما يبكيك؟
فقالت له: يا رسول الله دفع إلي أهلي درهمين اشتري بهما دقيقا فضاع مني الدرهمين، فأعطاه رسول الله صلي الله عليه وسلم الدرهمين وهما بالإنصراف، فإذا هي تبكي، فسألها ما يبكيك وقد أخذت الدرهمين، فقالت: أخاف أن يضربنى أهلى، فمشي معها إلي أهلها، وقال لهم: السلام عليكم. فقالوا فرحين: وعليك السلام، فقال لهم: اشفقت هذه الجارية أن تضربوها، فقال صاحبها: هي حرة لوجه الله لممشاك معها.
النبي يحفر الخندق
كان رسول الله لا يتميز على أصحابه بل يشاركهم العمل، فعندما بلغ المسلمين أن أبا سفيان قد خرج علي رأس جيش كبير ليقاتلهم اقترح عليهم سلمان الفارسي رضي الله عنه حفر خندق حول المدينة، فأعجب النبي بهذا الرأي، وقام المسلمون يحفرون حول المدينة خندقا عميقا، ونال التعب من الرجال فراح النبي يشجعهم وهو ينقل التراب ويحمله علي عاتقه الشريف.
تواضعه أثناء الفتح العظيم
وقد حذرنا النبى ص من الكبر فقال: “لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر”، ولذلك عندما أذن الله بفتح مكة تأهب جيش المسلمون لدخول مكة، وركب رسول الله ناقته وذهب أبو سفيان يصرخ: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ودخل المسلمون مكة وقد أختبأ الناس في دورهم، فسجد رسول الله علي ظهر ناقته شكرًا لله، فقد دخل مكة منتصرًا بعد أن خرج منه خائفا وجعل أسامة بن زيد رديفا له زيادة في التواضع.
تواضع الصديق رضي الله عنه
وقد حذرنا الله تعالى فى كتابه من الكبر فقال تعالى: (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش فى الأرض مرحا) [لقمان: ]، ولذا كان أبو بكر الصديق خليفة المسلمين شديد التواضع، وعندما عزم علي قتال الروم جهز جيشا بقيادة أسامة بن زيد وخرج أبو بكر يتفقد أحوال الجيش وهو يمشي على الأرض بين صفوفه ممسكا بعنان فرس أسامة، فشعر أسامة بالحرج فقال: يا خليفة رسول الله لتركين أو لأنزلن، فاشار إليه أبو بكر أن أبق كما أنت فإني أحب أن أغبر قدمي في سبيل الله.
أمير المؤمنين يحرس الغرباء ليلاً
التواضع يدعو صاحب المنصب إلى تفقد أحوال رعيته، فقد خرج عمر بن الخطاب ليلا يتفقد أحوال المسلمين بنفسه، فوجد ناسا قد نزلوا في السوق فأسرع إلي دار عبد الرحمن بن عوف، فوجد عبد الرحمن قائما يصلي فانتظر حتى انتهي من صلاته، وقال عبد الرحمن بن عوف: غرباء نزلوا ناحية السوق، فخشيت عليهم سراق المدينة، فانطلق لكي نحرسهما، وسار حتى وصلا إلي السوق فقعدا علي مكان مرتفع من الأرض يتحدثان، وانقضي الليل وهما يحرسان الناس حتى إذا أشرقت الشمس واطمئان عمر ترك المكان.
يحمل الدقيق إلي الصبية
سئل الفضيل عن التواضع فقال: أن تخضع للحق وتنقاد إليه ولو سمعته من صبى، ولذلك خرج عمر ذات ليلة فرأى نارًا، فانطلق نحوها فإذا امرأة وقدر منصوبة علي النار وصبيان حولها يتألمون من الجوع فسألها عمر: ما بال هؤلاء الصبية؟ فقالت المرأة: يتألمون من الجوع، فقال عمر: وأي شيء في هذه القدر، قالت: ماء اسكتهم به والله بينا وبين عمر، فقال عمر: رحمكم الله ما يدري عمر بكم؟ فقالت: يتولي أمرنا ويغفل عنا، فانطلق عمر وأحضر كيسا من الدقيق وصنع للأطفال الطعام بنفسه.
