كَانَتْ مَرْيَمُ تَقُومُ بِسَدَانَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَوَصَلَتْ بِصَفَائِهَا، وَنَقَائِهَا إلَى أَقْصَى دَرَجَاتِ السُّمُوِّ وَالارْتِقَاءِ ، فَرَاحَتْ توَاصِلُ الْعِبَادَةَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْلَ نَهَارَ، حَتَّى صَارَتْ مَضْرِبَ الأَمْثَالِ فِي الطُّهْرِ وَالْعَفَافِ، وَالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَبَلَغَتْ مَكَانَةً عَظِيمَةً فِي قُلُوبِهِمْ.
لَكِنْ كَانَ هنَاكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ يَنْتَظِرُ مَرْيَمَ لِيصْبِحَ مِنْ أَهَمِّ الأَحْدَاثِ الَّتِي حَدَثَتْ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ وَإلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، فَقَدْ جَاءَتْهَا الْبِشَارَةُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِأَنَّهَا سَتَكُونُ أمًّا لِطِفْلٍ سَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً، وَسَتَكُونُ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ، وَيَكُونُ مبَارَكًا أَيْنَمَا كَانَ، دونَ أنْ يَكُونَ لَهَا زَوْجٌ.
لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ مَاذَا يمْكِنُهَا لَهَا أنْ تَفْعَلَ، وَعَلاَمَاتُ الْحَمْلِ تَظْهَرُ عَلَيْهَا، هِيَ تَعْرِفُ جَيِّدًا طَبِيعَةَ الْيَهُودِ، وَمَا يمْكِنُ أنْ يَرْمُوهَا بِهِ.
مولد عيسى عليه السلام
وَلَمَّا أَتَمَّتْ مدَّةَ الْحَمْلِ كَمَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، حَمَلَتْ رَضِيعَهَا وَتَمَنَّتْ أنْ لَوْ كَانَتْ مَاتَتْ قَبْلَ هَذَا الْحَدَثِ، لَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ طَمْأَنَهَا، فَنَظَرَتْ إلَى وَجْهِ رَضِيعِهَا الَّذِي يَتَلأَلأُ بِالرَّوْعَةِ وَالْجَمَالِ، وَأَنْطَقَهُ رَبُّهُ فَرَاحَ يسَرِّي عَنْهَا وَيثَبِِّتُ أَرْكَانَهَا.
وَاطْمَأَنَّ قَلْبُهَا الْعَامِرُ بِالتَّقْوَى، وَحَمَلَتْ رَضِيعَهَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَتَوَجَّهَتْ فِي خطًى ثَابِتَةٍ إلَى قَوْمِهَا، وَقَدْ نَذَرَتْ للهِ صَوْمًا ألاَّ تَتَكَلَّمَ ذَلِكَ الْيَوْمَ.
تَجَمَّعَ الْيَهُودُ حَوْلَهَا وَرَاحُوا يَرْمُونَهَا بِأَبْشَعِ الصِّفَاتِ، لَكِنَّهَا لَمْ تَأْبَهْ، وَأشَارَتْ إلَى وَلِيدِهَا لِيدَافِعَ عَنْهَا، فَأَخَذَتْهُمُ الدَّهْشَةُ كَيْفَ لِرَضِيعٍ أنْ يَتَكَلَّمَ!!
لَكِنَّ الطِّفْلَ نَطَقَ وَقَدَّمَ نَفْسَهُ أَنَّهُ عَبْدُاللهِ، وَأَنَّ اللهَ آَتَاهُ الْكِتَابَ “الإنْجِيلَ” وَجَعَلَهُ مُبَارَكًا، يحْيِي الْمَوْتَى، وَيَشْفِي الْمَرْضَى، وَيبْرِئُ الأَكَْمَهَ وَالأَبْرَصَ، وَيَصْنَعُ الأَعَاجِيبَ وَالْمُعْجِزَاتِ بِقُدْرَةِ اللهِ وَإذْنِهِ.
