قصة نبى الله يونس عليه السلام
اليوم مع قصة نبى الله يونس عليه السلام..
اسْمُهُ ” يونسُ بْنُ مَتَّى “.. وُلِدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِقَرْيَةٍ تسَمَّى ” نِينَوَي ” بِبِلاَدِ الْمُوْصِل.
كَانَ يشْتَهَرُ بَيْنَ قَوْمِهِ بِالتَّقْوَى وَالصَّلاَحِ.
وَكَانَ وَجْهُهُ يشِعُّ نُورًا؛ لأَنَّهُ كَانَ دَائِمَ السُّجُودِ وَالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
بَعَثَهُ اللهُ إلَى قَوْمِهِ لِيَدْعُوَهُمْ إلَى الإيمَانِ بِاللهِ، وَعَدَمِ الإشْرَاكِ بِهِ. لَكِنَّ قَوْمَهُ لَمْ يَهْتَمُّوا بِكَلاَمِهِ، كَانُوا يَسْمَعُونَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى عِبَادَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَضْحَكُونَ مِنْهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ.
فِي الْمُقَابِلِ كَانَ يونسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَرْفُقُ بِهِمْ، وَيَتَحَلَّى بِالصَّبْرِ الْجَمِيلِ، وَيَعْمَلُ جَاهِدًا عَلَى دَعْوَتِهِمْ إلَى الْحَقِّ.
كَانَ يونُسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَزِينًا؛ لأنَّ قَوْمَهُ معْرِضُونَ عَنْ دَعْوَتِهِ، وَهنَا شَعَرَ يونُسُ أنَّ قَوْمَهُ لَنْ يؤْمِنُوا، فَقَرَّرَ أنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ؛ لأنَّ اللهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَيْهِ أنَّ الْعَذَابَ سَوْفَ يَنْزِلُ عَلَى قَوْمِهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ.
ظَنَّ يونُسُ أنَّ دَوْرَهُ قَدِ اِنْتَهَى، فَتَعَجَّلَ بِالْخُرُوجِ مغَاضِبًا دُونَ أَخْذِ الأَمْرِ مِنَ اللهِ، وَاتَّجَهَ مِنْ فَوْرِهِ إلَى الْبَحْرِ.
يونس عليه السلام فى السفينة
أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أنْ يعْطِيَهُ دَرْسًا نَأْخُذُ ـ نَحْنُ ـ مِنْهُ الْعِبْرَةَ وَالْعِظَةَ، وَلِتَتَجَلَّى إحْدَى الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ اللهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ، كَمَا تَدُلُّ أيْضًا عَلَى مَكَانَةِ يونُسَ عِنْدَ رَبِّهِ.
فَبَيْنَمَا يونُسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُسْرِعُ الْخُطَى نَحْوَ الْبَحْرِ، إذَا بِسَفِينَةٍ تَتَأَهَّبُ لِلتَّحَرُّكِ.
رَكِبَ يونُسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الِسَّفِينَة، وَكَانَ كلُّ الرُّكَّابِ سعَدَاءَ بِهِ، لأنَّ أَمَارَاتِ التَّقْوَى وَالصَّلاَحِ كَانَتْ تَبْدُو عَلَيْهِ.
وَانْطَلَقَتِ السَّفِينَةُ، وَمَا كَادَتْ تَصِلُ إلَى مُنْتَصَفِ الْبَحْرِ حَتَّى هَاجَتِ الْعَاصِفَةُ فَجْأَةً، وَارْتَفَعَتِ الأَمْوَاجُ إلَى أَعْلَى، وَغَطَّتِ السَّفِينَةَ.
أَيْقَنَ الْجَمِيعُ أنَّ بِالسَّفِينَةِ رَجُلاً يَجِبُ التَّخلصُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ أنْ يَرْمِي بِنَفْسِهِ فِي الْبَحْرِ حَتَّى تَهْدَأَ الْعَاصِفَةُ وَتَسْتَقِرَّ السَّفِينَةُ.