فتح المقدس
إن جزاء التكبر غضب الله تعالى فى الدنيا والآخرة، ولذلك يحكى أنه لما فتح المسلمون بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب طلب البطريق أن يسلم بيت المقدس لعمر أمير المؤمنين فقرر عمر الذهاب لبيت المقدس، فلما هم بالركوب علي بعيره وعليه مرقعته الصوف قال له المسلمون: يا أمير المؤمنين لو ركبت جوادا ولبست ثيابا بيضا لكان ذلك أعظم لهيبتك، فقال عمر: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ولما بلغ بيت المقدس ففتحت له أبوابها وأسرع البطريق وأهل بيت المقدس يرحبون بمقدمه فقد آمنهم علي حياتهم وأموالهم.
تواضع عمر مع نفسه
التواضع صفة محمودة تدل على طهارة النفس وتدعوا إلى المحبة والمساواة بين الناس، وتنشر الترابط بينهم، ولذا لما خرج عمر بن الخطاب ذات يوم مع نفر من أصحابه وفيهم ابنه عبد الله مروا على وادى من أودية مكة، فقال عمر لأصحابه: هذا الوادي كنت أرعي فيه الغنم لبنى عدي، فتأثر ابنه عبد الله بما سمعه من أبيه، وقال له: ما يجعلك تقول هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: إن أباك أعجبته نفسه فأحب أن يؤدبها ويلزمها التواضع.
سلمان الفارسي
من آثار التواضع أنه يمحو الحسد والبغض من قلوب الناس، يحكى أن سلمان الفارسي كان أميرًا على المدائن، فجاء رجل من أهل الشام ومعه تين، فرأى سلمان وكان عليه عباءة قديمة، فقال الرجل لسلمان: تعال فاحمل عنى التين – وكان الرجل لا يعرف سلمان – فحمل سلمان التين وسار معه فى الطريق، فرآه الناس فعرفوه وقالوا: ما هذا يا أمير؟ فقال الرجل: عفوا يا أمير لم أعرفك، ضع عنك هذا التين، فقال سلمان: لن أضعه حتى أبلغ منزلك.
تواضع عثمان
التواضع يرضى الله عن صاحبه قال ص: “إن الله تعالى أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد”، يحكى أن عثمان بن عفان رضى الله عنه وهو خليفة المسلمين كان ينام فى المسجد وليس معه أحد يحرسه، وكان يقوم من الليل فيحضر الماء بنفسه لكى يتوضأ به، فرآه بعض رجاله فقالوا: رحمك الله يا أمير المؤمنين ألا توقظ أحدا من الخدم يحضر لك الماء؟ فقال عثمان: لا إن الليل لهم يسترحون فيه.
الصديق يحلب الغنم
الجاه والمنصب لا يحول بين المسلم وخلق التواضع، فقد كان أبو بكر الصديق رضى الله عنه ذات يوم يحلب أغنام له، فرأته جارية فنادت عليه فسألها ماذا تريد؟ فقالت له: لنا شاه نريد أن تحلبها لنا، فذهب معها وحلبها، فلما تولى الخلافة رأته الجارية وقالت له: الآن لا تحلب لنا، فقال لها أبو بكر: بلى أحلب لكم، فقالت الجارية: تحلب لنا وأنت الخليفة؟! فقال أبو بكر: إنى لأرجو أن لا تغيرنى الخلافة عن خلق كنت عليه.
تواضع علي
التواضع يجلب السعادة والسرور فى قلوب الناس، يحكى أن على بن أبى طالب وهو والى كان يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالباعة ليطمئن عليهم ويقرأ عليه قول الله تعالى: (وتلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض…) فسألوه فيمن نزلت هذه الآية، فقال: فى أهل العدل والتواضع من الولاة، فسأله أحد الناس: كيف ترى التواضع يا إمام؟ فقال: برأى ثلاث هن رأس التواضع: أن تبدأ بالسلام من لقيته، وترضى بالدون من شرف المجلس، وتكره الرياء والسمعة.