هنَالِكَ قَرَّرَ الْيَهُودُ، خَاصَّةً الأَغْنِيَاءَ منهم وسدنة الْهَيْكَلِ، أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِنْهُمَا، فَقَرَّرَتِ السَّيِّدَةُ مَرْيَمُ أنْ تَخْتَبِئَ بَعِيدًا عَنْهُمْ.
عَادَ عِيسَى وَهُوَ يَعْرِفُ أنَّ الأَمْرَ لَيْسَ سَهْلاً، لَمْ يَهْتَمَّ بِتَهْدِيدَاتِ الْكَهَنَةِ وَأَعْوَانِ الإمْبِرَاطُورِ. كَانَ يَدْعُو النَّاسَ إلَى عِبَادَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُصَحِّحُ لَهُمْ تَعَالِيمَ التَّوْرَاةِ.
آمَنَ بِهِ أُنَاسٌ كَثِيرُونَ، وَكَانَ مِنْ بَيْنِهِمْ “الْحَوَارِيُّونَ”، كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَيُدَافِعُونَ عَنِ الْحَقِّ وَيُحَارِبُونَ الظُّلْمَ .
لِذَلِكَ، فَقَدِ اِسْتَجَابَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ حِينَ طَلَبُوا مِنْ عِيسَى أنْ يَدْعُوَ رَبَّهُ لأنْ يَرْزُقَهُمْ مَائِدَةً من السماء تَكُونُ لَهُمْ عِيدًا، وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ رَضِيَ عَنْهُمْ.
مكر اليهود
لَمْ يَسْلَمْ أَحَدٌ مِنْ أَتْبَاعِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ التَّعْذِيبِ وَالتَّنْكِيلِ.
خُدَّامُ الإمْبِرَاطُورِ هِيرُدُوس لَمْ تُعْجِبْهُمْ دَعْوَةُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، لأنَّهُ يَدْعُو إلَى الْمَحَبَّةِ وَالتَّسَامُحِ وَالْمُسَاوَاةِ.
أَوْغَرُوا صَدْرَ هِيرُدُوس، قَالُوا لَهُ: إنَّ عيسى استطاع أنْ يَجْمَعَ مِنْ حَوْلِهِ قُلُوبَ الْفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ، وَهُمْ يُحِبُّونَهُ، أمَّا الإمْبِرَاطُورُ فَلا يُحِبُّهُ أَحَدٌ، لأنَّهُ ظَالِمٌ جَبَّارٌ.
أَمَرَ الإمْبِرَاطُورُ بِإلْقَاءِ الْقَبْضِ عَلَى عيسى عليه السَّلاَمُ، حَتَّى تَهْدَأَ الأُمُورُ وَتَسْتَقِرَّ الأَحْوَالُ..
وَتَجَمَّعَ كِبَارُ الْيَهُودِ ـ وَعَلَى رَأْسِهِمْ كهنة المعبد ـ وَذَهَبُوا إلَى بَيْتٍ فِيهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَاقْتَحَمُوا عَلَيْهِ مَجْلِسَهُ.
أَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِيسَى بِمَا سَيَكُونُ، ولما أراد اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أنْ يَرْفَعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ إلَى السماء خرج عَلَى أَصْحَابِهِ وَسَأَلَهُمْ عَمَّنْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهُهُ ويقتل مكانه، وَيَكُونُ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ.
فَتَطَوَّعَ شَابٌّ حَدِيثُ السِّنِّ، فَأُلْقِيَ عليه شبه عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، ثُمَّ رُفِعَ عِيسَى.
وَجَاءَ الطَّلَبُ مِنَ الْيَهُودِ، فَأَخَذُوا الشاب للشبه فَقَتَلُوهُ ثُمَّ صَلَبُوهُ.
اقرأ أيضا هذه القصص الخس وصديقى الفلاحالانف الكبيرالقبض على الخروفمسبحة جديبائعة الكعكالناموس لم يعد يغنىالجندي امين
شاهد قصة سنويت والاقزام السبعة
التسميات
قصص