وَقَامَ كلُّ مَنْ فِي السَّفِينَةِ بِعَمَلِ قرْعَةٍ، فَظَهَرَ اِسْمُ “يونُسَ” عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
عَلِمَ يونسُ أنَّهَا إرَادَةُ اللهِ، وَأَحَسَّ بِخَطَئِهِ الَّذِي اِرْتَكَبَهُ، فَامْتَثَلَ وَاتَّجَهَ نَحْوَ حَافَّةِ السَّفِينَةِ وَرَمَى بِنَفْسِهِ فِي الْبَحْر.
فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ تَحْدِيدًا، أَصْدَرَ اللهُ تَعَالَى الأَمْرَ إلَى حوتٍ مِنَ الْحِيتَانِ الضَّخْمَةِ، أَنْ يَبْتَلِعَ يُونُسَ، دونَ أنْ يؤْذِيَهُ.
يونس عليه السلام فى بطن الحوت
وَأَطَاعَ الْحُوتُ الأَمْرَ، وَانْزَلَقَ يُونُسُ فِي جَوْفِ الْحُوتِ، وَتَأَكَّدَ أَنَّهُ هَالِكٌ لاَ مَحَالَة، كَانَ لِسَانُهُ لاَ يَكُفُّ عَنِ الذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ.
وَرَاحَ يصَلِّي للهِ وَيَبْكِي وَيَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ، كَانَ يَدْعُو: {أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ{ [الأنبياء:87].
وَاسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى لِيونسَ، وَأَمَرَ الْحُوتَ أنْ يَلْفِظَ يونسَ مِنْ جَوْفِهِ، وَاسْتَجَابَ الْحُوتُ لأَمْرِ اللهِ، وَاقْتَرَبَ مِنَ الشَّاطِئِ، وَفِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ الْحُوتُ قَدْ لَفِظَ يُونُسَ مِنْ جَوْفِهِ.
خَرَجَ يونسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنْ جَوْفِ الْحُوتِ وَهوِ فِي حَالَةٍ سَيِّئَةٍ، جَسَدُهُ منْهَكٌ مِنَ الْجُوعِ وَالأَلَمِ، فَأَنْبَتَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ـ نَوْعٌ مِنْ أَشْجَارِ الْقَرْعِ، لَهُ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ، أَوْرَاقُهَا عَرِيضَةٌ ـ لِتظَلِّلَ يونسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَتَقِيَهُ حَرَارَةَ الشَّمْسِ.
مَكَثَ يونسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ تَحْتَ شَجَرَةِ الْيَقْطِينِ، يَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا حَتَّى اِسْتَعَادَ حَيَوِيَّتَهُ وَنَشَاطَهُ.
شَعَرَ بِحَنِينٍ جَارِفٍ نَحْوَ قَرْيتَهِ ” نِينَوَي “، فَتَحَرَّكَ نَحْوَ قَرْيَتِهِ، وَظَلَّ يَسِيرُ حَتَّى وَصَلَ إِلَى مَشَارِفِ الْقَرْيَةِ فَرَأَى أَمْرًا عَجِيبًا.
الْقَرْيَةُ لا تَزَالُ بِخَيْرٍ، وَعَلِمَ يونسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الْحَقِيقَةَ، عَلِمَ أنَّ جَمِيعَ قَوْمِهِ قَدْ آمَنُوا بِاللهِ وَلَمْ
يَعُدْ أَحَدٌ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا.
وَالسَّبَبُ أَنَّهُمْ لَمَّا خَرَجَ يونسُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، رَأَوُا الْعَذَابَ بِأَعْيُنِهِمْ، فَطَلَبُوا مِنَ اللهِ الْعَفْوَ
وَالْمَغْفِرَةَ، فَرَفَعَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمُ الْعَذَابَ؛ لأَنَّهُمْ جَمِيعًا كَانُوا صَادِقِينَ فِي إِيمَانِهِمْ.
فَقَدْ نَجَّاهُمُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ.
وَعَادَ يونسُ إلَى قَوْمِهِ لِتَكْتَمِلَ الْفَرْحَةُ وَالسَّعَادَةُ، وَرَاحَ الْجَمِيعُ يَشْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نِعَمِهِ وَفَضْلِهِ وَإحْسَانِهِ.